أعلنت منصة إنستغرام قبل بضعة أيام وجود أيقونة جديدة على صفحة المنصة الرئيسية للتطبيق المستخدم في الهواتف الذكية، تلك الأيقونة كانت لشاشة تليفزيون، بمجرد الضغط عليها ينقلك إنستغرام إلى تليفزيون بشاشة رأسية يُعرض عليها محتويات طويلة قد تصل مدتها إلى ساعة، على عكس الدقيقة الواحدة التي كان يسمح بها إنستغرام للمقاطع المصورة، إلا أن تأثير التحديث الجديد لإنستغرام لم يكن هينًا على بقية منصات التواصل الاجتماعي، خاصة منصة يوتيوب التي يُهددها تليفزيون إنستغرام الجديد بالموت.
أصبح إنستغرام في الشهور الأخيرة منصة رقمية محورية بالنسبة لاستخدام الشباب، استطاعت جذب مليار مستخدم من بينهم 500 مليون مستخدم فعال بشكل يومي على المنصة، لتكون منصة إنستغرام من تتحمل أخطاء المالك – منصة فيسبوك – وتصبح المنصة البديلة التي تدر الأرباح من الإعلانات حينما تُجبر المنصة الأم على تعديل قوانينها وتتحمل غرامات مالية نتيجة الفضائح التي ارتبط اسمها فيها بسرقة بيانات المستخدمين، إلا أن في نهاية المطاف المالك واحد، وله منصة قوية يعتقد البعض أنها ستستبدل منصة فيسبوك عما قريب.
ولكن يبدو أن إنستغرام لن يستبدل منصة فيسبوك فحسب من حيث مشاركة المستخدمين اليومية، وإنما تهدد المنصة الآن منصة يوتيوب بعد إعلانها تليفزيون إنستغرام الجديد “IGTV” يوم الأربعاء الماضي، لتعلنها المنصة صراحة أنها الآن على استعداد للمنافسة رأسًا مع يوتيوب هذه المرة من خلال أيقونة التليفزيون الجديدة على التطبيق نفسه، بالإضافة لتخصيص تطبيق منفصل خاص به يسمح لكل صانعي المحتوى من كل أنحاء العالم بعرض محتواهم كما لو كان على شاشة تليفزيون، ولكن هذه المرة تكون الشاشة رأسية وفي يد المشاهد.
تليفزيون إنستغرام.. من هزيمة سناب شات إلى هزيمة يوتيوب
ملخص مؤتمر إطلاق التحديث الجديد لإنستغرام
يعتبر إطلاق تليفزيون إنستغرام طفرة حقيقية في عالم مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه يعطي الفرصة لكل صانع محتوى مهما كان موضوع محتواه أن يعرض على منصة يصل عدد مستخدميها إلى مليار مستخدم، ولا يحتاج المرء إلى البحث عن محتوى ما، يكفي أن يظهر له المحتوى مباشرة من كل صانعي المحتوى الذي يتابعهم على إنستغرام، كما تساعده المنصة على اكتشاف صانعي محتوى خارج قائمة متابعينه ليزيدوا من محتوى التليفزيون الخاص بكل مستخدم، بالضبط كما هو الحال حينما يشترك المرء في قناة جديدة على التليفزيون العادي.
بمجرد انطلاق تليفزيون إنستغرام الجديد تسابقت كل محطات الأخبار وقنوات التليفزيون المعتادة وأصحاب الحسابات الأكثر شهرة وشعبية على يوتيوب على نقل محتواها الذي تصل مدته إلى ساعة أو أقل إلى تليفزيون إنستغرام، وتحول شكل عرض المحتوى من أفقي كما هو في فيديو يوتيوب المعتاد عليه إلى فيديو رأسي كما هو الحال في “قصص إنستغرام” أو “إنستغرام ستوريز”، ليجد المستخدم كل صانعي المحتوى الذي يدخل للبحث عنهم خصيصًا في منصة يوتيوب موجودين على تليفزيون إنستغرام ليستطيع الوصول إليهم بالبحث بين القنوات المختلفة بضغطة زر واحدة.
