تحظى الانتخابات التركية بمتابعة إقليمية ودولية عالية مردها الأهمية الإستراتيجية التي تتمتع بها تركيا في الأزمات الفاعلة في المنطقة، وتزداد هذه الأهمية بالتغني “البارع” الذي تقوم به وسائل الإعلام الناطقة بالعربية بشأن التجربة التركية الوليدة.
وبات يدور في خُلد المتابع العربي، نتيجة للمبالغة الإعلامية بشأن تركيا، بأن حزب العدالة والتنمية هو مؤسس الديمقراطية والتنمية والنمو والحريات في تركيا، وما قبله كان عصر الظُلمات! لا يستطيع عاقل أن ينكر الدور الكبير الذي لعبه العدالة والتنمية في تطوير تركيا، لكن في الحقيقة مسار العملية التاريخي يعود إلى ظلال الدولة العثمانية، فكيف انطلق وتطوّر المسار الدستوري للعملية الديمقراطية في تركيا، وما العقبات الانقلابية التي واجهها حتى يومنا هذا؟
سند الاتفاق
سند الاتفاق هو الوثيقة الدستورية الأولى التي جاءت في إطار رسم أسس الحكم بين السلطة المركزية “السلطان” والممالك الأخرى “الأعيان ـ الولاة والرعية”، يشبه السند الاتفاق المُوقع عام 1808 في عهد السلطان محمود الثاني (عراب الانفتاح على الغرب)، وثيقة “ماغنا كارتا” الإنجلزية المُوقعة عام 1215، في عهد الملك جون، التي تتحديد الحقوق بين الملك والرعية.
شهد تاريخ الديمقراطية التركي أول وثيقة تاريخية تمسك بها بعض الولاة الحداثيين من أجل ترسيخ الحكم الديمقراطي الدستوري داخل الدولة العثمانية فيما بعد
بهذا السند ضمن السلطان دعم الأعيان له عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، وهو ما مكنه من إلغاء جيش الإنكشارية الذي كان ينقلب على السلطان الذي لا يسير وفقًا لأهوائه، وأسس مكانه العساكر المنصورة المحمدية، واتجه نحو إجراء إصلاحات تحاكي الواقع الغربي في حينه.
بهذا السند أيضًا شهد تاريخ الديمقراطية التركي أول وثيقة تاريخية تمسك بها بعض الولاة الحداثيين من أجل ترسيخ الحكم الديمقراطي الدستوري داخل الدولة العثمانية فيما بعد، وقد تبع هؤلاء الولاة الباشا مصطفى كمال باشا (مؤسس الجمهورية التركية) من أجل تأسيس جمهورية تحكمها الديمقراطية.
فرمان التنظيمات
هو وثيقة وقعها السلطان عبد المجيد، وأعلنت حديقة “غولهانة” القريبة من قصر السلطنة في 3 من نوفمبر/تشرين الأول 1839، وكان المأرب الأساسي من إعلان الوثيقة هو إعادة “الهيبة” للدولة العثمانية أمام نظرائها من الدول الغربية، نتيجة لتخلفها السياسي والاقتصادي والأمني، إذ حاول السلطان بقبول هذا الفرمان الذي يشبه “إعلان حقوق الإنسان والمواطنة” الفرنسي، منح المواطنين العثمانيين مستوى عالٍ من الحقوق، لنيل احترام الدول الأوروبية.
يعود الفرمان إلى عهد السلطان محمود الثاني، إلا أن الأخير لم يستطع إصداره، نتيجة للحرب التي كان قائمة في عهده مع والي مصر محمد علي باشا، وتُذكر النقاط الأساسية للفرمان على النحو التالي:
ـ وضع حياة وممتلكات وشرف كل شخص تحت الحماية.
ـ فتح محاكمة تستقبل الجميع على قدم من المساواة.
ـ عدم تنفيذ حكم الإعدام إلا بعد المُحاكمة.
ـ توزيع الضريبة وفقًا لمستوى دخل الفرد.
ـ الاعتراف بالمكلية الخاصة وحمايتها.
ـ السماح للإناث بالذهاب إلى المدارس.
