يومًا بعد يوم، ترتفع الأصوات داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي الداعية لشن حرب طاحنة على قطاع غزة، ليس بسبب خطر كبير قادم نحوها أو حتى تطور مفاجئ في قدرات المقاومة الفلسطينية، بل بسبب “طائرة ورقية” لا يتجاوز ثمنها الـ3 دولارات.
“الطائرة الورقية” باتت تشكل هاجسًا وقلقًا لدى”إسرائيل” وباتت تقف عاجزة ومكتوفة الأيادي أمام تطور قدرات هذا “العدو الجديد” على أرض الميدان، بعد أن حول مناطق حدود غزة للون الأسود، وحققت خسائر تجاوزت حرب 2014، بحسب اعترافات مسؤولين إسرائيليين.
“هل اقتربت الحرب الرابعة على غزة؟ وكيف ستواجه المقاومة هذا التصعيد؟ وإلى أين سيصل؟ وهل باتت المقاومة تملك قوة الردع؟ كلها أسئلة باتت تطرح بقوة في الساحة، على ضوء التطورات العسكرية والميدانية التي تحيط بقطاع غزة وموجه التهديدات التي يطلقها قادة الاحتلال تجاه القطاع بـ”حرب جارفة وصادمة”.
سيناريوهات الحرب
قبل أيام أفرد تليفزيون الاحتلال نشرات أخباره المركزية للحديث عن “تدهور الأوضاع” على حدود غزة، وصولاً لاحتمالية نشوب حرب بسبب “الطائرات الورقية”، وفي هذا الإطار كتبت القناة الثانية في تليفزيون “إسرائيل”: هل تقع الحرب؟
الخبير العسكري اللواء واصف عريقات، أكد أن معادلة القصف بالقصف التي تبنتها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مع الاحتلال، تدل على موقف قوة المقاومة بوحدتها في التصدي للاحتلال وعدوانه
هذه التطورات الخطيرة جاءت بعد تصريحات هستيرية من جانب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير جيشه أفيغدور ليبرمان ووزير اليمين نفتالي بينيت، بعد إطلاق المقاومة في غزة 45 صاروخًا ردًا على قصف إسرائيلي وغارات طالت مواقع لكتائب القسام على حدود غزة وإعلان “حماس” أنها سترد على النار بالمثل.
الخبير العسكري اللواء واصف عريقات، أكد أن معادلة القصف بالقصف التي تبنتها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مع الاحتلال، تدل على موقف قوة المقاومة بوحدتها في التصدي للاحتلال وعدوانه، مشددًا على أن هكذا إستراتيجية تزعج “إسرائيل” بكل تأكيد.
وأوضح أن تبادل القصف بين المقاومة والاحتلال قد يؤدي بالوضع إلى ثلاثة سيناريوهات، وهي أن يبقى الحال على ما هو عليه قصف مقابل قصف محدود لا يتطور إلى عدوان، والسيناريو الثاني في حال وقعت خسائر جسيمة في أحد الطرفين (المقاومة و”إسرائيل”)، ربما يتدحرج إلى عدوان إسرائيلي واسع.
أما السيناريو الثالث بحسب عريقات، هو أن تمتص “إسرائيل” الوضع وتتوقف عن عدوانها على قطاع غزة لأن الوضع الإسرائيلي يعيش حالة من الإرباك والقلق مما يجري في غزة والإقليم وهذا الوضع يشكل رادعًا أمام “إسرائيل” لاتخاذ موقف بالعدوان، إضافة إلى أن القيادة الإسرائيلية تعيش مأزق إخفاقات وأزمات، وعزلة دولية تزداد وتحركات أمريكية في المنطقة، وأكد أنه في حال فرض العدوان على قطاع غزة فلا مناص إلا من التصدي له من المقاومة الفلسطينية.
وفي هذا السياق، قالت وسائل إعلام عبرية: “حركة حماس أطلقت سياسة غير مسبوقة في التعامل مع كل ضربة جوية إسرائيلية على قطاع غزة”.
ذكرت الصحيفة الإسرائيلية واسعة الانتشار أن “إسرائيل” تعتقد أن دوافع حماس لتغيير قواعد اللعبة ينبع من إخفاقاتها في الأشهر الأخيرة، على حد زعمها
فكتبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن معادلة حماس الجديدة تعني إطلاق الصواريخ بشكل فوري بعد أي هجوم إسرائيلي على القطاع، وأضافت “حماس تعتقد أن “إسرائيل” ليست مهتمة بحرب في الجنوب لذلك أطلقت سياسة غير مسبوقة لإطلاق صواريخها مباشرة بعد كل ضربة جوية إسرائيلية في قطاع غزة”.
