حكايات مريرة يرويها رفاقهم عنهم ممن حالفهم الحظ بالحرية، كانوا في الزنازين رفقة أجسادٍ بالية وعظامٍ خاوية، وأشبه ما يُقال عنها إنها أعضاء بشرية منتهية صلاحيتها، كانت سياسة الإهمال الطبي السبب الأول والمباشر بهذه الكارثة الصحية التي يُعاني منها المعتقلون لدى سجون الاحتلال الإسرائيلي.
أكثر من 1800 أسير فلسطيني داخل سجون الاحتلال تتنوع أمراضهم، التي وُصفت بأنها من ضمن الحالات الصحية الأخطر ضمن أسرى العالم، فعلى الرغم من حكم المؤبد الذي يخضع له من كانوا سببًا في حرية الأوطان، فإن مصلحة سجون الاحتلال لم ترأف بحالهم، دون أن يجدوا لهم صوتًا عربيًا يناشد بأسمائهم، ولا حتى استنكارًا.
وفي هذا التقرير سنأتي بستة أمثلة من هذه الحالات التي قد يصعب أمرهم على الأمرش، ليكسر الاحتلال الإسرائيلي بذلك الرقم القياسي في عدوانه على الإنسانية.
الأسير خالد الشاويش
أصيب الأسير خالد الشاويش خلال الاشتباكات التي اندلعت عام 2002 عندما حاصرت قوات الاحتلال الإسرائيلي مقر المقاطعة برام الله حينما كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات متحصنًا به رفقة 450 مقاتلاً فلسطينيًا، حيث ظل متحصنًا رفقة عرفات منذ عام 2002 حتى بعد وفاته بعامين عام 2006، واستطاعت قوات الاحتلال حينها اختطافه حينما خرج لدقائق يتمشى في شوارع رام الله بعربته المخصصة للمقعدين.
أوضح رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، بأن الأسير خالد يحتاج لعملية جراحية في ظهره أيضًا نظرًا لوجود سبع فقرات بغير موضعها الطبيعي
أصيب الشاويش برصاصةٍ في صدره أدت به إلى شلل نصفي، كما تعرضت يده لجروح داخل السجن، وبدلاً من تطهير الجرح، أهملته سلطات الاحتلال، مما جعل الجرح يلتهب وقد وصلت أعراضه للغرغرينا، مما دعت عيادة سجن الرملة الذي يقبع خالد خلف قضبانها، بإصدار تقرير طبي تقضي ببتر يده اليمنى والارتياح من آلامها، إلا أنه رفض ذلك، فاضطر لخوض عملية جراحية بأخذ عظمة من ساقه ووصلها بيده بشكل مؤقت، إلى أن يرأف الاحتلال بحاله ويسمح له بالعلاج بالمشافي الرسمية.
وأوضح رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، بأن الأسير خالد يحتاج لعملية جراحية في ظهره أيضًا نظرًا لوجود سبع فقرات بظهره بغير موضعها الطبيعي، كما أصابته هشاشة العظام وتساقط أسنانه جراء إعطائه دواء “الكيرتزون” المدمن، والمسكن لآلام الالتهاب بفترة مؤقتة، بدلاً من علاج الالتهاب نفسه.
الأسير ناهض الأقرع
الأسير ناهض الأقرع واجه نفس الكارثة الصحية التي حلت بالأسير الشاويش جراء إدمانه على دواء “الكيرتزون” الذي لا وجود لغيره في السجون، بدلاً من علاجه، ويأخذ الأقرع هذا الدواء لمنع تمدد الالتهاب في جسده بعدما تم بتر آخر جزء من ساقيه عام 2016.
أصيب الأقرع بـ40 رصاصة في ساقيه نتيجة الاقتتال الداخلي الفلسطيني في غزة، ليخرج في رحلة علاج بمصر والأردن، وقبل أن يصل رام الله، اختطفه الموساد عن طريق عملية إنزال قام بها على جسر الملك حسين الفاصل بين المملكة الأردنية ودولة فلسطين، بصفته أحد المطلوبين للاحتلال بعدما فجير أول دبابة بشكل كامل في قطاع غزة عام 2003 أسفرت عن مقتل ثلاثة ضباط صهاينة.
أصيب الأسير فؤاد الشوبكي بأمراض في كليتيه مُنع من المراجعة الطبية على إثرها، وبعد ثلاث سنوات من هذا الألم، تفاقمت الأزمة، مما اضطر القيام بعملية جراحية بكليته اليمنى أدت لاستئصال نصفها
ويخضع الأقرع الآن لحكم المؤبد، كما أن سلطات الاحتلال منعت مراجعة الأطباء له في أماكن الإصابة لسنوات، مما أدى لتمدد الالتهاب لساقيه أدى لبترهما بشكل كامل على عدة دفعات، كما واجه شللاً كاملاً في ذراعه اليسرى نتيجة التعذيب، إضافة لإصابته بالصلع وسقوط جميع أسنانه وهو ما زال في الأربعين من عمره جراء دواء “الكيرتزون”.
