أكثر 6000 قتيل و10000 جريح خلفهم النزاع المسلح في اليمن طيلة الأعوام الثلاث الماضية منذ شنت قوات التحالف العربي بقيادة السعودية عملياتها العسكرية في مارس/آذار 2015، هذا بخلاف نزوح ما يزيد على مليوني يمني خارج البلاد هربًا من ويلات الحرب والدمار.
الانتهاكات الممارسة سواء من قوات التحالف أم الحوثيين وضعت اليمن في مصاف أكثر الدول تفاقمًا لأزماتها الإنسانية في العالم، حيث تقدّر نسبة من يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية بنحو 75% من السكان، في ظل استخدام الأطراف المتصارعة لكل التجاوزات الجسيمة للقانون الدولي دون أن تتوفر إجراءات كافية للمحاسبة بما يكفل تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا.
عشرات الملايين من اليمنيين باتت حياتهم عرضة للخطر، بفضل القيود المفروضة من التحالف على دخول السلع الأساسية، مثل الغذاء والوقود والإمدادات الطبية، إلى البلاد، فيما يعرقل الحوثيون توزيع المساعدات في المناطق المهددة بالمجاعة، وهو ما دفع “منظمة العفو الدولية” إلى اتهام تلك القيود بأنها قد تصل إلى جريمة حرب مكتملة الأركان.
3 سنوات من الانتهاكات
تقارير عدة آخرها الصادر عن “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” ذكرت أن أكثر من ثلثي السكان في حاجة لمساعدات إنسانية، وأن ما لا يقل عن 2.9 مليون شخص فرُّوا من ديارهم، فيما أشارت منظمة الصحة العالمية أن هناك أكثر من نصف مليون شخص يُشتبه في إصابتهم بالكوليرا بسبب الافتقار إلى المياه النظيفة والمرافق الصحية، وكان ما يقرب من ألفي شخص قد تُوفوا جراء وباء الكوليرا منذ بدء ظهوره عام 2016.
القيود التي فرضها التحالف على اليمن قد تشكل جريمة حرب
حتى يناير/كانون الثاني 2018 كان ما يقدر بنحو 22.2 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، بينهم 11.3 مليون بحاجة ماسة إلى المعونات الفورية و16 مليون لا يحصلون على ما يكفي من الماء النظيف والصرف الصحي ومتطلبات النظافة العامة، و17.8 مليون يفتقرون إلى الأمن الغذائي و1.8مليون طفل و1.1 مليون حامل و400 ألف طفل دون الخامسة يعانون من سوء التغذية، ونحو 5.4 مليون يحتاجون إلى المأوى الطارئ.
كما تسببت العمليات العسكرية في تدمير البنية التحتية ما نجم عنها تأخر أو عدم دفع الرواتب وارتفاع الأسعار وندرة السلع والخدمات وتراجع مستوى الخدمات الصحية والمعيشية، حتى بات العيش في ظل هذه الظروف مغامرة غير محسوبة، فإما الموت جوعًا ومرضًا أو قتلاً وتنكيلاً، وهو ما كان السبب الرئيسي في نزوح الملايين.
تفشي العديد من الأمراض جراء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية
قيود وحصار
تحت عنوان “تضييق الخناق” كشفت “العفو الدولية” سلسلة القيود التي يفرضها طرفا النزاع في اليمن، وتداعياتها الكارثية على الحالة الإنسانية لليمنيين الواقعين بين مطرقة التضييق الممارس من السعودية وفريقها وسندان عرقلة توزيع المساعدات من الحوثيين المدعومين إيرانيًا.
كانت الأمم المتحدة قد ذكرت قبل ذلك أن “التحالف” بقيادة الرياض الذي يدعم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ما زال يمثل السبب الرئيسي للخسائر في صفوف المدنيين في غمار النزاع، في ظل مواصلته ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وهو بمنأى عن المساءلة والعقاب.
فرض التحالف منذ 2015 حصارًا جزئيًا على موانئ البحر الأحمر اليمنية، بدعوى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2216، الذي فرض بموجبه حظرًا على توريد الأسلحة إلى جماعة الحوثيين والقوات الموالية لها، وفي 14 من أبريل/نيسان 2015، وأغسطس/آب 2016، أعلن التحالف إغلاق مطار صنعاء في وجه الرحلات التجارية.
وفي 6 من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قرر التحالف إغلاق جميع موانئ اليمن البرية والبحرية والجوية بصورة مؤقتة، وذلك في أعقاب استهداف الحوثيين العاصمة السعودية الرياض ببعض الصواريخ الباليستية، غير أنه وتحت ضغوط دولية أعلن التحالف عن إعادة فتح مطار صنعاء للرحلات الإنسانية فقط وذلك في 22 من نوفمبر الماضي.
