من مقاعد المتفرجين وبينما يجلس العرب يتابعون مونديال الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية التي فرضت نفسها على الساحة طيلة الفترة الماضية، كل يؤمل نفسه بما يخدم مصالحه، إذ بالأتراك يسجلون عددًا من الأهداف الجديدة في مرمى الديمقراطية، يسحبون معها البساط من تحت أقدام الجميع في مشهد وصف بـ”العرس الديمقراطي”.
النتائج الأولية شبه الرسمية تشير إلى فوز الرئيس التركي الحاليّ رجب طيب أردوغان، بمنصب الرئاسة بحصوله على 53% من إجمالي الأصوات، متقدمًا على منافسه محرم إنجه الذي نال قرابة 31%، وذلك بعد فرز 99.2% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس الأحد.
وإلى جانب فوز أردوغان بانتخابات الرئاسة، حصل تحالف “الشعب” المؤيد له على نحو 53% في الانتخابات التشريعية، مقابل 34% لتحالف المعارضة، وذلك بعد فرز أكثر من 94% من إجمالي الصناديق، ليبدأ تطبيق النظام الرئاسي الجديد الذي يقود تركيا نحو “الجمهورية الثانية”، وفق التعديلات الدستورية التي أقرت العام الماضي في استفتاء شعبي.
هذا النظام الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ فور إعلان نتائج الانتخابات بشكل رسمي ونهائي، يُصبح فيه الرئيس المصدر الأول للقرارات التنفيذية، ويمثل البلاد على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويراقب عمل مؤسسات الدولة على نحوٍ يتناغم مع الدستور، ويوافق على القوانين الصادرة عن البرلمان أو يرفضها، ويعيّن الوزراء ورؤساء المؤسسات الحكومة المهمة، ويعيّن السفراء، ويبرم الاتفاقيات الدولية ويعرضها على البرلمان للموافقة، ويتولى قيادة الجيش بشكل مباشر، وغيرها الكثير من المهام التي تخرج عن إطار المهام الرمزية الذي كان يدور الرئيس التركي في فلكه قبل التعديل الدستوري الذي حدث في 16 من أبريل/نيسان 2017.
طموحات وآمال يعقدها الأتراك على المرحلة الجديدة من تاريخ بلادهم، في ظل خريطة إقليمية، سياسية واقتصادية وأمنية، تعاني خيوطها من الكثير من الفوضى والمؤامرات، ومع الساعات الأولى لتأسيس الجمهورية التركية الثانية الحديثة، وفي ظل النظام الجديد بكل الصلاحيات التي يمنحها للرئيس، وكانت تمثل العقبة الأولى حيال العديد من المواقف التي كانت تحتاج إلى مرونة وسرعة في اتخاذ القرارات، العديد من التساؤلات تفرض نفسها بشأن ملامح خريطة الطريق الجديدة خلال المرحلة المقبلة حيال الملفات الأكثر سخونة، داخليًا كانت أو خارجية.
درس في الديمقراطية
رغم كونها تتمتع بمتابعة عالمية كبيرة على المستويات كافة بحكم توتر العلاقات بين أنقرة والعديد من الحكومات الغربية، فإن الاهتمام العربي كان الأكثر حضورًا، إذ اتخذ طابعًا شعبيًا غير مسبوق، فاق متابعة الشعوب العربية لانتخابات أنظمتها الداخلية في بعض الأحيان، وذلك لأسباب سياسية وأخرى إنسانية.
هذا الاهتمام غير المسبوق دفع الأتراك بشتى انتماءاتهم إلى الحرص على تقديم صورة إيجابية عن تجربتهم الديمقراطية تمثلت في إرهاصاتها الأولى بنسب مشاركة قياسية قاربت 90% وهو ما لم يتحقق في كثير من الدول المجاورة، هذا غير المناخ الصحي المتاح أمام الجميع لتحقيق أعلى نسبة ممكنة من الشفافية والنزاهة حتى وإن شابت العملية بعض التجاوزات في مناطق محددة بحسب أصوات معارضة إلا أن تأثيرها على النتيجة النهائية لا يذكر.
أردوغان وبعد الإعلان شبه الرسمي عن فوزه، وخلال مؤتمر صحفي له بإسطنبول تعهد بأن جميع الطاقات ستستنفر للصعود بتركيا إلى مصاف الدول العشرة الكبرى في العالم، مشددًا على أن بلاده قدمت درسًا في الديمقراطية عبر نسبة مشاركة قياسية بالانتخابات، مضيفًا “لن نرتاح حتى نحقق هذا الهدف، أولويتنا تحقيق الأهداف التي نصبو إليها بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية في 2023”.
