فتحت النيابة العامة الجزائرية تحقيقًا عن حملة وصفت بأنها تدعو للعنف ضد المرأة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط مخاوف من أن تعيد هذه الدعوات ما عاشته البلاد خلال التسعينيات من أحداث عنف، وذلك في وقت يتواصل الجدل بين مؤيد ومعارض لتظاهرة نسوية جرت خلال شهر رمضان المقضي عنوانها “مكان المرأة ليس في المطبخ إنما أين تريد هي”.
وتشكل قضايا المرأة في الجزائر التي يعد أكثر من 99% من سكانها مسلمين دومًا مجالاً للجدل والسجال السياسي رغم المكاسب التي حققتها على مختلف الأصعدة.
لا رجوع للتسعينيات
كشف وزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح أن النيابة العامة حركت دعوى عمومية في عدة ولايات بشأن دعوات للعنف ضد المرأة انتشرت مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال لوح أمام نواب البرلمان: “فيما يخص الانشغال الخاص باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي لنشر العنف ضد المرأة، فإن النيابة العامة حركت الدعوى العمومية في عدة ولايات، وتم تحديد هوية أحد مرتكبي هذه الجرائم في إحدى الولايات وأودع الحبس”.
وأضاف الوزير أن التحقيق لا يزال مستمرًا لتحديد هوية باقي المروجين لهذه الدعوة، محذرًا الشباب من مثل هذه التصرفات، وقال لوح: “كل تصرف يقع تحت طائلة القانون الجزائي تحرك الدعوى تلقائيًا من طرف النيابة العامة التي تحمي مصالح الشعب”.
سمح ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بإخماد الفتنة التي عرفتها البلاد بعد أن تم العفو عن الإرهابيين مقابل عودتهم إلى حضن المجتمع وتخليهم عن حمل السلاح في وجهم إخوانهم
ولفت الوزير إلى أن بلاده لديها هيئة مختصة وتقنيات تحدد هوية المجرم، لأنه لا رحمة مع من يريد إرجاع الجزائر إلى سنوات التسعينيات والدمار الذي عرفته البلاد آنذاك، وعرفت الجزائر في سنوات التسعينيات موجة من العنف قادها أصحاب الفكر المتطرف أودت بحياة أكثير من 200 ألف جزائري، وكانت المرأة من بين أكثر ضحايا المتطرفين.
وأكد الطيب لوح أن كل فئات الشعب الجزائري “ترفض العودة إلى تلك السنوات بعد كفاح كل مؤسسات المجتمع في مقدمتها الجيش الشعبي الوطني لإقناع الشعب الجزائري بميثاق السلم والمصالحة الوطنية وإعادة الاستقرار للبلاد”.
وسمح ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بإخماد الفتنة التي عرفتها البلاد بعد أن تم العفو عن الإرهابيين مقابل عودتهم إلى حضن المجتمع وتخليهم عن حمل السلاح في وجهم إخوانهم.
بداية الشرارة
وعاد الحديث عن حرية المرأة وحقوقها بعد نشر ريم وهي شابة محجبة فيديو تقول فيه باكية إنها تعرضت لمضايقات في الشارع قبيل أذان المغرب في شهر رمضان في أثناء ممارستها رياضتها المعتادة بمنتزه الصابلات (الرمال) شمال العاصمة الجزائر.
وقالت ريم في الفيديو الذي لقي متابعة واسعة على مواقع الاجتماعي “خرجت كالعادة أمارس الرياضة ساعة قبل الإفطار، حينما مرّ بقربي أحد الشّبّان وانهال علي بالضرب المبرح، قائلًا لي: “بلاصتك في الكوزينة” (أي مكانك في المطبخ)، فهل من الحرام أن تمارس فتاة ما الرياضة في وقت ما قبل المغيب في رمضان؟”.
تطورت هذه الحوادث حتى وصلت إلى دعوة البعض على مواقع التواصل الاجتماعي إلى رش النساء اللواتي لا يرتدين لباسًا محتشمًا بحمض حارق (أسيد)
وكان لهذه الحادثة رغم وصفها من الكثيرين بـ”المعزولة” ردود فعل من الناشطين والمدافعين عن قضايا المرأة، فقد تم تنظيم مسابقة للجري بمنتزه “الصابلات” الذي تم الاعتداء فيه على ريم للمطالبة بضمان حقوق المرأة وتم رفع شعار “بلاصتي وين نحب ماشي في الكوزينة” (مكاني حيث أريد وليس في المطبخ).
وتطورت هذه الحوادث حتى وصلت إلى دعوة البعض على مواقع التواصل الاجتماعي إلى رش النساء اللواتي لا يرتدين لباسًا محتشمًا بحمض حارق (أسيد)، وهو ما أثار مخاوف من تطور هذه الدعوات لعنف حقيقي، وجعل وزارة العدل تتحرك لإيقاف المتورطين في هذا التحريض.
