خلال القرن الخامس والسادس هجري، ظهرت في شمال أفريقيا دولة إسلامية قوية، انبثقت من حركة دعوية إصلاحية إسلامية يقودها الشيخ عبد الله بن ياسين والأمير الصنهاجي يحيى بن ابراهيم، وسيطرت حينها على جزء كبير من بلاد المغرب وبلاد السودان جنوب الصحراء، كما امتد حكمها نحو الأندلس ووضعت حدًّا لانتهاكات الصليبيين على المسلمين، كما أنهت كل مظاهر الفساد والفوضى والفتن في تلك الربوع.
لكن بعد 9 عقود من سيادة الإسلام تحت حكم المرابطين، اختلّ التوازن وابتعد العامة عن دينهم، وشهدت الدولة أزمات اقتصادية حادّة ووقع فيضان كبير بطنجة سنة 532 هجري، حمل الديار وسقط فيه عدد كبير من الناس والدواب، كما فتك الجراد بحقول الأندلس فترة 526-531 هجريًا، واحترقت عديد الأسواق في الأندلس والمغرب، فاشتدت المجاعة وانتشر الوباء وكثر الموتى.
توازيًا مع تلك الأحوال، انتشرت دعوة معادية للمرابطين، فما أن عاد الفساد لأرض المرابطين حتى برز بعض الشيوخ والعلماء المناوئين للمرابطين والداعين لى محاربتهم بحجّة محاربة الضلالة.
في ملف “نهضة الموحدين” نخصص الحديث عن تاريخ دولة الموحدين وأبرز قادتها، ومن بينهم محمد بن عبد الله بن وجليد بن يامصال الذي اشتهر فيما بعد باسم “المهدي بن تومرت”، وهو رجل ورع تقي شغوف بالعلم والمعرفة، أعلن انتسابه إلى آل البيت وأنه سليل الحسين بن علي حفيد النبي محمد (ص)، فكان بذلك الأب الروحي لدولة الموحدين التي تأسّست خلال القرن السابع هجري على أنقاض دولة المرابطين، وحكمت بلاد المغرب (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا وموريتانيا) والأندلس وجزءًا من الصحراء الكبرى لمدة قرن ونصف، وكانت بذلك أكبر دولة حكمت الغرب الإسلامي.
نشأة المهدي بن تومرت
اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ ولادة محمد بن عبد الله بن وجليد، لكن يبقى المرجح وفق المؤرخ التونسي عبد المجيد النجار أنه ولد سنة 473 هجري الموافق لـ 1081 ميلادي، وكانت ولادته في قبيلة هرغة وهي بطن من بطون قبيلة مصمودة الأمازيغية الموجودة بين جبال الأطلس الصغير في منطقة سوس جنوب المغرب الأقصى.
كما اختلفوا أيضًا في تحديد نسب بن تومرت، فبعضهم يقول إنه أمازيغي أبًّا عن جد، فيما يقول آخرون إنه عربي، وينتمي نسبه إلى الرسول محمد (ص) عن طريق ابنته فاطمة من زوجها علي، فيما جعل قسم آخر نسبه مختلطًا بين الأمازيغ والعرب، إلا أن صاحبنا كان يصرّ هو وأتباعه على أن نسبه عربي وأنه من صلب الرسول.
وتقول بعض المراجع إن “ادّعاء” بن تومرت بأنه عربي ومن نسل الرسول، هو ادّعاء مألوف عند أصحاب المطامح الدينية والسياسية في بلاد المغرب سابقًا وحاضرًا، وذلك حتى يظفروا لأنفسهم مرجعية دينية تمكّنهم من جمع الناس حولهم وامتلاك الحظوة والمكانة.
خلال فترة طفولته، لُقّب بن تومرت بـ”أسافو”، التي تعني بالأمازيغية المشعل أو الضياء، وذلك بعد أن اشتهر بمواظبته على إيقاد القناديل في المسجد من أجل الصلاة والقراءة، أما في كبره فقد أطلق عليه لقب “المهدي المنتظر” و”الإمام المعصوم” و”المهدي المعلوم”.
