منذ عودته إلى المشهد السياسي في ليبيا، ارتبط اسم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي لا يعترف بحكومة فايز السراج المعترف بها دوليا، بالدمّ والدمار، فأينما اتجه يصطحب معه الفوضى والخراب، وفقا لعدد كبير من المتابعين للشأن العام الليبي.
هذه المرة حلّ الركب في منطقة الهلال النفطي، فبعد أن هجّر أهل المنطقة منذ سنوات وشرّدهم بين المدن والقبائل المتناثرة، عاد في إطار “الاجتياح المقدّس” ليحرق النفط الذي يمثّل شريان حياة الليبيين بدعوة تخليص المنطقة من “الإرهابيين”.
استهداف النفط
ساعات قليلة، كانت تكفي قوات حفتر لتدمير أغلب المنشآت النفطية في منطقة الهلال النفطي على الساحل الليبي، بمساعدة إماراتية، فبعد أسبوع من هجوم خاطف أسفر عن سيطرة قوات جهاز حرس المنشآت النفطية (فرع الوسطى) بقيادة إبراهيم الجضران على منائي السدرة وراس لانوف، حيث شنت قوات حفتر بداية من صباح أمس الخميس هجومًا واسعًا بدعم جوي كبير لاستعادة المنطقة التي تُشحن منها صادرات النفط الليبية نحو الخارج.
إلى جانب استهداف المنشآت النفطية واحراق نفط البلاد، استهدفت قوات حفتر التي لا تعترف بشرعية الدولة مساكن المنطقة
القصف العشوائي الذي استهدف المنشآت النفطية، أحدث دمارًا كبيرًا في المنطقة، فقد اشتعلت النيران في الخزّان رقم 2 بمنطقة رأس لانوف، وقد انهار الخزان لاحقًا، حسبما قالت شركة الهروج المسؤولة عن الموقع. وقالت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أول أمس إن حريقين في خزاني نفط في ميناء رأس لانوف أسفرا عن انخفاض سعة التخزين هناك من 950 ألف برميل إلى 550 ألف.
كما التهمت الحرائق الخزان رقم 12 في الحضيرة، وقد تمكنت فرق الإطفاء بمساندة قوات حرس المنشآت النفطية من إخماد الحرائق، وذلك قبل أن تضطر للانسحاب من ميناء راس لانوف، نتيجة القصف العشوائي الذي تنفذه قوات حفتر.
وحذرت المؤسسة من أن الحرائق في الخزانين رقم 12 و2 قد تمتد إلى خزانات أخرى، الأمر الذي سيعطل أي صادرات من الميناء. يذكر أن صهريج التخزين رقم 2 في رأس لانوف كان به 200 ألف برميل من الخام عندما اندلعت فيه النار، وفق ما تناقلته وسائل إعلام محلية.
احتراق إحدى المنشآت النفطية في منطقة الهلال النفطي
في وقت سابق، عرضت قناة الجزيرة صور تبين آثار القصف المتواصل لطائرات حفتر وحجم الدمار الذي خلفه القصف العشوائي لسلاح الجو التابع له بالبراميل المتفجرة على خزانات شركة الهروج النفطية في ميناء راس لانوف.
وتعرف منطقة الهلال النفطي التي تحتوي على أغلب نفط ليبيا، منذ فترة توترات كبرى بين سرايا الدفاع عن بنغازي، وحرس المنشآت النفطية (قوة دفاع برقة سابقًا)، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تصل في أغلب الوقت إلى صراع مسلّح بدعم خارجي يتوقف على إثره إنتاج النفط وتخسر ليبيا موارد مالية في أمس الحاجة إليها، وتحتوي ليبيا على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.
انتهاكات في حقّ المدنيين
إلى جانب استهداف المنشآت النفطية واحراق نفط البلاد، استهدفت قوات حفتر التي لا تعترف بشرعية الدولة مساكن المنطقة، خاصة السكان التابعين لقبيلة المغاربة التي ينتمي إليها قائد حرس المنشآت النفطية بليبيا فرع الوسط، إبراهيم الجضران.
وتعتبر قبيلة المغاربة، من أهم القبائل في الشرق الليبي وفي أجدابيا، وتقطن في المناطق المحيطة بالموانئ النفطية، وسبق أن تعرّضت عشرات العائلات من هذه القبيلة للتهجير والنزوح من قبل قوات عملية الكرامة التابعة لحفتر في السنوات الأخيرة، بسبب انتماءاتها السياسية أو موالاتها لكتائب الثوار والإسلاميين المناوئين له.
تعكس التطورات العسكرية الأخيرة حدة الصراع بين مختلف القوى والأطراف السياسية والعسكرية على الساحة الداخلية الليبية
استهداف المدنيين من قبل حفتر، تمّ رغم مطالبة المجلس الاجتماعي لقبيلة المغاربة في بيان لهم، كل الأطراف المتحاربة بالامتناع عن التهديد واللجوء إلى القوة ووقف تحليق الطيران العسكري والنشاطات العسكرية.
بالتزامن مع ذلك دعا بيان لحرس المنشآت النفطية التي يقوده إبراهيم الجضران المجتمع الدولي إلى توفير حماية للمدنيين في منطقة الهلال النفطي، وفي شرق البلاد وجنوبها بشكل عام، من انتهاكات قوات حفتر، خاصة بعد عمليات التهجير والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري التي تعرضوا لها في وقت سابق من قبل حفتر وقواته.
تعقيد الوضع الليبي
الهجوم على منطقة الهلال النفطي تزامن مع تواصل هجوم قوات حفتر على مدينة درنة، وذلك خلافا لمخرجات مؤتمر باريس الداعية لتسوية الأزمة الليبية سلميًا، ويؤشّر إصرار حفتر على نهج العنف بدل الحوار إلى تعقيد الوضع الليبي أكثر وتواصل الأزمة التي تعرفها البلاد منذ سنوات عدّة.
في أواخر أيار/مايو، جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبرز أطراف الأزمة الليبية، بمن فيهم حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج اللذين اتفقا على إعلان ينص على تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2018.
تواصل القتال في ليبيا يعقد الوضع
مواصلته أعماله القتالية في كل من منطقة الهلال النفطي المرشحة لمزيد من التصعيد الميداني ومدينة درنة التي شهدت ارتكاب تلك القوات إعدامات ميدانية، يؤكّد بما لا يدع للشك وفقا لعدد من المحللين رغبة حفتر وقواته إطالة أمد الصراع في ليبيا ذلك أن السلم لا يخدم مصالحهم ومصالح حلفائهم خاصة المصريين والإماراتيين والفرنسيين.
وتعكس التطورات العسكرية الأخيرة حدة الصراع بين مختلف القوى والأطراف السياسية والعسكرية على الساحة الداخلية الليبية، إذ يحاول كل طرف جاهدًا بسط نفوذه وتغيير معادلات القوة لتعزيز مواقعه التفاوضية، وتعد منطقة الهلال النفطي ورقة مهمة في هذا الصراع.