ان قلت ان عضمي ولحمي يختلط بهما جماعة الاخوان، ربما سيكون هذا وصف أقل من الحقيقي ، وقلتها مرارا لم أندم علي ساعة واحدة عشتها داخل الجماعة ولم أندم أيضاً علي ساعة واحدة تركتها فيها ، مختلفا مع اداراتها ولست مختلفا كثيراً مع أفكارها نشأت ” شبلا ” وهو مصطلح يعبر عن الأطفال في بداية علاقتهم بالإخوان المسلمين ، تربيت في مسجد مجاور لبيتي في الاسكندرية بوازع كبير من أمي التي كانت تحضني علي الالتزام بالصلاة وحفظ القرآن الكريم وكان مسجد سمية أم عمار المحضن الأول ونقطة الإنطلاق .
أذكر في اثناء دراستي بمرحلة الإعدادية اثناء شدة موجة عنف الجماعة الإسلامية في التسعينات وكان بدأت تسري في أوصاري مشاعر الخوف ، كنت أخشي أن أقتل في أيا من حوادث العنف وكنت دوما احضر نفسي لمواجهة الشخص الذي يود أن يمارس العنف أني طفل صغير وملتزم بالصلاة وحفظ القرآن فلماذا تريد أن تقتلني .
حينها صارحت الشيخ الذي كان يحفظنا القرآن والذي عرفت في مرحلة متقدمة من عمري أنه لم يكن عضوا تنظيميا في جماعة الاخوان حينها صارحت شيخي بمشاعر الخوف من الموت علي يد الإرهابيين الذين يقتلون العاطل بالباطل ، فأجابني شيخي مبررا القتل أن هؤلاء الأخوة يقتلون من يعتدون علي المسلمين والملتزمين مبررا بمنطق قبلي وليس حتي شرعيا أنه من قتل يُقتل وهؤلاء الضباط قتلوا وعذبوا أولياء الله ولذلك يحق علي الأخوة قتلهم حينها استمع الي طرف الحديث شاب كان طالبا بالجامعة وكان أحد الرموز الطلابية للإخوان في جامعة الاسكندرية في فترة التسعينات استوقفني هذا الشاب وقال لي أنه استمع الي حواري مع الشيخ ولم يعجبه رده ، وقال لي أن جماعة الاخوان المسلمين جماعة ربانية دورها هو الدعوة الي الله ودعوة الناس الي الهداية والأخلاق الحميدة وليس دورنا أن نكون قضاة نكون علي الناس بدون علم أو حتي علم وقال لي نحن دعاة وليس قضاة.
وكانت أول استمع الي هذه الجملة التي تبينت مع نضجي أنها وثيقة تأسيسية في شكل كتاب كتبه القاضي حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان المسلمين ، الذي أصدره في وقت اشتدت فيه المحنة علي الاخوان في عهد عبدالناصر وسعي عددا من شباب الجماعة الي التفكير في موجة عنف في مواجهة من رأوهم غير مسلمين لاعتدائهم علي الدعاة الي الله.
نشأت وتربيت داخل الإخوان محبا وفردا ومنتميا وقياديا طلابيا وكادرا داخل التنظيم حتي قررت تركه في عام ٢٠٠٨ اذكر جيدا في انتخابات الإعادة الشهيرة في دائرة الرمل التي تمت عام ٢٠٠٢ والتي كان مرشحا عن الاخوان فيها أول سيدة تقدمها الجماعة جيهان الحلفاوي وكانت الشرطة تواجهنا بأعداد كبيرة من البلطجية الذين كانوا لا يتورعون عن الاعتداء علي السيدات والبنات حتي أني احدي أشهر البلطجيات في الاسكندرية شقت وجه احدي الأخوات في هذه الانتخابات فطلبنا فتوي من الاستاذ محمد حسين الذي كان مسئولا عن المكتب الاداري للإخوان في الاسكندرية وكان رجل صاحب علم شرعي لذلك طلبنا منه فتوي ان نستخدم اسبراي الدفاع عن النفس في حيال ظهور بلطجية أمامنا وليس معنا سلاح ولا قوتنا الجسمانية تسمح بمواجهتم فقال هذا الرجل حينها نحن دعاة وليس هذا من الاسلام وافتي بحرمة هذا الفعل وقال من اعتدي عليكم ردوه بأيديكم او حتي بالحجارة ولا تحملوا سلاحا أبدا.
كان من حسن حظي أني تربيت في الاخوان بين أناس عظموا موقف الاستاذ عمر التلمساني عندما جاءه خبر وفاة عبدالناصر فدعا له بالرحمة وكان مازال محتجزا بسجنه.
منذ تركت الإخوان اختلفت كثيراً وانتقدت أكثر أسلوب إدارتهم للتنظيم وتحول التنظيم الي غاية فوق أي شئ لكن ما لم اختلف معه أن الاخوان كانوا علي الأقل بالنسبة لي هم الحصن المنيع المواجه لأفكار العنف اكتب هذه الكلمات وأعتبر نفسي الخبير في شأن هذه الجماعة وتنظيمها.
