ترجمة وتحرير: نون بوست
انتهى موسم مذهل بالنسبة لمحمد صلاح اتسم بعرض لسرعته وبراعته الاستثنائية، وتعرضه لإصابة فادحة، ناهيك عن شعور عميق بالحسرة، بعد ظهر الأمس في فولغوغراد. وفي حين تمكن صلاح من تسجيل هدفين في أول ظهور له مع ليفربول على ملعب واتفورد، فقد قدم أداء غير متوقع في مباراة منتخبه ضد نظيره السعودي في كأس العالم، مسلطا بذلك الضوء على نهاية مغامرة مصر المحبطة في كأس العالم.
من المرجح ألا يكون خروج المنتخب المصري من كأس العالم في مرحلة المجموعات، بعد أن مني بخسارة بفارق طفيف أمام منتخب الأوروغواي وهزيمة فادحة أمام روسيا، أسوأ جزء في هذه الصائفة بالنسبة للفراعنة. مؤخرا، تواترت بعض الشائعات انطلاقا من معسكر الفريق في غروزني بأن “الملك المصري” من المقرر أن يعلن اعتزاله دوليا عن عمر يناهز 26 سنة. وحسب ما ورد في بعض التقارير، فقد سئم صلاح من استغلاله المستمر من قبل حكومته والحكومات الأخرى من أجل أغراض دعائية.
لطالما لجأ السياسيون والديكتاتوريون إلى الرياضة من أجل تحقيق أغراض سياسية بدءا من موسوليني وصولا إلى توني بلير. لكن هذا لا يعني أن صلاح راض عن هذا الأمر
قبل بداية كأس العالم، أثيرت الكثير من التساؤلات حول منطقة الشيشان المستقلة ذات الأغلبية المسلمة التي اختارتها مصر معسكرا للمنتخب المصري خلال فعاليات بطولة كأس العالم. وقد شهدت هذه الدولة حربين انفصاليتين ضد روسيا، في حين تقودها حكومة قمعية، تمتلك سجلا مثيرا للشكوك في مجال حقوق الإنسان، وخاصة فيما يتعلق بالمثلية الجنسية. تمكن رئيس الشيشان، رمضان قديروف من تكريس صورة لنفسه على اعتباره رجلا قويا في المنطقة، بعد أن قام بتسوية قضية التمرد الشيشاني. كما لعب قديروف دورا حاسما في تقوية الروابط بين الدول الإسلامية وموسكو، في الوقت الذي عمدت فيه روسيا إلى التدخل بشكل كبير في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، حتى أنه قام بإرسال قوات الأمن الشيشانية إلى سوريا.
في الأثناء، أصبح صلاح الشخصية الأكثر شهرة وشعبية في العالم الإسلامي، حيث أضحى محبوبًا في الداخل والخارج. ولا يرتبط ذلك بمهاراته الكروية الاستثنائية فحسب، بل يعود ذلك أيضا إلى شخصيته المتواضعة والطيبة والمحببة للقلب. وتجدر الإشارة إلى أن صلاح تحول إلى أيقونة تعكس الإسلام المعتدل السائد في أوروبا، التي لا تزال تعاني من تبعات سلسلة من الهجمات التي نفذها تنظيم الدولة في الكثير من البلدان منذ سنة 2017. لكن هذه الشعبية كانت سببا في جذب اهتمام جهات غير مرغوب فيها. ولعل هذا الأمر يفسر السبب الذي دفع صلاح، وهو في مقتبل العمر وفي بداية رحلته في عالم كرة القدم، إلى التفكير في التخلي عن بلده.
لم يكن محمد صلاح لاعب كرة القدم الوحيد الذي واجه خلافات مع الحكومة المصرية وغيرها من الحكومات الاستبدادية. فقد اتُهم محمد أبو تريكة، اللاعب الذهبي السابق للحكومة المصرية، بربط علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك وضعته السلطات على قائمة الإرهابيين المطلوبين
عمد قديروف إلى استخدام صلاح كأداة دعائية أثناء إقامته في غروزني. فقد قام الزعيم الشيشاني بإيقاظ صلاح أثناء وجوده في الفندق الذي يقيم فيه المنتخب المصري، ليعرض عليه القيام بجولة معه في المدينة. عقب ذلك، منح قديروف “المواطنة الشرفية” لصلاح خلال حفل عشاء أقامه خلال عطلة نهاية الأسبوع. ويعتبر هذا التصرف منطقيا للغاية، فأي قائد قد لا يرغب في الاستفادة من شعبية أيقونة رياضية؟
لطالما لجأ السياسيون والديكتاتوريون إلى الرياضة من أجل تحقيق أغراض سياسية بدءا من موسوليني وصولا إلى توني بلير. لكن هذا لا يعني أن صلاح راض عن هذا الأمر. في الأثناء، يحيل اختيار الاتحاد المصري لكرة القدم لغروزني للإقامة هناك، والتواطؤ من أجل الترويج للصور التي جمعت قديروف وصلاح، إلى أن ذلك جزء من استراتيجية المنتخب والقائد الشيشاني على حد السواء.