القيود غير القانونية التي فرضتها قوات التحالف بقيادة الرياض على الواردات، إلى جانب التدخل الحاد في توزيع المساعدات على أيدي الحوثيين، تمنع وصول الإمدادات المنقذة للأرواح إلى اليمنيين الذين هم في أمس الحاجة إليها
هذا التضييق ساهم في تعميق الأزمة في اليمن، خاصة أن المساعدات الإنسانية وحدها لا تكفي لتلبية احتياجات السكان اليمنيين الذين يعتمدون في المقام الأول في حياتهم على المستوردات التجارية من السلع الأساسية كالمحروقات والغذاء والمواد الطبية، وتقدر الإحصاءات أن اليمن كان يعتمد على الاستيراد قبل النزاع بنسبة تتراوح بين 80-90% من احتياجاته الأساسية، وعلى سبيل المثال كان يحتاج إلى 544000 طن متري من الوقود المستورد شهريًا، تقلصت بفضل الخناق المفروض عليه إلى 190000 طن فقط وهو ما كان له أثر سيئ على الحالة المعيشية للشعب اليمني.
التقرير لم يحمل التحالف وحده مسؤولية هذا الخناق، إذ وصف ما أسماه “سلطات الأمر الواقع الحوثية”، أنها خلقت أيضًا عوائق أمام إيصال المساعدات الإنسانية داخل اليمن، حيث يصف عمال الإغاثة لمنظمة العفو الدولية كيف تسببت الإجراءات البيروقراطية المفرطة في تأخيرات شديدة.
ونقلت المنظمة عن 11 فردًا من عمال الإغاثة الذين يشغلون مناصب رفيعة المستوى في منظمات غير حكومية تعمل في اليمن منذ بداية النزاع، قولهم إن هناك مجموعة من الممارسات التي تنفذها بها باستمرار جماعة الحوثي، أعاقت إيصال المساعدات الإنسانية.
كما وصفت الإجراءات الحوثية بأنها بيروقراطية مفرطة وتعسفية، وصلت حد فرض قيود على حركة موظفي المساعدات الإنسانية، لافتة إلى أن في إحدى المرات، استغرق الأمر شهرين لنقل الإمدادات إلى خارج صنعاء، عندما وصلت الإمدادات إلى البلد.
قيود التحالف والحوثيون جريمة حرب كاملة
جريمة حرب
“العفو الدولية” في تقريرها اتهمت السعودية وفريقها بفضل قيودهم المفروضة على دخول السلع الأساسية بتعريض حياة الملايين من اليمنيين للخطر، فيما اتهمت جماعة الحوثيين بتأخير توزيع المساعدات في المناطق المهددة بالمجاعة، ووفقًا لهذا التقرير فإن هذه العقبات – التي تفاقمت نتيجة للهجوم العسكري بقيادة السعودية على الميناء الحيوي لمدينة الحديدة – إلى تفاقم الحالة الإنسانية، المتردية أصلاً في اليمن، وانتهاك القانون الدولي.
لين معلوف مديرة البحوث في برنامج الشرق الأوسط بالمنظمة أشارت إلى أن “القيود غير القانونية التي فرضتها قوات التحالف بقيادة الرياض على الواردات، إلى جانب التدخل الحاد في توزيع المساعدات على أيدي الحوثيين، تمنع وصول الإمدادات المنقذة للأرواح إلى اليمنيين الذين هم في أمس الحاجة إليها”، محذرة من عواقب وخيمة لهذه القيود على المدنيين، فالملايين منهم على حافة المجاعة، وفي حاجة إلى المساعدة الإنسانية، مشيرة إلى أنه لا يمكن تجاهل هذه الأزمة الإنسانية التي صنعها الإنسان، داعية العالم إلى “ألا يدير ظهره لها، بينما تختنق الحياة ببطء في اليمن”.
تقدر الإحصاءات أن اليمن كان يعتمد على الاستيراد قبل النزاع بنسبة تتراوح بين 80-90% من احتياجاته الأساسية، وعلى سبيل المثال كان يحتاج إلى 544000 طن متري من الوقود المستورد شهريًا، تقلصت بفضل الخناق المفروض عليه إلى 190000 طن فقط
التقرير ذكر أن القيود المفروضة على دخول الوقود والإمدادات الطبية، ساهمت في انهيار نظام الرعاية الصحية في البلاد، مؤكدًا أن أسلوب وتوقيت القيود المشددة – التي تأتي بعد إطلاق صواريخ الحوثي على العاصمة السعودية، الرياض – يشيران إلى أن ذلك يمكن أن يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي بالسكان المدنيين في اليمن، مشددًا على أن القيود التي فرضها التحالف قد تشكل جريمة حرب.
وقد خلص التقرير إلى حث مجلس الأمن على التدخل الفوري والسماح للمنظمات الإنسانية والحقوقية والصحفيين بدخول اليمن دون أي عائق، وضمان التنفيذ الفعال من جانب جميع أطراف النزاع لأحكام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان وقرار مجلس الأمن 2216 والبيان الصادر عن رئيس مجلس الأمن في 15 من مارس/آذار 2018.
كما طالب بضرورة فرض عقوبات موجهة ضد المسؤولين عن عرقلة المساعدات الإنسانية سواء من جانب التحالف بقيادة السعودية أم الحوثيين، وأن تقوم المؤسسات الأممية بدورها في وقف تلك الانتهاكات الممارسة على أرض الواقع والتي يدفع المدنيون العزل وحدهم ثمنها الباهظ الذي كلفهم حتى الآن 6 آلاف قتيل وما يزيد على 10 آلاف مصاب.