“إن الاعتراف بدولة فلسطين ليس هدية تُمنح لحركة حماس، ولا مكافأة تُمنح للفلسطينيين، بل هو عمل من أعمال العدالة”، يقول اليهودي المولود في القدس، روني برومان، الرئيس السابق لمنظمة أطباء بلا حدود.
رغم كونه يهوديًا، بل كان أبوه صهيونيًا وعسكريًا ساهم في تأسيس “إسرائيل”، يرى برومان – بشكل جدلي – أنه لو كان بيديه الحكم على قيام “إسرائيل” – وقت تأسيسها – من عدمه، لما كان سيوافق على وجودها، رغم أنه يرى الآن أن حل الدولتين هو الأنسب.
برومان من أهم الأصوات اليهودية الفرنسية، بل والعالمية، المناهضة لـ”إسرائيل” وانتهاكاتها ضد الشعب الفلسطيني، وربما ساعد على علو صوته دوليًا أنه كان رئيسًا لأطباء بلا حدود، تلك المنظمة الدولية التي امتد عملها في أماكن مختلفة من قارات العالم، خاصة في أماكن الأزمات والنزاعات، التي تحتاج إلى تدخلات إنسانية.
تحتل القضية الفلسطينية جزءًا كبيرًا من شخصية برومان، حتى إنه صار يعرف كمتخصص في هذا الشأن، وضيف مهم لدى الإعلام الفرنسي والدولي للحديث عن القضية الفلسطينية، خاصة أنه أحد المؤلفين الرئيسيين لكتاب “العودة من فلسطين”، الذي يوثق شهادات بعثة المتطوعين الدوليين (جزء كبير منهم فرنسي) التي انطلقت من فرنسا ووصلت إلى فلسطين يوم 27 مارس/آذار 2002 خلال العدوان الإسرائيلي على رام الله، الذي وقعت خلاله مجزرة جنين.
كيف تحول روني برومان، اليهودي المولود في “إسرائيل”، إلى دعم القضية الفلسطينية؟ ما الأفكار التي انطلق منها إلى معاداة الصهيونية؟ ما أبرز نشاطاته لدعم القضية الفلسطينية وخاصة بعد عملية طوفان الأقصى؟ هذا ما نلقي الضوء عليه في سطورنا التالية.
من الفرح بهزيمة الـ 67 إلى معاداة الاحتلال
في 19 يونيو/حزيران 1950 ولد روني برومان في القدس، حيث كان والده جان برومان، جنديًا في العصابات الصهيونية التي أسست دولة “إسرائيل” في حرب 1948، لكن في عام 1955 أرسله والده إلى والدته جينيا ساور في فرنسا ليعيش معها، حسبما حكى برومان في حوار له مع مجلة الإكسبرس الفرنسية.
نشأ روني في فرنسا بعيدًا عن “إسرائيل” وتدرج في تعليمه حتى تخرج في كلية طب كوشين بور رويال، ثم حصل على الدكتوراه في الطب الاستوائي والصحة العامة وعلم الأوبئة من نفس الكلية.
في فترة الصبا والمراهقة وبدايات الشباب لم يكن برومان متعاطفًا مع القضية الفلسطينية، بالعكس، فرح وشعر بالارتياح حين انتصرت “إسرائيل” على العرب في حرب 1967، لأن الدعاية الصهيونية وقتها كانت تقول إن العرب يسعون لتدمير “إسرائيل”، وقال برومان وقتها لنفسه: “فليحيا من يستحق أن يحيا”، حسبما يحكي في حواره.
لكنه في هذه السن المبكرة كان يتجه نحو الفكر اليساري، حيث بدأ أناركيًا لا سلطويًا، ثم بروليتاريًا ماركسيًا، وكان من الشباب المناهض لحرب فيتنام الذين خرجوا في تظاهرات قوية ضدها في فرنسا، وشارك في انتفاضة الشباب والعمال عام 1968، وكان في هذه الفترة معاديًا للأفكار الغربية الرأسمالية الاستعمارية، حسبما قال لمجلة “what’s up doc”.