“فرمان الإصلاحات” الذي وُقع في 28 من فبراير/شباط 1856، وتُشير عدد من كتب التاريخ إلى أن وُقع تحت أسواط الضغط الخارجي، لا سيما الغربي
وبالتأمل في المواد الأساسية المطروحة، نُلاحظ بأنها تحمل أهمية عالية في توجه الدولة العثمانية نحو دسترة تحركها وتأسيس المواطنة المساوية للجميع بالقول “كل شخص” وليس كل مسلم فقط، ولا ريب في أن لهذه المواد أهمية في رسم خطوات الاتجاه نحو توسيع نطاق الحكم الديمقراطي.
فرمان الإصلاحات
وُقع في 28 من فبراير/شباط 1856، وتُشير عدد من كتب التاريخ إلى أن وُقع تحت أسواط الضغط الخارجي، لا سيما الغربي، إذ عُرض على الدول، فرنسا وبريطانيا والنمسا التي كانت ستوقع اتفاقية باريس المتعلقة بإنهاء حرب القرم بين الدولتين العثمانية والروسية، حيث دعمت الدول المذكورة في الحرب الدولة العثمانية، وأرادت إعلان فرمان الإصلاح “كثمن لذلك”.
ربما كان فرمان الإصلاحات بفعل ضغوط خارجية، إلا أنه وسع مجال المواطنة العثمانية بشكل كبير، حيث منح المواطنين غير المسلمين حقوقًا واسعةً يُذكر منها:
ـ إصلاح نظام انتخاب البطريرك ومنح المواطنين المسيحيين فرصة أكبر للانتخاب بشكلٍ حر.
ـ منح الدول البطاركة رواتب شهرية.
ـ كفالة الحرية الدينية والمذهبية.
ـ دخول غير المسلمين وظائف الدولة والخدمة العسكرية.
ـ مساواة الضرائب بين المواطنين المسلمين وغير المسلمين.
لإعلان الدستور المُعد، عزلت لجنة الدستور السلطان عبد العزيز “عم السلطان عبد الحميد الثاني”، وعيّنت مراد الخامس، إلا أنها عزلته وسلمت العرش للسلطان عبد الحميد الثاني الذي قبل بالدستور في 23 من ديسمبر/كانون الأول 1876
القانون الأساسي
مع كل خطوة دستورية كانت تخطوها الدولة العثمانية، كان طموح “الباشاوات” أي ضباط الدولة الكبار الذين تلقوا تعليمهم العسكري في الغرب وتشربوا ثقافته، يميلون أكثر نحو تطبيق مبادئ الديمقراطية والمواطنة والدستور الخاصة بالأنظمة الغربية، وفي إطار ذلك، قاد مدحت باشا الذي كان واليًا لمدينة أديرنا، مسيرة إعداد “القانون الأساسي”؛ أي الدستور.
ولإعلان الدستور المُعد، عزلت لجنة الدستور السلطان عبد العزيز “عم السلطان عبد الحميد الثاني”، وعيّنت مراد الخامس، إلا أنها عزلته وسلمت العرش للسلطان عبد الحميد الثاني الذي قبل بالدستور في 23 من ديسمبر/كانون الأول 1876، ويُعد هذا الدستور الذي حُولت على إثره الدولة العثمانية من مملكة حكم مطلق إلى حكم دستوري يشترك السلطان في ظلاله الحكم مع برلمان منتخب بواقع نائب لكل 50 ألف مواطن، أول دستور رسمي في التاريخ التركي، وأُطلق على تلك الفترة اسم “المشروطية الأولى”، وكلمة المشروطية مقتبسة من مصطلح المحدودية أي تحديد أو وضع شروط على حكم السلطان.
بهذا الدستور عرفت الدولة العثمانية، سلف الجمهورية التركية، الانتخابات والمسار الديمقراطي، غير أن السلطان عبد الحميد استخدم حقه في فسخ البرلمان بتاريخ 28 من يونيو/حزيران 1877، نتيجة للانتقادات اللاذعة التي قدمها المجلس ضد أداء الحكومة في حربها مع الإمبراطورية الروسية.
وعلى الرغم من انتخاب مجلس جديد في 13 من ديسمبر/كانون الأول 1877، فإن السلطان عبد الحميد عاد ليفضه في 14 من فبراير/شباط 1878، ويُلغي الدستور، من أجل إدارة الحرب مع الروسي بشكلٍ أكثر سلاسة، واستمر الأمر على ذلك حتى عام 1908، حيث المشروطية الثانية.
في عام 1911، أُجريت الانتخابات، وحقق حزب الحرية والائتلاف تكتل معارضة قوي ضد جمعية الاتحاد والترقي التي لم يرق لها ذلك، وضغطت على السلطان لاتخاذ قرار إجراء انتخابات مُبكرة.
