ترجمة حفصة جودة
لم يكن لدى صائب عريقات – كبير المفاوضين الفلسطينيين – أي شك في هدف “صفقة القرن” الأمريكية، فهو يرى أن هدفها إسقاط القيادة الفلسطينية واستبدال محمود عباس، ويؤكد عريقات أيضًا أن الأمريكيين يخططون لتجاوز وكالة الأمم المتحدة للاجئين والأونروا حتى تذهب الأموال المخصصة للاجئين مباشرة إلى الدول التي تستضيفهم، وبتلك الطريقة سيسحبون البساط من تحت مشكلة اللاجئين التي تعد من أصعب القضايا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقال مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية إن السلطة تخشى مما يسميه المسؤولون الفلسطينيون المؤامرة الإسرائيلية الأمريكية المصرية السعودية، التي تهدف إلى فصل غزة عن الضفة الغربية وتقديم حل اقتصادي لغزة وتعزيز وضع حركة حماس، وبذلك تتجنب أي مفاوضات دبلوماسية بشأن مستقبل فلسطين.
هذا الخوف له ما يبرره، فبحسب وسائل الإعلام المصرية تهدف الخطة الأمريكية إلى إنشاء منطقة تجارة حرة بين قطاع غزة والعريش في سيناء حيث ستُقام 5 مشاريع صناعية ضخمة، وبحسب مطالب “إسرائيل” فهذه المشاريع ستُقام في مصر حيث تشرف على العمليات ومرور العمال من قطاع غزة إلى سيناء.
الآن يسمح المعبر بمرور البضائع ومواد البناء وليس الأشخاص فقط
سوف يأتي ثلثا العمال من غزة والثلث من سيناء، ولاحقًا سيتم بناء ميناء مصري فلسطيني مشترك ومحطة للطاقة الشمسية وإذا سارت الأمور كما هو مخطط لها فسيتم بناء مطار أيضًا، وسوف تبقى الحكومة في غزة تحت سيطرة حماس لكن بالتعاون الكامل مع مصر، حيث استمرت المحادثات المكثفة بين مصر وحماس في الأشهر الأخيرة بشأن إجراءات السيطرة على المعابر الحدودية.
كانت مصر قد فتحت معبر رفح في منتصف مايو/أيار في بداية شهر رمضان وسوف يظل مفتوحًا حتى عطلة عيد الأضحى مع نيتها أن يظل المعبر مفتوحًا لأجل غير مسمى، والآن يسمح المعبر بمرور البضائع ومواد البناء وليس الأشخاص فقط على عكس رغبات “إسرائيل”، وبذلك يبدو أن مصر ترسل رسالة لـ”إسرائيل” مفادها أن سياسة إغلاق المعبر على غزة قد تنهار إذا لم تجعل “إسرائيل” الأوضاع أكثر سهولة على أهالي غزة.
قليل من المصالحة
تعد تلك الخطوة أيضًا رسالة واضحة للسلطة الفلسطينية بأنه إذا استمر عباس في عرقلة جهود المصالحة بين حركتي حماس وفتح فسوف تنفصل غزة عن الضفة الغربية وتنتهي عملية توحيد جزئي فلسطين.
المتظاهرون في رام الله يطالبون برفع العقوبات عن قطاع غزة
يبدو أن الرسالة المصرية قد وصلت، فوفقًا ليحيى رباح أحد مسؤولي فتح في الضفة الغربية سوف تبدأ السلطة الفلسطينية في دفع رواتب موظفي غزة المعلقة، وبالتعاون مع مصر أيضًا ستُستكمل محادثات المصالحة بين حركتي فتح وحماس بهدف إنعاش حكومة الوحدة الوطنية في غزة.
في الوقت نفسه تشعر مصر بالقلق إزاء التطورات في غزة لكنها لم تقبل المبادرة الأمريكية بشكل كامل، ففي يوم الخميس الماضي بعد اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع وزير الخارجية سامح شكري ورئيس المخابرات عباس كامل المسؤول عن القضية الفلسطينية أعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة بسام راضي: “تدعم مصر كل الجهود والمبادرات للوصول إلى اتفاق شامل وفقًا للقرارات الدولية التي اتخذت في الماضي، وعلى أساس إقامة دولتين لشعبين على حدود 1967 مع وجود القدس الشرقية عاصمة لفلسطين”.
يخشى الأردن أيضًا من سيطرة “إسرائيل” على وادي الأردن كجزء من اتفاقية السلام
هذا الموقف يوضح أن مصر لا تدعم الاقتراح السعودي بأن تكون أبو ديس عاصمة للفلسطينيين، وأن أي خطة اقتصادية لغزة لن تكون بديلًا عن خطة دبلوماسية يقبلها الفلسطينيون، وبذلك تقسم مصر عملية المفاوضات إلى جزئين: مساعدة غزة وتنمية اقتصادها كجزء من دعم الحدود بين مصر وغزة، ومفاوضات دبلوماسية شاملة مستقلة عن اقتصاد غزة.
مخاوف الملك عبد الله
يشعر العاهل الأردني الملك عبد الله – الذي التقى بمبعوثي أمريكا جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات – بالقلق بشكل رئيسي من نية السعودية لإقصاء وصاية الأردن على الأماكن المقدسة في القدس والتي وعدت بها اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية، ويخشى الأردن أيضًا من سيطرة “إسرائيل” على وادي الأردن كجزء من اتفاقية السلام، على المدى القصير لا يعارض عبد الله تنمية اقتصادية منفصلة في غزة لكنه يدعم الموقف العربي التقليدي الذي لا يرى غزة والضفة كيانين منفصلين.
لكن يبدو أن الملك سلمان وابنه ولي العهد يختلفان بشأن تلك المسألة، فبينما يتحمس ولي العهد لدعم الخطة الأمريكية وانفصال غزة عن الضفة الغربية، فإن والده يشعر بالقلق إزاء الانتقادات التي قد يتلقاها لتخليه عن مبادئ مبادرة السلام السعودية 2002 وذلك بتقسيم القضية الفلسطيينة إلى جزئين والتخلي عن موقفه بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
مظاهرة تدعو عباس لرفع العقوبات عن غزة
لم تكن فقط صفقة القرن مصدر الخلاف بين زعماء العرب، فقد أعلن الرئيس ترامب أنه سيطلب من السعودية والإمارات وقطر المشاركة في تمويل مشاريع جديدة في غزة، الأمر الذي واجه معارضة كبيرة من السعودية والإمارات، فقد أوضحت البلدان لمبعوثي أمريكا أن مشاركة قطر تعني دخول إيران لغزة من الأبواب الخلفية، وقالا إنهما على استعداد لتحمل التمويل كاملًا – الذي يُقدر بنحو مليار دولار – في حالة موافقة “إسرائيل” ومصر.
كانت الإمارات قد أعلنت العام الماضي أنها ترغب في تخصيص 40 مليون دولار من أجل محطة الطاقة في غزة وأنها سوف تساهم بنحو 15 مليون دولار لدعم الإدارة في غزة.
هذا الخلاف العربي الأمريكي بشأن الحل النهائي للقضية الفلسطينية يصب في صالح “إسرائيل”، لكن “إسرائيل” بحاجة لأن تقرر موقفها من غزة، فالتركيز على حل اقتصادي في غزة بإقامة مشاريع يجعل من غزة قضية إنسانية وليس دبلوماسية، لكن الخلاف السياسي في “إسرائيل” بشأن الأمر قد ينسف هذه الخطوة مما يضع “إسرائيل” في مواجهة عسكرية مع غزة وفي مواجهة مع واشنطن أيضًا.
المصدر: هآرتس