هذه الانتخابات قد تضع حدًا لأزمة نظام سياسي عانى على مدى 95 عامًا من الاهتزازات والانقلابات العسكرية، نظام لم يتمكن طوال الفترة الماضية من إقناع القائمين عليه بضرورة بقائه والحفاظ عليه
لفت الرئيس التركي أيضًا إلى أن سلامة العملية الانتخابية وحرية التصويت يعبران عن قوة الديمقراطية التركية، داعيًا من يشكك في الانتخابات إلى قراءة نتائجها جيدًا، وقال: “هناك بلدان لا تصل نسبة المشاركة في انتخاباتها إلى 50% وتعتبرها ديمقراطية وفي الوقت نفسه لا تنظر بموضوعية إلى الانتخابات بتركيا، فعليها أن تقرأ نتائجها بشكل أفضل”.
واختتم كلمته بالمؤتمر الصحفي بدعوته إلى تنحية السجالات والتوترات التي رافقت الفترة السابقة للانتخابات والتركيز على مستقبل البلاد، معبرًا عن أمنيته “ألا يضر أحد بديمقراطية بلادنا القوية من خلال التشكيك في النظام الانتخابي والنتائج من أجل إخفاء فشله”، متعهدًا بمواصلة العمل على تعزيز الحريات والتوزيع العادل للثروات.
https://www.youtube.com/watch?v=0DTiMqTV3KA
مشروع القرن
ما أشبه أجواء اليوم بتلك التي كانت قبل مئتي عام، خلال عهد السلطان عبد الحميد الثاني (السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية 1842-1918) وهو ما يجيب وبصورة كبيرة عن العديد من التساؤلات بشأن دوافع أردوغان في إجراء انتخابات مبكرة على عكس ما ألفه الحكام العرب والمسلمين في المنطقة.
في عهد “عبد الحميد” لعب الغرب بقيادة فرنسا وروسيا وبريطانيا على زعزعة أمن الأراضي التي كانت قابعة تحت قيادة الدولة العثمانية، مستخدمين في ذلك العديد من الوسائل التقليدية آنذاك التي لا تختلف كثيرًا عن نظيراتها اليوم وإن اختلفت في إستراتيجياتها وآليات تنفيذها، ضرب الأمن الغذائي بنشر الجوع المفتعل عبر إغراق أو حرق المحاصيل بفعل مجهول، تدمير البنية الصحية بنشر الأمراض والفيروسات المميتة، إحداث شلل في المنظومة الاجتماعية بنشر الخوف عبر دعم العصابات والأعمال التخريبية، وتخريب الجانب النفسي ببث الشائعات عن هروب ومرض وموت وضعف السلطان، وخلخلة أساسات قصر يلدز بقصص “الحرملك” وشراء الجواري لأداء أدوار الجاسوسات واستمالة رجال الدولة، بحسب ما جاء في مذكرات تحسين باشا رئيس دائرة الكتابة في قصر يلدز.
المؤامرات الخارجية التي كانت تحاك في عهد السلطان الـ34 من سلاطين الدولة العثمانية لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تحاك اليوم، إذ إن نشوب حربين، في سوريا والعراق، عند الحدود التركية في أثناء حكم أردوغان، ليس من قبيل المصادفة أو العشوائية، الأمر الذي وضع الرئيس التركي في وجه مدفع أقصى البراغماتية لحماية بلاده من التفكك القومي والعرقي والسياسي، وقد كان تأسيسه مع عبد الله غول وآخرين لحزب العدالة والتنمية نهجًا براغماتيًا معتدلاً أول حصون المواجهة والدفاع، وقد كان بعد 15 عامًا من الحكم.
كانت البراغماتية الذكاء السياسي الذي أوصل حزب العدالة والتنمية للحكم، ومن ثم أردوغان للرئاسة، ثم تغيير الدستور الذي تسبب في الظلم الاجتماعي في تركيا من النخب التي تميل في هواها للأجواء الأوروبية، لذا فإن البعض يطلق على التوجهات الأردوغانية الجديدة التي تؤسس للجمهورية الثانية اسم “مشروع القرن”.
