ترجمة وتحرير: نون بوست
في 27 تموز/يوليو؛ أدى سقوط صاروخ على ملعب لكرة القدم في مجدل شمس في مرتفعات الجولان التي تحتلها “إسرائيل” إلى مقتل 12 طفلاً، وقد خلّف الانفجار حفرة بعرض مترين في العشب الاصطناعي، مع دراجات نارية وهوائية محترقة، وأشلاء أطفال متناثرة في كل مكان.
وحملت “إسرائيل” ميليشيا حزب الله اللبناني مسؤولية الهجوم، متوعدة بالرد بقوة، ونفى حزب الله مسؤوليته عن الهجوم. ودعت منظمة المرصد، وهي منظمة حقوقية مقرها مجدل شمس، إلى إجراء تحقيق دولي في الحادث “لمحاسبة المسؤولين عنه”.
وأدت الغارة، التي تسببت في سقوط أكبر عدد من القتلى المدنيين في منطقة خاضعة لسيطرة “إسرائيل” منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، إلى زيادة التوترات وإثارة المخاوف من اندلاع حرب شاملة بين “إسرائيل” وحزب الله، كما أنها أعادت قضية مرتفعات الجولان المحتلة إلى دائرة الضوء من جديد، مما أثار تساؤلات حول الوضع القانوني للمنطقة ومستقبلها السياسي.
احتلت “إسرائيل” هضبة الجولان من سوريا في حرب 1967، مما أدى إلى تهجير 95.5 بالمائة من السكان وهدم أكثر من 300 قرية، ومنذ ذلك الوقت، ظلت العلاقات متوترة بين “إسرائيل” والسكان المتبقين في المنطقة.
وتوترت العلاقات أكثر عندما بدأت “إسرائيل” ببناء المستوطنات في المنطقة في السبعينيات قبل أن تقوم بضمها رسميًا في سنة 1981 ضد رغبة غالبية السكان، في خطوة رفضتها معظم دول العالم لكن إدارة ترامب اعترفت بها في سنة 2019. وعلى عكس الدروز الذين يعيشون داخل حدود “إسرائيل” قبل سنة 1967 – الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية وممثلون في البرلمان من مختلف الأطياف السياسية ويخدم معظمهم في الجيش – فإن غالبية الدروز في الجولان ليسوا مواطنين إسرائيليين ويرفضون سلطة الدولة، ويعرفون أنفسهم بدلاً من ذلك بأنهم سوريون.
ولفهم المزيد عن أحوال الطائفة الدرزية في أعقاب الحادث المأساوي الذي وقع الشهر الماضي، تحدثت مجلة +972 مع وائل طربيه، وهو فنان وناشط ومدير برنامج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مؤسسة المرصد. وشرح طربيه تأثير هجوم مجدل شمس على سكان الجولان، وعلاقته بنضالهم الطويل ضد الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي منذ سنة 1967، ولماذا لا ينبغي وصف المنطقة بأنها درزية بل عربية سورية، وكيف تبدو رؤيته للمستقبل، وتم تحرير الحوار من أجل الطول والوضوح.
كيف تنظرون إلى الهجوم الذي وقع في 27 تموز/يوليو على مجدل شمس على خلفية التوترات الإقليمية الأوسع والحرب الدائرة في غزة؟
يجب وضع الحدث المأساوي في الجولان في سياقه الأوسع، ويجب أن نتجنب التعامل معه بنفس الطريقة التي تم التعامل بها مع أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر – التي تم التعامل معها بشكل خاطئ في “إسرائيل” وخارجها كما لو كانت بداية التاريخ، وتفتقر إلى أي سياق لتفسيرها.
ظلت الجولان طوال الأشهر التسعة الأولى من الحرب على غزة بعيدة عن الصراع الرئيسي جغرافيًا، إن لم يكن سياسيًا. وشعر السكان بالأمان النسبي لعدم تعرضهم للهجوم، وأعربوا عن تضامنهم مع ضحايا غزة.
وقد كان تبادل إطلاق النار اليومي بين حزب الله و”إسرائيل” في المنطقة يشير إلى أن أي حادث في الجولان سيكون على الأرجح عرضيًا وليس مقصودًا، نظراً لقرب مجدل شمس من مزارع شبعا [منطقة في شمال “إسرائيل” تدعي لبنان أنها أرضها]، وأنه من غير المحتمل أن تستهدف أي قوة عربية أو لبنانية العرب السوريين. كما تتجنب “إسرائيل” عادةً القيام بأعمال عسكرية في الجولان؛ حيث تسعى “إسرائيل” إلى دمج المنطقة وسكانها – على الرغم من حقيقة أن 80 بالمائة منهم ليسوا مواطنين إسرائيليين، ووضعهم القانوني مشابه لوضع سكان القدس الشرقية.
