تزخر مدينة إسطنبول بالمتاحف المختلفة والمتنوعة التي تستحقّ الزيارة بلا شك، وليس غريبًا هذا على المدينة التي تعاقبت عليها الحضارات العديدة ومرّت فيها الشعوب المختلفة فحوت ثقافاتها وفنونها وأديانها وعَمارتها الباهرة التي يفوح منها عبق التاريخ العريق ممتزجًا مع الحداثة المميزة للمدينة. وبعيدًا عن آيا صوفيا ومتحف القصر العالي أو دولمة بهتشة، فثمّة الكثير من الخيارات الأخرى والمتنوعة التي تتيحها المدينة لمحبّي المتاحف والتعرّف على الثقافات والغوص في أسبار التاريخ وكشف خباياه.
متحف سابنجي: جولة مع الحرف العربيّ
يُعدّ ثاقب سابانجي، مؤسّس المتحف، أحد رجال الأعمال في تركيا. وقد بدأ بجمع مجموعة من المقتنيات النادرة والأثرية في سبعينيّات القرن العشرين، ثمّ ما لبث أن أصبحَ هاويًا لجمع الأعمال الفنية من لوحاتٍ ومخطوطات وقطع نثريّة وغيرها الكثير، وقد عُرِضت مجموعته في كبرى المتاحف والمعارض الأوروبيّة لأعوام كثيرة. وفي عام 2002، قام سابانجي بالتبرّع بمنزل العائلة لجامعة سابانجي لاستخدامه كمتحف لعرض مقتنياته جميعها، بهدف تمكين وصولها إلى المهتمين كافة.
وجديرٌ بالذكر أن المنزل الذي بُني عام 1927، كان بالأصل تابعًا لأحد الأمراء من عائلة خديوي مصر، بناهُ وصمّمه معماريّ إيطاليّ. وفي عام 1951 قام عُمر سابانجي بشراء المنزل ، وفي نفس العام أحضرَ مجسّمًا كبيرًا لحصانٍ أسود من فرنسا، ووضعه في باحة المنزل الذي بات يٌعرف منذ ذلك الحين بـ”قصر الحصان” أو “قصر الفرسان”.
ويضمّ المتحف مجموعة رائعة من الفنون الجميلة كالرسومات واللوحات الخطية والتحف العثمانية. كما تجد فيه مجموعة فريدة من لوحات الخط العثماني القديم منذ ٥٠٠ عامًا، والأدوات التي استُخدمت لإنجاز تلك الروائع واللوحات الفنية مثل الأقلام والمحابر والأوراق، بالإضافة إلى نسخ نادرة من مخطوطاتٍ من القرآن الكريم، ووثائق رسمية تتبع للخلفاء والسلاطين.
كما يعرض عبر عدة فيديوهات معروضة على أجهزة لوحية، كيف كانت تتمّ عمليات صناعة الورق وكيّه وإعداده ليصبح صالحًا لكتابة المخطوطات والكتب، بالإضافة إلى فيديوهات تعرّف بفنّ التذهيب المميّز من ألفه إلى يائه. والجميل في المتحف أنّك أينما أدرتَ وجهكَ، داخله أو خارجه، ستجد جَمالًا لا ينتهي من حولك، فترى البسفور يمتدّ باتّساع كبيرٍ أمامك مطلًا على القصر بشكلٍ مباشر. أما داخله، فبالإضافة لما يتعلق بالخط العربي، فالمنزل مليءٌ بقطع الأثاث واللوحات والقطع النثرية والجمالية النادرة، فصاحبه بالنهاية كان هاويًا لجمع نوادر الفنون.
متحف خان المولوية في غالاطة
إذا كنتَ من المهتمين بالصوفية وتاريخها وما يتعلّق بها، فستجد الكثير مما قد يشدّك داخل أبواب هذا المتحف الصغير الذي بُني عام 1491، ليكون أقدم خان للمولوية في المدينة بأكملها، وقد أُعيد ترميمه عدة مرات ليكون بالشكل الذي هو عليه الآن. استُعمل الخان في القرن السابع عشر كمدرسة للطرق الصوفية، التي كانت منتشرة في تلك الأيام، ثم أصبحَ بعدها مدرسة ابتدائية وكلية، قبل أن تحوّله بلدية إسطنبول عام 1975 إلى متحف ويُفتتح للزيارة أمام السياح.