لا توجد تفاصيل كثيرة على نشأة بن تومرت ولا عن أسرته، وما ذُكر فقط أن أسرته كانت من أواسط القوم غير بارزة الثروة، وكانت على مكانة دينية، حيث يقول ابن خلدون: “وكان أهل بيته أهل نسك ورباط”، وكان له 3 إخوة ذكور هم أبو موسى عيسى وأبو محمد عبد العزيز وأبو العباس أحمد الكفيف، وأخت واحدة هي زينب أم أبي بكر، أما أبوه فاسمه عبد الله ويلقّب بـ”تومرت”، وأمه كانت تسمّى بأم الحسين.
نشأ بن تومرت في قبيلة عُرفت بشدّة البأس وقوة الشكيمة، وقد غلب على أهلها الجفاء والغلظة في العشرة، وعُرفوا بتعاطيهم العرافة والتنجيم كغالب قبائل مصمودة الأمازيغية، وادّعائهم القدرة على كشف الكنوز والاطّلاع على الغيب والتصرف في القوى الخفية.
ولئن عُرفت المنطقة التي تتواجد فيها “هرغة” بقلة العلماء وخلوها من حركة علمية عميقة ونشيطة، وانتشار بعض مظاهر الفساد والضلالة فيها، فقد كرّس بن تومرت أغلب سنوات طفولته في التردد على المساجد والكتاتيب لحفظ القرآن الكريم.
فضلًا عن تعلم القرآن، تقول بعض المراجع التاريخية إن تومرت تناول شيئًا من مبادئ العلوم الشرعية، خاصة العلوم الفقهية لنفاق سوقها في ذلك العصر، كما تردد على مجالس الأدب للتفقّه في اللغة والخطابة، ما ساعده في خططه لنشر مذهبه، ويقول المؤرخ بن خلدون في هذا الشأن: “وشبّ محمد هذا قارئًا محبًّا للعلم..”.
ويقول بعض المؤرخين على غرار عبد المجيد النجار، إنه من المحتمل أن يكون بن تومرت قد انشغل في صباه بواقع قبيلته والمناطق المجاورة لها وللمغرب عمومًا الذي كان تحت حكم المرابطين، وانتشار الفساد والضلالة، فتعلّق ذهنه بضرورة التغيير.
رحلة إلى المشرق
رغبته في التغيير والحصول على قدر أكبر من العلم، جعلت ابن تومرت يشدّ الرحال إلى بلاد المشرق حيث تنتشر مراكز العلم والشيوخ والعلماء، وتشير بعض المراجع التاريخية إلى أن ابن تومرت بدأ هذه الرحلة إلى بلاد الأندلس أولًا، فيما تنكر مراجع أخرى هذه الخطوة.
لم يتفق المؤرخون على تاريخ واحد لبداية هذه الرحلة الطويلة، واتفاقهم الوحيد أنها كانت في أواخر القرن الخامس وبدايات القرن السادس الهجري، وأما من ذكروا مرور ابن تومرت بقرطبة (الأندلس) على غرار ابن قطان وابن قنفذ، فقالوا إنه تتلمذ هناك على يد عدد من العلماء أمثال القاضي ابن حمدين -أحد أكبر علماء الأندلس في ذلك الوقت-، كما درس الفقه والعقيدة في المدرسة الحزمية (مذهب ابن حزم).
لم تنتهِ اختلافات المؤرخين في هذا الجانب فحسب، فبعض المؤرخين أمثال الزركشي وابن قنفذ يقولون إن بن تومرت توجّه عقب مغادرة الأندلس إلى المهدية بتونس، وهناك درس على يد الإمام أبي عبد الله المازري، وهو إمام المالكية في عصره، ومن المحدّثين المشهورين، بلغ درجة الاجتهاد حتى سُمّي بـ”الإمام”.
من هناك انتقل إلى الإسكندرية في مصر مرورًا بجزيرة جربة التي قضى فيها بعض الأيام فقط للراحة، ومن المؤرخين من يقول إنه انتقل من الأندلس إلى الإسكندرية مباشرة دون المرور بالمهدية، وفيها استقر لفترة زمنية، وواظب على دروس الفقيه المالكي أبي بكر الطرطوشي.
استكمل ابن تومرت رحلته العلمية نحو الحجاز، وقصد مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وأخذ العلم عن علمائها، ثم توجّه إلى بلاد الشام ثم العراق، واتخذ من بغداد مستقرًّا له، وفيها درس على يد عدد من العلماء وشيوخ الدين الكبار.