الأسير فؤاد الشوبكي
الشوبكي يعتبر مسؤول التسليح والتموين في قوات الثورة الفلسطينية، ومن أعلى القيادات العسكرية لمنظمة التحرير وحركة فتح، بعد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي اعتقل عام 2006، على خلفية دعم نظام الثورة الإسلامية الإيرانية سابقًا، وعلى خلفية سفينة كارين إيه التي عُثر عليها في البحر الأحمر، وكانت تحمل أسلحة مدمرة بطريقها لغزة.
أصيب الشوبكي بأمراض في كليتيه مُنع من المراجعة الطبية على إثرها، وبعد ثلاث سنوات من هذا الألم، تفاقمت الأزمة، مما اضطر القيام بعملية جراحية بكليته اليمنى أدت لاستئصال نصفها، إلا أن هذه العملية لم تكن بالشكل الطبي المتوافق عليه، فقد تراكمت الكتل الدهنية من أثر العملية في بطنه مما تسبب بورم داخلي يُمنع على إثرها المراجعة الطبية، بل هي سياسة تعذيب تتبعها مصلحة سجون الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين.
وأوضح حازم الشوبكي، نجل الأسير فؤاد في حديث خاص لـ”نون بوست” بأن والده يحتاج لعملية جراحية أخرى في كليته، كما أنها قد تُصاب بالتعفن لعدم تخييط مكان العملية، بل جعلها الاحتلال مكشوفة في الهواء، متعمدًا بذلك إلحاق الضرر الكامل به.
لعل سياسة الإهمال الطبي ترك أثرًا على الأسرى الفلسطينيين حتى بعد خروجهم من سجون الاحتلال، حيث أُصيب الأسير المحرر عماد المصري بفيروس (بهجت)، وهو فيروس قاتل يصيب الدم
منصور موقدة
هو أحد أفراد الأمن الفلسطيني المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة، حيث أصيب برصاصتين في حوضه لحظة اعتقاله أدت لحدوث شلل كامل في الجزء السفلي من جسمه، مما جعله على كرسي متحرك، وأفادت رئيسة القسم الإعلامي بنادي الأسير الفلسطيني برام الله أماني سراحنة، بأن كلاً من الأسيرين خالد الشاويش ومنصور موقدة يعانيان من شلل كامل في الجزء السفلي من جسمها، بالإضافة إلى خروج الأمعاء الغليظة خارج أجسامهم، حيث يُخرجان الفضلات عن طريق أكياس أو عبوات أو قطع من القماش، مشيرة إلى أن الاحتلال يتعمد تركهما على هذه الحالة حتى يقززان بذلك زملاءهما بالزنزانة الذين يمكثون معهما، وأنهما يحتاجان إلى عمليات جراحية لتحويل الأمعاء الغليظة الخاصة بهما إلى مجراها الطبيعي.
ياسر ربايعة
يُعاني الأسير ربايعة حسب ما أوضحت سراحنة بأنه يُعاني من مرض السرطان في أمعائه، وبأنه بحاجة لعملية جراحية مستعجلة لاستئصال الورم، مؤكدة بأن المرض تفاقم عليه في الفترة الأخيرة، إلى أن تم استئصال جزء من كبده.
الأسير المحرر عماد المصري
ولعل سياسة الإهمال الطبي تركت أثرًا على الأسرى الفلسطينيين حتى بعد خروجهم من سجون الاحتلال، حيث أُصيب الأسير المحرر عماد المصري بفيروس (بهجت)، وهو فيروس قاتل يصيب الدم، ولم يكتشف علم الطب الحديث أي علاج له حتى الآن، ولكن بُلّغت عائلة الأسير بأنه توفر لهذا المرض علاج بألمانيا، إلا أن رحلة العلاج تكلف أموالاً باهظة ليس بمقدور ذويهم توفيرها كما يبين شقيقه قدري المصري.
وقال وزير الأسرى عيسى قراقع لـ”نون بوست” بأن الاحتلال الإسرائيلي انتهك المواثيق الدولية كافة بما فيها قرارات جنيف المتعلقة بالأسرى، مطالبًا بملاحقة جنود الاحتلال قانونيًا من محكمة الجنايات الدولية، لعدم معاملتهم للأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب على الأقل.