بعدما أطلق إنستغرام تحديث “إنستغرام ستوريز” معلنًا حربًا شرسة على تطبيق سناب شات بعد فشل مارك زوكربيرغ في شرائه ليضمه لإمبراطورية فيسبوك، أكدت المنصة الأولى أن فكرة عرض القصص القصيرة التي لا تتعدى الـ15 ثانية لكل فيديو لا تحتاج تطبيقًا خاصًا بها كما هو الحال في سناب شات، ويمكن أن تكون مجرد جزء من التطبيق، ليكون لدى المستخدم فرصة لاستخدام التطبيق الواحد لعدة أغراض، واعتقد البعض أن ذلك يعد هزيمة لتطبيق سناب شات الذي توقع الكثيرون سحب الكثير من المستخدمين منه ليبدأوا في استخدام إنستغرام.
لم يلبث العام أن يمر على شعبية إنستغرام ستوريز بين المستخدمين حتى خرج إنستغرام بمفاجأته الجديدة للمليار مستخدم أو كما يحب أن يصفهم الرئيس التنفيذي للشركة كيفن سيستروم “مجتمع إنستغرام” وهو تليفزيون “IGTV” الذي بدأ الأخير حديثه عنه في مؤتمر انطلاق التحديث الجديد قائلًا إن على الفيديو أن يتطور، وهذا لا يعني فقط أن يتطور محتوى ما نشاهده، بل الطريقة التي نشاهد بها ذلك المحتوى، تابع “سيستروم” قائلًا إن نسبة مشاهدة الفيديوهات على منصة إنستغرام هي 60% كنسبة متزايدة بشكل مستمر، بينما تقل نسبة مشاهدة التليفزيون العادي إلى 40% من نسبة مشاهدة جيل الألفية الحديثة مقارنة بنسب المشاهدة منذ 5 سنوات مضت.
“نحن نميل إلى فعل شيء واحد فقط، ولكننا نفعله بإتقان تام” كيفن سيستروم المدير التنفيذي لإنستغرام
أكد المدير التنفيذي لإنستغرام أنه لا بد من تغيير الطريقة التي نشاهد بها الفيديو بدلًا من التركيز فقط على محتواه، الآن يشاهد أغلبية المراهقين صانعي المحتوى على يوتيوب بدلًا من مشاهدتهم للتلفاز، إلا أن ذلك قد يكون مضيعة للوقت في نظر كيفن سيستروم المدير التنفيذي لشركة إنستغرام، وذلك لأن أولًا على المستخدم البحث مطولًا عن المحتوى الجيد وسط مئات الآلاف من المحتويات، الأمر الثاني هو عدم مواءمة هواتفنا الذكية لطريقة عرض الفيديو الأفقي، الذي إما يجعلنا ندير هاتفنا بشكل أفقي أو نشاهد شاشة صغيرة بجودة قليلة.
قررت منصة إنستغرام إيجاد حل للمشكلتين السابقتين، وذلك من خلال تقديمها لتحديث تلفاز “IGTV” الذي يعرض لك المحتوى بشكل يناسب شاشة الهاتف المحمول، ويوفر عليك معاناة البحث عن المحتوى الجيد ليعرض لك محتوى الحسابات التي تتابعها بالفعل وتود رؤية صانعي ذلك المحتوى، وذلك طبقًا للمبدأ الذي يعمل به فريق إنستغرام وهو “اعمل شيئًا واحدًا، ولكن اعمله بإتقان”.
كيف سيمول إنستغرام تلفاز دون إعلانات أو عقود؟
لقد استطاعت منصة يوتيوب الحفاظ على جمهورها الحاليّ من خلال مشاركتهم بنسبة مخصصة لصانع المحتوى من الأرباح، ولهذا كان هناك محتوى متجدد ودائم من صانعي المحتوى على المنصة، بالإضافة إلى تربحها بشكل ضخم من الإعلانات المضافة لكل مقطع فيديو موجود على يوتيوب، إلا أن تليفزيون إنستغرام جاء بنموذج مختلف قليلًا، فهو لا يدعم الإعلانات حتى الآن، ولا يعد أي من صانعي المحتوى بنسبة من الأرباح كذلك.