كان تعاطف برومان مع “إسرائيل” وهو طالب في البكالوريا لم يتجاوز عمره 17 عامًا سنة 1967 دافعه ثوري تحرري، وليس صهيونيًا استعماريًا، ففي هذا الوقت كانت فكرة اضطهاد اليهود والمحرقة النازية تسيطر عليه، وكانت الصهيونية بالنسبة له تمثل حلم الحرية بالنسبة لشعب مضطهد، بصرف النظر عن دينه أو قوميته، وكانت الدعاية القومية العربية، لا سيما الناصرية في أوجها، الأمر الذي غذى في برومان هذه المشاعر، قبل أن يتحول تفكيره بعد ذلك.
عمله كطبيب متخصص في الطب الاستوائي والأوبئة، بالإضافة إلى أفكاره التحررية المنادية بالعدالة والمساواة جعلته يسافر للعمل في بلدان فقيرة في إفريقيا وآسيا مثل جيبوتي وبنين والصومال وغيرها، وهناك شاهد الهوة بين دول الشمال العالمي، لا سيما الغربي، ودول الجنوب الفقيرة التي عانت من استعمار دول الشمال، وهو أمر دعم لديه أفكاره المعادية للاستعمار بأشكاله الحديثة والقديمة، والمتعاطفة والداعمة للدول المحتلة أو التي عانت احتلالًا في السابق.
بين عامي 1975 و1978، كان طبيبًا مرافقًا لسفينة الكابلات التي عملت على مد كابلات الهاتف تحت الماء على طول الساحل الغربي لإفريقيا، ثم عمل كطبيب ميداني في كل من بنين وجيبوتي.
وفي الفترة من 1978 إلى 1982، عمل كطبيب ومنسق مع منظمة أطباء بلا حدود، حيث أنجز العديد من المهام الميدانية، في بلدان إفريقية وآسيوية وفي أمريكا الوسطى، حيث كان يقدم الدعم الطبي للنازحين واللاجئين في المخيمات، حتى صار رئيسًا للمنظمة عام 1982.
امتدت رئاسته لمنظمة أطباء بلا حدود حتى عام 1994، وهي الفترة التي شهدت نشاطًا كبيرًا للمنظمة على يديه، حيث نجح في مضاعفة نشاطها وميزانيتها إلى 10 أضعاف ما كانت عليه قبله.
هذا العمل الإنساني، بالإضافة إلى خلفياته السياسية اليسارية، جعله سياسيًا أو بالأحرى ناشطًا حقوقيًا أكثر منه طبيبًا، وهو الأمر الذي أهله للتدريس في معهد الدراسات السياسية في باريس في الفترة من 1994 حتى عام 1997، بجانب عمله كمدير أبحاث في مؤسسة أطباء بلا حدود، حيث نشر عددًا من الأبحاث التي تتناول الأوضاع الإنسانية البائسة في عدد من الدول، حسبما ذكر معهد ديدرو الفرنسي في توثيقه لمسيرة برومان.
ربما كان عام 1999 نقطة تحول فارقة لبرومان، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ونظرته إلى “إسرائيل”، فحتى هذا التوقيت كان يهوديًا علمانيًا يساريًا، قد يختلف كثيرًا مع السياسات والأفكار الصهيونية، لكن القضية الفلسطينية لم تكن محور اهتمامه، رغم توجهه الإنساني التحرري.
في 1999 غاص برومان في تاريخ الصهيونية وتأسيس “إسرائيل”، وذلك خلال مشاركته مع ابن عمه المخرج الإسرائيلي المعارض للصهيونية إيال سيفان في كتابة فيلم “المتخصص – The Specialist“، عن محاكمة النازي أدولف إيخمان في القدس، ومن هنا برز اهتمامه بالفلسطينيين كأمة مضطهدة لها الحق في الدفاع عن نفسها، وبدأ نشاطه ضد “إسرائيل” وممارساتها.
برومان ناشطًا ضد “إسرائيل”
لعل أول نشاط بارز لبرومان ضد “إسرائيل” كان مشاركته في تأليف كتاب “العودة من فلسطين”، الذي أشرنا إليه في المقدمة، حيث شارك في عملية التأليف نفسها، بجانب كتابة مقدمة الكتاب.
