ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدو أن معركة ميناء الحديدة، التي انطلقت منذ 13 حزيران/ يونيو، تمثل نقطة تحول في الصراع اليمني، ليتكرر بذلك سيناريو حلب. وقد تطرق التحالف المناهض للحوثيين بقيادة المملكة العربية السعودية إلى مسألة الاستيلاء على ميناء أكبر المدن اليمنية، منذ خريف سنة 2015. ومباشرة بعد العاصمة صنعاء، سيطرت قوات التحالف على مدينة عدن.
في الوقت الحالي، ساهم الاستيلاء على مدينة الحديدة في قطع الطريق أمام جميع الإمدادات، بما في ذلك المواد الغذائية الموجهة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة حركة “أنصار الله”، ما جعلها تعيش تحت وطأة الحصار. ومع ذلك، أعطى التحالف الأولوية المطلقة لمدينة تعز، التي تخوض معارك طال أمدها ولم تنته بعد.
باعتبارها المشرف الرئيسي على العمليات العسكرية الواقعة في جنوب اليمن، عمدت الإمارات العربية المتحدة إلى الحد من مشاركتها في العمليات العسكرية المناهضة للحوثيين، فيما نشرت قواتها في اتجاه مدينة حضرموت، مستهدفة تنظيم القاعدة. وعموما، إن التناقضات التي تجمع بين أبوظبي وحلفائها من المقاومة الجنوبية، وبين الرئيس اليمني والجهات السياسية الداعمة له، بما في ذلك “حزب التجمع اليمني للإصلاح”، لم تساعد على تنسيق الجهود والمضي قدما نحو مدينة الحديدة.
في المقابل، حاولت المملكة العربية السعودية في العديد من المناسبات شن حملتها الخاصة للاستيلاء على ميناء الحديدة، إلا أن جميع جهود الرياض استقرت على مدينتي ميدي وحرض الحدوديتين اللتين أصبحتا عقبة أمام أداء القوات السعودية، ما يحول دون وصولها إلى مدينة الحديدة. وعلى الرغم من ورود العديد من التقارير حول الاستيلاء على المدينة، إلا أنها سرعان ما عادت تحت سيطرة الحوثيين.
نتيجة لعملية ما يسمى بـ”الرمح الذهبي”، تمكنت القوات الموالية لأبوظبي بدعم مباشر من القوات الإماراتية من فرض سيطرتها على ميناء المخا في شهر نيسان/ أبريل من سنة 2017
بحلول شهر كانون الثاني/ يناير سنة 2017، تغير الوضع لا سيما بعد تمكن الإمارات العربية المتحدة من تحويل جنوب اليمن إلى محمية خاصة بها، دون خشية تقلص نفوذها في المنطقة، حيث سيطرت القوات الموالية للإمارات على مطار عدن. في ذلك الوقت، كانت الرياض في حاجة إلى مواصلة السيطرة على جميع الموانئ والقواعد الرئيسية التي تتحكم بشكل استراتيجي في النقل البحري الدولي لمضيق باب المندب وخليج عدن. أما الإمارات العربية المتحدة، فقامت بنشر قواعدها في إريتريا والصومال وجزر سقطرى وبريم وفي عدن ومدينة المكلا اليمنية.
نتيجة لعملية “الرمح الذهبي”، تمكنت القوات الموالية لأبوظبي بدعم مباشر من القوات الإماراتية من فرض سيطرتها على ميناء المخا في شهر نيسان/ أبريل من سنة 2017، إلا أن التقدم نحو مدينة الحديدة لم ينجح مرة أخرى، ما أدى إلى تعليق العملية. كما فشلت القوات الموالية للمملكة العربية السعودية في التغلب على الحوثيين في مدينة ميدي، رغم وقوع المدينة تحت سيطرتها في مايو/ أيار من سنة 2018.
ساهمت خطابات الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، المناهضة للحوثيين، في إضعاف موقف القوى المعارضة للتحالف بشكل كبير، نظرا لانتقال العديد من أنصار صالح إلى جانب خصوم حركة “أنصار الله”. في الأثناء، اضطر البعض للبقاء في تحالف مع الحوثيين فقط للحفاظ على مشاركتهم في الجبهة. وقد استغلت الإمارات الشرخ القائم داخل الحوثيين، ودخلت في مرحلة جديدة من عملية “الرمح الذهبي” في نهاية سنة 2017، ما أدى إلى توجه القوات الموالية للإمارات إلى ضواحي مدينة الحديدة مع بداية شهر يونيو/ حزيران الجاري.
