بعد أن شهد القرن الحاليّ تقدمًا هائلًا في الثورة المعرفية والتكنولوجية أدت إلى حدوث طفرات حضارية في المجتمعات الإنسانية وخاصةً تلك التي أخذت إستراتيجيتها التنموية بالتقدم والاعتماد على التعليم وأهدافه ومحاوره، بقي العراق في أدنى مستوياته من التعليم وخاصة الجامعي منه، من ناحية النوعية والكفاءة للخريجين ويرجع ذلك إلى نوعية التعليم في الجامعات العراقية الذي يقع بين سندان الواقع الأمني ومطرقة الوسائل التقليدية المستخدمة في إيصال المادة التعليمية إلى المتعلم، إضافةً إلى قدم المناهج الحاليّة في شتى مجالات العلم والمعرفة.
لذا أصبح من اللازم على المؤسسات التربوية والتعليمية أن تعد الفرد المتعلم إعدادًا ملائمًا يجعله يعيش في هذا القرن الجديد ويتكيف معه بتغير متطلبات الحياة ويجعله قادرًا على مواجهة ما تفرزه التحديات والمتطلبات الجديدة من مواقف ومشكلات تقابله في حياته اليومية، وكذلك يكون مؤهلًا لتنفيذ النتاج العلمي والمهني الذي اكتسبه على أرض الواقع؛ لكي يرى المجتمع أن المنظومة التعليمية تساهم في رفع معاناتهم من خلال النماذج العلمية والإنسانية التي تصدرها خلال المسيرة التعليمية وخاصة الأفراد ما بعد المرحلة الجامعية،
كل ذلك يرجع إلى رتابة وتقليدية الأنشطة التعليمية المستخدمة في الأوساط الجامعية الموجودة في العراق التي تعتبر إحدى عوامل تحقيق أهداف التعليم.
اليوم في الدول المتقدمة وحتى العربية والخليجية منها أصبحت الأنشطة التعليمية المستخدمة تعتمد على النشاط وتعاون المتعلم مع الآخرين من أقرانه وإعطاه الحرية الفكرية والتحليل والتركيب والنقد العلمي القائم على الأدلة والبراهين بعيدًا عن التقليدية المعتمدة على قوالب من الحفظ والاستظهار وقت الامتحان، وهو ما يسمى اليوم بالتعليم النشط Active Learning أو التعليم المتمايز Differentaion Instruction الذي يعني إشراك المتعلم في العملية التعليمية وليس كمتلقٍ فقط ويكون مسؤولًا عما يتعلمه من مواد تعليمية تتطلب منه القيام بأنشطة مثل التحليل والتفكير وحل المشكلات والمناقشة، ويكون دور المعلم ليس المسيطر الذي يعطي الأوامر فقط بل الموجه والمرشد والميسر للمهمة التعليمية بإدارة ذكية، فيوجه المتعلم نحو تحقيق الهدف بأنشطة متنوعة تتلاءم والمستوى المختلف للطلبة.
كخطوة أولى ممكن تطبيق هذا المستوى من التعليم في الجامعات الأهلية الموجودة حاليًّا بالعراق أو حتى المعاهد الأهلية نظرًا لقلة أعداد الطلبة فيها وكذلك وجود المستلزمات الأخرى المطلوبة كالأدوات اللوجستية
ولتحقيق هذا النوع من التعليم في الجامعات العراقية التي أغلبها تقريبًا مهيئة من الناحية اللوجستية، فقط نحتاج إلى عملية تأهيل وتطوير للكوادر التعليمية وتنميتها لتغير قناعاتها إلى هذا النوع من التعلم لأننا نحتاج في هذا المستوى إلى تدريس غير تقليدي يعمل على إدماج المتعلمين الكامل في تعليمهم ويدفعهم إلى استثمار أقصى قدراتهم الذهنية والمهارية عن طريق تقديم أفضل فرص التعليم والأنشطة المتنوعة التي تتوافق مع احتياجاتهم وقدراتهم الفعلية ويراعي الاختلاف الموجود بينهم من الناحية العلمية والفكرية والاجتماعية وحتى الجسدية، وتطبيق مبادئ التعلم القائم على الفعل ودمجها مع التطبيقات التربوية والنظرية للذكاءات المتعددة للطلبة.
وكخطوة أولى ممكن تطبيق هذا المستوى من التعليم في الجامعات الأهلية الموجودة حاليًّا بالعراق أو حتى المعاهد الأهلية نظرًا لقلة أعداد الطلبة فيها وكذلك وجود المستلزمات الأخرى المطلوبة كالأدوات اللوجستية ولسنوات محدودة كالسنتين الأخيرتين من مراحل الدراسة الجامعية أومرحلة المعاهد، وقياس الفوائد والفوارق المرجوة عن طريق إجراء الأبحاث والاستبيانات على الطلبة الخريجين ثم تطبيق النموذج على باقي جامعات العراق الحكومية.
بهذا التحول في طريقة التعليم من الممكن أن نحصل على نوعية أفضل من الطلبة المتعلمين والخريجين لرفد المجتمع بنماذج حقيقية بناءً على ما تم تنميته فيهم من معلومات ومهارات وتغير للقناعات لديهم، ينفذونها لتحسين واقعنا البيئي والاجتماعي وحتى الفكري ومخرجات أرقى للواقع التعليمي من الجامعات العراقية على أرض الواقع.
ويمكن الاستفادة من التجارب والخبرات من الدول التي أخذت على عاتقها تغيير وتنمية واقعها التعليمي مثل ماليزيا وتركيا وحتى الدول الخليجية، وبالفترة الأخيرة دولة مصر أيضًا دخلت ضمن هذا المضمار التنافسي؛ للوصول إلى الجودة التعليمية المنشودة وتحقيق أهداف وطموحات الكثير من الكوادر العلمية والإنسانية الطامعين بوصول التعليم في العراق إلى هذه النقطة بالذات من التعليم (نقطة التحول الإستراتيجي) الذي يكون فيه المتعلم مفكرًا ومسؤولًا عن تعليمه بمساعدة وتوجيه المعلم وتطبيق ذلك في الأوساط الجامعية العراقية.