بعد ساعات قليلة من الموجة الرابعة من قرارات رفع أسعار السلع والخدمات والمحروقات في مصر، دشن معارضون وسم #ارحل_يا_سيسي للتعبير من خلاله عن غضبهم مما آلت إليه الأوضاع، مطالبين الرئيس المصري بالرحيل بعدما فشل في تحقيق الحد الأدنى من الوعود التي قطعها على نفسه قبل 4 سنوات حين أكد في أكثر من تصريح أن مصر ستكون “قد الدنيا” وأن أوضاع المصريين ستتحسن في غضون عامين، وهو ما لم يتحقق.
الوسم الذي احتل المركز الأول في قائمة الوسوم الأعلى تداولًا عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” في مصر أثار قلق وحفيظة الطرف الآخر الموالي لنظام السيسي، ما دفعه هو الآخر لتدشين وسم جديد تحت عنوان #السيسي_زعيمي_وافتخر وبعده بيومين وسم آخر تحت عنوان #السيسي_مش_هيرحل ليحققا بدورهما مركزًا متقدمًا في ظل حشد اللجان الإلكترونية للترويج لهما.
سجال أشبه بمباراة كرة قدم، هدف هنا يقابله هدف هناك، يسعى كل فريق إلى تسجيل أكبر قدر من التغريدات والتدوينات التي ترجح كفته، سواء من المعارضين المناوئين للنظام أم الداعمين له، ليبقى السؤال: هل من الممكن أن تتحول هذه المعركة من ساحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى الميادين والشوارع مرة أخرى، خاصة مع تردد دعوات لحشد تظاهرات معارضة في ذكرى الـ30 من يونيو؟
الوسمان احتلا المراكز الأولى في تريند تويتر بمصر
معارك افتراضية ساخنة
في 16 من يونيو/حزيران الحاليّ ثاني أيام عيد الفطر، استيقظ المصريون على حزمة قرارات جديدة برفع أسعار المحروقات بنسب تتراوح بين 17.5% و66.6%، كذلك أسطوانات الغاز المنزلي (البوتاجاز) بما قارب 66.6%، وذلك قبل أيام قليلة من بدء تطبيق الموازنة السنوية الجديدة التي تبدأ أول يوليو/تموز القادم، أعقبها بالتبعية قفزات جنونية في أسعار السلع والخدمات.
الزيادة التي جاءت بعد أقل من يومين من زيادة فواتير الكهرباء بنسبة 26%، ومن قبلها أسعار تذاكر مترو الأنفاق 250% ومياه الشرب 46%، وغيرها من ارتفاعات بتراخيص السيارات بنسبة 200% واستخراج جوازات السفر 150% وتعريفة التاكسي والمواصلات الداخلية بنسبة 30%، أثارت حفيظة المصريين بصورة غير مسبوقة.
معدلات الفقر بين المصريين في ظل هذه السياسات تجاوزت حاجز الـ30 مليون مواطن تحت مستوى خط الفقر، مع توقعات بزيادة هذا الرقم في ظل الإصرار على السير قدمًا في ظلال صندوق النقد الدولي وشروطه المجحفة التي تستهدف في المقام الأول تقليص الدعم وتوفير موارد سد القرض التي حصلت عليه مصر والبالغ قيمته 12 مليار دولار، حتى لو كان ذلك على حساب ملايين الفقراء ومحدودي الدخل.
