بدأت تونس منتصف ليل أمس الجمعة تطبيق تعريفة جديدة لبيع المواد البترولية بعد قرار الدولة زيادة أسعار المحروقات، ضمن حزمة إصلاحات يطالب بها المقرضون الدوليون لخفض العجز، زيادة من شأنها التأثير سلبًا على المواطن التونسي وقدرته الشرائية، وعلى السلم الاجتماعي الهش في البلاد.
تفاصيل الزيادة
وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة التونسية حددت في بيان صحفي – تلقى نون بوست نسخة منه – أسعار البيع الجديدة للعموم للمواد البترولية بداية من منتصف ليلة أمس، وأشارت إلى زيادة سعر البنزين الخالي من الرصاص بـ75 مليمًا ليصبح السعر الجديد 1925 مليمًا للتر، لافتة إلى زيادة الغازوال بدون كبريت (الرفيع) بـ75 مليمًا ليصبح السعر الجديد 1685 مليمًا للتر (الدينار التونسي يساوي ألف مليم).
وقررت الوزارة أيضًا زيادة الغازوال العادي بـ75 مليمًا ليصبح السعر الجديد 1405 مليمًا لكل لتر، بينما رفعت الوزارة أسعار غاز البترول المسال (الغاز المنزلي) بنحو 300 مليم ليصبح السعر الجديد 7700 مليم للقارورة، فيما لم يطرأ على أسعار قوارير غاز البترول المسيل (الغاز المنزلي) وبترول الإنارة أي تعديل.
تستنزف المحروقات ما لا يقل عن 70% من نفقات الدعم الموجه للمواد الاستهلاكية
الوزارة أرجعت سبب الزيادة إلى الارتفاع المتواصل لأسعار النفط ومشتقاته العالمية، حيث بلغ سعر النفط الخام خلال الثلث الثاني من هذه السنة نحو 75 دولارًا للبرميل، واستنادًا إلى آلية التعديل الدوري لأسعار المحروقات.
وتخضع أسعار المحروقات في تونس إلى آلية التعديل الآلي التي دخلت حيز التطبيق منذ سنة بتوصيات من صندوق النقد الدولي، حيث تقع مراجعة الأسعار في اتجاه الخفض أو الرفع أو الإبقاء على السعر المعتمد مرة كل 3 أشهر، بحسب سعر البترول في السوق العالمية وتداعياته على الميزان التجاري وموازنة الدولة، ووفق دراسات اقتصادية تونسية تستنزف المحروقات ما لا يقل عن 70% من نفقات الدعم الموجه للمواد الاستهلاكية.
الزيادة الثالثة
تعتبر هذه الزيادة في أسعار المحروقات في تونس الثالثة خلال نفس السنة، وكانت وزارة الطاقة قد قررت بداية شهر يناير/كانون الثاني الماضي زيادة أسعار البنزين الخالي من الرصاص والديزل بواقع 50 مليمًا في سعر البنزين الخالي من الرصاص، ليصبح محددًا بـ1800مليم عن اللتر الواحد، فضلًا عن زيادات شملت الغازول الرفيع بـ50 مليمًا، وزيادة بـ300 مليم لسعر قوارير الغاز المنزلي.
وفي أبريل/نيسان وقعت الزيادة الثانية، حيث قررت الحكومة التونسية حينها رفع أسعار البنزين والوقود بنحو 3%، ووصل سعر البنزين إلى 1.85 دينار من 1.8 دينار، وذلك استنادًا إلى آلية التعديل الدوري لأسعار المحروقات التي تبنتها حكومة يوسف الشاهد.
تتكبد تونس خسائر كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية
تسعى تونس إلى حصر حجم دعم المحروقات بما لا يضر مع التوازنات المالية للدولة وفق مسؤولين في الحكومة، وسبق أن قال وزير الإصلاحات توفيق الراجحي إن قيمة دعم الدولة للمحروقات سترتفع في 2018 إلى نحو 3 مليارات دينار من 1.5 مليار متوقعة بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ويرجع الخلل حسب عدد من المسؤولين إلى اعتماد قانون الموازنة في تونس لسنة 2018 فرضية تسعير برميل النفط بـ54 دولارًا مقابل 53 دولارًا محققة في 2017، مع اعتماد سعر صرف الدولار عند حدود 2.6 دينار للدولار الواحد مقابل 2.4 دينار للدولار في سنة 2017.
