لم تُحدث أي من المعاناة الإنسانية أو صور الدمار الذي حل بسوريا أثرًا في النفوس قدر ما فعلت صورة الطفل إيلان كردي، غريق الصراع على أحد شواطئ تركيا، مات آيلان فصُورت جثته أمام قبر مفتوح، بينما يقف مجموعة من الرجال يرتدون الملابس الخليجية التقليدية، ويحملون المعاول دون أن يبدو عليهم التأثر.
يحدث ذلك بعد ربع قرن من استقبال دول الخليج لآلاف اللاجئين الكويتيين الفارين من بلادهم إبان الاجتياح العراقي للكويت عام 1990، فيما يبدو التناقض في غاية القسوة حين تمتنع تلك الدول الغنية اليوم عن استقبال اللاجئين الفارين من الحرب الدائرة في بلادهم، وفي نفس الوقت تقدم الدعم لأطراف متحاربة، فمن غيرها يتحمل مسؤولية عواقب هذا الصراع؟
عدد اللاجئين في الخليج = صفر
إلى متى صمتكم إلى متى خنوعكم أليس فيكم من رجل رشيد
هل هذا ما وصل به حالناpic.twitter.com/MaRnJvblYE
#اللاجئون_السوريون_لهم_مكان_في_الخليج— Arrow ™ (@xXMOhaXx22) September 2, 2015
تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2011 أكبر موجة نزوح في تاريخها الحديث، وتفوق ما شهدته المنطقة من نزوح للفلسطينيين عام 1948 بعدة مرات، واستنادًا إلى أرقام الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية أخرى فقد يصل عدد النازحين واللاجئين السورين الذي فروا من البلاد في كل الاتجاهات إلى أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم نحو 23 مليون نسمة.
ويصادف يوم 20 من يونيو/حزيران اليوم العالمي للاجئين، وهو مناسبة للتذكير بمعاناة أكثر من 68.5 مليون شخص حول العالم، حيث يواجه ملايين اللاجئين الذي أجبروا على الفرار من الحروب والاضطهاد والعنف أوضاعًا مأساوية حول العالم، بمعدل وصل بحسب تقارير الأمم المتحدة إلى لاجئ كل ثانيتين.
القضية ليست فقط قضية أرقام، فاللاجئون السوريون يفضلون المغامرة والمخاطرة بحرًا وبرًا للوصول إلى أوروبا بدلاً من التوجه إلى هذه الدول الخليجية التي لا تقدم لهم ما يبحثون عنه؛ ألا وهو القوانين التي تحميهم، فدول الخليج لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 1951 التي حددت وضع اللاجئ وواجبات وحقوق الحكومات تجاهه.
منظمة العفو الدولية ترى أن دول الخليج العربي لم تقدم أماكن لإقامة هؤلاء اللاجئين
وفي الوقت الذي يتباحث فيه الاتحاد الاوروبي كيفية مواجهة تدفق المهاجرين واللاجئين إلى أراضيه، تتصاعد الانتقادات لدول الخليج الغنية بالنفط والمال من المؤسسات الدولية والمسؤولين الأجانب، وبالأخص على السعودية التي تحمل الهم الإسلامي وفيها المقدسات الإسلامية.
انتقادات قوبلت بالنفي دائمًا، علاوة عليه الترويج لمعلومات مغلوطة، فعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة عقد وزراء خارجيةدول الخليج العربية اجتماعًا ناقشوا فيه ما تم تقديمه للاجئين السورين، مشيرين إلى أن بلادهم استقبلت 2.8 مليون سوري مع الحرص على عدم التعامل معهم كلاجئين، إذ عدلت أوضاعهم القانونية بما يتيح لهم حرية التنقل والحركة.
مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن تحولت إلى بلدات صغيرة
أين هؤلاء اللاجئون إلى دول الخليج؟ فـمنظمة العفو الدولية ترى أن دول الخليج العربي (السعودية والكويت والبحرين الإمارات وقطر) لم تقدم أماكن لإقامة هؤلاء اللاجئين، بل سجلت “موقفًا شائنًا” تمامًا مع اللاجئين السوريين، ووجهت سارة حشاش المسؤولة الصحفية بالبرنامج الإعلامي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة، في سبتمبر/أيلول من العام 2015 لهذه الدول انتقادات؛ لأنها لم تستقبل رسميًا أي لاجئين.