وخلال فترة إقامته، كانت الحياة العلمية ببغداد مزدهرة على عادتها، إذ بنى السلاجقة المدارس وشجّع وزيرهم نظام الدين العلماء وأقام لهم مجالس العلم، وعمل على مساعدة أهل السنّة في مواجهة الشيعة الوافدين، وكانت بغداد في تلك الفترة ضالة طلاب العلم من كل مكان.
لا نعلم بالتحديد المدة الزمنية التي أقامها ابن تومرت في بغداد، لكن المرجح أنه أقام فيها أغلب فترات رحلته إلى المشرق التي يقدّرها بعض المؤرخين بـ 10 سنوات، وفيها تتلمذ على يد كبار العلماء وتعرّف على واقع البلاد الإسلامية عن كثب.
لا تذكر كذلك كتب التاريخ معلومات كثيرة عن الشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم ابن تومرت في بغداد، فالبعض منهم يقول مثلًا إنه حضر دروس أبو حامد الغزالي، لكن هناك من يشكّك في ذلك، ويقول إن أتباع ابن تومرت اخترعوا هذا “اللقاء المزعوم” لسبب سياسي دعائي، لاقتران هذا اللقاء بمسألة حرق كتب الغزالي من قبل المرابطين، ودعوة الأخير عليهم بتمزيق ملكهم ودعوته لابن تومرت بالثورة عليهم.
يُذكر أن العلاقة بين الغزالي وأمير المرابطين علي بن يوسف بن تاشفين قد اتسمت بالعداء، بسبب كتاب الغزالي “إحياء علوم الدين” الذي أبدى فيه تذمرًا من الفقهاء وانتقاصًا منهم، وسمّاهم علماء الدنيا، وعدّ مرتبة الفقيه أقل من مرتبة المتصوف، وفيه اتهم الفقهاء بالاهتمام بفروع الشريعة دون الأصول، وانتصر لآراء المتكلمين من مذهب الأشاعرة، فأفتى علماء المرابطين بحرق الكتاب.
وإن كان ابن تومرت التقى بالغزالي أو لا، فإنه تأثر به في الكثير من آرائه وفي جوانب عديدة من منهجه الفكري المناوئ لدولة المرابطين، ويلتقي الرجلان في عدائهما للمرابطين وإن اختلفت أسباب ذلك ومبرراته.
رحلة العودة
بعد نحو عقد من الزمن قضاه ابن تومرت متنقلًا بين عواصم ومدن الشرق طلبًا للعلم، قرر العودة إلى مسقط رأسه في المغرب، بعد أن اكتسب حنكة سياسية وتعلم كيف يجب أن يترجم عقيدته الدينية إلى دعوة سياسية، إلا أن رحلة العودة لم تكن مباشرة، فقد قرر الفقيه المغربي أن يطبّق العلم الذي اكتسبه على أرض الواقع لاختبار فعاليته، فالواقع هو المحك الأساسي لكل تجربة نظرية.
اعتبر ابن تومرت نفسه صاحب رسالة، وهي رسالة الإصلاح الديني والدنيوي، وتقول بعض المراجع التاريخية إن رحلة العودة بدأت سنة 510 هجري وامتدت لـ 4 سنوات، وخلالها توقف في الإسكندرية ناشرًا للعلم وآمرًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، ثم قصد طرابلس الغرب وحاول فيها نشر العقيدة الأشعرية، وبعدها توجه إلى المهدية بتونس واتخذ مسجدًا لدراسة العلم وركّز على علم الأصول.
بعد المهدية، توجّه ابن تومرت صحبة بعض تلامذته إلى بجاية، وفيها التقى بعبد المؤمن بن علي الكومي الذي سيصبح عضده الأقوى لنشر فكره في شمال أفريقيا، ثم ارتحل إلى تلمسان ففاس، وجعل مجلسه في أحد مساجدها، وبدأ تلامذته يهاجمون المحلات التي تبيع آلات الطرب، وقلّلوا من قيمة الفقهاء والعلماء وحطوا من شأنهم.
جمع الوالي المرابطي فقهاء فاس لمناظرته، لكن ابن تومرت غلبهم، فتمّ طرده من المدينة، فمضى إلى عاصمة البلاد مراكش التي وصلها سنة 514 هجري، وما أن وصل مراكش حتى عاين مظاهر الفساد المستشري في المدينة، وانصراف العلماء والفقهاء عن أمور الرعية وتركيزهم على كتابة الكتب والمسائل الخلافية.
