قبل أشهر قليلة، كان عزيز أخنوش زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار يمنّي نفسه بخلافة سعد الدين العثماني في منصب رئاسة الحكومة، مروّجا بأنه الشخص الوحيد القادر على انقاذ المملكة المغربية من أزمتها السياسية والاقتصادية، مستعينا في ذلك بقربه من المخزن وقوته المالية، إلا أن بعض الأحداث التي عرفتها المملكة مؤخرا كانت كفيلة بأن تحجم أحلامه.
المستهدف رقم 1
تعرف أسهم أخنوش السياسية، في الفترة الأخيرة تراجعا كبيرًا، نتيجة مقاطعة المغاربة لإحدى أبرز شركاته، شركة “إفريقيا غاز”، وهي جزء من المجموعة المغربية “أكوا” الناشطة في عدة مجالات منها الغاز والوقود والزيوت والعقار التي تقترب حصتها في السوق من 50%.
وتصدّر عزيز أخنوش، في شهر مارس/ آذار الماضي، قائمة أغنى أغنياء المغرب (المرتبة 1103 عالميا) خلال سنة 2018، وفقا لمجلة “فوربس” الأمريكية، التي تعنى بإحصاء الثروات ومراقبة نمو المؤسسات والشركات المالية حول العالم، بثروة قدرها 2.4 مليار دولار، متقدما بذلك عن تصنيف السنة الماضية بـ 273 مرتبة، حيث حل آنذاك في المرتبة 1376 عالميا، بثروة قدرتها المجلة آنذاك بـ 1.58 مليار دولار.
يعد أخنوش الهدف الرئيسي لحملة المقاطعة
يدير أخنوش مجموعة “أكوا” القابضة التي تضم نحو 50 شركة تنشط في مجالات اقتصادية عدة في مقدمتها توزيع الغاز. وسبق له أن ترأس جمعية النفطيين المغاربة، كما شغل عضوية الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وهو تجمع يضم رجال الأعمال المغاربة ومخاطب الدولة لحماية مصالحهم.
لا تقتصر إمبراطورية آل أخنوش على الغاز والعقار والمحالات، بل تمتد إلى الإعلام عبر مجموعته “Caractères”، المالكة لـ “العديد من الصحف، من بينها (La Vie Éco ) والمجلة النسائية الأسبوعية الفرنسية ( Femmes Du Maroc ) ومؤسسات أخرى عديدة.
وأسفرت حملة المقاطعة التي انطلقت منذ 20 من أبريل/نيسان الماضي في المغرب، عن تراجع ثروة أخنوش. وحسب موقع “فوربس” لقياس حجم الثروات، فإن ثروة أخنوش، انتقلت من 2.4 مليار دولار، التي سجلتها في شهر مارس الماضي، إلى 1.73 مليار دولار، اليوم الجمعة، وهي أكبر تراجع لثروة أحد أغنى أغنياء في المغرب، منذ شهر مارس الماضي.
أخنوش “ارحل”
في السابع من يونيو/حزيران الحالي، خرج حشد صغير كان ينتظر الملك محمد السادس، بالقرب من ميناء طنجة- المدينة، وبدؤوا بالصراخ: “ارحل أخنوش”. وعندما بدأ الملك مراسم افتتاح الميناء، واصل الحشد في ترديد نفس الشعارات، لكنهم لم ينسوا ترديد شعار “يحيا الملك”. وفي جميع الأحوال، يعد طلب رحيل أحد الرجال الذين يثق فيهم الملك أمام هذه السلطة العليا في المغرب، حدثا غير مسبوق في هذه البلاد.
وتبيّن هذه الحادثة حجم الكراهية ضدّ أخنوش، الذي يعدّ الهدف الرئيسي لحملة المقاطعة، فقد طُلب على شبكات التواصل الاجتماعي، من المستهلكين عدم التزود بالوقود في محطات الوقود “إفريقيا”، وهي إحدى الشركات التابعة لمجموعة “أكوا” التابعة لأخنوش.
https://www.youtube.com/watch?v=qAF8B-H76VU
حادثة طنجة أظهرت، وفقا لعدد من المحللين، أن أخنوش أصبح شخصًا مرفوضًا في المشهد الحكومي والحزبي والسياسي بشكل عام، ووضع حزب “التجمع الوطني للأحرار” في موقف حرج. ويعتبر التجمع الوطني للأحرار القوة الرابعة في البرلمان، حيث يمتلك 37 مقعدًا بالبرلمان من أصل 395. ويضع عديد المغاربة، مسؤولية الزيادات الصاروخية للأسعار في البلاد إلى أخنوش بحكم أن مجموعته الاقتصادية تمثل أخطبوطًا متشعبًا في الساحة التجارية المحلية.
