مع اقتراب موعد الانتخابات التركية المبكرة والمقرر إجراؤها في 24 من يونيو/حزيران الحاليّ، يتابع العالم التحضيرات والتصريحات التي تسبق الانتخابات، وتزداد وتيرة التنافس بين الأحزاب السياسية، ويسعى كل طرف لزيادة فرصه ومضاعفة قاعدته من أصوات المواطنين، عبر تقديم وعود انتخابية تلامس احتياجات ومتطلبات الناخب.
فنرى جميع الأحزاب التركية تقدم وعودًا عديدة ضمن حملاتها الانتخابية، تتعلق بالسياسة الخارجية والديمقراطية ودولة القانون، والإنسان والمجتمع والحريات والخدمات، إلا أنها في مجملها تتركز على الجانب الاقتصادي، الحاضر بقوة منذ إعلان إجراء الانتخابات المبكرة سواء لدى الحكومة أم المعارضة.
يعتمد حزب العدالة والتنمية الذي يتولى السلطة منذ عام 2002، في دعايته الانتخابية على ما حققه من إنجازات ومشاريع كبرى في البلاد، ويسعى لإقناع الناخبين بخطته ومشاريعه العملاقة، ضمن خطة 2023 التي ترنو للوصول بتركيا إلى مصاف الدول الكبرى تحت شعار الحزب “أمة كبرى وقوة عظمى”.
بينما تواجه المعارضة تحديًا أمام الناخبين فليس لديها سجل أو سابق خبرة تعرضه عليهم لتقنعهم بالتصويت لصالحها، فتبقى مشاريعها وتصوراتها للاقتصاد التركي لم تختبر بعد، وهو ما قد يؤدي إلى عزوف هذه الشريحة عن التصويت للمعارضة لعدم ثقتها في إمكانية تحقيق هذه المشاريع على الأرض.
في حال فوز الرئيس الحاليّ رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية وتحقيقه أغلبية في البرلمان فمن المتوقع ظهور الكثير من المفاجآت الاقتصادية والسياسية التي يحضرها أردوغان
يقدم حزب العدالة والتنمية حزمة من المشاريع الاقتصادية التي تهدف إلى تعزيز مصادر القوة في الاقتصاد التركي، لتزداد فاعليته وتحتل تركيا مكانة أقوى وأكثر فاعلية بين الاقتصادات المتميزة في العالم، ومن هذه المشاريع:
– التركيز على مشاريع الطاقة، حيث وضع الرئيسان التركي والروسي حجر الأساس لبناء أول مفاعل نووي في تركيا خلال شهر نيسان/أبريل الفائت، ثم افتُتِحَ مشروع قناة TANAP للغاز الطبيعي قبل أسبوع، ويجري استكمال مشروع “السيل التركي” الإستراتيجي لضخ الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا، فضلاً عن عملية التنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، والتنقيب عن آبار جديدة للبترول في العديد من المناطق التركية.
– العمل على افتتاح مشروع “مطار إسطنبول الجديد” الذي سيشكل نقلة نوعية ومنافسًا كبيرًا للنقل الجوّي الأوروبي. ومن ثم البدء بمشروع قناة إسطنبول التي سيكون لها تأثير فعلي على عجلة الاقتصاد التركي.
– العمل على جذب استثمارات أجنبية طويلة الأمد وخاصة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والمجالات الإنتاجية، والبدء بتنفيذ مشروع جسر جناق قلعة الضخم، إلى جانب مد عدد من خطوط القطارات السريعة التي تربط بين عدد من الولايات، وتخفيض نسبة البطالة في المجتمع خاصة بين الشباب، من خلال توفير وظائف جديدة في المجالات السياسية والاجتماعية والتعليمية.
