مهدي عاكف ليس الأخير.. بنغلادش رفضت الإفراج عن زعيم الإخوان للصلاة على أخيه

وسط مشاعر سخط وغضب عارم، ودعت الجماعة الإسلامية في بنغلاديش الثلاثاء الماضي، همايون كبير سعيدي، شقيق نائب أمير الجماعة والنائب البرلماني السابق الشيخ دلاور حسين سعدي إلى مثواه الأخير، بعد نداءات مكثفة للحكومة البنغلاديشية، بالإفراج المشروط عن القطب الديني الكبير، للصلاة على أخيه، وإعادته للسجن مرة أخرى، إلا أن جميع المحاولات باءت بالرفض، في سيناريو مشابه لما حدث مع مهدي عاكف المرشد الأسبق للإخوان، الذي دفن في صمت دون تشييع جثمانه أو إقامة عزاء له.
طعنات متتالية لـ”سعدي”.. لماذا ؟
كان أمل مصيري للأخ الأصغر، أن يحضر مثله الأعلى وشقيقه الأكبر جنازته ويؤم المصليين فيها، إلا أن الحكومة التي تحتجز العلامة دلاور حسين سعيدي في السجن منذ ثمان سنوات ونصف السنة رفضت ذلك، باعتباره رجل يمثل خطورة كبيرة على الأمن العام البنغلاديشي.
يحتجز “دلاور” بسجن شديد الحراسة وفي حبس انفرادي طوال تلك السنوات التي فقد خلالها والدته وإبنه البكر الشيخ رفيق الإسلام سعيدي، قبل أن يفقد أخاه الأصغر همايون قبل أيام، وهو قابع في السجن أيضًا لايبارح مكانه؛ كانت عائلته وجموع الإسلاميين من الشعب البنغلاديشي وبعض جميعات حقوق الإنسان، والعديد من أحزاب المعارضة، يتوقعون موافقة الحكومة على الافراج المشروط عن نائب رئيس الجماعة الإسلامية من منطلق إنساني، ومنحه الفرصة لإمامة المصلين في جنازه أخيه الأصغر.
حكومة بنغلاديش شكلت محكمة خاصة، لمحاسبة البنغاليين الذين تحالفوا مع القوات الباكستانية
رفضت الحكومة أو خافت أيهما أقرب، من الموافقة على تحقيق وصية الأخ الأصغر، حتى لا يشاهد الآلاف المعبأة صدورهم كرها وحقدا على النظام الحاكم الشيخ سعيدي أمام أعينهم، بما قد يفجر غضبا غير مأمون العواقب، وسيكون السيطرة عليه أصعب كثيرًا من السيطرة على غضب مؤقت من رفض الإفراج عنه، وسيفضى في النهاية إلى اليأس والإنكسار، كما هو حال الكثير من أبناء الإسلاميين في الدول المجاورة الذين لفظتهم أنظمة بلدانهم الحاكمة، وباتوا في صراع وجودي معها.
كانت حكومة بنغلاديش شكلت محكمة خاصة، لمحاسبة البنغاليين الذين تحالفوا مع القوات الباكستانية، وحاولوا عرقلة إعلان استقلال بنغلاديش ــ باكستان الشرقية كما كانت تعرف وقتها ــ الاستقلال عن باكستان الأم، وهي المحاكمة التي ترفضها الكثير من منظمات حقوق الإنسان، وتتهمها بتسييس أحكامها، وعدم اتباع المستويات العالمية المعروفة في محاكمات من هذا النوع.
اشتباكات بين الأمن البنغالي ومؤيدي الزعيم دلوار حسين
منذ عام 2013، وحكومة بنغلادش تتفنن في التنكيل بـ”دلاور”، بداية من الحكم عليه بالإعدام من محكمة جرائم الحرب البنغالية، زعمًا منها بارتكابه جرائم حرب، خلال حرب الاستقلال عام 1971، وذلك بعد ثلاثة أعوام من اعتقاله في يونيو عام 2010، وتشير بعض التحليلات إلى أن إسقاط جماعة الإخوان في مصر، كان ملهمًا لـ«بنغيلاديش» للتنكيل بسعيدي، وتوجيه ضربة معنوية للجماعة في أبرز شخصية دينية وزعيم حزب الجماعة الإسلامية، قبل أن يتم حله، بعد أن ظلت ثلاث سنوات تمد أجل المحاكمات، وتعرقل إصدار أي حكم عليه، خوفًا من رد فعل الجماعة.
المثير في الصراع بين الحكومة العلمانية البنغلاديشية والجماعة الإسلامية، أن الأخيرة تعرف نفسها وذراعها السياسي الذي تم حله لابتعاده عن منهج الدستور القائم على العلمانية حسب زعم الحكومة، أن الحزب سياسي إسلامي معتدل ويؤمن بالديموقراطية وحقوق الإنسان، وكما هو معروف أن الإيمان بالقيم الديمقراطية لايمكن أن يعادي أي منهج سياسي مختلف ولو ظاهريا ودستوريًا، بغض النظر عن الأيدلوجية وأحكامها.
وبحسب الموقع الرسمي للجماعة على موقع الإنترنت، تقاوم الجماعة منذ بداية ستينات القرن الماضي الحكومات الاستبدادية، وتحتكم لشواهد اعتدالها إلى العمل بنفس منهجها في ظل حكومة حزب عوامي، التي أمسكت بزمام السلطة ما بين عامي 1972-1975 و 1996-2001 إلا أن حكومة الراشد وقتها لم تتخذ أي خطوة على الإطلاق لمحاكمة قادة الجماعة الاسلامية في ما يسمى بجرائم حرب.