في المقابل، لا تعد هذه المناسبة الوحيدة التي تم فيها استخدام صلاح من قبل الاتحاد المصري لكرة القدم من أجل أغراض دعائية. ففي أوائل هذه السنة، نشر محمد صلاح على موقع التواصل الاجتماعي تويتر تغريدة أعرب من خلالها عن امتعاضه من استغلال الاتحاد المصري لكرة القدم لصورته للقيام ببعض الإعلانات مع شركة الاتصالات دبليو إي على الرغم من معرفته بأنه قد أبرم اتفاقاً مع منافستها فودافون. وكان من الوارد أن يتسبب ذلك في وضع الصفقة في خطر.
في خضم تلك الحادثة، تراجع الاتحاد المصري لكرة القدم عن موقفه بعد تلقيه ردود فعل عنيفة من قبل المشجعين المصريين، فضلا عن خوفه من أن ينسحب صلاح من تشكيلة المنتخب قبل كأس العالم. قبل بضع سنوات، وتحديدا في سنة 2014، تم تهديد صلاح بأداء الخدمة العسكرية بعد أن تم إلغاء الإعفاء الذي حظي به عقب انتقاله إلى تشيلسي. كما تم إعلام صلاح بأن عائلته، التي لا تزال في مصر، لن يُسمح لها بمغادرة البلاد إذا لم يلتزم بأداء الخدمة العسكرية. وفي نهاية المطاف، تم إعفاء صلاح نهائيا من الخدمة العسكرية، في حين التقطت له صور صخبة الرئيس المصري السيسي وهو بصدد شكره لتقديمه تبرعًا سخيًا لصالح صندوق “تحيا مصر” التطوعي، الذي أنشئ في السنة ذاتها.
يعرف الجميع بأن صلاح رجل شجاع ومتواضع فضلا عن أنه صاحب مبادئ. وبالتالي، يمكن القول إن إقدامه على اعتزال اللعب الدولي والتخلي عن المنتخب الوطني، متحديًا رغبات حكومة استبدادية، يعد أكثر شجاعة من هجر ملاعب كرة قدم
لم يكن محمد صلاح لاعب كرة القدم الوحيد الذي واجه خلافات مع الحكومة المصرية وغيرها من الحكومات الاستبدادية. فقد اتُهم محمد أبو تريكة، اللاعب الذهبي السابق للحكومة المصرية، بربط علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك وضعته السلطات على قائمة الإرهابيين المطلوبين. ويعزى ذلك بالأساس إلى أنه أقدم على انتقاد حكومة الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، في إحدى المناسبات.
علاوة على ذلك، تم إنهاء عقد اللاعب، أحمد الميرغني بعد انتقاده للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك. كانت كرة القدم تستخدم دائما لتحقيق أغراض سياسية. فقد تعرضت هذه الكأس لانتقادات شديدة بسبب توظيفها على أنها أداة للدعاية لصالح الحكومة الروسية، وتلميع صورة الحكومة فيما يخص قضايا تتعلق بالشيشان والمواطنين الروسيين من ذوي الميول الجنسية المثلية والثنائية، والمتحولين جنسياً في جميع أنحاء البلاد.
على الرغم من أن صلاح تم انتقاده بسبب ما قام به في الشيشان، وسيتم انتقاده بشكل أكبر في حال اعتزاله وتخليه عن المنتخب المصري لكرة القدم وكسر قلوب الملايين من المواطنين المصريين، إلا أن الضغوط المسلطة عليه حتى يكون أداة سياسية لخدمة أهداف وأشخاص لا يمت لهم بصلة ولا يدعمهم أصلاً، لن تترك له مجالا سوى الانسحاب. على نطاق واسع، يعرف الجميع بأن صلاح رجل شجاع ومتواضع فضلا عن أنه صاحب مبادئ. وبالتالي، يمكن القول إن إقدامه على اعتزال اللعب الدولي والتخلي عن المنتخب الوطني، متحديًا رغبات حكومة استبدادية، يعد أكثر شجاعة من هجر ملاعب كرة قدم. في حال اعتزل محمد صلاح، سيكون ذلك مؤلماً له ولكنه الخيار الصحيح الذي ينبغي عليه اتخاذه.
المصدر: الإندبندنت