حزب العدالة والتنمية نقل تركيا من المرتبة 117 عاميًا إلى 13 في ترتيب اقتصادات الدول عام 2017، ورفع دخل الفرد من 3300 على 11 ألف دولار عام 2017، فيما خفض نسبة الفقر من 44% إلى 22% عام 2012
– العمل على مضاعفة الإنفاق على البحث العلمي والتطوير، سعيًا لأن تصبح تركيا بلدًا مصدرًا للتكنولوجيا المتقدمة، ودعم مجال الصناعات الدفاعية.
– العمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي في المرحلة المقبلة، خصوصًا في موضوع الانضباط المالي والاقتصادي، من خلال وضع تدابير جديدة وجادة فيما يخص التضخم.
– العمل على تخفيض أسعار الفائدة، ونسب التضخم، والعجز في الحساب الجاري، وأن يكون اقتصاد البلاد أكثر مقاومة للصدمات الخارجية والاعتداءات المالية وزيادة جاذبية تركيا تجاه الاستثمارات وزيادة الحوافز الزراعية والحيوانية ورفع معايير مستوى العيش لذوي الدخل المحدود، وأن يكون النظام الضريبي أكثر عدلاً، وتخفيف أعباء الضرائب عن كاهل ذوي الدخل المحدود.
وفي حال فوز الرئيس الحاليّ رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية وتحقيقه أغلبية في البرلمان فمن المتوقع ظهور الكثير من المفاجآت الاقتصادية والسياسية التي يحضرها أردوغان ردًا على الحملات التي تعرض لها الاقتصاد التركي من الدول والمؤسسات المالية الغربية قبل الانتخابات، ومنها:
– الانتماء إلى منظمة شنغهاي للتعاون بديلاً محتملاً لانضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي الذي لم يعد خيارها الوحيد، وهذا ما صرح به الرئيس أردوغان في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لا سيما في ظل مماطلة بروكسل وبطء مفاوضات العضوية المستمرة على مدى 53 عامًا.
– التخلص تدريجيًا من أصول تركيا المالية من المؤسسات الغربية والنظر في إمكانية تطوير علاقات أقوى مع القطاع المالي في دول منظمة شنغهاي، لأنه ما دامت تركيا مدينة للنظام المالي الغربي، فإن الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي ستسعى باستمرار للتدخل في الشؤون السيادية لتركيا، وفقًا للمحلل السياسي البريطاني آدم غاري.
في صناعات الدفاع والفضاء، أصبحت تركيا تصدر صناعتها إلى العديد من الدول مثل أمريكا وألمانيا وبريطانيا
– تقليل تعامل التجارة التركية بالدولار الأمريكي كأفضل دفاع ضد التدخل المالي والنقدي الغربي، مع العمل على عقد شراكات جديدة مع مؤسسات مالية من الصين وروسيا وبعض الدول الآسيوية الأخرى.
وفي النهاية فإن سِجِلَّ حزب العدالة والتنمية الذي نقل تركيا من المرتبة 117 عالميًا إلى 13 في ترتيب اقتصادات الدول عام 2017، ورفع دخل الفرد من 3300 إلى 11 ألف دولار عام 2017، فيما خفض نسبة الفقر من 44% إلى 22% عام 2012، وفي عام 2013 عمل على سداد جميع ديون تركيا لصندوق النقد الدولي لتطوي بذلك صفحة 52 عامًا من الاستدانة.
وفي مجال السياحة جعل من تركيا سادس بلد جذبًا للسياح عالميًا، وأما في صناعات الدفاع والفضاء، أصبحت تركيا تصدر صناعتها إلى العديد من الدول مثل أمريكا وألمانيا وبريطانيا، فضلاً عن البنى التحتية كالجسور والمطارات الداخلية والدولية وشبكة الأنفاق، وغيرها من المشاريع التعليمية والصحية، كل ذلك قد يكون مقنعًا لشريحة واسعة من الناخبين الأتراك رغم التوجهات الأيديولوجية والفكرية المختلفة، لاختيار الحزب الذي نجح خلال الأعوام الـ16 الماضية في تغيير ملامح تركيا إلى الأفضل.