جدل ومخاوف
رغم اتفاق الجميع على نبذ كل أنواع العنف التي تستهدف المرأة والحد من الحرية التي منحها القانون، غير أن شعار “بلاصتي وين نحب ماشي في الكوزينة” لا يزال لحد اليوم يصنع جدلاً بين داعم له ورافض له لأنه قد يخفي غايات أخرى حسب أصحاب هذا الرأي.
وكتب الصحفي بلقاسم جير على حسابه في “فيسبوك” قائلاً: “لست ضد عمل المرأة ولا تعلمها ولا ضد تقلدها للمسؤوليات ولا ممارسة الرياضة، ولكن أنا ضد هذه “الحشرات” العلمانية التي تحاول “لدغ” الأسرة الجزائرية المحافظة لتفكيكها، تحت ذريعة التحضر والانفتاح والتنوير والمطالب “اللاشرعية” كالمساواة مع الرجل كأحد مطالب حقوق المرأة وغيرها من الأمور “الخطيرة” التي باتت تهدد الأسرة الجزائرية المحافظة الملتزمة”، وأضاف “لا يشرفني أن آكل طعامًا من أيدي هؤلاء، فمن صنعن التاريخ كن في المطبخ سيدات وكن في جبهات القتال محاربات”.
قال وزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي: “العنف ضد المرأة غير مقبول في كل أشكاله، التحريض على حرق النساء بالحمض والترويج لتشويههن من خلال مواقع التواصل الاجتماعي تصرف غير مقبول يفرض رد فعل إجماعي قوي وموقف رسمي مناسب”
أما الدكتورة أميرة بوراوي التي كانت من بين المشاركات في تظاهرة منتزه “الصابلات” فقالت وهي ترد على امرأة تدعم الرأي الذي يقول إن مكان المرأة في المطبخ: “أنجيلا ميركل تجيد الطبخ في الكوزينة (المطبخ) هي أقوى رئيس دولة في قارة بأكملها، لأنها تدخل المطبخ ولكن لا تقول مكاني هنا، أريدك ميركل لا أريدك جارية يغلق عليها في المطبخ أو في غرفة نوم عزيزتي، أنت تستحقين احترامًا كمواطن وليس كطباخة، إنني أكتب لك هذا المنشور من المطبخ لكن مكاني ليس هناك، مكاني أين أحب”.
ولم يخف وزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي تخوفه من تحول هذا الجدل إلى خطر يستهدف المجتمع والمرأة، وقال رحابي: “العنف ضد المرأة غير مقبول في كل أشكاله، التحريض على حرق النساء بالحمض والترويج لتشويههن من خلال مواقع التواصل الاجتماعي تصرف غير مقبول يفرض رد فعل إجماعي قوي وموقف رسمي مناسب يرقى إلى مستوى الوعي بأن هذه التجاوزات قد تخلق إنزلاقات شبيهة بالتي عاشتها البلاد خلال التسعينيات”.
وتختلف الآراء دائمًا في الجزائر بشأن مدى التقدم في مجال حقوق المرأة، فالجمعيات النسوية ترى أن الطريق لا يزال بعيدًا مادام القانون الجزائري يسمح بتعدد الزوجات وعدم المساواة في الميراث ونزع حضانة الطفل للأم المطلقة في حالة معاودة الزواج، في حين يعتقد رافضو هذا الطرح أن حرية المرأة وضمان حقوقها لا يجب أن تخرج عن الشريعة الإسلامية والموروث الثقافي الجزائري وعدم الانبهار بالأفكار التغريبية المستوردة من وراء البحر.
وقالت البرلمانية عن حركة مجتمع السلم (حزب إسلامي) فاطمة سعيدي في تصريحات صحفية: “المرأة الجزائرية تتمتع بكامل الحقوق وتمارس حريتها كاملة، وهي واقعةٌ بفضل القوانين التي تساهم في حماية حقوقها، ولكن ما يحتاج إلى تغيير هو العقلية الذكورية، ونظرة الرجل الدونية إلى المرأة والتي يمكن القول أنها بدأت بالتغير بفضل التعليم”، وأضافت سعيدي “رغم حرية المرأة التي يكفلها القانون، فإنها ما زالت تعاني من العنف الجسدي واللفظي، وهو ما يجب الحد منه”.
وبين هذين الرأيين النقيضين، تبقى الإجابة عن مدى جر هذه الدعوات المعزولة للعنف ضد المرأة إلى مستنقع ما عاشته البلاد في التسعينيات غير ضرورية بالنسبة للجزائريين، لأن الأهم إخماد أي دعوة مثل هذه في مهدها، فهو الحل الأنجع لتفادي كل الاحتمالات فالوقاية تبقى دومًا خير من كل علاج.