ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال الأسبوع الماضي، رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمشجعين والمشاهدين واللاعبين من جميع أنحاء العالم بمشاركتهم في بطولة كأس العالم لكرة القدم، وهو حدث تستضيفه روسيا لأول مرة وتحرص على الاستفادة منه لتحقيق أهدافها الدبلوماسية. ولكن هناك رجل واحد أكثر حرصًا على الاستفادة من تنظيم هذه البطولة، ألا وهو رمضان قديروف، رجل الشيشان القوي وأحد الزعماء السياسيين المتحمسين للرياضة منذ فترة طويلة، وهو يستغل هذه البطولة لتكوين حلفاء محتملين في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
في هذا السياق، تستضيف الشيشان المنتخب المصري طوال مدة إقامته في روسيا. وقد مثلت هذه الجمهورية الروسية، التي تقع في منطقة شمال القوقاز، أرضية مناسبة للتدريب وقاعدة مؤقتة للمنتخب، في سعيه لشق طريقه خلال المباريات الثلاث التي يخوضها في دور المجموعات.
في الواقع، إن هذه العلاقة الرياضية الجديدة بين الشيشان ومصر هي أحدث دليل على طموحات قديروف المتنامية في المنطقة والعالم الإسلامي، من خلال استخدامه المتزايد للرياضة لتعزيز مصالحه السياسية في الداخل والخارج، بما في ذلك بناء العلاقات الدبلوماسية المباشرة بين الشيشان والحكومات الأجنبية وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد. وبعد وقت قصير من وصول المنتخب المصري إلى روسيا، اقترب موظفون حكوميون شيشانيون من النجم المصري محمد صلاح في غرفته في الفندق، وأخبروه بأن قديروف ينتظره في الردهة.
تولى قديروف السلطة سنة 2007، بعد ثلاث سنوات من اغتيال والده أحمد قديروف، الذي كان رئيسًا للجمهورية آنذاك، خلال استعراض في ملعب لكرة القدم في العاصمة الشيشانية غروزني
لقد التقى صلاح المستبد الشيشاني، والتقِطت لهما صور مع بعض المئات من المشجعين. وقد كانت تلك الصورة التذكارية مجرد نقطة في حملة قديروف الشاملة المستمرة لتقديم نفسه كقائد خيري، في سعي منه للحد من آثار الانطباع الذي خلقته الحملة القمعية الأخيرة على المثليين، وترسيخ صورة له بين مؤيديه الشيشانيين كحاكم مؤثر قادر على إقامة صداقات مع المشاهير. وقد كان قديروف يربت على كتف الرياضي الأكثر شعبية في العالم الإسلامي.
عندما انتهت الحرب الشيشانية الثانية سنة 2000، أقام الكرملين اتفاقاً غير مكتوب مع الشيشان، منح بموجبه الجمهورية دعما استثنائيا وزيادة في التمويل مقابل تقديم الولاء والامتثال لروسيا. ونتيجة لذلك، ينشط قديروف في إطار دولة شبه مستقلة داخل روسيا، يحكمها كما لو كانت إقطاعيته الشخصية.
تولى قديروف السلطة سنة 2007، بعد ثلاث سنوات من اغتيال والده أحمد قديروف، الذي كان رئيسًا للجمهورية آنذاك، خلال استعراض في ملعب لكرة القدم في العاصمة الشيشانية غروزني. منذ توليه رئاسة البلاد، بدعم من راعيه بوتين، سيطر رمضان قديروف على الشعب الشيشاني بقبضة من حديد، معززا حكمه الذي يقوم على الخوف والترهيب، مثل ممارسة القتل خارج نطاق القضاء وقمع المنشقين والصحفيين، وإبادة المثليين كما هو موثق.
في مطلع سنة 2017، اعتقلت الحكومة الشيشانية أكثر من مائة رجل يشتبه في أنهم مثليون جنسيا، وعرّضتهم للصدمات الكهربائية وغيرها من أشكال التعذيب المروعة. وقد قُتل العديد منهم، بينما أُجبر آخرون على الفرار واللجوء إلى خارج روسيا. وعلى الرغم من كل هذه الفظائع، لم تقع محاسبة الجناة. ومن جهته، أنكر قديروف وجود مثليين في الشيشان، وتجاهل التقارير التي تفيد بإبادته لهم ووصفه بالهراء، كما دعا إلى قتلهم بدافع الشرف، كحل ناجع للشيشانيين الذين لديهم مثليون بين أفراد أسرتهم.
قام عدد كبير من الرياضيين وغيرهم من المشاهير بزيارة الشيشان بدعوة شخصية من قديروف
على غرار العديد من الزعماء، يعد قديروف من محبي الرياضة، وهي من بين إحدى اهتماماته التي كرسها لخدمة صورته وكسب جمهوره. ومن غير المستغرب أن تتضمن هواياته رياضة كرة القدم وفنون القتال المختلطة، التي تعتبر أكثر الرياضات شعبية في روسيا. كما أن رياضة فنون القتال مرتبطة وبشكل وثيق برجال العصابات الذين اكتسبوا نفوذا على أنقاض الاتحاد السوفيتي، ناهيك عن أن قديروف يعتمد على هؤلاء بشكل أساسي لفرض سلطته.