قرر النزول إلى الشوارع والأسواق صحبة تلامذته للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يراه، فبدأ بكسر الآلات الموسيقية التي كان يستعملها الناس في مجالس اللهو والطرب، ومحاربة الاختلاط بين الرجال والنساء ومنع شرب الخمر، فعاود الفقهاء مناظرته ثانيةً فغلبهم مرة أخرى، بحكم براعته في الجدال وثقافته الواسعة الجامعة بين الثقافتين المشرقية والمغربية.
تمّ طرده من مراكش مجددًا، فذهب إلى أغمات ثم إلى قريته بالسوس الأقصى، وهناك بايعه عبد المؤمن بن علي الكومي مع عشرة من رجاله بأنه المهدي المنتظر، بعد أن ادّعى أنه من نسل الحسين بن علي حفيد النبي محمد (ص).
وتذكر بعض المراجع التاريخية أن ابن تومرت قد تمّ طرده أيضًا من الإسكندرية وطرابلس والمهدية، بسبب مواقفه ضد بعض السلوكيات والأفعال التي كانت سائدة في تلك المدن، وكان يرى أنها تخالف الشرع.
ونلاحظ ممّا سبق ذكره أن ابن تومرت لم ينتظر عودته إلى المغرب حتى يبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -كما يراه-، إنما بدأ نشاطه خلال رحلة العودة، حيث انطلق منذ خروجه إلى حين وصوله في دعوة الناس للابتعاد عن الضلالة والكفّ عن الفساد، لكن طريقته في ذلك أثارت حفيظة بعض الأهالي والحكام.
“العقيدة المرشدة”
عجّل طرد ابن تومرت من فاس ومراكش وذهابه إلى السوس الأقصى مواجهته مع دولة المرابطين، لكن قبل الحديث عن هذه المواجهة سنبحث في فكر الفقيه السوسي، والذي كان أساسه التوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نظرًا إلى رحلته الطويلة نحو الشرق، وتعلمه قبل ذلك على يد بعض علماء المغرب، فقد كان فكر ابن تومرت جامعًا متأثرًا بعدة تيارات، ما دفعه إلى ابتكار مذهب سياسي ديني لم يكن قائمًا آنذاك أسماه “مذهب التوحيد”، وعُرف بـ”العقيدة المرشدة“، وضمّن تفاصيله في كتابه “علم التوحيد وأصول الدين” وفي كتاب “أعز ما يطلب”.
حُرّرت هذه العقيدة تحريرًا بليغًا وعُرضت فيها المسائل المتعلقة بالإيمان بالله تعالى ذاتًا وصفات، وتمثلت هذه المسائل في وحدانية الله وخالقيته المطلقة وخضوع الخلائق له وأزلية وجوده، وتنزهه عن المكان والزمان وتنزهه عن الشبيه والمثيل، وقيوميته وعلمه المحيط بكل شيء، وقدرته وإرادته واستغنائه وعزته وبقائه ومشيئته المطلقة وعدله وفضله وسمعه وبصره.
وبالنظر إلى فكر ابن تومرت، نرى كما قلنا في البداية أنه جامع لعديد الأفكار، حيث أخذ من الشيعة فكرة العصمة المطلقة للإمام، واقتبس من الخوارج الاعتقاد القائل بحتمية المخالف وضرورة الثورة على الحاكم الجائر، وأباح دم من يخالفه.
وحتى يضفي لنفسه الشرعية الدينية، ادّعى أنه المهدي المنتظر، وأنه المعصوم من الخطأ، وبالتالي على الجميع الاقتداء به في جميع أفعاله، وقبول أحكامه الدينية والدنيوية، وتفويض الأمر إليه في كل شيء.
ولنشر عقيدته الجديدة، كتب ابن تومرت كتابًا في التوحيد باللغة الأمازيغية يتضمن تعاليم في العقيدة والأخلاق والشرائع، وكان يشرف على تعليم الأهالي بنفسه مستعينًا بنجباء الطلاب ممّا كان لهم دورًا بارزًا في تأسيس أركان الدولة الموحدية فيما بعد، كما أدخل إلقاء خطبة الجمعة باللغة الأمازيغية حتى يسهل استيعابها من طرف مختلف الشرائح الاجتماعية.