هذه المقدمة كانت من الأهمية بمكان لمحاولة الإجابة عن السؤال الأكثر أهمية: ماذا عن تركيا تحت ظلال الدولة الحديثة من ناحية عدد من الملفات أبرزهم الأكراد والاقتصاد والسياسة الخارجية؟
تكمن أهم هذه الصلاحيات في كون الرئيس المهندس الأول لرسم السياسة الخارجية بكل جنباتها الاقتصادية والدبلوماسية وحتى الأمنية؛ مما سينعكس بشكل واضح على طبيعة أداء تركيا الخارجي
نظام أكثر استقرارًا
“هذه الانتخابات قد تضع حدًا لأزمة نظام سياسي عانى على مدى 95 عامًا من الاهتزازات والانقلابات العسكرية، نظام لم يتمكن طوال الفترة الماضية من إقناع القائمين عليه بضرورة بقائه والحفاظ عليه”، بهذه الكلمات استهل الباحث العراقي الدكتور فراس إلياس، حديثه لـ”نون بوست” معلقًا على النتائج الأولية للانتخابات.
إلياس أوضح أنه وبعد فوز الرئيس أردوغان تقف تركيا على أعتاب نظام رئاسي يختلف من حيث الجوهر والمضمون عن النظام الرئاسي الذي وضع أسسه مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك، نظام رئاسي بكارزما “أردوغانية” طاغٍ على كل مؤسسات الجمهورية التركية الثانية وضابط لإيقاع اللعبة السياسية فيه، منظم لعمل السلطات ومتكامل معها.
كان النظام السابق يعاني من بعض الإشكاليات الداخلية التي كانت تتسبب في إحداث نوع من تداخل الاختصاصات إلى الحد الذي كان معه من الصعب اتخاذ موقف موحد أو سريع حيال أي من الملفات الحساسة، وهو ما كان يفقد أنقرة الكثير من الفرص التي كانت تضيع بين سراديب البيروقراطية والروتين القاتل.
مع الإعلان شبه الرسمي عن فوز أردغان في الانتخابات الرئاسية من جولتها الأولى، خطت تركيا أولى خطواتها التنفيذية نحو هدفها الاقتصادي الأهم في تاريخها والمتمثل في رؤية 2023 الإستراتيجية
هذا بخلاف معاناة الداخل التركي في أحيان عدة من بعض العناصر الموالية لتنظيم أو أيديولوجية معينة تتعارض بشكل أو بآخر مع توجهات الرئيس ومن ثم كانت تعمل على عرقلته بشتى السبل والحيلولة دون التقدم حفاظًا على مصالحها، ولعل محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو 2016 أبرز تجسيد لهذه الظاهرة، وكان هذا أحد أبرز الأسباب التي قادت إلى ضرورة تعديل الدستور والمغامرة بإجراء انتخابات مبكرة تعيد ترتيب الأوضاع أيًا كان الفائز فيها.
وفي سياق آخر، فقد سادت فرحة عارمة بين صفوف اللاجئين السوريين والعراقيين والفلسطينيين، وغيرهم ممّن وجدوا ملاذًا في هذه البلاد وعيشًا كريمًا تحت سياسات حكومة العدالة والتنمية، عقب إعلان النتائج غير الرسمية بفوز أردوغان، حسبما أشار الكاتب السوري المهتم بالشأن التركي عبد الرحمن السراج.
السراج لـ”نون بوست” أرجع تلك الفرحة العارمة إلى اللحظات التي سبقت العملية الانتخابية، حيث سيطرت مشاعر الخوف من المستقبل بعد تصريحات بعض السياسيين المناوئة لوجود هذه الفئة، وذلك عبر مشهدين متناقضين: الأول يصور ظروف الحياة المستقرة نوعًا ما للعائلات المهاجرة، والثاني لغموض يكتنف الصورة الأولى ويعيد الشعور بعدم الاستقرار وقائمة الخيارات التي تتراوح بين صعب وأصعب.
الأكراد.. إلى أين؟
يعد مصير الأكراد في الجمهورية الثانية الحديثة أحد أبرز التساؤلات التي أطلت برأسها باحثة عن إجابة بعد فوز أردوغان، خاصة أن الصوت الكردي كان حاضرًا وبقوة في انتخابات الأمس، سواء كان ذلك عبر ممثله الرسمي “حزب الشعوب الديمقراطي” الذي تجاوز عتبة 10% من الأصوات ليضمن بذلك الوجود في البرلمان، أم عن طريق الأصوات التي اختارت تحالف “الشعب” الذي فاز بقرابة 53%.
نظير الكندوري الكاتب المتخصص في الشأن العراقي والتركي، يرجح أن تستمر تركيا في مكافحتها التي بدأتها مبكرًا ضد حزب العمال الكردستاني، لافتًا في تصريحات لـ”نون بوست” أنها ستنجح في تحجيمه إن لم تقض عليه بالكامل” على حد قوله.