وفي 23 من يوليو/تموز 1908، اضطر السلطان عبد الحميد لاستدعاء “مجلس المبوعثان” البرلمان وإعادة تفعيل الدستور، بعد تمكن ضباط موالين لجمعية الاتحاد والترقي ذات التوجه الغربي، من إعلان انتفاضة في سالونيك ضده، في 31 من مارس/آذار 1909، تحرك “جيش الحركة” التابع للاتحاد والترقي، واتجه نحو فض الانتفاضة التي قام به ضباط طالبوا بتطبيق مبادئ الشريعة كاملةً، وبعد نجاحهم في ذلك، تم عزل السلطان عبد الحميد الثاني، وأجريت بعض التعديلات على الدستور، تعديلات كفلت للبرلمان وحكومته صلاحيات أوسع على حساب السلطان.
وفي عام 1911، أُجريت الانتخابات، وحقق حزب الحرية والائتلاف تكتل معارضة قوي ضد جمعية الاتحاد والترقي التي لم يرق لها ذلك، وضغطت على السلطان لاتخاذ قرار إجراء انتخابات مُبكرة. وفي يناير/كانون الثاني 1912، أُجريت الانتخابات، وأطلق عليها “انتخابات العصا”، لاتباع جمعية الاتحاد والترقي أساليب مشروعة وغير مشروعة من أجل الحصول على الغالبية. ولم يدم الأمر طويلًا حتى ألغت الجمعية في 23 من يناير/كانون الثاني 1913 العملية الديمقراطية بالكامل، وسيطرت على القصر، وكان هذا أول انقلاب عسكري في تاريخ العملية الديمقراطية التـركية.
الانتقال إلى أنقرة وتأسيس الجمهورية التركية
بدأت حركة الاستقلال التركية عام 1919 واستمرت حتى عام 1921، وخلال هذه الفترة اجتمع البرلمان في 23 من أبريل/نيسان 1920، في أنقرة، لرعاية التحرك الدولي الذي قد يدعم حركة النضال ضد المحتلين اليونان والإنجليز.
وفيما أُجريت الانتخابات البرلمانية في أنقرة بتاريخ 26 من يونيو/حزيران 1923، أُعلن تأسيس الجمهورية رسميًا في 31 من أكتوبر/تشرين الأول 1923، وعلى الرغم من إعلانها جمهورية، فإن حكم الحزب الواحد ـ حكم حزب الشعب الجمهوري ـ استمر حتى عام 1946، في الحقيقة أُجريت خلال هذه الفترة انتخابات عام 1926 و1931 و1935 و1939، ولكن كان جميعها انتخابات يُرشح فيها نواب الشعب الجمهوري فقط، ولا تمت للديمقراطية الحقيقية بصلة.
على الرغم من كونه دستورًا جاء بعد انقلاب الجيش، كان دستورًا ليبراليًا، كفل دستور 1961 حقوقًا سياسيةً واجتماعيةً وتعليميةً واقتصاديةً موسعةً للمواطن التركي
فوز الحزب الديمقراطي 1960 والانقلاب عليه عام 1960
كان عام 1946 العام الذي أُجريت فيه انتخابات تعددية شارك فيها أكثر من حزب، لكن لم تستطع الأحزاب المنافسة لحزب الشعب الجمهوري، حزبا التنمية والديمقراطي، منافسته، وفي انتخابات 1950 تولى الحزب الديمقراطي مقاليد الحكم.
بقي الحزب الديمقراطي على رأس الحكم حتى تاريخ 27 من مايو/أيار 1960، حيث جرى أول انقلاب عسكري في تاريخ الجمهورية التركية، يُشاع عند العرب أن الجيش التركي انقلب على الحزب الديمقراطي لميوله الدينية، لكن المؤرخ التركي الشهير كمال كاربات والباحث التاريخي التركي أيضًا مصطفى أردوغان ينفيان، في كتبهما المتعلقة بالموضوع، أحادية تأثير هذه النظرية.
