انتهت الجولة الأمريكية على عدة دول عربية بجانب الاحتلال الإسرائيلي بقيادة الموفدين الأمريكيين للمنطقة جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات، شملت مصر والأردن وضمت عدة لقاءات جمعت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القصر الملكي بالأردن، وتضمنت زيارة أنجيلا ميركل رئيسة وزراء ألمانيا للأردن، ثم لقاء صائب عريقات رئيس طاقم المفاوضات في السلطة الفلسطينية لعدة أطراف تزامنت مع زياراتهم في الأردن، ووجود جارد كوشنير وغرينبلات في مصر، وكل ذلك يدل على أن صفقة القرن تدخل حيز المناقشة الجدية لكن هل بدأت؟ ومن أين ستبدأ؟ أم أنها ولدت ميتة؟
بحسب أمين سر اللجنة التنفيذية لحركة لمنظمة التحرير ورئيس طاقم المفاوضات مع الاحتلال برعاية أمريكية صائب عريقات فإن الجولة جاءت لهدفين أولهما تغيير النظام السياسي في الضفة الغربية لشكل يشبه الإدارة المدنية دون أي سلطة سياسية، ثانيهما حل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا وتحويل المساعدات المقدمة لها من هيئة الأمم المتحدة إلى دول وجود اللاجئين الفلسطينيين بشكل مباشر دون تدخل الأمم المتحدة.
شكل الصفقة الجديد
لم تتخذ الإدارة الأمريكية شكلًا محددًا لصفقة القرن، لصعوبة تطبيقها على أرض الواقع في ظل عدم اقتناع الفلسطينيين أنفسهم بها، ما يتطلب نزع سلاح حماس بالقوة واستبدال للتيار الرافض للصفقة من السلطة في الضفة، لكن شكل الصفقة الذي يتغير يوميًا قد ظهر كخليط من عدة اقتراحات سابقة أهمها خطة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون التي تعتمد على تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية، وبسيادة سياسية دون البلدة القديمة في القدس، مع خطة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري بشأن عدم إخلاء المستوطنات والتركيز على المؤسسات الفلسطينية وتقويتها، واستبدال حل الدولتين الذي طرحه أوباما ببديل السلام الاقتصادي الذي يطرحه ترامب كمدخل تلقائي لتحقيق السلام السياسي.
قال الصحفي المقرب من الموساد الإسرائيلي عاموس هارئيل: ” الجزم بأن موعد طرح الخطة غير واضح، وحسب معلومات لنون بوست فإن حماس ومصر ترفضان شكل الخطة وانفصال غزة عن الضفة”
وفق ما كتبه الصحفي المقرب من الموساد الإسرائيلي عاموس هارئيل في هآرتس بأن الخطوط العامة الموثوقة لخطة ترامب تتضمن أن تكون أبو ديس عاصمة للكيان الفلسطيني في الضفة الغربية وليست القدس الشرقية، مع بقاء القدس القديمة بيد الاحتلال الإسرائيلي، مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من ثلاث إلى خمس قرى وحارات عربية شرق وشمال القدس، دون إخلاء أي مستوطنة في الضفة الغربية حتى المعزول منها، وبقاء غور الأردن تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي بالكامل، ودولة فلسطينية في الضفة الغربية دون جيش أو سلاح ثقيل، مع ربط غزة كليًا بمصر.
لكن هارئيل جزم بأن موعد طرح الخطة غير واضح، وحسب معلومات لنون بوست فإن حماس ومصر ترفضان شكل الخطة وانفصال غزة عن الضفة، كذلك رفض السلطة الفلسطينية للصفقة بالكامل، ولذلك الحديث عن موعد قريب للصفقة مستحيل في ظل رفض الفلسطينيين أساسًا.
ثلاث دول لشعبين.. نماذج سياسية جديدة
في مطلع سبتمبر 2017 وخلال ندوة أقيمت بمركز الأبحاث “شاتام هاوس” بلندن قال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “قبل شروعنا لإقامة دولة فلسطينية يجب علينا أن نفحص مجددًا النموذج الجديد للسيادة والسيادة غير المحدودة، والتأكد من إمكانية تطبيقها دون سيطرة الفلسطينيين على الحدود والمجال الجوي”، يقصد نتنياهو تمامًا نموذج اقتصادي لتسهيل حياة الفلسطينيين دون أي سيادة سياسية.
وبالأمس نشر الجنرال في الاحتلال الإسرائيلي غرشون هاكوهين الباحث في مركز بيغن -السادات للدراسات الإستراتيجية مقالًا مطولًا لموقع نيوز ون الإخباري يطرح فيه حلًا جديدًا في ظل انسداد الأفق السياسي لعملية التسوية مع الفلسطينيين، يتمثل بإقامة ثلاث دول لشعبين، في ظل النموذج السائد في الضفة الغربية القائم على توفير الاحتياجات الاقتصادية والأمنية لكلا الطرفين، على يتم تطبيقه بين مصر وغزة بما يلبي الحاجة الاقتصادية لغزة والحاجة الأمنية لمصر والاحتلال الإسرائيلي.
حسب تصريحات مختلفة من القيادة الفلسطينية في السلطة فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفض بشكل كامل الصفقة
وركز هاكوهين على ضائقة غزة الإنسانية كمدخل لصفقة الثلاث دول المطروحة، دولة في الضفة الغربية بنموذج الحكم الذاتي، ودولة في غزة وشمال سيناء وصولًا للعريش، ودولة للاحتلال الإسرائيلي، وذلك ضمن الواقع الجديد الذي نشأ في غزة عام 2007 بعد فوز حماس تمثل بقوة عسكرية شبه نظامية مسيطرة على مساحة جغرافية.