انهيار سياسي؟
أخنوش، الوزير الأكثر نفوذا في المغرب، ذهب ضحيّة تزاوج المال والسياسة، وفقا لعدد من المحللين المغاربة، ذلك أنه أراد استعمال المال للوصول إلى أهدافه السياسية وخلافة سعد الدين العثماني في منصب رئاسة الحكومة، وتصدّر حزبه برلمان المملكة، عوضًا عن العدالة والتنمية الذي يتصدّر المشهد السياسي في البلاد.
زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي استطاع فرض شروطه في تكوين الحكومة الحاليّة، وبات يوصف بالرجل القوي داخلها، عرفت أسهمه السياسية التي كانت تسير بإيقاع سريع للغاية هبوطًا كبيرًا، فقد كان هذا السياسي يسعى لافتكاك زمام الأمور من العدالة والتنمية وقيادة الحكومة في الانتخابات التشريعية القادمة المبرمجة سنة 2021، مستغلاً نفوذه وقوته المالية.
يدعم المخزن عزيز أخنوش وحزبه، كونه ضامن لمصالحهم في الحكم
تأثير حملة المقاطعة يبدو قويًا على المشروع السياسي للأمين العام لحزب التجمع عزيز أخنوش الذي اختفى عن المشهد منذ بداية الحملة، وهو الذي كان يتصدر المنابر الإعلامية، خاصة أنه كان مفتاح تشكيل حكومة سعد الدين العثماني والرقم الصعب في مفاوضات تشكيلها.
ويرى عدد من المحللين أن استهداف “غاز أفريقيا” يرتبط بالموقع السياسي لمالكها، وبحسب مجموعة من المراقبين تسببت حملة “المقاطعة” في تراجع شعبية عزيز أخنوش وانهيار أسهم حزبه في الساحة السياسية، علمًا أنه كان قبل الحملة يلعب دورًا كبيرًا في اللعبة السياسية.
وإلى وقت قريب، كان عديد المغاربة يرون في الملياردير أخنوش رئيسًا للحكومة المقبلة، لكن تداعيات المقاطعة أثرت على هذا السيناريو، حيث وجد نفسه على رأس المستهدفين بالمقاطعة كونه يملك شركة “أفريقيا” لمحطات الوقود المعنية بالحملة.
نتيجة هذه الحملة يجد أخنوش، نفسه في مرمى انتقادات فئات شعبية واسعة منها الطبقة الوسطى التي تمثل عماد المجتمع المغربي وركيزته، خاصة أنه وضع على رأس اللائحة ممن استهدفتهم حملة المقاطعة الشعبية بسبب الجمع بين “المال والسياسة”.
أخنوش رجل “المخزن”
يعتبر “عزيز أخنوش”، صنيع السلطة ورجل “المخزن، وفقا لعدد من المتابعين للشأن العام المغربي، ويرى خبراء أن حزب أخنوش يمثل للدولة بديلًا ممتازًا لحزب الأصالة والمعاصرة لمنافسة حزب العدالة والتنمية الحاكم. ويدعم المخزن عزيز أخنوش وحزبه، كونه ضامن لمصالحهم في الحكم، وأحد “الأوراق” التي يستعملها القصر الملكي كلّما استدعت الحاجة لذلك.
ويحظى الملياردير المغربي بثقة الملك خاصة وأن “التجمع الوطني للأحرار”، قد تأسس سنة 1977بقيادة أحمد عصمان صهر الملك الراحل الحسن الثاني بإيعاز من القصر الملكي بقصد إحداث نوع من التوازن مع الأحزاب التي ظلت تنازع الملكية الشرعية السياسية في البلاد منذ الاستقلال، حسب عديد المراقبين.
يعتبر أخنوش أحد أبرز أصدقاء الملك محمد السادس
ترأس أخنوش حزب التجمع الوطني للأحرار (1961)، أواخر سنة 2016، خلفا لرئيس الحزب صلاح الدين مزوار على أثر فشل الحزب في تحقيق نتائج إيجابية في انتخابات أكتوبر 2016 التشريعية، التي فاز فيها بـ37 مقعدا من أصل 395. وشغل قبل ذلك منصب وزير الفلاحة والصيد البحري في حكومة بن كيران الأولى سنة 2012.
رغم ترؤس حزب التجمع الوطني للأحرار، فلم يكن لأخنوش تجربة كبيرة في مجال السياسة، فقد اشتهر بكونه رجل أعمال يدير مجموعة اقتصادية بارزة، إلى جانب شغله عضوية مؤسسات بنكية وإدارية تتحكم في الاقتصاد المغربي.