فعند الخوض في غمار البحث عن الموضوع، نجد أن فقدان الضباط للاحترام الشعبي الذي كان مُقدمًا لهم، ومضايقة الحزب الديمقراطي لعصمت إينونو الضابط الكبير الذي كان اليد اليُمنى لمؤسس الجمهورية التركية، ومنعه من دخول مدينة قيصري، وبروز ملامح توّجه نحو فتح علاقات مع الاتحاد السوفييتي، وتدهور الحالة الاقتصادية، ومعاقبة بعض المدن التي تصوت للشعب الجمهوري، كتحويل مدينة كيرشهير إلى بلدة بسبب تصويتها للجمهوري، وغيرها من الأسباب أسفرت عن تدخل الجيش للانقلاب.
دستور 1961 والانقلاب عليه عام 1971
على الرغم من كونه دستورًا جاء بعد انقلاب الجيش، كان دستورًا ليبراليًا، كفل دستور 1961 حقوقًا سياسيةً واجتماعيةً وتعليميةً واقتصاديةً موسعةً للمواطن التركي، ففي ظله انتشر العمل النقابي، وزاد عدد الأحزاب، وسُمح لجميع الأحزاب بتقديم اعتراضها للمحكمة الدستورية التي أسست أصلًا على إثره، وحازت الجامعات على الاستقلال الذاتي، وغيرها الكثير من الحقوق التي نعم بها المواطن التركي كما لم ينعم من قبل.
في نهاية عام 1968، بدأت الأمور تسوء في تركيا، وأخذت الفوضى بالتنامي، ووصل الأمر حد الاشتباكات المُسلحة بين اليساريين واليمينيين، وفي ذلك بزغت بوادر الحرب الداخلية التي ستستمر حتى عام 1980
وفيما فاز حزب الشعب الجمهوري في انتخابات 1961 بالغالبية البرلمانية، إلا أنه لم يتمّكن من تأسيس حكومة وحده، واضطر للتحالف حزب العدالة، وكان هذه أول حكومة ائتلافية في تاريخ تركيا، ونتيجة لتحالف حزب العدالة مع الجمهوري، انطلقت مجموعة من الضباط بقيادة طلعت أي دامير لإجراء انقلاب في 22 من فبراير/شباط 1962، إلا أنه باء بالفشل.
في نهاية عام 1968، بدأت الأمور تسوء في تركيا، وأخذت الفوضى بالتنامي، ووصل الأمر حد الاشتباكات المُسلحة بين اليساريين واليمينيين، وفي ذلك بزغت بوادر الحرب الداخلية التي ستستمر حتى عام 1980، وفي 9 من مارس/آذار1971، حاولت مجموعة من الضباط الانتفاض من أجل تطبيق برنامج أتاتوركي ثوري يساري كبديل للنظام الليبرالي الموجود، وذلك ما جعل رئاسة الأركان تتحرك في 12 من مارس/آذار من ذات العام وتُصدر “مخطرة (مذكرة) عسكرية” تُطالب فيها الحكومة بالاستقالة، وتنص على بعض التعديلات الدستورية التي قيّدت الحراك النقابي، وأرفدت الحكومة بحق إصدار قرارات تنفيذية قانونية دون الرجوع للبرلمان، ومنحت المحاكم العسكرية حق محاكمة المدنيين.
انقلاب 1980
لم تهمد الحرب الداخلية بعد “المذكرة العسكرية” لعام 1971، بل زادت حدة دفعت الجيش للانقلاب من جديد على المسار الديمقراطي في 12 من سبتمبر/أيلول، وأبقى على حكمه حتى عام 1983، في عام 1982، عرض الانقلابيون دستورًا للاستفتاء الشعبي، حصل على نسبة 91%، ما جعل عددًا من الحقوقيين والباحثين يشككون في صحة النتيجة، وما زال هذا الدستور، رغم تعديل بعض مواده، الدستور الحاكم لتركيا، ويتسم هذا الدستور بالروح الدولتية المانحة للدولة ومؤسساتها حقوقًا أعلى من حقوق المواطن.
بعد انقلاب 1997، سيطر عهد الحكومات الائتلافية على تركيا، ولم يكن عهدًا خيّرًا بالنسبة لتركيا، حيث تدهورت فيها الأوضاع السياسية والاقتصادية
انقلاب 1997
وكأن تركيا تعشق الانقلابات، إذ لم يكد يمضي بعض السنوات على انقلاب 1980، حتى عادت الدبابات إلى شوارع أنقرة مهللةً بوجود انقلابٍ ناعم يطالب حكومة الرفاه “الإسلامية” بزعامة نجم الدين أربكان بالتنحي عن الحكم، وعلى النقيض من الانقلابات السابقة، كان المُحرك الأساسي لهذا الانقلاب هو التوجه الإسلامي الصارخ لحكومة أربكان، ذلك التوجه الذي أثار خيفة الجيش التركي “الأتاتوركي العلماني”، دافعًا به نحو التحرك، وسُمي ذلك الانقلاب “بانقلاب ما بعد الحداثة”.
