رغم مرور سنة كاملة على تشكيلها، لم تتمكن الحكومة المغربية بقيادة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني من تحقيق السلم الاجتماعي المطلوب في المملكة، ذلك أن العثماني عجز إلى الآن عن إيجاد الحلول الكفيلة fشراء السلم الاجتماعي في بلاده، ما ساهم في تنامي الحركات الاحتجاجية التي أبدع المغاربة في ابتكارها.
تنامي الحركات الاحتجاجية
هذه الحركات الاحتجاجية من شأنها أن تتزايد وترتفع وتيرتها، حتى إن المغرب مؤهل لحدوث احتجاجات كما حدث سنة 1984 فيما سمي بانتفاضة الخبز أو انتفاضة الجوع والتلاميذ، وفقًا للمحلل السياسي المغربي رشيد لزرق.
وعرف المغرب سنة 1984 انتفاضة بدأت يوم 19 من يناير/كانون الثاني في مجموعة من المدن المغربية، وبلغت ذروتها في مدن الحسيمة والناضور وتطوان والقصر الكبير ومراكش، وجاءت الاحتجاجات في سياق اقتصادي تميز ببداية تطبيق المغرب لسياسة التقويم الهيكلي المملاة آنذاك من طرف صندوق النقد الدولي التي كان من تداعياتها ارتفاع كلفة المعيشة وتطبيق رسوم إضافية على التعليم.
يعد المغرب الأكثر استدانة عربيًا وإفريقيًا مقارنة بناتجه الداخلي الخام
يقول لزرق في حديثه لنون بوست إن السبب وراء تنامي الاحتجاجات يعود إلى الوضع الاقتصادي الحاليّ الذي يتميز باحتقان اجتماعي وسخط شعبي وجماهيري، ما يشكل أرضية خصبة لتنامي أشكال الاحتجاج والغضب الشعبي والسخط على الحالة العامة السائدة في ظل ما طبع هذه المرحلة سواء على الصعيد الوطني أم الإقليمي أم الدولي.
وسبق أن حذرت العديد من التقارير المحلية والدولية من تنامي موجة الاحتجاجات الشعبية في المغرب بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إذ صنفت المملكة من الدول العربية المرشحة لأن تشهد اضطرابات محتملة، وأشار تقرير صادر عن منظمة العدل والتنمية لدراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن عامل الاقتصاد سيكون المحور الأساسي للحركة الاجتماعية المحتملة، خاصة مع ارتقاء وعي المواطنين الجمعي وإعلان رغبتهم في القطيعة المطلقة، مع مشاكل الفساد والبطالة والتهميش التي تعانيها فئات شعبية عريضة.
صندوق النقد الدولي
يُرجع العديد من المغاربة أغلب مشاكل المغرب إلى سياسات صندوق النقد الدولي وإملاءاته، فبسبب ديونه يجد المغرب نفسه مُحاصرًا بشروط الصندوق الذي طالبه بالعديد من الإصلاحات، من ذلك إلغاء مجانية التعليم والصحة وزيادة سن التقاعد وإلغاء الدعم وغيرها من الإصلاحات التي من شأنها أن تؤدي إلى موجة احتجاجات كبيرة في المملكة حال تطبيقها.
ويعد المغرب الأكثر استدانة عربيًا وإفريقيًا مقارنة بناتجه الداخلي الخام، ففي سنة 2017 بلغت ديون المغرب الخارجية 33 مليار دولار، وقد شهدت ديونه ارتفاعًا كبيرًا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008، إذ بقيت في منحى تصاعدي حتى وصلت إلى أعلى نسبة لها ببلوغها 67% من الناتج العام، وهي نسبة خطيرة على اقتصاد البلد كما يؤكد الخبراء.
أجبر صندوق النقد الدولي المغرب على القيام بالعديد من الإصلاحات
وفقًا لرشيد فإن سياسات صندوق النقد الدولي تؤثر على استقرار المغرب اجتماعيًا، لكونه يعكس مواصفات جاهزة والمتمثلة في تخلي الدولة عن الجوانب الاجتماعية وتكريس الليبرالية المتوحشة التي لا تراعي كرامة الإنسان، بحيث تركز على التوازنات المالية الحسابية فقط دون أبعادها الاجتماعية.
وأوضح لزرق “كان من المفترض أن تفكر الحكومة قبل الانخراط في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أما الآن فالدولة ملزمة بتنفيذ الشروط ولا يمكن التراجع عنها، بالنظر لكون الاتفاقيات التي عقدتها حكومة عبد الإله بنكيران مع صندوق النقد الدولي تُلزم بها حكومة العثماني التي وجدت نفسها مضطرة إلى السير في هذا الاتجاه لأن الاتفاق لا يتعلق بحكومة بل يلزم الدولة المغربية”.