وجاء سقوط الصاروخ ككارثة مفاجئة وغير متوقعة، فعند وصولي إلى مكان الحادث، شاهدت المنظر المروع لجثث الأطفال المشوهة والآباء والأمهات الذين يبحثون بيأس عن أبنائهم بين الضحايا.
كيف صوّرت “إسرائيل” هذا الحادث وسعت إلى استغلاله، وكيف كان رد فعل السكان المحليين؟
كانت التغطية الإعلامية للحادث فورية، وسرعان ما وصلت شخصيات سياسية إسرائيلية – بما في ذلك بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش – إلى المكان، متوعدين بالانتقام لأطفال مجدل شمس.
ومع ذلك، كان السكان المحليون مرتابين من هذا الخطاب، وأكد العديد من الذين تحدثوا إلى وسائل الإعلام، بما في ذلك عائلات الضحايا، أنهم لا يسعون للانتقام، واحتج السكان على زيارات السياسيين، ورددوا هتافات “مجرمو الحرب غير مرحب بهم هنا” وطالبوهم بالرحيل. وقد أوضحوا أنهم لن يقبلوا أي قتل للأطفال أو المدنيين، ولا التحريض على حرب إقليمية أوسع نطاقًا باسم ضحايا الجولان، وهو الموقف الذي تردد صداه في بيان رسمي صدر عن الهيئة الدينية والاجتماعية للجولان.
سلطت هذه الأحداث الأخيرة الضوء على العلاقة المعقدة بين سكان الجولان ودولة إسرائيل.
كيف تطورت هذه العلاقة على مر الزمن؟ وماذا يكشف رد الفعل المحلي على هذه المأساة عن طبيعتها الحالية؟
تطورت العلاقة بيننا وبين “إسرائيل” عبر عدة مراحل مختلفة منذ سنة 1967، فغالبًا ما يتم تجاهل وإهمال تاريخ الجولان المحتل، ولهذا السبب فإننا نشير إليه في المرصد بـ “الاحتلال المنسي“.
اتسمت بداية الاحتلال الإسرائيلي للجولان في سنة 1967 بتطهير عرقي واسع النطاق: ففي غضون أسابيع؛ تم تهجير 130,000 مواطن سوري، ولم يتبق سوى 6,404 شخص، وفقًا للأرشيف الإسرائيلي. إلا أن هذا النزوح الجماعي لم يُعترف به على نطاق واسع على أنه تطهير عرقي، ولم يتم توصيف أولئك الذين فروا باعتبارهم “لاجئين” ولم يُمنحوا الحماية – خاصة من قبل الحكومة السورية، التي أشارت إلى أولئك الذين أجبروا على الانتقال إلى داخل سوريا على أنهم “نازحون”. واليوم، تشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 500,000 نازح سوري يعيشون في الشتات في انتظار العودة إلى وطنهم في الجولان.
كان التحوّل الماديّ جذريًا بنفس القدر: فقد تم تدمير 340 قرية ومزرعة ومدينتين، ولم يبقَ سوى خمس قرى فقط على حالها، وقد عانت هذه القرى المتبقية – مجدل شمس وبقعاتا ومسعدة وعين قنية والغجر – 16 سنة من الحكم العسكري، وهو ما يعكس معاملة الفلسطينيين في “إسرائيل” [بعد النكبة]. كما ألغت “إسرائيل” المناهج التعليمية السورية، وقطعت العلاقات مع سوريا، وحاولت إعادة تشكيل هوية من تبقى من السكان العرب السوريين.
ثم وصلنا إلى سنة 1981، وهي سنة محورية. أفهم أن هذا التاريخ شهد بداية ما أُطلق عليه “انتفاضة الهوية” في الجولان، والتي تضمنت إضرابًا عماليًا كبيرًا. هل يمكنك أن تطلعنا على ما حدث خلال هذه الفترة ولماذا كانت مهمة للغاية؟
شكّلت سنة 1981 نقطة تحول كبرى، فقد أعلنت “إسرائيل” نهاية الحكم العسكري وفرضت القانون المدني على الجولان، مما أشعل شرارة الانتفاضة والإضراب الكبير الذي استمر ستة أشهر.