وأري أفرادها وقياداتها أرتدو وشاح المحنة من جديد بعدما أقدم عليه النظام الجديد من جرائم عنف وقتل وانتهاك للحريات والأعراض لم تشهده في مصر في عصرها الحديث وظهر في مواجهة عنف الدولة شديد القسوة عمليات عنف مضادة من تيارات عنف مراهقة جديدة مثل أنصار بيت المقدس وجند الله وما خفي من تيارات متشددة لا تجد مناخا للنمو أفضل من مناخ استبداد الحاكم وبطشه واري محاولات النظام الفاشل وصحبته من قوي ليبرالية فاشية تود إلصاق العنف بالإخوان كون مرتكبيه يمارسونه كرد فعل علي انتهاكات النظام للإخوان ومؤيديهم.
أكتب من وازع الخبرة والمعرفة والأمانة ان ما أعرفه عن القوام الصلب للإخوان أنها جماعة ضد العنف بلا أنها لا تقوي من الأساس علي استخدام العنف ، أكتب وأنا أعلم أصدقاء علي الارض يتظاهرون ولا يحملون غير أفكارهم ومطالبهم التي ربما لا اتفق مع الكثير منها ، أكتب وأنا أعلم أصدقاء وزملاء تلقوا رصاص الغدر من السلطة بصدور عارية، أكتب وأنا أري عمليات العنف التي تعلن عنها جماعات بيت المقدس وجند الله ولا يستفيد أبدا منها سوي السلطة الحالية التي تريد ان تصرف نظر العالم عن حق التظاهر السلمي الي عمليات المراهقين دينيا وعقائديا وسياسيا، أكتب وأخشي من اليأس يدب في هؤلاء الطلاب الذين يرون زمليهم وقد فُجر مخه كاملا أن يلجئوا لشيخ يبرر لهم عن جهل استخدام العنف كرد فعل علي اجرام لا ينكره الا من لا ضمير له.
كتبت حول هذه الأفكار وخضت جدلا من أصدقاء اخوان حول حتمية إصدار جماعة الاخوان وثيقة تأسيسية جديدة ضد العنف والتأكيد علي النضال السلمي، لا أنكر حق استخدام العنف كوسيلة رد فعل لمواجهة النظام المستبد القاتل ، لكنه ليس خيارا مناسبا للحالة في مصر فهو خيار لا تجمع عليه قوي المجتمع حتي المعارضة للانقلاب خلافا لحالة الانقسام المجتمعي الذي تعيشه مصر بفعل أخطاء الاخوان في إدارة حكم مصر، وايضاً لما قام به الاعلام من حالة شيطنة للجماعة لدي المجتمع بخيار مقاومة المستبد علي الأقل يجب ان تجمع عليه كل قوي المعارضة بعد استنفاذهم كل الخيارات السلمية المتاحة والممكنة وغير الممكنة أيضاً.
لذا في هذه اللحظة اري انه واجباً تاريخي علي الاخوان إصدار هذه الوثيقة التي تؤكد علي المواجهة السلمية واستمراريتها قبل ان ترفض وتتبرأ من كل من يستخدم العنف أو يبرر له واجب علي الجماعة ان تحمي شبابها المخلص المتظاهرين في الشوارع من ان يجره اليأس لينحرف ويؤسس تنظيما عسكريا مختلا كالذي تأسس في عام ١٩٦٥، واجب علي الجماعة بدورها الدعوي والتنويري في حقل العمل الاسلامي وحق المجتمع ان تبين من جديد عدم شرعية استخدام العنف ليس فقط من خلال استنكارات وبيانات سياسية ولكن بتأصيل شرعي واجتماعي وسياسي حماية للمجتمع من هذا الخطر.
كثيراً ما تعرضت الجماعة لمحن وسجون وكثيراً ما أصدرت وثائق تأسيسية لتؤكد علي مسار هي بالفعل تقوم به ، فالجماعة ومرشدها في الستينات حسن الهضيبي اصدر كتابه ” دعاة القضاة ” في مواجهة أفكار الغلو والتطرف الذي انتشر داخل السجون وأصدرت الجماعة في ١٩٩٤ وثيقتهم الشهيرة عن قناعتها بالدوري وحق المرأة في المشاركة السياسية وأصرت الجماعة أيضاً في ٢٠٠٥ مبادرة الإصلاح التي أكدت فيها علي إيمانها بقيم الديمقراطية والتغيير السلمي والآن يحتاج المجتمع ومعه التنظيم الإخواني هذه الوثيقة لقطع الطريق علي سلطة العنف استدام عنف المراهقين لتشويه مسار النضال السلمي .. هذا هو واجب الوجب الوقت قبل فوات الأوان.