على عكس العلاقات الإيرانية العربية، كانت العلاقات الإيرانية السورية ترتفع إلى مستوى الامتياز، فجاءت الثورة الإيرانية كطوق نجاة للنظام السوري الذي كان يعاني عزلة دولية ما بعد توقيع مصر لاتفاقية السلام مع “إسرائيل” برعاية أمريكية عام 1979، ما جعل مصر تتجه ناحية الغرب، على الجانب الآخر كانت النظام العراقي أيضًا معاديًا للنظام السوري وفشلت محاولة سوريا إسقاط النظام البعثي في العراق، فلم يصبح أمام سوريا سوى التوجه نحو إيران بعد ثورتها الإسلامية وتحولها من المعسكر الغربي وكحليف إستراتيجي للولايات المتحدة و”إسرائيل” إلى العدو الأول لهما.
ما أدى إلى تلاقي المصالح بين الدولتين وسعي كل من الدولتين إلى تعزيز علاقاتهما ببعضهما البعض، ولكن على الجانب الآخر جاءت الثورة السورية المدعومة من الغرب وحلفائهم في الخليج كاختبار لمتانة التحالف السوري الإيراني الذي تحول لاحقًا إلى نفوذ إيراني كبير في سوريا أقلق أقرب حلفاء إيران وهي روسيا، ومن هنا فإننا سنقدم نبذة تاريخية عن طبيعة العلاقات السورية الإيرانية، إلى جانب مصالح إيران من التدخل في سوريا ومستقبل التدخل الإيراني في سوريا.
نبذه تاريخية عن العلاقات الإيرانية السورية
في الفترة من 1979 إلى 2011
كما أوضحنا سابقًا فإن الأوضاع الإقليمية في المنطقة دفعت سوريا لأن تتحالف مع إيران في مواجهة الخطر العراقي المشترك، وهو الأمر الذي يفسر دعم سوريا لإيران ومنعها لتوافق عربي ضد النظام الثوري الإيراني، كما لم تسمح بمرور النفط العراقي عبر أراضيها لإضعاف العراق في حربه مع إيران، بل وعملت سوريا على إمداد الأكراد العراقيين بالسلاح لإسقاط نظام صدام حسين المعادي لسوريا.
ساهمت الرغبة الأمريكية الأوروبية في عزل نظامي سوريا وإيران للأسباب السابقة في تعزيز عرى التحالف بين الدولتين
ومن هنا بدأ المحور السوري الإيراني الفلسطيني إلى جانب حزب الله في لبنان في مواجهة “إسرائيل” وحليفتها الولايات المتحدة ودول الخليج؛ حيث كانت إيران ترى أن الولايات المتحدة لن تستطيع فرض رؤيتها في المنطقة طالما هناك محور بين إيران وسوريا.
وعلى الجانب الآخر ساهمت الرغبة الأمريكية الأوروبية في عزل نظامي سوريا وإيران للأسباب السابقة في تعزيز عرى التحالف بين الدولتين، هذا التحالف الذي استغلته سوريا في بعض الأحيان لتعمل كوسيط عربي بين إيران ودول الخليج بصفة عامة، سعيًا وراء الرغبة السورية في أن تصبح فاعلًا إقليميًا مهمًا خاصة بما تملكه سوريا من مؤهلات الموقع الجغرافي والقوة الاقتصادية والعسكرية التي تؤهلها للعب هذا الدور.
وعلى الجانب الآخر فإن إيران استفادت من التحالف مع سوريا في تفكيك النظام الإقليمي العربي والحيلولة دون إجماع عربي على عزل إيران داخل حدودها، فقد مكنتها علاقاتها الجيدة مع سوريا من مد نفوذها إلى لبنان من خلال ميليشيات حزب الله المدعوم منها والمهيمن على المشهد السياسي في لبنان إلى الآن من خلال نظام الحكم المذهبي هناك.
وعلى الرغم من أن إسقاط نظام صدام من الولايات المتحدة قد أدى إلى خلاف في وجهات النظر بين الدولتين، فإيران رفضت وجود حكومة مركزية قوية تحفظ وحدة أراضي العراق، وذلك بالطبع تمهيدًا لمد إيران لنفوذها الشيعي من خلال ميليشياتها هناك، بينما أيدت سوريا وجود حكومة قوية هناك حتى لا تؤثر الفوضى في العراق على الأمن السوري، إلا أن ذلك لم يؤد إلى فض التحالف بين الدولتين؛ فالحوادث الدولية اللاحقة وثقت هذا التحالف، فالحرب الإسرائيلية اللبنانية 2006 دفعت الاثنين للتحالف مع بعضهما لإبعاد الخطر الإسرائيلي عن لبنان جار سوريا الذي يوجد به ميليشيات حزب الله.
