ترجمة وتحرير: نون بوست
تنقل لور ستيفان، المراسلة الخاصة في مخيم عرسال بلبنان، وقائع عن حياة اللاجئين، مثل تطرقها لقصة سوسن التي تستعد للعودة إلى وطنها سوريا، وبالتحديد إلى بلدة فليطة، بعد أربع سنوات من الفرار من أهوال الحرب. وفي الوقت الحالي، تقطن سوسن، البالغة من العمر 40 سنة، في عرسال وهي بلدة صغيرة تقع في أقصى شرق لبنان نصف سكانها من اللاجئين.
في حديثها عن عودتها إلى سوريا، صرحت سوسن قائلة: “أنا سعيدة وقلقة في نفس الوقت، فنحن لا نمتلك الكثير من الأمتعة لدرجة أننا نحتاج إلى 30 دقيقة فقط لحزمها”. في الحقيقة، إن الخيمة عارية وفارغة لا تحتوي إلا على مصباح كيروسين وبعض الأفرشة وجهاز تلفزيون قديم. وتعيش سوسن وزوجها في قلق دائم بسبب التفكير المستمر في الحياة التي يعيشونها. وثد كان خزي الفقر في مخيم غير رسمي يقع في ضواحي عرسال، والصعوبات التي تعترض أبناءهما في المدرسة اللبنانية، والرغبة الملحة في العثور على أهاليهم في سوريا، من أبرز الأسباب التي اضطرتهم إلى اتخاذ قرار العودة للوطن.
من بين الأسباب الأخرى التي شجعت عائلة سوسن على العودة إلى سوريا، “المرسوم 10” الصادر في شهر نيسان/ أبريل، المعروف باسم مشروع “التجديد الحضاري” الذي يدعو إلى المصادرة الجماعية للأراضي. وقد اقتنعت سوسن بهذا القرار، موضحة “لا أريد أن أحرم من بيتي وإن كان مدمر جزئيا، ولا من أراضينا وأشجارنا المثمرة”.
في الواقع، يعتبر الخوف من التعرض للسرقة، وانخفاض المساعدات الدولية في لبنان، من الدوافع الرئيسية التي تدفع اللاجئين السوريين إلى العودة إلى أوطانهم. ومؤخرا، قرر أكثر من ثلاثة آلاف سوري يعيشون في عرسال التسجيل للعودة إلى قراهم في قلمون التابعة للحكومة، حيث يتم تسهيل مثل هذه العمليات من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية.
طيلة سنوات، مثلت المدينة قاعدة خلفية للمقاتلين المتمردين والجهاديين مثل القتال ضد الجيش اللبناني سنة 2014
بات موعد العودة قريبا وهذه العودة الثانية التي ينظمها لبنان، هذا البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 6.3 مليون نسمة ويضم أكثر من مليون لاجئ سوري. سيعبر السوريون بسياراتهم الخاصة الأراضي المعزولة للجبل المطل على عرسال، التي مثلت مسرح القتال الأخير الذي حدث في صائفة 2017. في هذا الصدد، قال مرعي فليتي، لبناني من عرسال ويترأس منظمة غير حكومية: إن “عودة اللاجئين إلى أوطانهم تخدمنا وتخدم اللاجئين على حد السواء، لكنني أخشى في نفس الوقت على سلامة اللاجئين”. وقد أوضح مرعي فليتي أن التواجد الهائل للنازحين في عرسال يضر بالبنية التحتية.
الخلافات
طيلة سنوات، مثلت المدينة قاعدة خلفية للمقاتلين المتمردين والجهاديين مثل القتال ضد الجيش اللبناني سنة 2014. وحيال هذا الشأن، أورد فليتي “العودة هي خيار فردي لكنه إنساني. وللأسف يقوم المسؤولون في لبنان بتسييس هذه القضية”. وتعتبر هذه المغادرات في عمق الخلافات اللبنانية ويصر الرئيس اللبناني ميشال عون على أن عودة اللاجئين يجب أن تبدأ حتى قبل إيجاد حل سياسي في سوريا وذلك باسم “استقرار” لبنان.
في أوائل شهر حزيران/ يونيو، اتهم صهر ميشال عون، جبران باسيل وزير الخارجية اللبناني، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بإجبار النازحين على العودة. ولمعاقبة هذه المنظمة، عمد باسيل إلى تجميد منح تصاريح الإقامة للمغتربين لصالح المفوضية الدولية.
من ناحيته، نفى فريق الأمم المتحدة هذه الاتهامات. فبالنسبة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لازالت ظروف رعاية عودة اللاجئين إلى سوريا غير متوفرة. خلافا لذلك، صرحت ميراي جيرار، ممثلة هذه المفوضية في لبنان، بأن “المنظمة لا تعارض اختيار اللاجئين مغادرة هذا البلد”. وفي الوقت الذي يدعم فيه العديد من القادة اللبنانيين موقف ميشال عون وحاشيته، ينتقده آخرون على غرار النائب السابق وليد جنبلاط، الذي يندد بحملة “عنصرية” تستهدف السوريين في لبنان.