غير أنه وفي المقابل كشف أن الانتخابات أعطت رسالة واضحة للشعب الكردي الذي فهم مراميها، مفادها أن السبيل الوحيد لنيل حقوق الأكراد المشروعة بعيدًا عن الدعوات الانفصالية، هو الانخراط بالعملية السياسية، وتابع “لقد فهم الشعب الكردي أن أسلوب العنف لا يؤدي للوصول لأهدافهم، وهذا ما عبر عنه الشعب الكردي حينما أدار ضهره لحزب العمال وشارك بفعالية بالانتخابات ليصل نوابه إلى البرلمان التركي”.
مصير الأكراد بعد الانتخابات.. تساؤل بحاجة إلى إجابة
نقلة اقتصادية
مع الإعلان شبه الرسمي عن فوز أردغان في الانتخابات الرئاسية من جولتها الأولى، خطت تركيا أولى خطواتها التنفيذية نحو هدفها الاقتصادي الأهم في تاريخها والمتمثل في رؤية 2023 الإستراتيجية، وهي الرؤية التقدمية التي تشمل المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الخاص بتركيا، وتبناها حزب العدالة والتنمية بتاريخ 23 من يناير/كانون الثاني 2011، كرؤية إستراتيجية يسعى في تحقيقها من أجل نقل تركيا نقلة نوعية تصبح فيها إحدى الدول العظمى في العالم.
الباحث في الشأن الاقتصادي التركي ياسر التركي، أوضح أن النظام الرئاسي الجديد الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ بعد الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات، يمهد الطريق نحو تحقيق تلك الرؤية وفق حزمة من الإجراءات، من بينها خفض عدد الوزارات من 26 إلى 16 وزارة، حيث سيطرأ على المناصب المختلفة في الجمهورية التركية انخفاض كبير، مقابل سرعة في تقديم الخدمات والحلول، وزيادة في الإنتاج والتوفير في الوقت.
جاءت انتخابات الأمس في ظل حاجة تركيا الماسة لوجود آلية جديدة تساعد في اتخاذ قرار حاسم وسريع من أجل مواجهة التغيّرات الدراماتيكية التي تواجهها في محيطها
علاوة على ذلك سيتم دمج وزارة العلوم، والصناعة، والتكنولوجيا، مع وزارة التنمية، ليصبح اسم الوزارة الجديدة “وزارة الصناعة والتكنولوجيا”، كذلك دمج وزارة الجمارك والتجارة مع وزارة الاقتصاد تحت مسمى “وزارة التجارة”، وذلك لـ”زيادة عائدات الصادرات إلى 500 مليار دولار، وجعل إسطنبول مركز مالي عالمي”، فضلاً عن استحداث لجان جديدة: لجنة سياسات الاقتصاد، ولجنة سياسات التربية والتعليم، ولجنة سياسات العلوم والتكنولوجيا والحداثة.
التركي كشف أيضًا تأسيس 4 مكاتب ستعمل مع رئيس الجمهورية مباشرة، وهي: مكتب الموارد البشرية ومكتب الاستثمار ومكتب التمويل ومكتب التحول الرقمي، ومن المقرر أن تكون بمثابة وحدات تلعب دورًا رئيسًا في استخدام الموارد البشرية بشكل مثمر ومؤثر، وفي تيسير حياة المجتمع، وزيادة جودة الخدمات من خلال التحول الرقمي، وفي جعل تركيا دولة جاذبة في مجال الاستثمار، وفي تطوير الأدوات المالية الجديدة.
علاوة على ذلك فإن الانتقال إلى النظام الرئاسي سيمكّن تركيا من التخلص من أهم المعوقات أمام النمو والتنمية الاقتصادية وهي الإجراءات البيروقراطية الروتينية التي تؤدي إلى التأخير في الانطلاق بالمشاريع الاقتصادية والتنموية في البلاد، فالبدء في أي مشروع اقتصادي في البلاد يتطلب المرور عبر سلسلة من الخطوات البيروقراطية التي تتمثل في مرور القرار عبر ثلاث جهات حكومية هي الوزير ثم رئيس الوزراء ثم رئيس البلاد، وبالمجموع الكلي يكون القرار قد تم التوقيع عليه 483 توقيعًا إداريًا الأمر الذي يستهلك من الوقت 3 سنوات.
كما يهدف أردوغان إلى التركيز على مراكز البحث العلمي التي تمثل المصدر الأساسي للتنمية البشرية النوعية، وتعزيز أمن الطاقة وإيجاد فرص عمل جديدة، هذا بخلاف الاهتمام بمشكلة العجز في الحساب الجاري، من خلال التركيز على دعم الصادرات وجذب الاستثمارات الخارجية والاهتمام بالتكنولوجيا العالية التي تمتلك قيمة مضافة عالية مقارنة مع الإنتاج الصناعي والزراعي، الأمر الذي يؤدي إلى رفع سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأخرى.