وعلى الجانب الآخر جاءت ثورات الربيع العربي التي بدأت من تونس مرورًا بمصر وليبيا لتزيد من النفوذ الإيراني في سوريا، لتدخل الأولى دفاعًا عن نظام بشار الأسد والحماية دون سقوطه بمباركة أمريكية خليجية، يرى البعض أنها كانت بسبب حرب الغاز في المتوسط التي قوت تحالفًا إيرانيًا روسيًا سوريًا ضد الغرب وحلفائهم.
كانت إيران وسوريا قد وقعتا على عقد إنشاء هذا الخط عام 2011 قبل اندلاع الثورة السورية وكان مقررًا أن يبدأ إنتاجه عام 2013، ورغم أن إيران ثاني أكبر دولة في الاحتياطات من الغاز بعد روسيا
خط الغاز الإيراني والثورة السورية
نظرًا للهيمنة الروسية على سوق الغاز في أوروبا ومن ثم تأثيرها الكبير في سياساتها، بدأت الولايات المتحدة في البحث عن بدائل تمكنها من كسر احتكار روسيا لسوق الغاز في أوروبا، فكان البديل هو خط الغاز القطري، فقطر كانت في تلك الفترة أكبر الدول الخليجية حيازةً للغاز، حيث كانت الخطة تفضي بمد خط الغاز القطري عبر السعودية إلى الأردن لترتبط بخط الغاز العربي الذي أنشئ عام 2003 الذي ينطلق من مصر إلى سوريا ثم إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، ذلك المشروع واجهته إيران بمشروع خط غاز آخر أطلق عليه خط الغاز الإسلامي – في مواجهة خط الغاز العربي – وكان من المفترض أن ينطلق عبر العراق إلى سوريا فلبنان ثم إلى أوروبا في المستقبل.
بالفعل كانت إيران وسوريا قد وقعتا على عقد إنشاء هذا الخط عام 2011 قبل اندلاع الثورة السورية وكان مقررًا أن يبدأ إنتاجه عام 2013، ورغم أن إيران ثاني أكبر دولة في الاحتياطات من الغاز بعد روسيا، فإن روسيا أيدت ذلك الاتفاق نظرًا للتحالف الإيراني الروسي ومصالحهما الموحدة والمتمثلة في الحفاظ على نظام الأسد كضامن لنفوذهما في الشرق الأوسط.
على الجانب الآخر لم تقبل تركيا ولا قطر ومن ورائهما الولايات المتحدة أن يتحقق هذا المشروع الذي يعني حال تحققه خسارة تركيا مكانتها كرابط إقليمي مهم لخطوط الطاقة في المتوسط، كما ستخسر قطر فرصة منافسة الغاز الروسي في أوروبا.
ومن هنا بدأت الضغوط القطرية التركية بدعم غربي على سوريا وإيران بهدف عرقلة مشروع خط الغاز الإسلامي، الأمر الذي رفضه الاثنان نظرًا للمكاسب الاقتصادية التي سيجنيها كل منهما وهو الأمر الذي عزز التحالف الإيراني السوري على أسس جيواقتصادية، كما عزز من التحالف الخليجي التركي الأمريكي في ضرورة التخلص من نظام الأسد وتأسيس نظام سوري موالٍ للغرب ضد التحالف الروسي الإيراني لتبدأ الثورة السورية متأثرة بأحداث الربيع العربي، ومع تطور الأحداث يطلب بشار الأسد من حليفته إيران المساعدة لتقدم له الدعم المادي والعسكري.
مع تطور الأوضاع وتحول سوريا إلى حرب إقليمية مع تدخل السعودية ودول الخليج في الصراع وتقديمهم الدعم المالي لمعارضي بشار الأسد، لجأت إيران في نهاية 2012 إلى إرسال ميليشياتها الشيعية في العراق وفي لبنان (حزب الله) للقتال في سوريا بجانب الأسد
المصالح الإيرانية من التدخل العسكري في سوريا
مع نهاية 2011 وحلول عام 2012 تحولت الثورة السورية إلى حرب أهلية بين قوات النظام السوري ومنشقين من الجيش السوري أطلقوا على أنفسهم الجيش السوري الحر، وفي ظل تلك الفوضى التي شهدها الإقليم استغلت الجماعات الجهادية الموجودة في العراق وغيرها الأمر لمد نشاطها إلى سوريا محاربين نظام بشار الأسد خاصة القاعدة التي أعلنت فرعًا لها في سوريا هو جبهة النصرة، ومن ثم بدأ الأسد في طلب الدعم من حليفته إيران التي بدأت في تقديم الدعم المالي واللوجيستي له.
لكن مع تطور الأوضاع وتحول سوريا إلى حرب إقليمية مع تدخل السعودية ودول الخليج في الصراع وتقديمهم الدعم المالي لمعارضي بشار الأسد، لجأت إيران في نهاية 2012 إلى إرسال ميليشياتها الشيعية في العراق وفي لبنان (حزب الله) للقتال في سوريا بجانب الأسد والتصدي للمعارضين المدعومين من الخليج بقيادة السعودية، ورغم أن الأزمة السورية تعقدت لاحقًا بتدخل الولايات المتحدة وروسيا وتركيا فيها، فذلك لم يقلل من النفوذ الإيراني في سوريا، بل إن إيران استغلت تحسن الأوضاع لصالح الأسد بعد تراجع الدعم الأمريكي لمعارضي الأسد عقب انتخاب دونالد ترامب لتبدأ في مد نفوذها وصولًا إلى جنوب سوريا على الحدود مع “إسرائيل”؛ وهو الأمر الذي أقلق “إسرائيل” وروسيا التي تدخلت بهدف تحجيم النفوذ الإيراني هناك، وقد تمثلت مصالح إيران من التدخل في سوريا في الآتي:
المصالح سياسية
تمثلت المصالح السياسية لإيران من التدخل في سوريا في الحفاظ على ما أسمته محور المقاومة الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله في لبنان للحفاظ على التوازن مع “إسرائيل” بشكل رئيسي، وعلى الجانب الآخر تسعى إيران للحفاظ على نفوذها في لبنان واستمرار وجود وهيمنة ميليشيات حزب الله في لبنان وبقاءه كمصدر تهديد يهدد “إسرائيل” ويمنعها من التصعيد ضد إيران حتى لا تتعرض لانتقام إيران باستخدام حزب الله، وتطورت المصالح السياسية لإيران لاحقًا مع تطور الأوضاع في الأزمة السورية.
إيران تسعى من خلال تدخلها في سوريا لإثبات نفسها كقوة إقليمية كبيرة إلى جانب تركيا و”إسرائيل” والسعودية
فمع ضعف مكانة الأسد في سوريا وكثرة الفواعل على الأراضي السورية، والوجود التركي الأمريكي الإسرائيلي على الأراضي السورية، تخطت إيران هدف الحفاظ على بشار الأسد ونظامه كحليف له إلى مد نفوذها داخل الأراضي السورية وتأسيس قواعد عسكرية دائمة لها على الأراضي السورية.
من جهة أخرى فإن إيران تسعى من خلال تدخلها في سوريا لإثبات نفسها كقوة إقليمية كبيرة إلى جانب تركيا و”إسرائيل” والسعودية، ويساعدها في ذلك التحالف الإستراتيجي بينها وبين إيران وروسيا الذي مكنها لأن توجد فعليًا على الأراضي السورية وتستغل ذلك لتقديم الدعم لميليشيات حزب الله في لبنان.
كما تسعى أيضًا لأن يكون لها وجود على البحر المتوسط ما قد يهدد التجارة الإسرائيلية في المتوسط، من جهة أخرى تخشى إيران أن الولايات المتحدة تسعى لتقسيم سوريا لذا تسعى إيران لأن تضمن حصتها من الكعكة السورية حال تقسيمها للحفاظ على المكاسب التي حققتها على الأرض السورية وضمان استمرار وجود تواصل بين مناطق النفوذ الإيرانية في سورية وميليشيات حزب الله في لبنان، وهو أمر يتعارض بكل تأكيد مع المصالح الإسرائيلية، مما يفسر التحرك الإسرائيلي على الأرض بالهجمات ضد قواعد تقول إيران إنها تابعة لها، هذا إلى جانب تحركها على المستوى الدولي، وضغوطها على روسيا والولايات المتحدة لوضع حد للنفوذ الإيراني المتزايد في سوريا.