وعن موقف دول الخليج حيال اللاجئين السوريين، فإن جميع دوله رفضوا دخول أي سوري لأراضيهم منذ اندلاع الثورة السورية، حيث ترفض جميع دول الخليج منح السوريين “فيزا” دخول للبلد أو بطاقة زيارة محدودة المدة، علمًا أنها تعتبر من أكثر الدول ثراءً في العالم، الأمر الذي جعل السوريين يخاطرون بأرواحهم ويتوجهون إلى أوروبا عن طريق البحر بغية الحصول على إقامة في بلد يمنحهم بعض الحقوق التي رفضت الدول العربية تقديمها لهم.
تروج دول الخليج دائمًا للمساعدات التي تقدمها لدول النزاعات، وتقول إنها منحت ملايين الدولارات لمساعدة اللاجئين
وفي خضم الانتقادات المتصاعدة لتلك الدول الغنية، تقول هذه الدول إن السوريين دخلوا أراضي الخليج من خلال تأشيرات واستمروا في العيش هناك، في المقابل، يرد رئيس مدير برنامح حقوق اللاجئين والمهاجرين بمنظمة العفو الدولية شريف السيد علي “من المخزي أن نرى دول الخليج وقد امتنعت تمامًا عن توفير أي فرص لإعادة توطين اللاجئين، إذ ينبغي للروابط اللغوية والدينية أن تضع دول الخليج في مقدمة الدول التي تعرض مأوى آمنًا للاجئين الفارين من الاضطهاد وجرائم الحرب في سوريا.”
وتروج دول الخليج دائمًا للمساعدات التي تقدمها لدول النزاعات، وتقول إنها منحت ملايين الدولارات لمساعدة اللاجئين، تصل إلى أكثر من 500 مليون دولار خلال عامين ونصف العام، فيما الواقع يبدو مغايرًا، حيث اعتبر نائب مدير منظمة “هيومن رايتس ووتش” لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نديم حوري، أن “تقاعس تلك البلدان الخليجية الغنية في الأزمة السورية مخز”.
دول الخليج لم تقم بإعادة توطين لاجئين سوريين بشكل رسمي لكنها اختارت تمويل المساعدات الإنسانية
أبواب دول الخليج موصودة وجيوبهم مفتوحة
فيما ترفض دول الخليج العربية الغنية استقبال لاجئين على أراضيها واتباع سياسة انتقائية لصالح الأغنياء منهم، تتحمل دول عربية فقيرة العبء الأكبر من موجات النزوح، حيث تشير الأرقام إلى أن 95% من اللاجئين السوريين موجودون فقط في خمسة بلدان، وهي لبنان والأردن وتركيا ومصر والعراق، بينما بينت منظمة العفو الدولية أن المجتمع الأوروبي – باستنثناء ألمانيا – لم يؤمن إعادة توطين سوى 0.17% من اللاجئين الموزعين على هذه الدول.
الأردن مثلاً، ورغم صغر مساحته وعدد سكانه، إلا أنه من أهم الدول المستقبلة للاجئين السوريين، فوفقًا للأمم المتحدة هناك نحو 630 ألف لاجئ سوري مسجل في المملكة الأردنية، بينما تقول السلطات إن البلاد تستضيف نحو 1.4 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع النزاع في سوريا في مارس/آذار 2011، ويعيش 80% منهم خارج المخيمات، فيما يأوي مخيم الزعتري في المفرق، وهو الأكبر، نحو 80 ألف لاجئ.
تتحمل دول عربية فقيرة العبء الأكبر من موجات النزوح
أما لبنان فيتحمل العبء الأكبر، فقد تجاوز عدد اللاجئين السوريين فيه حاجز مليون شخص؛ أي ما يوازي ربع عدد سكانه، وفقًا لمفوضية شؤون اللاجئين الأممية، وبذلك أصبح لبنان البلد الأكثر كثافة في العالم من حيث عدد اللاجئين مقارنة مع عدد سكانه، الأمر الذي اضطره لغلق حدوده رسميًا أمام اللاجئين السوريين.
أما دول الخليج الأخرى فلم تقم بإعادة توطين لاجئين سوريين بشكل رسمي، لكنها اختارت طريقًا آخر، تمثل في تمويل المساعدات الإنسانية التي قدمت للاجئين، كما أن العديد من المؤتمرات خصصت لدعم اللاجئين السوريين ماليًا، وكان آخرها في الكويت في مارس/آذار من العام الحاليّ، لكن رغم تعهد المؤتمر بتقديم 3.8 مليار دولار للتخفيف من الأوضاع المأساوية التي يعيشها اللاجئون السوريون، إلا أن أيًا من الدولة الخليجية لم تعرض استقبال لاجئين على أراضيها.
على سبيل المثال، بدلاً من استقبال لاجئين، فقد تبرعت الكويت، الدولة الخليجية الغنية، بالكثير من الأموال لصالح اللاجئين، بيد أنه عندما يصل الأمر لاستقبال لاجئين، فإنها توصد أبوابها في وجههم، كما تفعل غيرها من الدول الخليجية، وجامعة الدول العربية التي لم تتطرق إلى ضرورة إيجاد رؤية عربية موحدة أو آليات ملزمة للدول الأعضاء لتوزيع أعباء اللاجئين عليها.
“أعتقد أن ما يحتاجه اللاجئون وبشكل عاجل وطنًا وليس مالاً” هند فرانسيس من مركز الدراسات الكويتي “الرأي للدراسات الإستراتيجية والبحوث”
كما استضافت الكويت عدة مؤتمرات للدول المانحة لسوريا، غير أن هند فرانسيس من مركز الدراسات الكويتي “الرأي للدراسات الإستراتيجية والبحوث”، تعتقد أن ذلك غير كافٍ فتقول: “أعتقد أن ما يحتاجه اللاجئون وبشكل عاجل وطنًا وليس مالاً، يحتاج اللاجئون فرصة لبدء حياة جديدة مع عائلاتهم ويعيشوا مثل باقي الناس، أرى أنه يتوجب على دول الخليج استقبال المزيد من اللاجئين، وهذه الدول قادرة على ذلك بالفعل”.
وخلال زيارة قامت بها إلى الكويت لتوقيع اتفاق مساعدات بقيمة 10 ملايين دولار للاجئين السوريين في العراق، قالت نائب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين كيلي تي كليمينتس إنها تشعر بالأسى تجاه ما وصفتها بالحقيقة المحزنة عن تجاوز عدد اللاجئين الفارين من الحرب في سوريا الخمسة ملايين، وشددت المسؤولة الأممية على واقع وجود نحو 13.5 مليون شخص أصبحوا نازحين داخل سوريا، إلى جانب الخمسة ملايين لاجئ.
وبخلاف الكثير من الدول الغربية، لم توقع الكويت وقطر والبحرين وعمان والإمارات العربية المتحدة على “اتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين”، وهي التي تبنتها الأمم المتحدة منذ عام 1951، كما أن دول الخليج لا تعتبر نفسها بلاد هجرة واستقرار، بل مجرد بلاد تستقبل، ولوقت محدود، اليد العاملة.
#Syria: Number of #Syrian #refugees taken in by countries in the Middle East. pic.twitter.com/qWcktXwEkW
— Luay al-Khatteeb (@AL_Khatteeb) September 4, 2015
“لسنا بلاد لجوء”.. لماذا؟
على مر السنين أصبحت السعودية تستضيف أكثر من نصف مليون سوري، والإمارات أكثر من 150 ألف سوري، وساهم وجودهم وغيرهم من المهنيين الوافدين في تعزيز اقتصاد دول الخليج، غير أنه منذ تفجر الاضطرابات والحروب بعد ثورات الربيع العربي عام 2011 تبنت هذه الحكومات نهجًا أكثر تشددًا بشأن قبول الفلسطينيين والسوريين والمسلمين الشيعة في علامة على مدى قلق هذه الدول من استيراد العدوى السياسية.
وعن أبرز الأسباب التي تمنع الدول الخليجية من استقبال اللاجئين السوريين، يقول الباحث اللبناني في الشؤون السياسية والخبير الانتخابي عمار عبود، لموقع “مهاجر نيوز” إن تلك الدول تتخوف من أي تغيير قد يطرأ على ديمغرافيتها نتيجة حسابات داخلية تتعلق بها وبسياستها الداخلية، كما أنها تخشى من أنه إذا استقر اللاجئون فيها قد يطالبوها بحقوق معينة لا تريد أن تلبيها حاليًا.
تكمن المخاوف بشكل أكبر في أن هذه الدول التي تدار بسلطوية تتخوف في الغالب من حصول اضطرابات اجتماعية، من شأنها أن تجعل درجة عدم الرضى تتصاعد في أوساط شعوبها
كما أن دول الخليج كثيرًا ما تشكو من ضعف استخدام اللغة العربية، وتعرض الثقافة العربية للخطر بسبب ضخامة عدد الوافدين الأجانب، حيث يزيد عدد العمال الوافدين بنسبة خمسة إلى واحد مقارنة بالسكان المحليين في كل من الإمارات وقطر، ولا وجود في دول المنطقة لمخيمات اللاجئين ومن المرجح ألا يتغير هذا الوضع.
وتكمن المخاوف بشكل أكبر في أن هذه الدول التي تدار بسلطوية تتخوف في الغالب من حصول اضطرابات اجتماعية، من شأنها أن تجعل درجة عدم الرضى تتصاعد في أوساط شعوبها، لذا فهي لا تخاطر في استقبال أجانب لوقت غير محدود، قد تجد نفسها فيه أيضًا ملزمة بتحمل تبعات هؤلاء، وبناءً على ذلك تجعل بقاء الأجانب الذين لم يحالفهم حظ النجاح في الحصول على “عقد عمل” فوق أراضيها في غاية الصعوبة، كما أنه شبه مستحيل تقريبًا الحصول على الجنسية في هذه الدول.
وتنحصر أسباب استقبال اللاجئين أيضًا في الجانب الأمني، حيث تخشى الدول الخليجية سياسة الحدود المفتوحة وإدخال أعداد هائلة من اللاجئين إلى حدودها نتيجة الوضع الأمني السيئ الذي تمر به المنطقة، فضلاً عن أنها الآن تسعى إلى تقليص أعداد العاملين الأجانب لديها نتيجة الأزمة الاقتصادية التي مرت بها عقب انهيار أسعار النفط.
بان كي مون في المؤتمر الثالث للدول المانحة لدعم الوضع الإنساني في سوريا، الذي عقد في 31 من مارس/آذار 2015 بالكويت
وتفيد تقارير متعددة أن نسبة الأجانب في دول الخليج مرتفعة جدًا، فمن بين 29 مليون سعودي هناك ستة ملايين أجنبي يعملون بشكل رسمي في المملكة، وفي الكويت، تبلغ نسبة الأجانب 60%، بينما تبلغ في قطر 90% من مجموع السكان، ما يبرز قلق تلك الدول من تبعات استقبال المزيد من الأجانب ويطغى على رغبتها في توفير المساعدة للسوريين والعراقيين.
يُضاف إلى ذلك أسباب سياسية تتعلق بخوف دول الخليج من السماح بدخول أعداد كبيرة من العرب ممن تعودوا على الجهر بآرائهم السياسية، لأنهم قد يؤثرون بشكل ما على مجتمع جرى فيه العرف ألا يشارك أفراده في السياسة.
تخشى الدول الخليجية سياسة الحدود المفتوحة وإدخال أعداد هائلة من اللاجئين إلى حدودها نتيجة الوضع الأمني السيئ الذي تمر به المنطقة
عن ذلك، يقول مدير مؤسسة القسط الحقوقية يحيى العسيري في لندن، في حديث مع دويتش فيلله الألمانية: “السبب الحقيقي أن الحكومات الخليجية مستبدة وبيدها الثروة والمال، ووجود اللاجئين ينقص هذه الثروات، بعكس الدول الأوروبية”، مضيفًا أن هناك نظرة مصالح شخصية ضيقة لأزمة اللاجئين، ولولا وجود الاستبداد، لكانت الشعوب الخليجية أقرب إلى السوريين من الأوروبيين”.
وتقف بعض دول الخليج الآن في أسوأ موقف إنساني لها على مر تاريخها، حيث تشارك في الأزمة بدعم الفصائل المتناحرة في سوريا وتلك التي تقاتل بشار الأسد، فبعض الدول تقدم الأموال لبعض الفصائل المقاتلة لشراء ذممهم، وهذا زاد الأزمة، وأصبح لكل دولة جناح مسلح يقاتل من أجلها، ما عقّد الوضع في سوريا.