على مر السنين، قام عدد كبير من الرياضيين وغيرهم من المشاهير بزيارة الشيشان بدعوة شخصية من قديروف. وقد ضمت هذه اللائحة العديد من الممثلين على غرار جون كلود فان دام و ستيفن سيغال، بالإضافة إلى بطل الكيك بوكسينغ بدر هاري، وكل من بطلي “بطولة القتال النهائي” السابقين فابريسيو ويردوم، وفرانكي إدغار، وكانوا جميعهم سعداء بتلقي مبالغ مالية سرية مقابل التكتم عن عنف النظام وقمعه. كما لعب كل من هؤلاء الزوار دورًا فعالاَ في مساعدة هذا الزعيم على إضفاء طابع من الشرعية على حكمه وصرف الانتباه عن النواحي الوحشية التي هيمنت على فترة حكمه.
أثناء فترة توليه الحكم، أسس قديروف “نادي أخمات للقتال”، بالإضافة إلى إطلاق دورة ألعاب مصارعة حرة تقام سنويا، وهي عبارة عن صالة رياضية مخصصة لفنون القتال المختلطة، للترويج للرياضات القتالية وغرس ثقافة فنون القتال المختلطة، وبالتالي الزيادة من شعبيتها داخل جمهوريته. حاليا، وصل عدد المشتركين في النادي إلى حوالي خمسة آلاف شخص.
في السابق، كان هذا النوع من الرياضات يتعارض مع القيم المتجذرة في منطقة شمال القوقاز، حيث كان يحظر المشاركة في هذا القتال من منظور ثقافي ووازع ديني، إلا أن قديروف أعاد نحت هذه التقاليد العريقة واستبدلها بثقافة مفرطة في ذكوريتها، متأصلة في رياضة الملاكمة، التي بدورها تلاعبت بمعايير الرجولة المفبركة في الشيشان لأغراض دعائية.
سنة 2017، تولى قديروف منصب المبعوث السني لبوتين، وسافر إلى البحرين، حيث التقى مع الملك حمد “لمراجعة العلاقات الثنائية”، من خلال اعتماد التعاون الاقتصادي المتجدد
منح قديروف حلفاءه السياسيين مناصب قيادية داخل هيئات إدارة الرياضة المحلية لإحكام سيطرته على الرياضيين. وكان من بين هؤلاء الذين تم تعيينهم محمد دودوف، وهو مقاتل انفصالي سابق، اتهم السنة الماضية بالمشاركة في تعذيب فئات “إل جي بي تي” المتواجدة في الشيشان، الذي تولى منصب رئيس نادي “تيريك غروزني”. ومؤخرا، وقف دودوف إلى جانب قديروف ومحمد صلاح لالتقاط صورة تذكارية في كأس العالم.
خلال فترة توليه السلطة، لم يظهر قديروف كزعيم سياسي فحسب، بل كشخصية تمثل حوالي 20 مليون مسلم روسي، إذ أن الجمهورية تعمل بأحكام الشريعة الإسلامية وتعد موطناً لأحد أكبر المساجد في روسيا، المعروف باسم قلب الشيشان. ونتيجة لذلك، أصبح قديروف عنصرا مهمًا في المشهد السياسي الروسي، ولا يعوذ ذلك لنفوذه في شمال القوقاز فقط، وإنما لموقعه الجيد الذي سيجعله بمثابة حلقة وصل قادرة على توطيد العلاقات بين روسيا والدول السنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
سنة 2017، تولى قديروف منصب المبعوث السني لبوتين، وسافر إلى البحرين، حيث التقى مع الملك حمد “لمراجعة العلاقات الثنائية”، من خلال اعتماد التعاون الاقتصادي المتجدد. وخلال فترة إقامته، زار قديروف كل من أبناء الملك حمد، الشيخ ناصر والشيخ خالد، اللذان يضطلعان بدورهما في الشؤون الرياضية للمملكة.
في نهاية المطاف، مهدت زيارة قديروف إلى البحرين الطريق للمملكة لتحسين علاقاتها الاقتصادية بكل من الشيشان وروسيا. كما أقام الزعيم الشيشاني علاقات مع الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك مع الشيخ محمد بن زايد، الذي أنشأ بدوره صندوق زايد في الشيشان لتمويل المشاريع المحلية سنة 2017. وعموما، كان لهذه الزيارات دور هام في تمهيد الطريق لجهوده الحالية لإرساء علاقة أقوى بين الشيشان ومصر.
المصدر: فورين بوليسي