إصلاحات هيكلية
يرى مراقبون مغاربة أنه كان الأجدى بحكومة بلادهم عوض التوجه نحو صندوق النقد إصلاح الهيكلية الاقتصادية بتوجيه الأموال نحو الزراعة والصناعة بشكل أكبر وتحرير السياسات الاستثمارية لتشجيع المستثمرين للقدوم والاستثمار في المغرب، فبهذا تتمكن من رفع معدلات النمو الاقتصادي دون تعريض القوة الشرائية للدرهم لأي خسارة.
ويقول المحلل السياسي رشيد لزرق إن حكومة العثماني مطالبة بأن تحدث انتقالًا حقيقيًا عبر خيارات سياسية واضحة لحل مشكلة البطالة والتعليم والصحة، عبر تبني خيارات سياسية إستراتيجية عبر إصلاح الإدارة وتطوير الخدمات الاجتماعية، لكون هذا الاختيار هو اختيار سياسي يجب أن يجيب عليه العثماني بافتراض أن الحزب الأول له شرعية انتخابية ويمكن أن يدافع عن اختياراته، بعيدًا عن نهج سلفه بنكيران.
لا يمكن للمغرب حسب لزرق شراء السلم الاجتماعي إلا من خلال جملة من الإجراءات على رأسها محاربة الفساد واقتصاد الريع
ويضيف “الحكومة مطالبة أيضًا بالعمل على إبداع حلول اقتصادية تكون العوامل الاجتماعية حاضرة فيها، ورؤية تمكنها من تحصين الخيار الديمقراطي، بالمرور لمرحلة التنمية، وهذا ما يجب أن يجيب عنه النموذج التنموي الجديد أي أن يحتوي على معادلة تحقيق التنافسية الدولية دون التفريط في المجال الاجتماعي من شغل وبطالة وصحة”.
وأوضح لزرق أن حكومة العثماني بحاجة إلى إظهار قراراتها السياسية وفق رؤية إستراتيجية متصلة بأهم الملفات المطروحة، عبر مباشرة اختصاصاتها الدستورية في اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية فيها من أجل ضمان حد الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، لأن مشكلة الشارع المغربي اليوم هي غلاء المعيشة والبطالة والتعليم والصحة.
شراء السلم الاجتماعي
لا يمكن للمغرب حسب لزرق شراء السلم الاجتماعي إلا من خلال جملة من الإجراءات على رأسها محاربة الفساد واقتصاد الريع، وتحقيق عدالة اجتماعية تضمن الكرامة بمفهومها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمواطن المغربي.
“فالدولة”، يضيف لزرق “لا يمكنها تحقيق الدعم الاجتماعي لكون الدعم المباشر كما تروج له الحكومات يصطدم بمحدودية الإمكانات، وكما أن السلم الاجتماعي يبقى هشًا بفعل عوامل خارجة عن تحكم الحكومات لكونها لا تتحكم في أسعار ولا في إيراداتها من البترول، والاحتياطي النقدي ضئيل”.
تنامي الاحتجاجات في المغرب يثقل كاهل حكومة العثماني
يؤكد لزرق في حديثه لنون أن الحكومة المغربية مدعوة إلى إبداع اقتصادي عبر التخفيف من سياسية الليبرالية المتوحشة التي تقوم عليها توصيات المؤسسات المالية الدولية، واعتماد نموذج تنموي بديل يقوم على تدارك الصدمات التي تعرفها الفئات المتوسط الضعيفة ويمكن أن تهدد الاستقرار الاجتماعي.
وأشار رشيد إلى أن تواصل الاحتجاجات السلمية في البلاد على غرار حملة المقاطعة يأتي نتيجة الوضع السياسي المتأزم وكرد فعل على حكومة غير قادرة على إبداع حلول اجتماعية، ومقتصرة على مواصلة تنفيذ إملاءات المؤسسات المالية العالمية التي تبنتها كبرنامج حكومي، وهو الأمر الذي يجب الانتباه إليه بالنظر لانعكاساته السلبية على المسألة الاجتماعية.
ويعرف المغرب منذ 20 من أبريل/نيسان الماضي حملة مقاطعة واسعة تستهدف 3 شركات كبرى تمثل رموزًا لاقتصاد ليبرالي تهمين عليه تكتلات كبيرة مرتبطة بنخب اقتصادية وسياسية حاكمة أو بشركات أجنبية كبرى تحكم سيطرتها على البلاد، وفقًا للعديد من المتابعين للشأن المغربي.