تراجع الرئيس دونالد ترامب قبل ساعات عن قرار فصل الأطفال عن عائلاتهم كوسيلة مبتكرة لترهيب المهاجرين، بفعل دولة المؤسسات والضغوط العالمية وحالة السخط التي طالته من جميع الاتجاهات، ليخلف وراءه عشرات الأسئلة: ما الفرق بين إرهابي يريد فرض منطقه الديني على العالم بالتدمير والحرق والنسف والتفجير، وإرهابي آخر متعولم ينتهج سياسات أشد قسوة تأباها الفطرة السوية تحت لافتة المصالح العليا لبلاده؟ ولماذا نحارب هذا ونترك ذلك؟
العالم يحتج والعرب مع ترامب على “الحلوة والمرة”
غضب عارم اجتاح العالم بعد ظهور فيديو كارثي، أوضح بجلاء كيف تفكر أقوى دولة في العالم تجاه الكوارث الإنسانية التي في الغالب من نتاج قراراتها وتحالفاتها وأطماعها في السيطرة، طال الغضب الجميع ساسة وحقوقيين ومنظمات مجتمع مدني داخل الولايات المتحدة، وامتد لهيب الحنق على ترامب من داخل بلاده ووصل إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولكنه على ما يبدو لم يكن له أي تأثير على قادة العرب من المحيط للخليج، وبدا أن حلفاء ترامب الأغنياء بالمال والسطوة على شعوبهم معه على الحلوة والمرة، كما يقول المثل الشعبي المصري.
En direct, la journaliste américaine Rachel @maddow reçoit l’information que les bébés de migrants sont envoyés dans des refuges pour “âge tendre” par l’administration Trump. Sa réaction ne va pas vous surprendre. pic.twitter.com/jJDLn5sVfe
— Loopsider (@Loopsidernews) June 20, 2018
مذيعة أمريكية تبكي على الهواء بسبب تفريق مهاجرين عن أطفالهم
مارس ترامب قبل عودته في قراره كل أساليب الترهيب المعنوي، لم يترك أطفالًا حتى من ذوي الإعاقة الذين كانوا بحاجة إلى رعاية خاصة بالأساس وكذلك الرُضع، فصلهم عن أمهاتهم بما يخالف القانون الدولي الذي يضع كرامة المهاجرين واحترام إنسانيتهم على أولوياته باعتبارها مسألة مبدأ.
شهد العالم موجات من الغضب الشديد والخوف على مستقبل بني البشر في وجود أمثال ترامب، في جنيف تحدث مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين، وقال إن كفالة حقوق الإنسان يجب ألا تُفقد بمجرد عبور الناس الحدود دون تأشيرات، واستنكر اعتماد الكثير من الدول سياسات تزيد من معاناة المستضعفين، ودعا واشنطن إلى وقف سياسة فصل الأطفال عن آبائهم المهاجرين غير النظاميين الذين يعبرون الحدود إلى الولايات المتحدة من المكسيك.
واجه البيت الأبيض ضغوطًا هائلة وحملة انتقادات واسعة تبنتها عدة منظمات حقوقية ومؤسسات غير حكومية، وكذلك شن كريستوف بوليارك المتحدث باسم اليونيسف هجومًا شرسًا ضد قرار ترامب، وقال إن البديل هو اتباع نهج آخر لتوفير الرعاية للأطفال، وبعده بساعات تحدث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش غاضبًا مطالبًا بمعاملة اللاجئين والمهاجرين باحترام.
الإعلام الأمريكي في وجه ترامب
كعادة الصراع الممتد منذ اليوم الأول لترامب في الحكم، واصلت وسائل الإعلام الأمريكية تحديها للرجل الذي يخالف القيم الإنسانية المعروفة عن بلاده في العالم، وكثفت الصحف من نشر معاناة أطفال صغار بأماكن الاحتجاز بعد فصلهم قسرًا عن آبائهم الذين دخلوا الأراضي الأمريكية بطريقة غير شرعية.
رفعت وسائل الإعلام مئات الصور والفيديوهات على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي لأطفال يتم فصلهم عن آبائهم، وسخروا من إشادة مسؤولي الإدارة الأمريكية بأماكن الاحتجاز
“نيويورك تايمز” التي تتخذ منهجًا معارضًا لترامب منذ خطواته الأولى في البيت الأبيض، نشرت قصصًا دامية لمئات الأطفال الذين أبعدتهم السلطات الأمريكية عن ذويهم، من بين هؤلاء 100 طفل دون سن الرابعة، ومنذ أبريل/نيسان استمر ترامب في غطرسته، وأعلنت إدارته نفسها أن 2000 قاصر فُصلوا عن عائلاتهم في الفترة بين 19 من أبريل/نيسان و31 من مايو/أيار.
ورفعت وسائل الإعلام مئات الصور والفيديوهات على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي لأطفال يتم فصلهم عن آبائهم، وسخروا من إشادة مسؤولي الإدارة الأمريكية بأماكن الاحتجاز، وهي الطريقة التي اعتمدتها أمريكا في الرد على الانتقادات الموجهة إليها، وأشارت إلى أنها توفر الحد الأقصى لرعاية الأطفال من عصابات التهريب التي تستغلهم وتهربهم للبلدان الغربية عبر الحدود الأمريكية.
وكشفت استقبال أمريكا الأطفال في مراكز للاعتقال، وترحيل النسبة الأكبر منهم إلى أحد السجون بتكساس، وأكدت أن نحو 1400 طفل تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عامًا تم فصلهم انتظارًا لمحاكمة عائلاتهم، وقبل إيقاف القرار كانت إدارة ترامب تسعى لبناء مركز يضم 450 خيمة للأطفال المهاجرين.