في مقدمة الكتاب يحتفي برومان بالنشطاء الذين جاؤوا من دول غربية مختلفة إلى فلسطين عام 2002 للمشاركة في الدفاع عن الشعب الذي يعاني الاضطهاد من الجيش الإسرائيلي، ويقول إن ما فعلوه لم تنجح فيه أي حكومة أو هيئة سياسية أو منظمة إنسانية، فقد منعوا تدمير مستشفى رام الله، وصنعوا رباطًا بين الفلسطينيين والعالم، وكسروا دائرة الكراهية التي تستهدف الشرق الأوسط، وذكروا العالم بأن مقاومة القهر حق أساسي، صانعين بذلك ما وصفه برومان بدبلوماسية الضعيف.
وفي عام 2006 نشط برومان مع مجموعة من اليهود الفرنسيين ضد الحرب الإسرائيلية على لبنان، ووقعوا على بيان – نشر في عدد من الصحف الفرنسية – يعلنون فيه براءتهم كيهود من هذه الحرب، معتبرين أن “إسرائيل” كانت تخطط لها منذ مدة، وليست ناتجة عن خطف حزب الله لجنود إسرائيليين، مطالبين فرنسا بالتدخل لوقف الحرب.
كما أدان البيان الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، داعيًا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، باعتبار أن ذلك هو مفتاح السلام في الشرق الأوسط.
في عام 2009 وبعد عملية الرصاص المصبوب التي شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة، قال برومان خلال حوار صحفي إن “إسرائيل” بهذا العدوان خطت خطوة جديدة نحو الهاوية، فهذا العدوان لم يزده كيهودي إلا إصرارًا على المزيد من التضامن مع الفلسطينيين.
وهاجم تعاطي الإعلام الدولي مع الأزمة وقتها، مستنكرًا التساؤل الإعلامي حول إذا ما كانت هناك أزمة إنسانية في غزة أم لا؟! فكيف يُسأل هذا السؤال وطوفان التفجيرات والحرائق لا يتوقف هناك؟! يتساءل برومان، معتبرًا أن هذه الأسئلة هدفها منع التفكير والتعاطف مع الوضع المأساوي في غزة، ومثلها مثل سؤال من تعرَّض للضرب: هل تعاني من أزمة في العظام؟ أو من يصف تعرض امرأة للاغتصاب بأنها تعاني من مرض نسائي!
ومع الحرب الروسية الأوكرانية وغضب أوروبا والغرب على موسكو، وفرضهم عقوبات عليها، استغل برومان الفرصة وشن حملة عبر مجموعة مقالات ولقاءات إعلامية ليقارن بين تعامل الغرب مع القضية الفلسطينية والأزمة الأوكرانية.
من ذلك ما كتبه في صحيفة لوموند الأشهر في فرنسا عام 2022، داعيًا الحكومة الفرنسية ورجال الأعمال الفرنسيين إلى الانضمام لمبادرة وقف الاستيطان” stopsettlements”، داعيًا إلى جمع مليون توقيع على مبادرة تطالب بحظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وإجبار المفوضية الأوروبية على تبني المبادرة.
فكما تُعاقَب روسيا على ضمها للأراضي الأوكرانية، لا بد أن تعاقب “إسرائيل” أيضًا على احتلالها للأراضي الفلسطينية، وإنشاء المستوطنات بها. وكما يقاوِم الأوكرانيون احتلال روسيا لأراضيهم وتدعمهم أوروبا والغرب، عليهم أيضًا الاعتراف بأن مقاومة الشعب الفلسطيني المسلحة ضد “إسرائيل” هي حقه المشروع دفاعًا عن أرضه وعن نفسه ضد الاحتلال الإسرائيلي، يقول برومان.
