ترجمة حفصة جودة
كانت سيارة همسة السنوسي “رانج روفر” الحمراء الجديدة تقبع داخل ممر المنزل لمدة شهرين، ولم يعمل محركها سوى للحظات قصيرة سرية حول مربعها السكني، لكن بعد منتصف الليل يوم السبت لم يعد على همسة وسيارتها الاختباء أكثر من ذلك، كانت همسة تتطلع لهذا الهدف طوال حياتها – أن تقود بنفسها إلى أي مكان في أي وقت – وها قد أصبح حقيقة لها وللعديد من النساء السعوديات اللاتي سيتمكن لأول مرة من القيادة على الطريق بشكل قانوني.
تقول سنوسي من مكتبها في المنزل وحولها العديد من صديقاتها المتحمسات: “لم أكن أعتقد أن هذا اليوم سيأتي أبدًا طوال حياتي، الكثير من الناس يعودون من الخارج من أجل هذا اليوم فقط، إنها لحظات حاسمة”.
تعد هذه الحركة الحاسمة محورًا رئيسيًا في برنامج الإصلاح الذي تطرق إلى أشياء كانت محرمة في المملكة من قبل، لينهي عقودًا من القمع حجمت من دور النساء في المجتمع، لتصبح السعودية آخر دولة في العالم تمنع النساء من القيادة.
همسة السنوسي تحمل رخصة القيادة الخاصة بها
استخدم قادة المملكة هذا التغيير كعلامة على عصر جديد، واستُبدلت أشكال المحافظة الاجتماعية الظاهرية بحقوق جديدة، ففي وقت ليس ببعيد كانت صور النساء خلف عجلات القيادة تسبب غضبًا في المملكة، أما الآن فأصبحت صور النساء وهن يحملن رخصة القيادة صورًا تبشر بتغيير دائم.
تعد سنوسي من بين 30 امرأة في جدة حصلن على رخصة القيادة من بين آلاف المتقدمات، اختيرت الحاصلات على الرخصة بعناية، وأصبحت سياسات المملكة في اختيار من يحصلن على الرخصة محل نقاش كبير.
قبل شهرين اعتُقلت 17 ناشطة سعودية على خلفية حملة ضد التقاليد المحافظة، وما زال هناك 9 منهن في السجن، من ضمنهن ناشطات بارزات بتهمة تقويض المملكة ومساعدة أعدائها، كما اتُهمت العديدات منهن بالخيانة في بعض الصحف التابعة للمملكة.
“عندما رأيت هذا التغيير الذي يحدث هنا لم أتمالك نفسي من البكاء” خلود الغامدي
أما اللاتي أطلق سراحهن فطُلب منهن عدم التحدث مع الأجانب مما أثار اعتقادًا بين العديد من السعوديين بأن اعتقالهن سببه الحديث عمن له الفضل في تلك الخطوة، تقول إحدى الناشطات: “إنهم يرغبون في أن يأتي هذا القرار من أعلى، يجب أن يكون هدية من الحكام وليس نتيجة ضغوط شعبية، فهم لا يريدون الظهور كأنهم يخضعون لطلب معين”.
تقول “هيومن رايتس ووتش” إن اثنتين من الناشطات وهن نوف عبد العزيز ومايا الزهراني تعرضن للاحتجاز قبل إعلان اعتقالهن، وكانت نوف قد كتبت من قبل: “أنا لست مخربة أو إرهابية أو مجرمة أو خائنة، لست سوى مواطنة صالحة تحب بلادها وتتمنى لها الأفضل”.
أما سنوسي وصديقاتها فقد كن متشككات بشأن الأمر حيث تقول: “لم يتعرضن للاعتقال لأنهن ناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أصدرت الحكومة بيانًا بأنهن يتعاملن مع قوى أجنبية، ولا أعتقد أن تخاطر الحكومة السعودية بتلك الخطوة في هذا الوقت الذي تحاول فيه تحسين صورتها”.
همسة السنوسي تخاطر بقيادة السيارة حول مربعها السكني قبل رفع الحظر
أما خلود الغامدي – 30 عامًا – فقد عادت إلى السعودية لأول مرة منذ 4 سنوات من دراستها في كاليفورنيا لتشهد هذا اليوم، وتقول خلود: “أحب السيارات الضخمة والدراجات النارية، عندما رأيت هذا التغيير الذي يحدث هنا لم أتمالك نفسي من البكاء”.
في أحد مقاهي جدة هناك امرأتان تشعران بالحماسة أيضًا بهذا التغيير لكنهما مترددتان في اتخاذ الخطوة بأنفسهما، تقول رؤى – 26 عامًا -: “لم أحصل على دروس في القيادة بعد ولم أتقدم حتى بطلب للحصول على الرخصة، بالطبع أشعر بالحماسة لأن النساء يمكنهن القيادة الآن لكنني ما زلت متحفظة بعض الشيء، فلست مستعدة نفسيًا لهذا الأمر، بالنسبة لوالداي فهما يدعماني لكنني ما زلت في طور الإعداد النفسي”.
أما وفاء – 28 عامًا – فتشعر بالحماسة أيضًا وتقول: “لقد مر وقت طويل ونحن جميعًا نشعر بالحماسة حتى والدي، لكنني لا أرغب أن أكون في أوائل من يقدن اليوم، ربما سأنتظر حتى أرى كيف ستسير الأمور وكيف سيتعامل المجتمع مع ذلك، وعندما أشعر بالأمان الكافي سوف أجلس بالطبع خلف عجلة القيادة”.
هناك زيادة في مبيعات السيارات من جانب الرجال الذين نقلوا ممتلكاتهم لزوجاتهم وبناتهم
بالعودة إلى الحي الغني الذي تسكن به سنوسي فإن مزايا السماح بالقيادة تتجاوز المخاوف المجتمعية، تقول سنوسي: “الأمر أكبر من مجرد امتلاك مفتاح لسيارتك الخاصة، فالنساء أخيرًا يمكنهن الاستقلال عن عائلاتهن ويمكن للأمهات الاستمتاع ببعض الأشياء البسيطة مثل توصيل الأطفال إلى المدرسة، فرواتب السائقين أصبحت باهظة، هذا الأمر يمكن المرأة ويمنحها الراحة والاستقلال”.
تفيد مدارس تعليم القيادة في أنحاء السعودية أن هناك اهتمامًا متزايدًا بالأمر وزيادة في مبيعات السيارات من جانب الرجال الذين نقلوا ممتلكاتهم لزوجاتهم وبناتهم، لكن الحصول على الرخصة ما زال ممنهجًا وما زالت الدولة تحكم سيطرتها على الأمر.
في المكاتب الحكومية ما زال هناك قلق واسع النطاق بشأن رفع الحظر، فرجال الدين أعربوا عن اعتقادهم بأن النساء لسن مؤهلات نفسيًا للقيادة، وفي المحادثات الخاصة يتحول النقاش بين الرجال سريعًا إلى استياء متزايد بشأن تلك التغييرات الجارية.
في مطار جدة يقول ضابط مراقبة الجوازات: “تشعر نساؤنا بالحماسة أما نحن فنشعر بالرعب، فالله وحده يعلم كم من الحوادث ستحدث نتيجة لذلك، إنهن يزعجوننا منذ زمن والآن يحصلن على ما يردن، وقد حان الوقت الآن ليتولين زمام الأمور”.
المصدر: الغارديان