مؤسسات الحكم الموحدي
كان لابن تومرت مشاريع سياسية تمثلت بإسقاط دولة المرابطين، فكانت أول خطوة قام بها في هذا الطريق محاولة إسقاط الشرعية عن المرابطين، وذلك بإهانة علمائها وقضاتها الذين كانوا عماد الدولة، كما توجه ابن تومرت وتلامذته معه إلى أغمات لخلع مبايعة الحاكم المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين آنذاك.
واستغل ابن تومرت انشغال المرابطين بالجهاد في الأندلس، فجمع الناس حوله وبايعه الكثير منهم سنة 516 هجري (1122 ميلادي)، كما استقطب عددًا من القبائل بفضل ذكائه الكبير، حيث استخدم الأشخاص الذين كانوا يعملون معه في نشر دعوته ليكونوا عيونًا له داخل هذه القبائل ويمدّوه بأخبارهم، أما القبائل التي رفضت الانضمام إليه فقد حاربها وقتل فيها آلافًا من الأشخاص ضمن حركة سُمّيت بـ”حركة التمييز“.
بعد أن قويت شوكته، أنشأ ابن تومرت مؤسسات سياسية مستمدًّا تسميتها من السيرة النبوية هي “مجلس العشرة”، على غرار صحابة الرسول العشرة، وتميز هؤلاء الأعضاء العشرة بالعلم والقدرة على القيادة وروح التضحية، وأبرزهم عبد المؤمن بن علي الذي سيكون خليفة “المهدي المنتظر”.
كما أسّس أيضًا “مجلس الخمسين”، وضمّ رؤساء 50 قبيلة سبّاقة إلى مساندة الحركة الموحدية، وهو مجلس ذو طابع استشاري، فضلًا عن “جماعة الطلبة” وكانوا في البداية دعاة الحركة، وهم الذين مارسوا فيما بعد التربية والتعليم والإدارة والجيش.
مواجهة المرابطين
بدأت المواجهة المسلحة بين أتباع ابن تومرت والجيش المرابطي سنة 516 هجري، لكن المرابطين فشلوا في اقتحام مقر قيادة الموحدين في أغمات، لأهمية التحصينات والالتفاف الكبير للأتباع والمريدين حول قائدهم.
عقب ذلك، توجه بن تومرت وجماعته إلى موقع “تنمل” بجبال الأطلس الكبير الذي يوجد على خطّ التماسّ مع مراكش عاصمة الدولة المرابطية، وقام ببناء مدينة جعلها عاصمة له وقاعدة عسكرية لجيوشه التي يجهّزها للقضاء على دولة المرابطين.
ما أن قويت شوكة الموحدين، حتى أمر ابن تومرت أتباعه بالاتجاه نحو مراكش لمواجهة المرابطين، وأسندت قيادة الجيش المكون من 40 ألف رجل لعبد المؤمن بن علي الكومي، الذراع اليمنى لابن تومرت.
كان المرابطون حينها -بقيادة علي بن يوسف بن تاشفين- على أتمّ الاستعداد لمواجهة الموحدين، والتقى الجيشان يوم 11 أبريل/ نيسان 1130 ميلادي (524 هجري) في موقع يسمّى البحيرة على مشارف مدينة مراكش، وهو الموقع الذي أخذت منه المعركة اسمها، وكان النصر للمرابطين، فاضطر من بقيَ من الموحدين الانسحاب إلى موقع تنمل.
خلال تلك المعركة، كان ابن تومرت ملازمًا فراش المرض، ولما وقف على أخبار الهزيمة النكراء ازداد مرضه وتدهور وضعه الصحي، وكانت سببًا رئيسيًا في وفاته بعد 3 أشهر من هذه الواقعة التي قُتل فيها جمع كبير من الموحدين.
توفي ابن تومرت يوم 20 أغسطس/ آب 1130 ميلادي (13 رمضان 524 هجري)، وتراجعت قوة الموحدين، إلا أن النصر كان حليفهم في نهاية المطاف، إذ كانت هذه المعركة درسًا مفيدًا لهم، فقد امتنعوا عن منازلة المرابطين في السهل، واعتصموا بالجبال، وتمكّنوا من تأسيس دولة قوية ستحكم بلاد المغرب لعقود طويلة.