أحلام الأتراك في نقلة اقتصادية متطورة في ظل النظام الرئاسي الجديد
سياسة خارجية أكثر براغماتية
جاءت انتخابات الأمس في ظل حاجة تركيا الماسة لوجود آلية جديدة تساعد في اتخاذ قرار حاسم وسريع من أجل مواجهة التغيّرات الدراماتيكية التي تواجهها في محيطها، لا سيما في العراق الذي تلوح في الأفق ملامح تغير واضحة في خريطته بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إضافة إلى سرعة التعامل مع التهديدات التي يمثلها حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” في خاصرة تركيا الجنوبية، شمال العراق وسوريا، هذا مع الوضع في الاعتبار ضرورة الانتباه إلى الساحة السورية التي دار الحديث فيها عن انتشار لقوات فرنسية وإيطالية، واحتمال انتشار قواتٍ عربية “منافسة” و”مخاصمة” لتركيا.
النظام الرئاسي الجديد لا شك أنه سيزيد من الحركة التركية الخارجية، وسيخضع كل السياسات الخارجية السابقة لعملية مراجعة شاملة، ستكون قادرة على التناغم مع كل الإشكالات الإقليمية والدولية بسرعة ومرونة، كونها ستكون متحررة من قيود التعقيدات البرلمانية وأحزاب المعارضة ومناقشاتها.
إن توسيع الصلاحيات السيادية لمنصب الرئيس التركي باتت إحدى أهم ملامح النظام السياسي المرتقب، وتكمن أهم هذه الصلاحيات في كونه المهندس الأول لرسم السياسة الخارجية بكل جنباتها الاقتصادية والدبلوماسية وحتى الأمنية مما سينعكس بشكل واضح على طبيعة أداء تركيا الخارجي، هذا ما أشار إليه الدكتور علي أغوان أستاذ العلوم السياسية في جامعة البيان في كردستان العراق.
تعهد أردوغان بأن جميع الطاقات ستستنفر للصعود بتركيا إلى مصاف الدول العشرة الكبرى في العالم، مشددًا على أن بلاده قدمت درسًا في الديمقراطية عبر نسبة مشاركة قياسية بالانتخابات
أغوان لـ “نون بوست” كشف أن النظام الجديد سيعيد تشكيل آلية التعاطي مع ملفات عديدة معقدة وتكاد تكون تاريخية، على رأسها حزب العمال الكردستاني المنتشر في بقعة جغرافية وعرة تحتاج لتنسيقات إقليمية واسعة لمعالجة هذه الخاسرة الأمنية الرخوة، إضافة إلى الملف السوري في اتجاه حسم العديد من النقاط العالقة والمتعلقة بمصير الأسد نفسه ووضع الكرد داخل مناطق نفوذهم الحدودية وقضايا التعامل مع باقي الفصائل المسلحة.
أما فيما يخص العراق، فأشار إلى أنه من الواضح أن عهدًا جديدًا من العلاقات سيبدأ بين الجانبين وهذا العهد بدأت ملامحه بالوضوح مع بداية التلويح من جديد بورقة المياه الإستراتيجية التي تحوي في جنباتها أوراق اقتصادية وترتيبات أمنية جديدة تشمل العديد من القضايا بين البلدين.
وفي سياق متصل، فقد أوضح الكندوري أن الانتخابات الأخيرة أعطت رسالة إلى كل من سوريا والعراق ومن خلفهما الشعوب العربية بأن النتيجة الطبيعية لنضال الشعوب هو الانعتاق من الديكتاتورية والوصول إلى الديمقراطية والحرية، تلك الأهداف التي خرجت من أجلها الشعوب العربية في الربيع العربي مستلهمين التجربة التركية، لكن الثورة المضادة التي قادتها الأنظمة الديكتاتورية حالت بينهم وبين تحقيق طموحاتهم، وأرادت تصدير الفوضى إلى تركيا.
الكاتب المتخصص في الشأن العراقي والتركي رجح استمرار أنقرة دعم الشعب السوري بإيجاد مناطق آمنة داخل وطنهم ليتسنى للاجئين الموجودين على أراضيها أن ينتقلوا إليها بظروف آمنة، كذلك مواصلة الجيش التركي عملياته العسكرية داخل الأراضي العراقية لمكافحة حزب العمال الكردستاني – الذي استغل الحكومة العراقية بصورة كبيرة – وصولاً لجبال قنديل، وربما يتم ملاحقته حتى مدينة مخمور جنوب أربيل كما صرح بذلك رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم.