قبيل صلاة العصر يوم أمس الخميس تحولت منطقة الفاتح إلى شلال بشري يتدفق من كل الأزقة متجهًا إلى مسجد السلطان محمد الفاتح في قلب الحي، رجال ونساء بالأزياء العثمانية، عمائم ولحى تسرع الخطوات إلى وجهتها!
لم أفهم ما الذي يحدث إلى حين عودتي للمنزل لأجد خبر وفاة الشيخ والداعية الإسلامي التركي عبد المتين بالقانلي أوغلو وإقامة صلاة جنازته بمسجد الفاتح، حضرها ما يزيد على 100 ألف مصلٍ ضجت بهم ساحة المسجد والطرق المؤدية إليه في مشهد مهيب نادر التكرار، فمن هذا الشيخ؟
سيرته
ولد الشيخ عبد المتين بالقانلي أوغلو في مدينة تشوروم وسط تركيا عام 1958، وتخرج من ثانوية الإمام والخطيب ثم التحق بكلية القانون جامعة إسطنبول، عُين إمام وخطيب في أغجا حجي كوي عام 1977، ثم تنقل بين عدد من المساجد إمامًا وخطيبًا وصولًا لتعينه مديرًا للشؤون الدينية في منطقة الفاتح ثم نقل إلى كوجوك جيكميجة غرب إسطنبول وتقاعد هناك، ليتفرغ بعدها للوعظ والتدريس.
مشهد مهيب لصلاة الجنازة على جثمان الشيخ بالقانلي أوغلو في مسجد الفاتح وسط إسطنبول
الشيخ عبد المتين متزوج وله ولدان ويعتبر من كبار تلاميذ الشيخ محمود أفندي النقشبندي وأحد أركان دعوته، ويتكلم العربية إضافة للتركية، ويعرف عن الشيخ عبد المتين الابتسامة والقبول الكبير بين جماعة وطلاب العلم الشرعي في إسطنبول لتواضعه.
مواقفه
ظهر الشيخ عبد المتين كأحد أبرز القيادات التي حركت المظاهرات ضد انقلاب 15 من يوليو/تموز في تركيا، وكان له دور بارز على الأرض في قيادة الشباب والمشاركة معهم خاصة الشباب المنتمي لجماعة محمود أفندي، وظهرت صور له أمام بلدية إسطنبول يقود التظاهر والمواجهة خلال ساعات الانقلاب الأولى.
الشيخ عبد المتين بالقانلي أوغلو خلال قيادته لكسر الانقلاب ليلة 15 من يوليو/تموز 2016
فيما عرف عن الشيخ عبد المتين موقفه الثابت في دعم القضية الفلسطينية بالمحافل المختلفة ومن خلال خطبه ودروسه التي كان يلقيها، وشارك في أكثر من مظاهرة وحملة لدعم القدس وغزة خاصة النشاطات التي كانت تنظمها جماعة محمود أفندي، وزار القدس في إطار دعمه لها.
فيما برز نشاطه خارج الحدود التركية عبر الإغاثة في إفريقيا وميانمار، فقد دعم – رحمه الله – حملات الإغاثة في إفريقيا وزار غانا بنفسه، وأشرف على عدد من حملات التبرعات ودعم عددًا آخر منها، وعرف بإنسانيته العالية والتأثر لمصائب الناس.
ويعتبر كذلك الداعية بالقانلي أوغلو أحد أبرز أقطاب الدعاة الإسلاميين المناهضين لحركات التطرف والإرهاب والداعمين للجيش التركي في حربه ضدهم، مما أكسبه شعبية وطنية إضافة لشعبيته في الأوساط الإسلامية.
الداعية الراحل عبد المتين عرف بدوام الابتسامة
كما عرف عنه مواقفه الطيبة مع اللاجئين من الدول العربية والإسلامية خاصة طلبة العلم، وغالبًا ما تسمع القصص من الشباب الذين أوقفهم الشيخ في أزقة الفاتح ليسألهم عن أحوالهم ومن أي البلدان هم وأحوال بلادهم ويدعو لهم، والشباب الذين فتح لهم أبواب العلم الشرعي عبر حلقات التعليم لجماعة محمود أفندي.
وفاته
توفي الشيخ بالقانلي أوغلو في أحد مشافي إسطنبول صباح يوم الخميس 21 من يونيو/حزيران إثر نوبة قلبية عن عمر يناهز الـ60 عامًا، وصُلي عليه في مسجد الفاتح عصرًا قبل أن يوارى الثرى، لكن مشهد جنازته التي حضرها رئيس الوزراء السابق أحمد داوؤد أوغلو يدل على المقبولية الشعبية له وأثره الطيب الذي تركه في نفوس طلابه ومحبيه، ودليل قبول على مسيرته الستينية المفعمة بالعطاء.
أصدرت جماعة محمود أفندي نعيًا رسميًا، وقدمت عدد من المؤسسات الإسلامية في إسطنبول بيانات تعزية مثل هيئة علماء فلسطين في الخارج ورابطة أئمة وخطباء ودعاة العراق وغيرهم، وفقدت تركيا بوفاته أحد أبرز دعاتها الإسلاميين.