بدوره دافع ترمب عن سياساته المتشددة، مشيرًا إلى عصابات تهرب الأطفال إلى الحدود الأمريكية تارة ومشددًا على أهمية حماية الحدود تارة أخرى، كما ألقى باللوم على الديمقراطيين في عدم دعم جهود الجمهوريين لإصلاح قوانين الهجرة ومساندة التصويت على مشروعات قوانين تقدم بها الجمهوريون بشأن الهجرة وتأمين الحدود.
القصة.. كيف بدأت؟
استيقظ العالم في مطلع شهر أبريل/نيسان الماضي على فصل ما يقرب من 2000 قاصر عن آبائهم، بعدما اعتقلوا في أثناء عبورهم الحدود الأمريكية – المكسيكية بطريقة غير مشروعة، في أول تطبيق رسمي لمنهج ترامب في عدم التسامح أو سياسة التسامح صفر التي أعلنها كمبدأ لإدارته في صراعه من المهاجرين.
وجدت السياسة الحازمة لترامب تأييدًا كبيرًا في الأوساط التي تدعم طريقته بمواجهة مشاكل أمريكا، كان جيف سيشينز المدعي العام الأمريكي أول الذين أيدوا هذه السياسة موجهًا حديثًا تسلطيًا وبلهجة تخويف للاجئين: “إذا كنتم لا ترغبون في أن يُفصل طفلكم عنكم، فلا تأتوا به”.
لم تكن تصريحات الرئيس الأمريكي التي أعلنها أمس مؤكدًا فيها أنه سيوقع أمرًا تنفيذيًا للإبقاء على أطفال المهاجرين مع أسرهم عند الحدود مع المكسيك صحوة ضمير أو استجابة إنسانية للصراخ على الشاشات الأمريكية والأوروبية من بربرية قراراته، بل حاول ترامب تجنب الصراع الذي اشتعل مع الكونغرس الأمريكي، بعدما زاد في غضبه وشططه أمامهم، وأوحى لجماهيره أن المؤسسة التشريعية تعرقل حله الوحيد لمشكلة الهجرة التي تعاني منها بلاده.
وحتى يتربح من الأزمة، غازل الديمقراطيين طالبًا دعمهم بشكل علني في مساعي الجمهوريين لإصلاح مشكلات الهجرة، عبر 60 صوتًا لتمرير تشريع يحل مشكلات الهجرة، ويدعم الأغلبية الجمهورية التي أيدت القرار بـ51 صوتًا، وهو الأمر الذي يعني تعطيل قرار ترامب.
“معاناة الضمير” أرغمت قادة الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي، بحسب بعض وسائل الإعلام الأمريكية، على الضغط على ترامب للتراجع عن قراره وإلزامه بحماية الحدود والأسر وأطفالها في الوقت ذاته
الديمقراطيون بدورهم لم يفوتوا الفرصة وهاجموا ترامب بشراسة، لدرجة أن جيف ميركلي عضو مجلس الشيوخ في الكونغرس الأمريكي عن الحزب الديمقراطي أطلق على سياسة التسامح صفر “سياسة الشر”، ثم زار مركز اعتقال تكساس، ومن أمامه قال: “إنهم يسمونها سياسة عدم التسامح، ولكن الاسم الأفضل هو عدم وجود الإنسانية، لأنه لا يوجد أي منطق على الإطلاق لهذه السياسة”.
“معاناة الضمير” أرغمت قادة الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي، بحسب بعض وسائل الإعلام الأمريكية، على الضغط على ترامب للتراجع عن قراره وإلزامه بحماية الحدود والأسر وأطفالها في الوقت ذاته، ولكنهم حرصوا في الوقت ذاته على دعمه في وجه الديمقراطيين، وأعلنت موقفهم وزيرة الأمن الداخلي كريستين نيلسن، مؤكدة أن الجمهوريين رغم معارضتهم لفصل الأبناء عن آبائهم فإنهم يصرون على توفير الأمن لبلادهم، ويؤكدون أنه لا يمكن فتح الحدود بشكل كامل لأي شخص يريد أن يأتي إلى البلاد.
كذلك حاول بول رايان “الجمهوري” ورئيس مجلس النواب تأييد ترامب مع رفض فصل الأبناء، وخرج في مؤتمر صحفي بعد الضجة التي أثيرت بشأن قرار ترامب مؤكدًا أن مجلس النواب سيصوت على تشريع من شأنه الحفاظ على لم شمل العائلات مع احتجازها بعد عبور الحدود الأمريكية بطريقة غير شرعية.
المثير في الأمر أنه رغم حلب ترامب للعرب وبلدان الشرق الأوسط والاستفادة من جميع أزماتهم بمليارات الدولارات وتعزيز نفوذه كحاكم لا ترد له كلمة من أتباعه، ورغم صمتهم التام ولم يصدر عنهم بيانًا واحدًا يعرب عن تخوف أي منهم مما يحدث، ولو على سبيل مداواة جراح 4 دول عربية، لا يزال أبنائها هم الأكثر حاجة للهرب خارج بلدانهم من جحيم الصراع بين الإرهاب الديني والعسكري في المنطقة، فإن نظرته السادية تجاههم ظهرت في كامل هيئتها.
قال ترامب بوضوح إن بلاده لا تريد جرائم تأتي عبر الحدود، ولا تريد أشخاصًا على وجه التحديد من الشرق الأوسط، وكأنهم دنس وفيرس قاتل منعه من الاقتراب من أمريكا والغرب “مهمة قومية”.