وذكرت الصحيفة الإسرائيلية واسعة الانتشار أن “إسرائيل” تعتقد أن دوافع حماس لتغيير قواعد اللعبة ينبع من إخفاقاتها في الأشهر الأخيرة، على حد زعمها، كما قال مراسل القناة العبرية (كان) جال بيرجر إنه وفي أقل من شهر يعودون إلى نفس النقطة: “حماس تقصف.. الجيش يرد.. حماس تقصف.. الجيش يرد.. وعلى الأرض غيرت حماس المعادلة، القصف برد وبقصف”.
تغيير قواعد الاشتباك
ويرى محللون إسرائيليون وكتاب أن حالة المد والجزر بين “إسرائيل” وفصائل المقاومة في غزة ستبقى رهينة أسوار المجلس الأمني المصغر “الكابينت”، إلى أن يعطي تعليمات واضحة للجيش بخوض غمار معركة جديدة في قطاع غزة لا يعرف أحد نتائجها، ومن الذي سيتراجع أولًا.
وكتب المحلل العسكري الإسرائيلي يوسي يهوشاع: “القصة بسيطة للغاية: القوات الإسرائيلية غيرت المعادلة بعد ظاهرة الطائرات الورقية، تدفع ثمن ومهاجمة أهداف حماس، حماس لا تقبل ذلك: “أنت تطلق النار، وأطلق النار”، مضيفًا “المسألة من الذي سيتراجع أولًا”.
قال المختص في الشأن الإسرائيلي محمود مرداوي: “المقاومة العسكرية، باتت في احتكاك خشن مع جيش الاحتلال الذي كان يسعى لتغيير قوات الاشتباك وفرض معادلاته بشكلٍ منفرد، إلا أن الرد جاء في الوقت المناسب من غزة عبر فوهات المدافع لجمًا لاعتداءات الاحتلال”
الجدير ذكره، أن فصائل المقاومة تبنت معادلة القصف بالقصف مع الاحتلال، وأنها لن تسمح للعدو بفرض معادلاته العدوانية على شعبنا ومقاومته، وحملت قيادة العدو المسؤولية الكاملة عن أي عدوان وستدفع ثمن عنجهيتها.
وعلى ضوء هذه التطورات، يقول المختص في الشأن الإسرائيلي محمود مرداوي: “المقاومة العسكرية، باتت في احتكاك خشن مع جيش الاحتلال الذي كان يسعى لتغيير قوات الاشتباك وفرض معادلاته بشكلٍ منفرد، إلا أن الرد جاء في الوقت المناسب من غزة عبر فوهات المدافع لجمًا لاعتداءات الاحتلال”.
وأوضح أن ما حدث مؤخرًا من تصعيد في غزة هو توازن دقيق بين منع العدو من تغيير قواعد الاشتباك، وتحقيق هدفه وحلمه بالهروب من استحقاقات مسيرة العودة عبر لغة القصف والنار، مبينًا أن المقاومة في قطاع غزة ستفشل جميع مخططاته، متوقعًا أن تفضي المعادلة الجديدة إلى عدوان جديد على قطاع غزة.
ويتفق المختص في الشأن الإسرائيلي أكرم عطا الله، مع مرداوي، إذ يؤكد أن المقاومة الفلسطينية على الأقل لم تسلم لمفهوم الاحتلال بالتهدئة القائم على أن تضرب “إسرائيل” متى وكيفما تريد وعلى الفلسطينيين الالتزام بالتهدئة من جانبهم، وثبت بأن المقاومة تمردت على هذه المعادلة بعد ردها السريع فجر الأحد الماضي على الغارات التي استهدفت مواقع لها.
وأكد عطا الله انتهاء المرحلة التي تضرب فيها “إسرائيل” أهدافًا في قطاع غزة دون رد فوري وسريع للمقاومة، وبالتالي ستكون المرحلة المقبلة مبنية على الفعل ورد الفعل من الطرفين، وستزداد حدة الرد حسب طبيعة الاستهداف.
وتوقع المختص في الشأن “الإسرائيلي” أن تسعى حكومة الاحتلال بعد خروجها مهزومة من جولة الأسبوع الماضي إلى إثبات أنها لن تلتزم بمعادلة المقاومة الفلسطينية وستعتمد على استمرار ضرب أهداف ومواقع تتبع للمقاومة الفلسطينية بشكلٍ موسع، الأمر الذي لن تصمت عليه فصائل المقاومة في القطاع.
وأشار عطا الله في نهاية حديثه، أن ما يفصلنا عن عدوان جديد على قطاع غزة، هو ارتكاب “إسرائيل” أي حماقة باغتيال أحد قادة المقاومة أو استهداف موقع أو مكان يرتقي خلاله شهداء، أو استهداف المقاومة منطقة مأهولة بالسكان ووقوع قتلى إسرائيليين الأمر الذي سيفجر الأوضاع بشكلٍ كامل.