كشف موقع إنتلجنس أونلاين المتخصص في الشؤون العسكرية أمس الأربعاء وجود مفاوضات بين المملكة العربية السعودية وفرنسا لتمويل صفقات أسلحة فرنسية لصالح موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد وجيبوتي.
الحديث عن هذه المفاوضات يأتي بعد أشهر قليلة من تقديم السعودية 100 مليون يورو كمساهمة منها في تمويل القوة الإقليمية لدول الساحل والصحراء الإفريقية الـ5 التي تشرف عليها فرنسا، ما مهد الطريق أمام هذه القوة العسكرية بعد أن شكل التمويل عائقًا كبيرًا أمام تشكيلها وبدء عملها.
طلب ود باريس
صفقة السلاح الفرنسي التي من المنتظر أن تمولها السعودية لفائدة دول إفريقية، ومن المتوقع أن تبلغ 180 مليون يورو (30 مليون دولار لكل دولة)، وقبلها المساهمة في القوة الإفريقية المشتركة في منطقة الساحل والصحراء، اعتبره بعض المحللين سعي سعودي لإرضاء فرنسا.
إرضاء فرنسا من خلال شراء سلاحها وإعطائه لحلفاء باريس في إفريقيا الهدف منه محاولة الظهور في ثوب المحارب للإرهاب، في الوقت الذي أكدت فيه العديد من التقارير الدولية تورط المملكة العربية السعودية في أنشطة مشبوهة لتمويل الإرهاب في العديد من المناطق في العالم.
تطلب الرياض ود باريس لتبيض صورتها في المحافل الدولية وأمام المنظمات الدولية التي تتهمها بدعم الإرهاب وممارسته
تعتبر فرنسا ثالث أكبر مصدر للسلاح في العالم، فيما تعد السعودية ضمن أكبر المشترين ولدى شركاتها الدفاعية مثل “Dassault” و“Thales”عقود ضخمة مع المملكة، وفي السنوات القليلة الماضية اشترت الرياض دبابات وعربات مدرعة وذخيرة ومدفعية وسفنًا حربية من فرنسا.
وفي عام 2016 أقرت فرنسا تصاريح بتوريد أسلحة ربما تصل قيمتها إلى 18 مليار يورو (22.11 مليار دولار) للسعودية وسلمت بالفعل ما قيمته ملياري يورو، رغم الضغوطات المتنامية على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الداخل من نواب ومنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان بشأن مبيعات أسلحة فرنسية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية ويقاتل الحوثيين في اليمن.
تبيض صورتها الخارجية
تطلب الرياض ود باريس لتبيض صورتها في المحافل الدولية وأمام المنظمات الدولية التي تتهمها بدعم الإرهاب وممارسته في العديد من الدول، ذلك أن سياستها الجديدة بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ترتكز على شراء ود الدول الكبرى مهما كان الثمن حتى تساعدها على القيام بأجنداتها المشبوهة في مناطق عدة من العالم، وفقًا لعدد من الخبراء.
وتضررت صورة المملكة العربية السعودية داخليًا وخارجيًا في السنوات الأخيرة، نتيجة انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها في حق مواطنيها أو مواطني دول أجنبية أخرى، فضلًا عن مشاركتها وقيادتها للعديد من الحروب في المنطقة على غرار ما يحصل في اليمن وتسببها في كوارث إنسانية حذرت من تداعياتها السلبية العديد من المنظمات الدولية الناشطة في المجال الإنساني.
تتبع السعودية سياسة تمويل تحالفات فرنسا مقابل تبيض الصورة الخارجية لها
يستغل زعماء السعودية أموال النفط (تمتلك السعودية نحو 20% من احتياطيات النفط في العالم) للتأثير في العلاقات الدولية، وشراء ود العديد من الدول والمنظمات الدولية التي تمتلك تأثير ومكانة كبيرة على الساحة الدولية.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أكد في أبريل/نيسان الماضي خلال مؤتمر صحافي مع ولي العهد السعودي تعزيز التعاون الفرنسي السعودي في منطقة الساحل، وتخصيص السعودية لمئة مليون يورو لمشاريع في إفريقيا وخصوصًا في منطقة الساحل.
