ربما كانت النتيجة التي ظهرت أمامنا في مساء 24 من يونيو/حزيران أحد السيناريوهات المتوقعة والمرجحة وهي فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئاسة وفوز تحالف الجمهور بالأغلبية البرلمانية، ولكن الجديد حقيقة الذي فاجأ المراقبين والمتابعين كافة وكان مخالفًا لكل مراكز استطلاعات الرأي باستثناء مركز أورك حصول حزب الحركة القومية على 11.10%، وكانت تتراوح تقديرات الحزب بين 6 أو 7%، حيث أجمع كل المراقبين والمتابعين أن أحد أبرز من سجلوا نجاحًا في العملية الانتخابية هو حزب الحركة القومية الذي حقق إنجازًا بهذه النسبة رغم ظروفه، وبوقوفه في المكان الصحيح على خريطة التحالفات.
وتعود هذه التقديرات إلى الانقسام الكبير الذي حصل داخل حزب الحركة القومية، حيث خرج الآلاف من صفوف الحزب لينضموا إلى الحزب الجيد بقيادة ميرال أكشينار، ومع هذه التقديرات التي ربما كان حزب الحركة القومية نفسه مدركًا لها شعر الحزب بالخوف من عدم التمكن من عبور العتبة الانتخابية لدخول البرلمان التي تقدر بـ10%، ولهذا تحالف مع حزب العدالة والتنمية وأعلن أن مرشحه للرئاسة هو مرشح حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان.
وعند النظر إلى النسب التي حققها حزب الحركة القومية في العمليات الانتخابية السابقة نجدها كالتالي:
2002.. 8.3%
2007.. 14.2%
2011.. 13.0%
2015.. 16.29%
2015.. 11.9%
2018.. 11.10%
يرى عدد من الخبراء والمحللين والكتاب مثل أحمد هاكان في صحيفة حرييت أن كثيرًا من المستائين من الأوضاع الاقتصادية قد حملوا حزب العدالة والتنمية المسؤولية عن التراجع الاقتصادي والتضخم
أصوات من حزب العدالة
ولعله من الوهلة الأولى من المثير للاستغراب حصول الحزب في يونيو/حزيران 2018 على نسبة مشابهة للنسبة التي حصل عليها في 2015، خاصة أنه بين العمليتين الانتخابيتين قد تعرض لعملية انشقاق أسفرت عن ميلاد حزب جديد هو الحزب الجيد الذي حصل في هذه الانتخابات على 9.9%.
بافتراض أن 5% هي من الأصوات التي فقدها الحزب بين انتخابات يونيو/حزيران 2015 وانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وإذا افترضنا أن الحزب الجيد أخذ 5% من أصوات الحركة القومية، فكيف حصل الحركة القومية على نفس الرقم في 2018؟
تشير التقديرات أن قرابة 5% من الناخبين الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 – حصل حزب العدالة والتنمية في يونيو/حزيران 2015 على 41% بينما حصل في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 على 49% – وأصبحوا منذ تلك الفترة غير راضين عن أداء الحزب لأسباب اقتصادية أو سياسية، لم يبتعدوا عن حزب العدالة والتنمية كثيرًا حيث عاقبوه بالتصويت لحليفه حزب الحركة القومية.
ويرى عدد من الخبراء والمحللين والكتاب مثل أحمد هاكان في صحيفة حرييت أن كثيرًا من المستائين من الأوضاع الاقتصادية قد حملوا حزب العدالة والتنمية المسؤولية عن التراجع الاقتصادي والتضخم، ولكنهم في نفس الوقت لم يروا حليفه حزب الحركة القومية مسؤولًا عن هذا الأمر فقرروا إعطاءه أصواتهم، خاصة أن هذه الكتلة تعتبر محافظة وترفض إعطاء أصواتها لحزب الشعب الجمهوري أو حزب الشعوب الديمقرطية.
ثبات الحزب بعد عملية الانشقاق وتعامله مع الأمر بهدوء، ولعل تحالفه مع الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية وفر له عامل الطمأنة أنه سيبقى في البرلمان
أداء ميرال أكشينار
لعل إحدى نتائج الانتخابات البارزة أيضًا خيبة الأمل التي منيت بها ميرال أكشينار التي كانت في إحدى المراحل قبل الانتخابات تمني نفسها بأن تكون المرشح المشترك للمعارضة وأن تسحب نسبة كبيرة من الأصوات المحافظة وغير المحافظة، لكنها لم تقنع بأدائها أيًا من الطرفين خاصة أنها كانت قد خرجت من حزب الحركة القومية وتحالفت مع حزب الشعب الجمهوري، وتشير النتائج أن الأصوات التي أخذتها هي من الشعب الجمهوري أكثر من الحركة القومية، وبهذا الأداء الباهت لأكشينار ساهمت في حفاظ الحركة القومية على أصواته.
رمزية زعيم الحزب وثباته
أما الأمر الآخر فهو ثبات الحزب بعد عملية الانشقاق وتعامله مع الأمر بهدوء، ولعل تحالفه مع الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية وفر له عامل الطمأنة أنه سيبقى في البرلمان، كما أن الحزب عمل على تنظيم صفوفه بشكل جيد قبل الانتخابات معتمدًا على مركزية ورمزية زعيمه دولت بهتشلي الذي لا يُنسى أنه من دعا الرئيس أردوغان لتنفيذ انتخابات مبكرة.
سياسة الدولة
ومن ناحية أخرى كانت سياسة الدولة التي كانت مرضية للقوميين عاملًا مهمًا في دعم توجهات الحركة القومية، خاصة المعركة المفتوحة مع حزب العمال الكردستاني شمال العراق وانتصار عملية غصن الزيتون في عفرين، ثم تكلل هذه المسيرة بالتوافق على خروج وحدات حماية الشعب من منبج إلى مناطق شرق الفرات.
ساهمت العوامل المذكورة مجتمعة في حفاظ الحركة القومية على نسبة جيدة تجعله حزبًا مفصليًا في تحديد القرار في البرلمان، وهنا لابد أن نشير إلى نقطة مهمة وهي أن حزب الحركة القومية أبدى ديناميكية ومرونة أكثر من الأحزاب الجديدة رغم أنه تأسس عام 1969، حيث إن الحزب كان في 2014 قد تحالف مع حزب الشعب الجمهوري ورشح أكمل الدين إحسان أوغلو ضد الرئيس أردوغان في أول انتخابات رئاسية تفتح أمام الجمهور، واستطاع بعد فترة أقل من سنتين الانتقال للتحالف مع العدالة والتنمية في قراءة جيدة للمتغيرات الداخلية والخارجية وربما بضغط من الظروف داخل الحزب. ونضيف هنا أيضًا لمن تفاجأوا بهذه النسبة العالية لحزب الحركة القومية أن الحزب لم يكن متفاجئًا بها، وأنه كان يتوقع الحصول على نسبة أعلى.