وخلال هذه الفترة، حوصرت الجولان، حيث فصل الجيش الإسرائيلي القرى عن بعضها البعض. ونشر الجيش حوالي 16,000 جندي، وهو ما يعادل أو يفوق عدد سكان الجولان. وعلى مدار أسابيع، كان الجنود يطوفون من بيت إلى بيت مع مترجمين عرب، ويقدمون لكل شخص بالغ بطاقة هوية إسرائيلية [تمنحه الإقامة الدائمة].
رفض معظم الناس بطاقات الهوية هذه، وهو ما ردت عليه السلطات الإسرائيلية باعتقالات واسعة النطاق، محولة المدارس المحلية إلى سجون مؤقتة. ولكن بعد رفع الحصار، تجمع السكان في ساحات القرى لحرق بطاقات الهوية وإرسال رسالة سياسية واضحة.
صحيح أن سكان الجولان لم يتمكنوا من إلغاء الضم الإسرائيلي الذي صادق عليه الكنيست، إلا أنهم نجحوا في مقاومة هذه الهوية المفروضة عليهم: فقد شهد العقدان التاليان نهضة سياسية وثقافية في الجولان، حيث عرّف سكان الجولان أنفسهم بشكل واضح: أولاً كعرب، وثانياً كسوريين، وثالثاً كسكان قرى ينتمي معظمهم [باستثناء سكان الغجر وهم علويون] إلى الموحدين الدروز المسلمين.
وقد كان هذا التعريف الذاتي يتناقض مع محاولات “إسرائيل” لإعادة هندسة هويتهم كدروز – وهي عملية نسميها “التدرّز”. لذلك، تميزت هذه الفترة بصراع ثقافي وسياسي طويل بين السكان ودولة “إسرائيل” حول طبيعة الهوية الجولانية.
تبدو سياسة “التدرز” هذه مشابهة لسياسات “إسرائيل” تجاه دروز فلسطين؛ حيث يبدو أنها كانت أكثر نجاحًا.
بالتأكيد، مع فارق أن دروز فلسطين خضعوا لهذه السياسات في سنة 1948، وحتى قبل ذلك. فقد وثّق المؤرخ قيس فيرو، أنه في سنة 1939، كان لدى الوكالة اليهودية مشروع لتهجير 14 ألف درزي من فلسطين إلى جبل العرب في سوريا. حتى أنهم اشتروا الأراضي هناك لكنهم فشلوا في إقناع القادة [السوريين] مثل سلطان الأطرش.
يكشف هذا العمل التاريخي عن سياسات طويلة الأمد تجاه الدروز في شمال فلسطين، ويبين كيف كانوا ضحايا للتلاعب بهم كأقليات، من خلال تفتيت الفلسطينيين إلى مجموعات دينية أصغر وفصلهم عن بعضهم البعض. والآن، نشهد عملية وعي مضاد بين الشباب.
بدأت هذه العملية في الجولان في سنة 1967، وبحلول سنة 1974، أدخلت إسرائيل منهجًا دراسيًا للدروز الجولانيين يستند إلى مفاهيم مثل “التراث الدرزي”، الذي يوحي بأن الدروز أمة ودين مستقل، وليسوا عربًا، واخترعت “إسرائيل” مفهومًا مشوهًا عن “عهد الدم” بين الدروز واليهود، والذي يعود أساسًا إلى خدمتهم المشتركة في الجيش الإسرائيلي.
كانت إحدى نقاط التحول المهمة بالنسبة للجولان، بعد كل هذه السنوات من سياسات الهوية، هي اندلاع الانتفاضة في سوريا سنة 2011. كيف أثرت هذه الأحداث على شعب الجولان؟
تسببت الانتفاضة السورية سنة 2011 في أكبر صدع في المجتمع الجولاني منذ احتلال سنة 1967. ومن المهم أن نفهم أن علاقة جيلي بسوريا كانت غير مباشرة إلى حد كبير: لقد ولدت بعد سنة من الاحتلال ولم أزر سوريا قط. وقبل سنة 2011، كان يُسمح لبعض الطلاب الجولانيين بالدراسة في جامعة دمشق، وكان المشايخ الذكور يقومون بزيارات سنوية للأماكن المقدسة في سوريا. فلم تكن قوميتنا السورية قائمة على المنافع أو المصالح المباشرة، بل على الهوية المشتركة.