وتتوقع مصادر حكومية إقرار زيادة جديدة مع نهاية سبتمبر/أيلول القادم لتصبح الزيادة الرابعة من نوعها منذ بداية العام الحاليّ، وسبق أن أقرت الحكومة بداية شهر يوليو/تموز 2017 تعديلات على أسعار البيع للعموم لبعض المواد البترولية، وطال التعديل أصناف البنزين الخالي من الرصاص بزيادة مئة مليم ليصبح السعر الجديد 1750 مليمًا/لتر، والغاز والسولار دون كبريت بزيادة 90 مليمًا ليصبح السعر الجديد 1510 مليمًا/لتر، والغاز والسولار العادي بزيادة 90 مليمًا ليرتفع الثمن الجديد إلى 1230مليمًا/لتر.
ارتفاع العجز الطاقي
تسببت ارتفاعات أسعار النفط عالميًا في عجز بلغ قرابة ملياري دينار (نحو 800 مليون دولار) في موازنة تونس للعام الحاليّ التي تسعى لبدائل حاليًّا لسد تلك الفجوة الكبيرة، وارتفع عجز الميزان الطاقي لتونس خلال الثلث الأول من العام الحاليّ بنحو 1473 مليون دينار تونسي (نحو 589 مليون دولار)، أي بنسبة 36% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، مما سبب تراجعًا في نسبة الاستقلالية الطاقية للبلاد من 59%مع نهاية أبريل/نيسان 2017 إلى 54% نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي.
وتمثل المواد الطاقية بصفة عامة أكبر الواردات التونسية، كما تساهم وحدها بأكثر من 24% في العجز التجاري الإجمالي، وتراجع إنتاج النفط في تونس خلال السنوات الماضية وتقلص في بعض الفترات إلى مستوى 20 ألف برميل يوميًا، نتيجة توقف الإنتاج في حقول الجنوب والجنوب الشرقي التونسي وتواصل الاحتجاجات لأسابيع وتعطيل الإنتاج.
تواجه تونس ضغوطًا من المقرضين الدوليين وأبرزهم صندوق النقد الدولي
وأنتجت تونس نهاية أبريل/نيسان الماضي نحو 39.8 ألف برميل يوميًا من النفط الخام مقابل 44.3 ألف برميل يوميًا خلال شهر أبريل من السنة الماضية، مما شكل تراجعًا بنسبة 10%على مستوى الإنتاج، ويقول خبراء اقتصاد إن كل زيادة بدولار واحد في سعر برميل النفط تنعكس على الميزانية بزيادة لا تقل عن 120 مليون دينار تونسي (نحو 47 مليون دولار).
صندوق النقد الدولي
هذه الزيادات المتكررة لأسعار المحروقات تأتي استجابة لدعوات سابقة ومتكررة لصندوق النقد الدولي الذي ما فتئ يدعو تونس إلى زيادة أسعار المحروقات تماشيًا مع أسعار النفط بالأسواق العالمية، بهدف خفض عجز ميزانيتها.
وفي بيان له نهاية شهر مايو/آذار الماضي أقر الصندوق مجددًا بضرورة المُضي في بذل الجهود لتخفيض دعم الطاقة الذي يعود بقدر أكبر من النفع على ميسوري الحال بشكل غير تناسبي، وذلك لتقليص عجز الميزان التجاري لتونس، وجاء هذا البيان عقب زيارة قام بها فريق من الصندوق لتونس لمناقشات السياسات اللازمة لاستكمال أقساط القرض الممنوح لتونس.
يصر صندوق النقد الدولي على فرض إملاءاته على تونس
تواجه تونس ضغوطًا من المقرضين الدوليين وأبرزهم صندوق النقد الدولي الذي وافق سنة 2016 على إقراض تونس 2.8 مليار دولار مقابل حزمة إصلاحات في العديد من القطاعات، وكان الصندوق قد صرف لتونس شريحتين من القرض مقابل القيام بإجراءات معينة كشرط لصرف الشرائح الأخرى من القرض.
وتأمل الحكومة التونسية بقيادة يوسف الشاهد في خفض العجز إلى 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام مقارنة مع نحو 6% العام الماضي، وشهدت نسب النمو في تونس من سنة إلى أخرى هبوطًا من نحو 3.6% في 2010 إلى حدود 1.9% خلال العام الماضي.