وخالف نيكولاي ملادينوف المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط رأي هاكوهين في النظر لمسألة غزة على أنها قضية إنسانية فقد قال: “قضية غزة ليست إنسانية بل أمنية وسياسية خطيرة”.
ووضح ملادينوف أن حصار الاحتلال الإسرائيلي لغزة زاد أوصل غزة لأسوأ أوضاعها بسبب عدم دفع الرواتب وتقليل الكهرباء، وسقوط مزيد من الضحايا الفلسطينيين على الحدود الشرقية لقطاع غزة، ولم يلب الاحتلال الإسرائيلي حاجة الفلسطينيين الأساسية للحياة، وهناك مسؤولية كبيرة على المجتمع الدولي لمنع اندلاع حرب جديدة في غزة.
هل تستطيع أمريكا فرض الصفقة على الفلسطينيين؟ ومن الطرف المعطل؟
حسب تصريحات مختلفة من القيادة الفلسطينية في السلطة فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفض بشكل كامل الصفقة وقد نعت السفير الأمريكي في تل أبيب دافيد فريدمان بـ”ابن الكلب” بعد فشل مشروع حل الدولتين الذي كان يسير به أبو مازن على مدار 25 عامًا بعد اتفاقية أوسلو.
وبعد رفض عباس تحاول أمريكا فرض صفقة القرن من بوابة غزة باعتبارها حالة إنسانية بعد الترويج لهذه القضية على مدار عام ونصف من إدارة ترامب، ومطلب المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لمعالجة الأزمة الإنسانية، فيتوقع قولبة الصفقة كجزء إنساني يفرض على أبو مازن أو تغييره ببديل يقبل الصفقة، بعد إقناع الفلسطينيين بوجود وزير خارجية لهم وتمثيل في الأمم المتحدة كشكل لدولة غير كاملة العضوية، مع حكم ذاتي منقوص السيادة السياسة وفق مشروع السلام الاقتصادي الذي يطرحه ترامب.
على الرغم من أن المخابرات المصرية أبلغت قادة حماس في القاهرة عدم قبولهم للتنازل عن القدس أو تشتيت الفلسطينيين، فإن التغيرات الجيوسياسية على الأرض في سيناء تشير إلى غير ذلك
لا يوجد طرف عربي رافض لما تطرحه الصفقة بشقها الاقتصادي، لكن لا تستطيع أي دولة عربية تحمل تبعات الشق السياسي للصفقة بالتنازل عن القدس وإلغاء الدولة الفلسطينية، وتثبت ذلك على نفسها أمام الفلسطينيين أولًا والدول العربية والمجتمع الدولي، لذلك كشف عريقات أن موقف الدول العربية موحد في الشق السياسي لعدم تهجير الفلسطينيين أو إلغاء كيانهم، لكن خلافًا حادًا سعوديًا مع الأردن نشأ على ملف الوصاية على القدس، وضغوطات أمريكية على الملك عبد الله ومحاولات قلقلة الوضع السياسي في الأردن جعلت الأخير يقبل بشكل الصفقة بشقها الاقتصادي دون الدخول بالتفاصيل السياسية.
وعلى الرغم من أن المخابرات المصرية أبلغت قادة حماس في القاهرة عدم قبولهم للتنازل عن القدس أو تشتيت الفلسطينيين، فإن التغيرات الجيوسياسية على الأرض في سيناء تشير غير ذلك، ولكن توافقًا مصريًا مع حماس على عدم التنازل عن الثوابت الفلسطينية، وهذا ما أكده صائب عريقات في لقائه مع المسؤولين العرب في الأردن، بأن موقف العرب موحد باتجاه الثوابت الفلسطينية.
القبول من عدمه ليس بعمومه بل بخصوصه، فطرح السلام الاقتصادي القائم على تطبيع فوري للعلاقات الاقتصادية العربية مع الاحتلال الإسرائيلي هو ما يدفع بعض الدول العربية لتسارع عقد صفقة تشمل تعاونًا اقتصاديًا مشتركًا يلتقي فيها مشروع الريفيرا على البحر الأحمر مع الخط العابر بين تل أبيب والرياض، لكن إلى الآن لم يستطع العرب إقناع الفلسطينيين في السلطة برام الله أو حماس بغزة لتقديم تنازلات لصفقة اقتصادية تقضي على سيادتهم السياسية.
حماس ترفض التنازل عن سلاحها ضمن مشروع تحرير فلسطين الذي تتبناه مقابل أي ثمن اقتصادي، والسلطة ترفض التنازل عن القدس أو حل الدولتين لذلك عطّل الرئيس الفلسطيني محمود عباس حل الدولتين مؤقتًا مراهنًا على الوقت حتى تتغير الإدارة الأمريكية، يبقى حل فرض الصفقة أمريكيًا وعربيًا على الأطراف الفلسطينية وهو ما يرجح خيار استخدام القوة في غزة أو الحراك الشعبي ضد حماس في حال رفضها، أو خيار تغيير شكل السلطة في الضفة وعمومًا في كلتا الحالتين فإن الرفض الفلسطيني للصفقة لا يجبر العرب على فرض حل سياسي عليهم أو ممارسة عقوبات اقتصادية تفجر الأوضاع بالكامل إلى طريق مجهول، يبقى أمام الفلسطينيين خيار وحيد هو الوحدة بأسرع وقت تجاه ما يحاك من صفقة قد تلغي القضية الفلسطينية.