بالإضافة إلى ذلك، كان أفراد العائلة الذين وجدوا أنفسهم منقطعين عن بعضهم البعض بعد سنة 1967 يتواصلون من خلال “أودية الصراخ”: حيث كان الأقارب غير القادرين على عبور الحدود للقاء شخصيًا، يجتمعون على جانبي الوادي ويستخدمون مكبرات الصوت للتواصل عبر الفجوة. وقد أتاحت هذه الممارسة للعائلات الحفاظ على التواصل وتبادل الأخبار وحتى المشاركة عن بُعد في المناسبات الحياتية الهامة مثل حفلات الزفاف أو الجنازات. وعلى الرغم من أن ظهور الهواتف المحمولة والإنترنت قد جعل هذه الممارسة بالية إلى حد كبير، إلا أن هذه المناطق احتفظت بأهميتها الرمزية.
لقد أحدثت انتفاضة 2011 انقساماً عميقاً في مجتمع الجولان. ففي 23 آذار/ مارس، بعد ثمانية أيام فقط من المظاهرة الأولى في درعا، صدر أول بيان يدعم مطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية في الجولان، وذلك بعد ثمانية أيام فقط من المظاهرة الأولى في درعا. وقد أثار ذلك انقساماً محلياً حاداً بين مؤيدي النظام ومعارضيه، مما أدى في بعض الأحيان إلى أعمال عنف.
كان لهذا الانقسام ثمن باهظ، فقد أتاح لـ”إسرائيل” فرصة “إعادة هندسة” الهوية الجولانية؛ حيث شجعت الحكومة الحركات الشبابية، وعززت مشاريع الكشافة الدرزية، وزادت من تمويل المبادرات الأخرى التي تهدف إلى “أسرلة” الطائفة الدرزية.
ومنذ سنة 2014، ازدادت طلبات الحصول على الجنسية الإسرائيلية بشكل ملحوظ. ووجدت الجماعات التي تسعى إلى “أسرلة” الجولانيين منبرًا في معارضة ما تسميه “إسرائيل” “النظام الدموي في دمشق”، بحجة أن مصالح سكان الجولانيين تكمن مع “إسرائيل” وليس مع سوريا.
وفي سنة 2018، حدث تحول كبير عندما حاولت “إسرائيل” فرض انتخابات ديمقراطية في الجولان؛ لكن ذلك لم يحدث. فتاريخيًا، كان رؤساء السلطات المحلية في المنطقة يُعيّنون من قبل وزارة الداخلية الإسرائيلية ويُشترط أن يكونوا موالين لـ”إسرائيل”. ولم تكن هذه المجالس تتمتع بأي شرعية شعبية أو سياسية أو اجتماعية بين الجولانيين.
ولم يكن يُسمح إلا للجولانيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بالترشح للمناصب المنتخبة في سنة 2018، وفي ذلك الوقت، لم يكن هؤلاء يشكلون سوى 20 بالمئة من السكان. أما البقية، الذين كانوا يحملون صفة المقيم الدائم، والذين كانوا يعاملون أساسًا كمواطنين من الدرجة الثانية، فقد مُنحوا حق التصويت لحاملي الجنسية، أي مواطني الدرجة الأولى. وقوبل هذا الإطار باعتراضات قوية من المجتمع. ونتيجة لذلك، شهدت الانتخابات الأولى في سنة 2018 مشاركة منخفضة للغاية؛ حيث لم يشارك فيها سوى بضع عشرات من الأشخاص.
ومع ذلك، شهدت الانتخابات [البلدية] الأخيرة، التي أجريت في شباط/ فبراير 2024، مشاركة أوسع. وتشير هذه الزيادة إلى تحول محتمل في نهج المجتمع المحلي تجاه هياكل الحكم المحلي التي فرضتها “إسرائيل”.
فقد بدأت السلطات المحلية، التي تعمل في رأيي كوكلاء للاحتلال، في احتكار الحيز العام والقضايا العامة. وهي تسعى الآن إلى اكتساب شكل من أشكال الشرعية داخل المجتمع.