ستجد في المتحف الكثير من الأدوات والمستلزمات التي استخدمها أتباع الطريقة الصوفية والدراويش مثل أدوات الحروب أو المطبخ أو حتى لباسهم كالعباءات والعمامات وغيرها. كما يحتوي على أقسام عديدة تضم أدوات الفنون الجميلة التي كان المتصوفة يهتمون بها ويتعلمونها مثل الخط العربيّ والرسم على الماء والموسيقى.
المتحف صغير وقد يأخذ من وقت أقل من ساعة، لذلك إن كنتَ قريبًا من برج غلاطة أو في شارع الاستقلال فعرّج عليه وتعرّف أكثر على تاريخ المولوية، أو قد تكون مهتمًّا بمشاهدة رقصة السما الصوفية التي ألّفها جلال الدين الرومي والتي ينظّمها المتحف أسبوعيًّا.
المتحف اليهوديّ
أقيم المتحف عام 2001 احتفالًا بمرور 500 عام على قدوم اليهود السفارديم والذين تعود أصولهم لإسبانيا والبرتغال بعد أن طُردوا منها في القرن الخامس عشر فلجأوا للدولة العثمانية. إذ يحاول المتحف سرد تاريخ بدايات الوجود اليهودي في تركيا ومعيشتهم في ظلّ الدولة العثمانية، فقد تمّ منح اليهود القادمين من الأندلس حرية الدين والعبادة والإقامة خاصة وأن علاقة البيزنطيين معهم لم تكن بالجيدة، مما جعلهم ينظرون للعثمانيين على أنهم منقذين ومخلّصين.
أما مبنى المُتحف فقد كان بالسابق كنيسًا كان يُعرف باسم كنيس زولفاريس، وتشمل أقسامه العديد من المواد التي تصوّر الثقافات المختلطة بين الأتراك اليهود والمسلمين إلى جانب المواد الإيثنوغرافية التي تصور تقاليد اليهود الأتراك، فضلًا عن الروايات التاريخية للرحلات اليهودية من إسبانيا إلى تركيا. فضلًا عن القطع الأثرية كالخطابات والخرائط، والتاليت، والفرمانات. ويتم ترتيب الأقسام بتسلسل زمني كما في قسم الأعراق البشرية الذي يعرض العديد من اللوحات والمواد ذات الصلة بالميلاد، والختان، والزفاف، والملابس، والمجوهرات، وما إلى ذلك.
متحف الفنون الحديثة
إن كنتَ من محبّي الفنون الحديثة، فحتمًا يجب عليك التوجه إلى هذا المتحف الغنيّ بما يحتويه. إذ يهدف المتحف بشكلٍ أساسيّ إلى محاولة تقريب الفن المعاصر التركي للعالم وعرضه بصورة أكثر وضوحًا في صورة تبتعد عن الصورة النمطية للفن التركي في أذهان الزائرين والسيّاح، أي الفنون التقليدية كالصوفية والإسلامية والعثمانية وما إلى ذلك، بل هو متحف خاص بالفن المعاصر والفن الحديث بعرضه للوحات لفنانين معاصرين أتراك ودوليين.
متحف الفنون التركية والإسلامية
يعرض المتحف مقتنياته بين جدران قصر إبراهيم باشا التاريخيّ الواقع في ساحة السلطان أحمد في المدينة، حيث تم إنشاؤه أول مرة عام 1914 تحت مسمّى “متحف الأوقاف الإسلامية” في مبنى “دار الضيافة” لجامع السليمانية، أمّا بعد قيام الجمهورية فثمّ نقله إلى موقعه الحالي وبات يُعرف باسم “متحف الآثار الإسلامية”.
يضمّ المتحف بين ثناياه تشكيلة بارزة عن فن الخط العربي والسجاد، والعديد من الأدوات والمستلزمات التي استخدمتها الأعراق البشرية والحضارات المختلفة بتركيا على مرّ الزمان مثل الأدوات الحجرية والسيراميكية والخشبية والمعدنية. أما المخطوطات التي يحتويها المتحف، فيعود تاريخها إلى الفترة ما بين القرن الثامن والتاسع عشر، وتصل أعدادها إلى 15 ألف مخطوطة تقريبًا.