https://twitter.com/TarekHussein22/status/1010175696780582912
Wish it was that easy a while ago after all the disgrace and pain you brought upon us but..#ارحل_يا_سيسي#Sisi_leave pic.twitter.com/eSqENpp2Y1
— Nada (@_naada0) June 24, 2018
عقب هذه الزيادات دشن مصريون غاضبون وسم #ارحل_يا_سيسي استنادًا إلى تصريحاته السابقة “لو عايزني أمشي همشي” و”لو المصريون قالولي ارحل هقولهم السلام عليكم”، كمتنفس افتراضي لهم للتعبير عن حالة الغضب التي سيطرت على الشارع المصري جراء القفزات الجنونية التي تشهدها الأسعار في الوقت الذي لم تتحرك فيه الرواتب والدخول، ما ألقى بظلاله القاتمة على الحياة المعيشية للبسطاء، ولعل هذا ما يفسر زيادة معدلات الانتحار في الآونة الأخيرة التي ترجع في كثير منها إلى عدم قدرة “المنتحر” على الوفاء بما عليه من التزامات مادية ناحية أهله وأسرته.
أجواء شبيهة تلك التي يعيشها المصريون هذه الأيام، وهو ما أعاد حلم استعادة الثورة المنهوبة للأذهان مجددًا، وبينما المصريون على مشارف الذكرى الـ5 لأحداث 30 من يونيو تصاعدت بعض الدعوات للنزول إلى الشارع والميادين والتظاهر
الفريق الداعم لهذا الوسم استعرض عبر تكتيكات وتغريدات متباينة الدوافع التي قادته لتدشينه، على رأسها الفشل الواضح في إدارة الكثير من الملفات على رأسها الملف الاقتصادي والحقوقي، فضلًا عن الآثار الاجتماعية الكارثية الناجمة عن السياسات المتبعة التي قسمت المجتمع إلى قسمين، الأول: الذي يتمتع بحظوة وحصانة النظام ولهم كل المزايا والمغريات وهم قلة لا يتجاوز عددها 2% من عدد السكان، الثاني: وهم عامة الشعب المطالب بتحمل أعباء المرحلة وسداد فاتورة الفشل والإخفاق على مدار السنوات الماضية.
استطاع وسم #ارحل_ياسيسي بعد ساعات قليلة من تدشينه تصدر الوسوم الأعلى تداولًا على تويتر، ما أثار قلق وحفيظة الفريق الآخر الداعم للسيسي ونظامه، وعلى الفور دشن وسم آخر مناهض للأول يحمل عنوان #السيسي_زعيمي_وأفتخر لينازع الوسم الأول في ترتيب الصدارة.
#السيسي_مش_هيرحل
السيسى العظيم وعد واوفى ولسه اللى جاى اكثر
معاك للنهاية يا ريس— sherien Mahmoud (@sherien69) June 24, 2018
الفريق الداعم للسيسي بدأ أول الأمر يتحدث عمّا يعتبره إنجازات وإصلاحًا اقتصاديًا، قبل أن يركز بعدها بيومين في الرد بشكل مباشر على دعوات رحيل الرئيس المصري، ما دفعه لتدشين وسم آخر #السيسي_مش_هيرحل لتتبنى بعض وسائل الإعلام الموالية للنظام مثل هذه التحركات على رأسها صحيفة “اليوم السابع” التي وضعت هذا الوسم في كل خبر تنشره على السوشيال ميديا في محاولة لمضاعفة تغريداته، لتبدأ المعركة السجالية بين الفريقين عبر أساليب وإستراتيجيات فنية يسعى من خلالها كل فريق لتحقيق الانتصار والصعود للمركز الأول في صدارة التريند.
مصر تعرضت لارهاب و شهداء واجهته بصدرها
والان تتعرض لازمه اقتصاديه وناس مش مستحمله علشان كرشها
ديه الخلاصه#السيسى_زعيمي_وافتخر— نفادي (@Nafady2024) June 23, 2018
ليست الأولى
المعركة الافتراضية المشتعلة الآن بين أنصار السيسي ومعارضيه ليست الأولى بين الفريقين، كما أنه من الواضح أنها لن تكون الأخيرة في ظل غلق معظم النوافذ الأخرى التي يستطيع من خلالها المعارضون التعبير عن آرائهم وسط إحكام القبضة بالقوة الجبرية.