هذه الازدواجية في المعايير لدى الغرب فضحها برومان في أكثر من لقاء إعلامي، معتبرًا أن أزمة أوكرانيا وموقف المؤسسات الدولية والدول الغربية منها كان فاضحًا إذا ما قورن بموقفهم من القضية الفلسطينية، فبينما تُفرَض العقوبات على روسيا وتُمَدُّ أوكرانيا بالسلاح والمال، لا يواجه الغرب “إسرائيل” إلا باحتجاجات ناعمة – إن وجدت – تجاه جرائمها في فلسطين.
بعد طوفان الأقصى.. برومان يناضل ضد النفاق الغربي
لم يتورط برومان في الإدانة المطلقة لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية بعد هجوم طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وإنما كان صاحب الصوت الواعي الذي يدرك أبعاد القضية وجذورها، وأن ما فعلته فصائل المقاومة مجرد حلقة من حلقات النضال ضد الاحتلال.
ورغم استنكاره للعنف ضد ما وصفهم بالمدنيين الإسرائيليين، نجده منذ الأيام الأولى للحرب يتحدث إلى الإعلام الفرنسي ويشرح ما يعتقد أنه حقيقة الأمر، ورصدنا ذلك في عدد من الحوارات الصحفية التي انتقيناها مما أجري معه بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول والتي ارتكزت جميعها على ما يحدث في غزة حصرًا.
دعا برومان الرئيس ماكرون إلى رفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد “إسرائيل”، والضغط لدخول محققين دوليين إلى قطاع غزة، معتبرًا أن ذلك سيرفع من قيمة فرنسا في السياسة الدولية
في 16 أكتوبر/تشرين الأول أجرى برومان حوارًا إذاعيًا (بودكاست) مع موقع “la-bas si j’y suis” الفرنسي المعروف، وشبه خلاله النضال الفلسطيني بنضال نيلسون مانديلا الزعيم الجنوب إفريقي، حيث قال إن مانديلا جُرِّد من إنسانيته ووُصِف بالإرهابي، وسجن لمدة 27 عامًا، وهو الأمر الذي يحدث مع المقاومين والمناضلين في غزة وفلسطين عمومًا.
وفي ذات يوم قال رئيس وزراء إسرائيلي: “إسرائيل كالفيلا في وسط غابة – يقصد العرب -، فيلا حديثة ومزدهرة في وسط الغابة”. وقال يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي: “نحن نحارب حيوانات بشرية”. ويعلق برومان على ذلك، ويقول: “طالما جردتهم من إنسانيتهم واعتبرتهم حيوانات وسجنتهم، فمن حقهم أن يهاجموك ويلتهموك أنت وأمك وأطفالك، لأنك لم تعد سوى كراهية وموت يمشي على الأرض”.
هكذا رد برومان على غالانت، وجادله بحجته، معتبرًا أن الهجوم الفلسطيني لم يكن سوى رد فعل على الاحتلال والقمع والظلم، وتجريد الإنسان الفلسطيني من إنسانيته، والعنصرية المستمرة ضده منذ عام 1948، حين وقعت النكبة وتأسست دولة “إسرائيل”.
وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول أجرى حوارًا مع مجلة الفلسفة الفرنسية، وهاجم الحصار المفروض على أهالي غزة وعدم وصول المساعدات لهم، مؤكدًا أن هذا الحصار ومنع المساعدات ليس جديدًا، بل هذا هو الوضع شبه الطبيعي طوال الوقت، لكنه زاد جدًا وجرى تشديده بعد الحرب، بما يخالف القوانين والأعراف الدولية، مشيرًا إلى أن “إسرائيل” تسوق نفسها أمام المجتمع الدولي كدولة متحضرة تهاجم البرابرة العرب، وبالتالي تبرر لنفسها انتهاك كل القيم والقوانين.
“إنني أشعر بالاشمئزاز من تذكير الدول الغربية لـ”إسرائيل” بضرورة احترام القانون الإنساني، وكأن تلك الدول تبرهن على اهتمامها بالإنسانية، وذلك بعد التأكيد على حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها.. وبالتالي يمكنها قصف الفلسطينيين ولكن بحذر في رأي الغرب”، يقول براون ساخرًا من المجتمع الدولي المتواطئ مع “إسرائيل”.