أورد أبو أحمد، رئيس مخيم السلام غير الرسمي في عرسال، الذي تكثر فيه الأزقة الصخرية، أنه “على الرغم من الضجة الإعلامية حول هذا الموضوع، لا يشعر اللاجئون بضغوط من طرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لإجبارهم على البقاء ولا من جانب لبنان، لدفعهم إلى المغادرة
لا يتجاوز عدد طالبي العودة 50 ألف لاجئ في المدينة. وفي هذا الصدد، أكد باسل الحجيري، رئيس بلدية عرسال، أنه يأمل “في تنظيم رحلات أخرى إضافية إلى سوريا. لكننا لن نقوم بطرد أي شخص. وقد سلّم السوريون المسجلون لدى المفوضية بفكرة أن نظام بشار الأسد قد فاز بالحرب”، على الرغم من مساندة أغلب اللاجئين في عرسال للمعارضة السورية.
في هذا السياق، أورد أبو أحمد، رئيس مخيم السلام غير الرسمي في عرسال، الذي تكثر فيه الأزقة الصخرية، أنه “على الرغم من الضجة الإعلامية حول هذا الموضوع، لا يشعر اللاجئون بضغوط من طرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لإجبارهم على البقاء ولا من جانب لبنان، لدفعهم إلى المغادرة، لأن السوريين وحدهم المسؤولون عن اتخاذ مثل هذا القرار”.
“نعود دون ضمانات”
فضّل الكثيرون أن تكون العودة إلى الوطن تحت حماية الأمم المتحدة. فعلى سبيل المثال، قالت سوسن، التي ستترك ابنها البكر البالغ من العمر 22 سنة في لبنان حتى تُجنبه الالتحاق بالخدمة العسكرية، “إننا نعود إلى الوطن دون ضمانات”. فهل ستصل المساعدات الإنسانية إلى القلمون؟
في المقابل، لا يُسمح للمفوضية السامية للاجئين بالدخول إلى الجنوب السوري، وخاصة بيت جن، التي وصل إليها 500 لاجئ في شهر نيسان/ أبريل على متن حافلات استأجرتها دمشق. وفي الإطار ذاته، أفادت ميراي جيرار بأن “فرق المفوضية في سوريا قد تمكنت من الوصول إلى عسل الورد، البلدة التي استقبلت عشرات العائلات العائدة من عرسال سنة 2017، ووجدت أن الظروف سانحة للاستقرار هناك”.
ينحدر نصف السوريين المتواجدين في عرسال، من القيصر والمناطق المحيطة بها
لكن، يشك أبو أحمد، رئيس مخيم السلام وأصيل قرية فليطة السورية، في التزام جميع السوريين المسجلين بالمغادرة، كما يعترف أيضا “بأن علينا الانتظار لمعرفة ما الذي سيحصل. وفي حال سارت أمور العائدين على ما يرام، فربما أعود أنا أيضا إلى الوطن”.
بالنسبة لبعض السوريين الآخرين، لم تعد العودة خيارًا مطروحا بالمرة. وتنهدت نزيهة، التي انشق زوجها الجندي عن القوات العسكرية السورية، قائلة إنها تحسد “عائلات القلمون الذين تمكنوا من الحصول على اتفاق مصالحة بين المسلحين والنظام”. فقد دُمر منزلها في قرية القصير اللبنانية بالكامل، وباتت العودة إلى سوريا مستحيلة، خاصة بعد أن أصبحت المدينة منطقة عسكرية، يخشى فيها اللاجئون التعرض للاعتقال.
ينحدر نصف السوريين المتواجدين في عرسال، الذين سرعان ما اندفعوا نحو الانخراط في التمرد المسلح، من القيصر والمناطق المحيطة بها. وبمرارة، أوردت نزيهة قائلة “أشعر بالندم في أحيان كثيرة من اندلاع الثورة في سوريا. فعلى الرغم من أننا كنا نعيش في ظل نظام دكتاتوري، إلا أنني أفتقد حياتي هناك وماضيي. لقد فقدنا كل شيء الآن”.
تحت شجرة بعيدة عن الخيام، يجلس أحمد البالغ من العمر 18 سنة. وقد تردد هذا الشاب كثيرا قبل إعلامنا بأن عائلته مسجلة ضمن قائمة العائدين إلى سوريا، ذلك أن مسألة المغادرة تخلق نزاعات في مخيمات عرسال. وقد فر شقيقاه الأكبر سنا منه من الجيش السوري في بداية الصراع “حتى لا يتحولوا إلى قاتلين في ظل القمع الذي تعيش على وقعه البلاد”. لذلك، قررا البقاء في لبنان. وبالنسبة لهذا الشاب، “تتعلق مسألة العودة ببناء المستقبل، الذي ليس له أي ملامح واضحة في لبنان، لأنني أرغب في الالتحاق بالجامعة. وسنظل مترددين بشأن العودة حتى مع اقتراب موعدها”.
المصدر: لوموند