فوز العدالة والتنمية والانقلاب عليه 4 مرات
بعد انقلاب 1997، سيطر عهد الحكومات الائتلافية على تركيا، ولم يكن عهدًا خيّرًا بالنسبة لتركيا، حيث تدهورت فيها الأوضاع السياسية والاقتصادية حتى وصلت إلى ذروتها في أزمتي 1999 و2001 الاقتصاديتين.
وفي غمرة التقهقهر الاقتصادي كانت تركيا بحاجة لمخلص، فظهر شعاع حزب العدالة والتنمية عام 2002 وحتى يومنا هذا، نجح العدالة والتنمية في إخراج تركيا من ظلمات الانحطاط الاقتصادي، وأخذ بها نحو المرتبة السابعة عشر في مصاف الدول الأقوى اقتصاديًا.
ربما الانقلاب الظاهر ضد حكومة حزب العدالة والتنمية هو انقلاب 15 من يوليو/تموز 2016، لكن الحقيقة أن حكومة حزب العدالة والتنمية واجهت انقلابين فعليين وانقلابين لم يُكتب لهم التنفيذ.
خلاصة حكم حزب العدالة والتنمية، يبدو أن ركونه للتحالف مع الاستخبارات وجهازي القضاء والأمن اللذين كانا تحت هيمنة جماعة غولن الملموسة، وتقديمه للشعب مكتسبات يخشى فقدانها، ومسايرته للمطالب الأوروبية في مجال الحقوق والسياسة، لعب دورًا كبيرًا في تغلبه على الانقلابات المُخطط لتنفيذها ضده.
الانقلابان الفعليان هما انقلاب 15 من يوليو/تموز، بالإضافة إلى انقلاب 27 من أبريل/نيسان 2007، سُمي هذا الانقلاب باسم “الانقلاب الإلكتروني”، نظرًا لإعلان رئاسة الأركان عنه عبر موقعها الإلكتروني، وقاوم الحزب في حينه الانقلاب عبر إعلانه رفضه الخضوع له، وتحرك بعض البيوقراطيين ومنظمات المجتمع المدني ضد الانقلاب، بالإضافة إلى الدعم الأوروبي لحكومة العدالة.
أما الانقلابان اللذان لم يُنفذا، فهما انقلاب 2003 الذي كشفته قضية “المطرقة” التي بدأت عام 2010، وأسفرت عن اعتقال عدد من الضباط “الأتاتوركيين” الذين أقروا بالتخطيط للانقلاب عام 2003، عبر افتعال أزمة بين الإسلاميين والعلمانيين من خلال استهداف مسجدي الفاتح وبيازيد بالعبوات المتفجرة واتهام العلمانيين بتفجيرها، وعبر افتعال أزمة مع اليونان بإسقاط إحدى الطائرات التركية، وتكثيف المؤتمرات التي تقنع الضباط بعداوة تركيا الشديدة لليونان، ودور الجيش في التحرك ضدها، وضرورة تحركه نتيجة الأزمة المفتعلة، بحسب ما جاء في تحقيقات النيابة العامة عن الأمر، لكن لم تُطبق الخطة، لخروج بعض الجنرالات للتقاعد، وتخوف البعض الآخر من عدم وجود دعم دولي.
والانقلاب الثاني كان مُخططًا لعام 2010، حيث خطط له مجموعة من الضباط “الأتاتوركيين القوميين”، لكن تم القبض عليهم عام 2009.
وفي خلاصة حكم حزب العدالة والتنمية، يبدو أن ركونه للتحالف مع الاستخبارات وجهازي القضاء والأمن اللذين كانا تحت هيمنة جماعة غولن الملموسة، وتقديمه للشعب مكتسبات يخشى فقدانها، ومسايرته للمطالب الأوروبية في مجال الحقوق والسياسة، لعب دورًا كبيرًا في تغلبه على الانقلابات المُخطط لتنفيذها ضده.
وفي محصلة المسار التاريخي للتجربة الديمقراطية التركية، نُلاحظ أنها تجربة قديمة جدًا مرت بالكثير من العثرات حتى وصلت لما هي عليه اليوم.