وقال: “المملكة السعودية تعهدت بالوقوف الى جانب فرنسا ليس فقط لدعم الدول الأعضاء الـ5 في مجموعة الساحل وتمويل قوتها المسلحة المشتركة، بل أعلنت أيضًا مضاعفة هذا الجهد لدعم مبادرات في مجال التنمية في إطار التحالف من أجل الساحل، لتشاركنا بذلك رؤيتنا الإستراتيجية بوجوب وجود أساس عسكري وآخر تنموي لمساعدة شركائنا في الساحل”.
تطمح السعودية لاستغلال القارة الإفريقية كعمق إستراتيجي لها
ويجند السعوديون العديد من المسؤولين في جميع مراكز السلطة والقيادة في مختلف الدول والأنظمة المهمة على المستوى الدولي للتأثير وفق توجهات وأهواء السياسة الجديدة للبلاد، وهو توجه جديد لم يكن قائمًا منذ تأسيس المملكة الحديثة قبل نحو قرن من الزمان.
هذه الخطوات تتسق مع المقاربة التي تنتهجها الرياض حاليًّا التي تقوم على الاعتماد على القوة الخشنة والحضور في بؤر التوتر والنزاع كمصدر رئيسي للنفوذ، كما أن الرياض -التي تتهمها تقارير استخباراتية وإعلامية غربية بتمويل ورعاية بعض شبكات الإرهاب -بحاجة لتقديم ورقة حسن سلوك لفرنسا التي تتزعم إستراتيجيات الدفاع عن إفريقيا.
غزو إفريقيا اقتصاديًا واستخباراتيًا؟
كسب ود فرنسا الهدف منه ليس تبيض صورة المملكة فقط، بل أيضًا تمهيد الطريق لها لغزو إفريقيا اقتصاديًا واستخباراتيًا، ذلك أن حكام الرياض يعولون كثيرًا على الجانب الفرنسي لفتح الطريق أمامهم في القارة السمراء، فلفرنسا نفوذ ومكانة كبيرة ومهمة هناك، والسعودية تسعى للاستفادة منها.
وتعددت مظاهر الحضور السعودي في إفريقيا، فشملت الجوانب الدعوية والتعليمية والخيرية والاجتماعية والاقتصادية، وقد عزز ضعف اقتصاديات العديد من الدول الإفريقية التدخل السعودي لملء الفراغ الناجم عن إلغاء تدخل الدولة الاقتصادي والاجتماعي، مما شجع حضور العديد من المنظمات والهيئات الخيرية السعودية في المنطقة.
الدخول إلى إفريقيا محور أساسي في إستراتيجية ابن سلمان الجديدة
تطمح السعودية لاستغلال القارة الإفريقية كعمق إستراتيجي لها، نظرًا للموقع الجغرافي المهم الذي يؤثر على حركة السياسة الدولية والإقليمية وممرات الملاحة الدولية، ومنذ انطلاق عملية “عاصفة الحزم” في اليمن وما تزامن مع تلك العملية من انطلاق التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، أصبحت إستراتيجية المملكة تتجه إلى بناء علاقات متينة وقوية مع المحيط الإفريقي.
وتسعى السعودية من خلال الاستثمارات التي تشرف عليها إلى كسر هيمنة أعداء المملكة الرئيسيين على القارة الإفريقية، وعلى رأسهم إيران والكيان الإسرائيلي اللذين كثفا نشاطاتهما في دول القارة منذ فترة طويلة.
وكدليل على ازدياد اهتمامها بإفريقيا، عين العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز نهاية شهر فبراير/شباط الماضي المندوب الدائم للمملكة لدى جامعة الدول العربية وسفيرها في مصر أحمد قطان وزيرًا للشؤون الإفريقية، إلا أن خطواتها للتقرب إلى إفريقيا ستصدم بالعديد من العوائق.