قبيل أشهر من انطلاق رئاسيات 2018 التي فاز فيها السيسي على منافسه “الصوري” موسى مصطفى موسى، أعلن تحالف دعم الشرعية “معارض” تدشين حملة أخذت من الوسم #رافضينك عنوانًا لها، معلنًا من خلاله تنظيم فعاليات سلمية لرفض ترشيح السيسي لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية.
التحالف عبر هذا الوسم استعرض ملامح فشل النظام الحاليّ خلال الولاية الأولى في تحقيق أحلام المصريين، والوصول بالبلد إلى هذه المرحلة التي يدفع الجميع ثمنها بلا استثناء، غير أنه في المقابل من ذلك ظهرت حملة “عشان نبنيها” دشنت بدورها وسمًا بهذا الاسم أيضًا، يقف وراءها أحزاب ومشاهير مؤيدون للسيسي، ويدعونه إلى الترشح لفترة رئاسية ثانية، لاستكمال ما يعتبرونه “إنجازات ضخمة” تحققت في ولايته الأولى.
القبضة الأمنية المحكمة ربما تكون العائق الوحيد أمام الانتقال من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع
من السوشيال ميديا إلى الميادين!
في أجواء ما قبل 25 من يناير/كانون الثاني 2011، حالة من الزخم سيطرت على مواقع التواصل الاجتماعي كانت الشرارة الأولى لاشتعال الثورة، وبالفعل نجحت في أيامها الأولى في الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، حتى إن فشلت في اقتلاع جذور نظامه من الأساس.
أجواء شبيهة تلك التي يعيشها المصريون هذه الأيام، وهو ما أعاد حلم استعادة الثورة المنهوبة للأذهان مجددًا، وبينما المصريون على مشارف الذكرى الـ5 لأحداث 30 من يونيو تصاعدت بعض الدعوات للنزول إلى الشارع والميادين والتظاهر ضد النظام الحاليّ في محاولة لتكرار تجربة مبارك.
استطاع وسم #ارحل_ياسيسي بعد ساعات قليلة من تدشينه على تصدر الوسوم الأعلى تداولًا على تويتر، ما أثار قلق وحفيظة الفريق الآخر الداعم للسيسي ونظامه، وعلى الفور دشن وسم آخر مناهض للأول يحمل عنوان “#السيسي_زعيمي_وأفتخر”
غير أن الأمر ربما لم يكن على هذه الوتيرة وفق البعض، فالقبضة الأمنية التي فرض النظام الحاليّ سيطرته من خلالها على أجواء الشارع المصري خلال السنوات الأخيرة، التي خلفت وراءها ما يقرب من 40 – 50 ألف معتقل سياسي، فضلًا عن مئات الحالات من القتل خارج القانون، هذا بخلاف خنق الحريات بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر، ربما تدفع الكثيرين من المعارضين إلى إعادة النظر قبل التفكير في النزول مجددًا، في ظل ضوء أخضر معطى للأجهزة الأمنية للإجهاز على أي محاولة من هذا النوع، دون رادع حقوقي أو إنساني، حتى لو تكلف الأمر المزيد من آلاف المعتقلين أو القتلى.
البعض يرى صعوبة في ترجمة هذا التفاعل الواضح على منصات التواصل الاجتماعي إلى ممارسات ميدانية على أرض الواقع، وإن كان هذا لا يعني تجاهل ما يحمله هذا الحراك من تأثير، لكنه يبقى في إطاره الافتراضي الضيق، غير أن آخرين يرون أن الخروج من عباءة الخوف التي ظلل النظام بها على المصريين خلال الفترة الماضية والتعبير عما يجيش بصدور المصريين عبر هذا الوسم الذي ربما يعرض أصحابه للخطر، يمثل نقطة مضيئة قد تحمل معها بارقة أمل في إحداث حراك ميداني مستقبلي، حال كان هناك إعادة لترتيب الأوراق مجددًا.