عندما تسير في شوارع إسطنبول باحثًا عن الجمال فتجد رجل يرتدي الزي الديني – عباءة وعمّه – يقف في محطة الباصات متأملاً الفراغ وخلفة إعلان لإحدى شركات اللانجيري – لك أن تتخيل الصورة التي وضعوها في الإعلان – وعبارة أسفل الصورة “الجمال الحقيقي هو الجمال الداخلي” هذا المشهد الذي لا تتعدى رؤيته الثانيتين يكفي في الحقيقة أن يجسد الوضع الديني الذي تعيشه تركيا.
أنا هنا الآن منذ ما يقارب سبعة أشهر أقضي فترة من حياتي سعيًا وراء العلم والآن فقط تنبهت إلى أن معاني الحياة لا تقف عند الأفعال المحسوبة التي تنتهي بنتائج متوقعة وأن هناك سلوكيات اعتيادية قد تراها مفهومة منفردة بذاتها كأن تعيش سمكة صغيرة وسط سرب من الأسماك التي تشبهها – مفهوم جدًا – أو أن يتزوج رجل دين من إمرأة متدينة – متوقع – ولكن أن تعيش سمكة صغيرة وسط مجموعة من أسماك القرش! وأن يتزوج نفس الرجل من عاهرة! فهنا تختلف التوقعات وتتغير الخطط وتبدأ في البحث عن وسائل دفاعية جديدة لمواجهة الواقع الذي أنت مقبل عليه أو هو مقبل عليك!، هل قلت مواجهة؟! إنها ليست مواجهة بقدر ماهو بحث وفهم قد يوصلك للمواجهة نعم! سواء بالعنف أو الرفض أو أن ينتهي بك المطاف مثلي ضائعًا في ملكوت الله باحثًا عن الجمال في قلب أشد خلق الله معصية على وجه البسيطة.
(1)
تدين الجمال العاري!
(في مقالي الأول سأتعرض للمرأة التركية بشكل محدد عن باقي فئات المجمتع التركي)
المرأه هنا لها وقعها الخاص في المجتمع وسحر لا يكتمل إلا بوجودها.
بطبيعة الفترة التي قضيتها هنا تعرفت على فتيات أتراك منهن من هي شديدة التدين – على الأغلب ينتمين إلى جماعات تحسب على التيار الإسلامي والتي لها أتباع بأعداد كبيرة جدًا كجماعة فتح الله كولن وجماعات أخرى- ومنهن المتدينة بالشكل كمظهر ديني تقليدي، ومنهن من هي على قدر كبيرمن الحرية في سلوكها ومظهرها الخارجي، ومنهن ليست إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، قد تجد عائلة متدينة تضم أكثر من فتاة تكون إحداهن غير محجبة وتتمتع بقدر كبير من الحرية في اختيار ملابسها.
الحجاب هنا لايقتصر على فئة بعينها ويتنوع شكله بين الفتيات والسيدات فمنهن من ترتدي الجلباب الأسود الواسع والخمار الأسود الطويل ومنهن من ترتدي الحجاب الطويل نسبيًا والعباءة التقليدية ومنهن من ترتدي الحجاب القصير الذي لا يتعدى العنق ورداء طويل يتنوع شكله ووصفه.
أما الغير محجبات فملابسهن من كل شكل ونوع الطويل والقصير الواسع والضيق الساتر والعاري! لا يوجد حكرعلى أحد ولا سلطان على أحد فيما يرتدية أو يعتقده.
الكل هنا يتمتع بحرية تامة في كل شيء ابتداءًا من شكل الملابس التي يرتديها مرورًا بمعتقده الديني الخاص وحتى ميله الجنسي!
لا يوجد قانون يمنع شرب الخمر في الطرقات أو أن يُقبل رجل فتاة على مرأى من الجميع أو أن يكون هناك مكان مخصص يرتاده مثلي الجنس.
البلد هنا مليئة بالتناقضات العجيبة!
نسبة المسلمين في المجتمع التركي 99% بشكل رسمي ولكن بالطبع منهم علمانيون – ونسبتهم كبيرة جدًا داخل المجتمع – وملحدون وتتمثل نسبة 1% في المسيحيون واليهود.
ولكن الغريب أن تجد ما هو مجتمع عند الجميع تقريبًا وهو “الحرص الشديد على العبادات”.
فنادرًا ما وجدت فتاة لا تصلي أو تترك الصيام متعمدة وإن كانت ترتدي “المني جيب”.
أذكر في مرة كنت أسير مع اثنتين من صديقاتي إحداهن عربية والأخرى تركية، أنا وصديقتي العربية محجبات على قدر من المظهر الديني، أما صديقتنا التركية فهي غير محجبة ترتدي بنطالون جينز وجاكت قصير وتضع Make Up وعطرها النفاذ يسبقها، علقت صديقتي العربية على امرأه مرت بجوارنا بأن زيها يشبه زي سيدات الخمسينيات فردت عليها صديقتنا التركية بأن هذه غيبة وأن ماقالته حرام!
نفس الفتاة حين جاء موعد الصلاة طلبت أن نذهب إلى المسجد واستعارت شال كنت أرتديه ليقيني من البرد وأدت صلاتها الفرض والسُنّة وأتمت ختم الصلاة بالتسبيح والدعاء!
هنا في هذه اللحظة تحديدًا تحطم عندي أول ثابت “المظهر ليس بالضرورة يدل على ما ورائه وأن القلوب أعمق وأن الرداء يخفي الأجساد لا القلوب!”.
قد تكون الفتاة على قدر من المظهر الإسلامي في ردائها ولكنها تُدخن علنًا.
وقد تجد من لا يدل مظرها أو سلوكها على أي خلفية عقائدية وتجدها وقت الصلاة تبحث عن أقرب مسجد لتصلي
الغير محجبة تصلي، المدخنة تصلي، العاهرة هنا تصلي!!
قد نتفق أو نختلف على صحة ذلك كله إلا أن هذا يأخذنا إلى معانٍ أخرى تتعدى المظهر تجعلك تقف عاجزًا أمام عمق غريب وشكل جديد من أشكال الجمال!
* إلي من ألهمني كتابة هذا المقال “حسام تمام” – رحمه الله – الذي استخدم هذا العنوان في مقال رائع في مديح نساء المغرب.
سيدة ترتدي الخمار الأسود الطويل تقوم بالدعاء بعد إنتهائها من أداء الصلاة بمسجد “الفاتح” بإسطانبول.
مرأة تقوم بتعليم ابنها أركان الصلاة وهو يتابعها بإهتمام .
سيدة محجبة في أواخر الاربعينيات تقرأ القرآن في المكان المخصص للنساء بمسجد “شيه زاده” بمنطقة فاتح.
فتاة غير محجبة في منتصف العشرينات ترتدي زي الصلاة الذي يوفره المسجد لغير المحجبات، تجلس في انتظار الصلاة بمسجد “ايمينونو” بمنطقة ايمينونو.
فتاتان محجبتان في أوائل العشرينات في طريقهما لأداء الصلاة.
فتاة محجبة في أوائل العشرينات تقوم بأداء صلاة العصر بمسجد “السليمانية” بإسطنبول.
فتاة صغيرها لم تتجاوز العاشرة تلعب على سور المسجد بعد أداء صلاة العيد بمسجد “الفاتح” بإسطنبول.