ولكن يبدو أن صانعي المحتوى غير مهتمين بذلك بشكل كامل، إذ إن إنستغرام هو المنصة الأكثر استخدامًا والأكثر شعبية بين المنصات الأخرى، وهذا يعني أنه سوف يجذب مئات بل مئات الآلاف من المسوقين الرقميين “E-marketers” الذين سوف يستغلون تحديثات التطبيق الجديدة لجلب مزيد من الأرباح لأنفسهم، ومن خلاله يربح كل صانعي المحتوى على تليفزيون إنستغرام الجديد، إذ يتوقع المسوقون الرقميون تربح إنستغرام أكثر من 5 مليارات دولار أمريكي بعد إطلاقه لـ”IGTV”.
يسمح تلفاز إنستغرام الجديد بوسيلة أكثر فعالية للتفاعل مع المشاهدين لحظة مشاهدتهم لمقاطع الفيديو الطويلة
على الرغم من ذلك كله، هناك جانب خفي لم ينتبه له مصممو “IGTV” وهو تأثير تلك الطفرة التكنولوجية على المجتمع، يبدو أن إنستغرام لم يتعلم الدرس من استغلال الإنترنت للمستخدمين، تحتوي المنصة على عدد كبير جدًا من المراهقين، وعلى الرغم من أن عرض مقاطع الفيديو على تليفزيون إنستغرام الجديد يكون من قائمة المتابعين الخاصة بالمستخدم، فإن التلفاز يعرضهم لك بشكل عشوائي، وهذا يعني إن كان هناك مقطع فيديو غير لائق فهو سيظهر للمستخدم على أي حال سواء اختاره أم لا.
الأمر الثاني هو الخوف الدائم من تأثير التكنولوجيا المتقدمة ومواقع التواصل الاجتماعي على تزييف الواقع وخلق واقع افتراضي مواز للأول، وهذا ما يفعله تليفزيون إنستغرام الجديد كذلك، فهو يسمح لكل صانعي المحتوى سواء كان محتواهم حقيقيًا أم مزيفًا، أو سواء كان محتوى هادفًا أم لا أن يعرضوا ذلك المحتوى لمدة طويلة ولجمهور إنستغرام العريض، ليظهر لهم المحتوى بشكل عشوائي.
صورة تدوالها مستخدمو إنستغرام تقول: “احصل على مزيد من المتابعين على تليفزيون IGTV”
الأمر الثالث هو تأثير ذلك على العلاقات الاجتماعية، لقد تسببت مواقع التواصل الاجتماعي بما فيها إنستغرام بتأثير سلبي كافٍ على العلاقات الاجتماعية في العالم الواقعي، إلا أن مفهوم التلفاز فيما سبق اقترن دومًا بالاجتماع بالآخرين والمشاهدة معًا أمام شاشة كبيرة نسبيًا، وكانت السبب الأساسي لاجتماع كثير من العائلات أو الأصدقاء حول شاشة واحدة، إلا أن تليفزيون إنستغرام الجديد “IGTV” يحول مفهوم التليفزيون إلى مفهوم انفرادي، شاشة صغيرة وحيدة على هاتف المستخدم فحسب من خلال حسابه الشخصي وحده، وهو ما سيحد من تحفيز المراهقين وجيل الألفية الحديثة على مشاهدة مقطع ما أو حلقة ما مع مجموعة من الأفراد.
ليس من الواضح بعد كيف سيكون تأثير التحديث الجديد على المنصة الأم ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، إلا أنه بدون شك سيحدث تغييرًا سواء كان سلبيًا أم إيجابيًا على مجتمع مواقع التواصل الاجتماعي كما يصفهم روادها، وسيغير من شكل التسويق الرقمي، والأهم من ذلك كله، قد يقضي على منصة مهمة من بين تلك المنصات وهي منصة يوتيوب، وهو ما يزيد إمبراطورية فيسبوك قوة وسيطرة.