في السنوات الأخيرة، كان هناك أيضًا جدل حول خطط إسرائيل لتركيب توربينات رياح في الجولان. هل يمكنك شرح ما وراء هذا المشروع والقضايا التي أثارها بالنسبة للمجتمع العربي السوري المحلي؟
يمثل مشروع توربينات الرياح هذا صراعًا إضافيًا واجهناه على مدى السنوات العديدة الماضية. ويمكن إرجاع أصول المشروع إلى سنة 2008، عندما بدأت شركة تدعى “مي جولان” [مياه الجولان] في التحقيق في إمكانية الاستثمار في طاقة الرياح في الأراضي المحتلة. وبعد سنوات قليلة، استحوذت شركة “إينيرجكس” على شركة “مي جولان” التي بدأت الاستكشافات والتحضيرات الأولية للمشروع في سنة 2013.
ولم يكن معظم سكان الجولان على دراية بالمشروع حتى سنة 2017، باستثناء المعنيين مباشرة – مثل المزارعين الذين تم الاتصال بهم لاستئجار أراضيهم. ومع تزايد الوعي، اعتقد الناس في البداية أنه مشروع اقتصادي بحت. ومع ذلك، سرعان ما أدركوا أنه كان أكثر أهمية بكثير: مشروع يمكن أن يدمر الطابع الزراعي لأراضيهم ويحولها إلى منطقة صناعية.
وقد أثار هذا الإدراك صراعات شعبية وقانونية ضد المشروع. ومنذ ذلك الحين، رفع كل مزارع وقّع على اتفاقية تأجير لشركة إنيرجيكس لبناء توربينات على أرضه دعوى قضائية لإبطال الاتفاقية.
وقد حدد الاقتراح الذي كشفت عنه سلطات التخطيط المحلية في سنة 2018 خططًا لتركيب 24 توربينًا ضخمًا لطاقة الرياح، يبلغ ارتفاع كل منها من 200 إلى 220 مترًا بقطر 60 مترًا، مزودة بأضواء تحذيرية للطائرات. ويمتد المقترح إلى ما هو أبعد من التوربينات نفسها، ليشمل عدداً غير معلوم من صواري قياس الرياح بطول 125 متراً ومرافق كهربائية مختلفة.
ويبرز تطوير البنية التحتية بشكل بارز، مع وجود خطط لتوسيع الطرق الزراعية القائمة، وإنشاء طرق وصول جديدة، ومد كابلات كهرباء واتصالات فوق الأرض وتحت الأرض. وقد تم تخصيص أراضٍ إضافية لمزيد من التخطيط.
من شأن هذه التوربينات أن تغيّر المشهد وطريقة حياتنا بشكل جذري. وتشمل الآثار السلبية الأكثر أهمية للمشروع تقييد التوسع العمراني في قرانا وتغيير الطابع الزراعي للمنطقة، الأمر الذي من شأنه أن يضر بممارساتنا الزراعية التقليدية. كما أننا نشعر بالقلق إزاء الآثار الصحية المحتملة الناجمة عن الضوضاء وتأثير وميض التوربينات، فضلاً عن الإزعاج البصري الناجم عن ظلال شفراتها الضخمة. وبالطبع، هناك العديد من التأثيرات البيئية المختلفة التي يجب مراعاتها أيضاً.
ويمكن أيضًا النظر إلى مشروع توربينات الرياح هذا في سياق الاستعدادات والبنية التحتية للتوسع الاستيطاني في الجولان التي أعلنت عنها الحكومة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة. ووفقًا لتصريحات بعض المسؤولين؛ فإنهم يطمحون إلى جلب 250,000 مستوطن يهودي إلى مرتفعات الجولان بحلول سنة 2048، بالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس “إسرائيل”. ويشمل هذا المشروع الاستيطاني الأوسع نطاقًا توسيع البنية التحتية، وتوسيع المستوطنات الحالية، وإنشاء مستوطنات جديدة، ومد خط السكة الحديدية إلى الجولان، وخلق فرص عمل لجذب المستوطنين إلى المنطقة.
وقد مرّ المشروع بمراحل عدة وأضاف تحديًا جديدًا إلى المشاكل العديدة التي تواجه مجتمع الجولان بالفعل. فعلى سبيل المثال؛ تم تعيين صلاح طريف، وهو عضو درزي سابق في الكنيست الإسرائيلي، مديرًا لشركة فرعية لتنفيذ المشروع، وذلك على الأرجح في محاولة لاستقطاب وإقناع الطائفة الدرزية بمزايا المشروع.