خلال ثمانينيات القرن الماضي لم يكن عوامي، يجد اية صعوبة في التعامل مع الجماعة الإسلامية، بل على العكس شارك الحزب إلى جانبها الحركة الشعبية المطالبة بالحكومة الانتقالية لتصريف الأعمال، بما ينفي عنها صفة الانخراط في الإرهاب والتحريض عليه.
في عام 2001، دخلت الجماعة الإسلامية، ضمن تشكيل تحالف رباعي، مكون من أربعة أحزاب سياسية رئيسة في البلاد، ووضع التحالف مجموعة أهداف واضحة، على رأسها التخلص من فساد الحكم، وحماية الحقوق والحريات
من السلطة إلى قوائم الإرهاب
استعراض تاريخ الجماعة الإسلامية، وهي فرع للإخوان المسلمين الأم في مصر وتتبع منهج حسن البنا والشيخ أبو الأعلى المودودي، بغض النظر عن بعض الاختلافات الحركية، يوحى لك وكأنك تستعرض ما حدث لجماعة الإخوان نفسها في مصر منذ عام 2011 وحتى الآن، وهو أمر يليق بالبحث والتقصي، ويبحث في جوهر السؤال: لماذا ترتفع الإخوان إلى عنان السماء، ثم فجأة تصبح على قوائم الإرهاب؟
في عام 2001، دخلت الجماعة الإسلامية، ضمن تشكيل تحالف رباعي، مكون من أربعة أحزاب سياسية رئيسة في البلاد، ووضع التحالف مجموعة أهداف واضحة، على رأسها التخلص من فساد الحكم، وحماية الحقوق والحريات، وتنفيذ برامج إعادة إعمار اقتصادي متدرج لإيقاف مؤشرات الفقر في البلاد، بجانب استعادة حرية الصحافة، ومحاربة الإرهاب والقضاء عليه.
تعهد الحلفاء الجدد وقتها، بتشكيل حكومة أئتلافية حال نجاحهم في في الانتخابات البرلمانية، التي خاضوها خلف راية واحدة، في شفافية نادرة بتاريخ البلاد ونزاهة وعدم تزوير، وحدثت المعجزة وتفوق التحالف الرباعي بفارق كبير، بما مكن الإخوان من أول درجات الحكم والسلطة للمرة الأولى في تاريخها، وحصلت على 17 مقعدا في البرلمان الوطني من بين 300 مقعد برلماني.
أسلمة الدولة
كما هو الاتهام والهاجس الأول ضد الإسلاميين في العالم، عانت الجماعة الإسلامية في بنجلاديش من الروح المعادية ضدها من غالبية القوى السياسية والأحزاب، بسبب تمسكها بما تسميه «الدور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للإسلام»؛ حوصرت الجماعة بدعاوى قضائية ذات طابع سياسي حسب العديد من التقارير الحقوقية الدولية، بجانب حملات إعلامية مكثفة للطعن في أهدافها، ونجحت في النهاية إلى جرها للطريق الذي وصلته بعدها بأعوام «إخوان مصر».
رغم توجيه الإتهام دائما للإسلاميين عامة، والإخوان والحركات المنبثقة عنها خاصة، باتباع العنف والتطرف والإرهاب، إلا أن تتبع تاريخ العمليات الإرهابية في بنغلاديش يؤكد ما يخالف ذلك
ورغم اتهامها بالتورط في إنشطة إرهابية، إلا أن الجماعة تتحدى أن يثبت أحدًا تورط أبنائها وقيادتها في أنشطة إرهابية، وترتكن إلى تاريخها الحزبي الذي يتعارض في شكله الحداثي ــ إسلامي المرجعية ــ مع روح التطرف، خصوصا أن الحكومة لم تقدم دليل قطعيًا يثبت وجود أي صلة للجماعة الاسلامية بالهجمات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد، وهو ما دفع عددًا من الدول الأوروبية المعادية بالأساس لفكرة للإسلام السياسي، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وفرنسا، إلى رفض أحكام الإعدام التي صدرت على قادة الجماعة الإسلامية.
من يرعى الإرهاب حقًا في بنغلاديش ؟
رغم توجيه الإتهام دائما للإسلاميين عامة، والإخوان والحركات المنبثقة عنها خاصة، باتباع العنف والتطرف والإرهاب، إلا أن تتبع تاريخ العمليات الإرهابية في بنغلاديش يؤكد ما يخالف ذلك؛ كان أول هجوم إرهابي بشكله المعروف حاليًا، خلال الفترة التي تولت فيها حكومة رابطة عوامي الحكم ما بين 1996 إلى 2001.
وتسجل أرشيف العمليات الإرهابية، محاولة شقيق المفتي عبد الحنان، أحد زعماء الحزب الحاكم، قتل السياسية البارزة ورئيسة الوزراء الحالية الشيخة حسينة بزرع، عبر زرع قنبلة أسفل مهبط طائرتها المروحية، أثناء زيارتها لمسقط رأسها .
كانت الصاعقة فيما كشفته التحقيقات بعد ذلك، وأكدت وجود علاقة وثيقة بين زعماء حزب رابطة عوامي الحاكم، والحوادث الإرهابية التي شهدتها البلاد منذ ذلك اليوم؛ فزعيم جماعة المجاهدين المحظورة الشيخ عبد الرحمن، هو زوج أخت النائب ميرزا أعظم، كما اتهم ابن شقيق وزير الدولة الحالي مجيب الحق شنو، بقتل المدون الملحد «نيلوى»، ورغم ذلك تنفد هذه الاحزاب وأعضائها من هذه التهمة، بينما تظل تلاحق كل ما هو إسلامي للأبد، من السبب ولماذا، الإسلاميون وحدهم يملكون الإجابة!