ويكمل براون: “هل سمعتم زعيمًا أوروبيًا يقول إن للفلسطينيين الحق في الدفاع عن أنفسهم؟ لا أحد، لكنهم يمنحوا هذا الحق لـ”إسرائيل” دائمًا، ويسلبوه من الفلسطينيين الذين ليس لهم نصيب من تصريحات زعماء الغرب سوى “دعونا نحترم المدنيين”، “علينا أن نتحرك نحو حل الدولتين”، وهي عبارات مشفرة غير مفهومة أو حاسمة، هدفها المراوغة والهروب من القرارات المطلوبة والعادلة وهي انسحاب “إسرائيل” من الأراضي المحتلة، وعودة الأراضي الفلسطينية بالكامل إلى الفلسطينيين”.
الدكتور روني برومان، الرئيس السابق لمنظمة أطباء بلا حدود: “#إسرائيل ليست فقط المكان الأخطر على اليهـ.ـود في العالم، إسرائيل تعرض اليهـ.ـود للخطر!”#حرب_غزة pic.twitter.com/MpHpzEohcv
— مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) December 2, 2023
كما انتقد برومان في حوار مع موقع “Bondy Blog” اكتفاء العالم بعقد مؤتمرات لجمع تبرعات لغزة، كما فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بقصر الإليزيه، دون محاسبة “إسرائيل” على جرائمها في غزة، معتبرًا أن ما يحدث في غزة هو مذبحة لشعبها، وأن مصطلح “الإبادة الجماعية” هو مفهوم لا يرقى إلى وصف ما يفعله الجيش الإسرائيلي، الذي يجب أن يحاسب على جرائمه.
محاسبة “إسرائيل” أمام القانون الدولي مسألة تشغل برومان كثيرًا، ولطالما نادى بها في مقالاته ولقاءاته الإعلامية، وهو لا يكتفي فقط بإطلاق الدعوة، لكنه يحاول كمواطن فرنسي أن يضغط على حكومته لتبني الأمر، ويتضح ذلك فيما نشره بصحيفة لوموند واسعة الانتشار في فرنسا، يوم 1 ديسمبر/كانون الأول 2023.
دعا برومان الرئيس إيمانويل ماكرون إلى رفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد “إسرائيل”، والضغط لدخول محققين دوليين إلى قطاع غزة، معتبرًا أن ذلك سيرفع من قيمة فرنسا في السياسة الدولية، ويجعل صوتها مسموعًا أكثر، ويعيد باريس لسالف مجدها حين كان صوتها أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، قبل أكثر من 15 عامًا.
وخلال المقال ناقش برومان مسألة التحقيق الدولي، وقال إن رفض “إسرائيل” التصديق على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية لا يشكل عائقًا أمام القانون، ولا يمنع خضوعها للتحقيق.
لكن رغم مناداته بتحرك قانوني دولي ضد “إسرائيل”، يرى برومان أن احتمالية انهيار النظام الدولي الحالي وحل هيئة الأمم المتحدة مسألة تلوح في الأفق، إذ صارت الهيئة الأممية الدولية العليا بلا جدوى، وكل نداءاتها وقراراتها لا يقابلها نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي سوى بإصبعه الأوسط! وهو أمر يذكر بعصبة الأمم الهيئة الدولية السابقة على الأمم المتحدة، التي لم تستطع منع إيطاليا الفاشية من غزو إثيوبيا عام 1935، ثم منع قيام الحرب العالمية الثانية، فانهارت مع الحرب وألغيت.
ما زال برومان مستمرًا في حلمه الذي تحدث عنه، بعالم تسوده قيم عالمية، بعالم بلا تعذيب، به حرية رأي وتعبير، به عدالة يطبقها قضاء يقف أمامه الجميع متساوين، عالم تطبق فيه حقوق الإنسان بحيادية، بعد أن تحولت إلى نفاق غربي، تظهرها لجزء من سكان العالم وتحجبها عن جزء آخر كما في فلسطين.. ما زال براون يحاول كما يحاول آخرون، وفي المقابل يتمدد منطق القوة ويهيمن على العالم، فهل ينتصر الحلم؟