وقد أدت معارضة المشروع إلى مواجهات، فقد وقعت اشتباكات بين الجنود والمتظاهرين السلميين، مما أدى إلى وقوع العديد من الإصابات. ومن المفارقات أن نفس الجنود الذين استخدموا القوة ضد المتظاهرين السلميين يقومون الآن بدوريات في مجدل شمس، بزعم حمايتها.
وفي الوقت الحالي، وفي الوقت الذي وافقت فيه الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ المشروع، هناك دعاوى قضائية جارية بشأن ملكية الأرض. ومن المتوقع أن تبت المحكمة في هذه المسائل قريبًا. ومع ذلك، فقد تم إيقاف المشروع مؤقتًا حتى الآن بسبب أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
كيف تصفون العلاقة بين دروز الجولان ودروز منطقة الجليل داخل “إسرائيل”؟ ما هي التعقيدات أو الفروق الدقيقة في هذه العلاقة؟
قبل الاحتلال، كان الجولان تاريخيًا يضم نسيجًا إثنيًا وطائفيًا وقوميًا غنيًا يمثل التنوع السوري: التركمان والشركس والمسلمين السنة والعلويين والدروز والمسيحيين. وكان الدروز أقلية صغيرة قبل التطهير العرقي في المنطقة. إن تصوير الجولان على أنهم دروز في الغالبية الدرزية هو اختراع إسرائيلي. في الواقع، قرية عين قنية بها عائلات مسيحية وكنيسة، وقرية مجدل شمس بها عائلة مسيحية، وقرية الغجر مسلمة علوية. والجولان ليست طائفة درزية، بل هي طائفة عربية سورية.
أما فيما يتعلق بالعلاقات مع الدروز الفلسطينيين، فهناك علاقات تاريخية من خلال الصلات العائلية والمصاهرة في لبنان وفلسطين وجبل العرب في سوريا. وقد لعب الدروز الجولانيون دورًا في ثورة 1925 ضد الانتداب الفرنسي؛ حيث كانت مجدل شمس، التي احترقت مرتين، معقلًا للثورة.
حتى أن بعض الشباب الجولانيين شاركوا في الثورة الكبرى في فلسطين سنة 1936، مما يدل على أن الاندماج الجولاني مع محيطهم العربي يتجاوز الفروق الطائفية. ومن الظلم حصر ذلك في العلاقات الدرزية – الدرزية أو التضامن بين الأقليات.
ومع ذلك، هناك تمييز سياسي واضح بين الدروز الجولانيين والدروز الفلسطينيين. فالدروز الجولانيون هم دروز سوريون لهم دولة يعودون إليها، بينما الدروز الفلسطينيون، مثلهم مثل كل الفلسطينيين، لهم وضع خاص في ظل غياب دولتهم. إن تجميع الدروز جميعًا معًا يخدم الأجندة الإسرائيلية، لا سيما فيما يتعلق بقضايا الدين والأحوال الشخصية.
كشخص عايش أحداثًا تاريخية مهمة في الجولان، ما هي رؤيتك للمستقبل؟ كيف تتوقع التطورات في المنطقة، وما هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها من التاريخ الذي عايشته؟
أولاً وقبل كل شيء، يجب أن نتعلم من التاريخ. لقد رأينا على مر السنين جماعات وأقليات تم تغيير هويتها من خلال ”الأسرلة“. ومع ذلك، فإن الاحتلال نفسه يعزز باستمرار شعورنا بالهوية. اليوم، وعلى الرغم من محاولات إسرائيل منح الدروز ”مكانة خاصة“، إلا أننا نرى تناقضات. فقانون الدولة القومية اليهودية يميّز ضدنا، ولكن في الوقت نفسه، يفقد الدروز في “إسرائيل”-فلسطين شبابهم في الصراعات الإسرائيلية ويواجهون مصادرة واسعة النطاق للأراضي. وهذه التناقضات هي بمثابة حافز للوعي.
إنني أؤمن بشدة أن مستقبلنا متشابك مع من حولنا، من الفلسطينيين إلى السوريين. ومن غير المرجح أن تنجح سياسات الدمج والاحتواء والإخضاع في التلاعب بالشعوب لخدمة الأجندات الإسرائيلية.
وعلى الرغم من أننا نمر حاليًا بمرحلة ربما تكون الأكثر تحديًا ونشهد ما يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، إلا أنني ما زلت متفائلًا. فعلى الرغم من هذه العقبات الهائلة، أؤمن بأن مستقبل الحرية والكرامة في أيدينا.
المصدر: +972