خسارة مدينة الحديدة لا يعد النهاية
أدت الضغوط الدولية إلى تأجيل الهجوم على مدينة الحديدة، خشية العديد من الدول على غرار، روسيا والولايات المتحدة، من تحول الأزمة الإنسانية في البلاد إلى مجاعة نتيجة سقوط الميناء الأخير الذي يربط المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في شمال اليمن بالعالم الخارجي. ومما لاشك فيه، تمكنت الإمارات العربية من إقناع المجتمع الدولي بأنها لن تسمح بتدهور الوضع الإنساني، ما يعطيها الضوء الأخضر لتنفيذ العملية التي انطلقت في 13 حزيران/ يونيو من أجل السيطرة على المطار. ونتيجة لذلك، تمكنت قوات التحالف من السيطرة على هذا المرفأ الجوي في 19 حزيران/ يونيو.
تدرك جميع الأطراف أن المعركة من أجل تحرير مدينة الحديدة يمكن أن تسفر عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين والجيش على حد السواء
من أجل السيطرة على المدينة، جمع التحالف ما لا يقل عن 27 ألف مقاتل، فيما توكل الإمارات العربية لنفسها مهمة تدريب ست وحدات من هذه الفرقة، مكونة أساسا من جنود المقاومة الجنوبية، أي ما يعادل 15 ألف مقاتل. وبالتنسيق معهم تعمل قوات الحرس الجمهوري التي يقودها طارق محمد صالح، الذي انضم إلى التحالف، بدعم من الإمارات. ووفقا لبعض المصادر، يمكن للقوات الفرنسية الخاصة المشاركة في العملية، وسوف تقوم كاسحات الألغام الفرنسية بتنظيف منطقة الميناء من الألغام.
لكن، تدرك جميع الأطراف أن المعركة من أجل تحرير مدينة الحديدة يمكن أن تسفر عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين والجيش على حد السواء، ولعل ذلك أكثر ما يدفعهم للنظر في مقترحات تسوية الوضع. في الأثناء، قام المبعوث الأممي الخاص لليمن، مارتن غريفيث، بإجراء محادثات مع الحوثيين والتحالف حول مصير الحديدة، إلا أن الوضع لم يشهد أي انفراج.
في هذا الصدد، يقترح التحالف مغادرة حركة “أنصار الله” للمدينة، وتولي منظمة الأمم المتحدة مهمة تسوية الوضع. ومن جانبهم، رفض الحوثيون مغادرة المدينة، إلا أنهم وافقوا على السيطرة على الموانئ بصفة مشتركة مع الأمم المتحدة. وفي الواقع، إن الاستيلاء على مدينة الحديدة يعني هزيمة الحوثيين، حيث سيؤدي سقوط المدينة إلى فقدان حركة أنصار الله اتصالهم بالعالم الخارجي، وذلك ما يدفع الحوثيين إلى قبول الاقتراحات بشأن استئناف عملية التفاوض، ومراعاة مطالب التحالف.
تعمل الإمارات على تضخيم دور ممثلي أسرة الرئيس السابق صالح والقوات الموالية لها في معارك الحديدة، من أجل إعادتهم إلى مراكز قيادية في الحكومة اليمنية أو تنصيبهم بدلا الرئيس اليمني الحالي
في حال نشوب حرب من أجل مدينة الحديدة، فإن ذلك سيكون بمثابة تكرار المعركة التي وقعت في مدينة حلب السورية، التي أدى سقوطها إلى إطلاق عملية تسوية سلمية تخدم مصالح الأسد وحلفائه. ومما لا شك فيه، إن السيطرة على مدينة الحديدة تعزز موقف الإمارات داخل اليمن، وفي مجلس التعاون الخليجي. ويمكن تسجيل جميع العمليات العسكرية الناجحة التي غيرت مجريات الحرب في اليمن على غرار، الاستيلاء على عدن، ميناء المخا ومدينة المكلا، في حساب أبوظبي. ولم تتمكن الرياض من تحقيق أي نجاحات ملموسة خلال الحملة اليمنية، بل خسرت مكانتها، ولم تتمكن من حماية أراضيها الحدودية من غارات الحوثيين.
يعتبر إنهاء الصراع القائم من أولويات المملكة العربية السعودية، ونظرا لاضطلاع الإمارات العربية بالدور الرئيسي في الصراع ستضطر المملكة للانسحاب من نفسها. كما تعمل الإمارات على تضخيم دور ممثلي أسرة الرئيس السابق صالح والقوات الموالية لها في معارك الحديدة، من أجل إعادتهم إلى مراكز قيادية في الحكومة اليمنية أو تنصيبهم بدلا الرئيس اليمني الحالي في المستقبل خدمة للمصالح الإماراتية.
المصدر: نيوز ري