ومن ثم فإنه يمكن تلخيص المصالح السياسية لإيران في الرغبة في إثبات نفسها كقوة إقليمية مؤثرة في أحداث المنطقة إلى جانب “إسرائيل” والسعودية، إلى جانب دعم محور المقاومة والحفاظ على ميليشيات حزب الله كشوكة في حلق “إسرائيل”.
وقعت إيران اتفاقية التجارة الحرة مع سوريا، كما وصل مستوى التبادل التجاري بين الدولتين من 280 مليون دولار عام 2010 إلى مليار دولار عام 2014
المصالح الاقتصادية
على الرغم من أن التدخل الإيراني في سوريا كان لأسباب سياسية، فإن المصالح الاقتصادية كانت حاضرة في ذهن متخذ القرار الإيراني، صحيح أن إيران لعبت دورًا اقتصاديًا متواضعًا في سوريا قبل الأزمة، لكنها بدأت في الزيادة بعد اندلاعها، حيث استغلت انهيار التحالف الاقتصادي الذي كان بين قطر وسوريا وتركيا الذي حاول هذا التحالف استغلاله لتعطيل خط الغاز الإسلامي الإيراني، وبدأت إيران في تعزيز نفوذها الاقتصادي في سوريا؛ فوقعت مع سوريا اتفاقيات اقتصادية لتولي شركاتها مسؤولية إعادة إعمار وإصلاح قطاعات الدولة السورية التي انهارت في أثناء الحرب.
هذا إلى جانب القروض الإيرانية التي قدمت للحكومة السورية لتمويل الواردات السورية شريطة أن تكون معظمها من إيران، ونتيجة لذلك أعفيت شركة إيرانية تصدر السلع الغذائية لسوريا من كل أنواع الرسوم والضرائب، كما تحدثت بعض الأنباء عن رهن الحكومة السورية بعض العقارات والممتلكات الحكومية للحصول على القروض الإيرانية.
كذلك وقعت إيران اتفاقية التجارة الحرة مع سوريا، كما وصل مستوى التبادل التجاري بين الدولتين من 280 مليون دولار عام 2010 إلى مليار دولار عام 2014، كما اتفقت مع سوريا على تسيير خطيين بحريين بينهما لتعزيز التبادل التجاري، ومن الملاحظ أيضًا في الجانب الاقتصادي الوجود الكثيف للشركات الإيرانية في السوق السورية، خاصة في مجال الاتصالات وهو ما يعكس رغبة إيرانية في السيطرة على قطاع مهم مثل قطاع الاتصالات السوري، كما لا تزال إيران تطمح إلى استكمال مشروع خط الغاز الإسلامي بعد انتهاء الأزمة السورية على فرض انتهائها لصالح حليفها بشار الأسد أو لصالح أي نظام آخر موالٍ لها.
ومن ثم يبدو أن إيران قد استغلت الأوضاع الاقتصادية المنهارة في سوريا لتعزيز نفوذها الاقتصادي هناك في مجالات الإعمار والطاقة بالذات، إلى جانب تقديم قروض إلى الحكومة السورية سعيًا منها للاستئثار بأكبر نفوذ اقتصادي ممكن لإيران في سوريا مثلما الحال في العراق؛ حيث دخلت الشركات الإيرانية بكثافة إلى السوق العراقية ووصل حجم التبادل بين البلدين لنحو 10 مليارات دولار، وهو ما تسعى إيران إلى تكراره في سوريا حتى تدعم نفوذها السياسي والعسكري بآخر اقتصادي.
لم تكن إيران لتفوت فرصة نشر مذهبها الإثنا عشري الشيعي في سوريا على ضوء تدخلها في سوريا ودفاعها عن نظام بشار الأسد
فبحسب تقرير لـ”Sky news” عربية نقلًا عن “Financing times” أنفقت إيران نحو 4.6 مليار دولار كدعم مالي للحكومة السوري وأنفقت نحو 16 مليار آخرين كدعم للحكومة والميليشيات التابعة لها بمختلف الصور، إلا أنه من الملاحظ أن سوريا بدأت في الاتجاه حاليًّا لجذب الشركات الصينية والروسية للمنافسة مع النفوذ الإيراني حتى لا يتعاظم النفوذ الإيراني هناك وهو أمر تعارضه إيران بطبيعة الحال، فلا يمكن أن تقبل ذهاب تلك الأموال التي أنفقتها دون طائل.
المصالح المذهبية
بالطبع لم تكن إيران لتفوت فرصة نشر مذهبها الإثنا عشري الشيعي في سوريا على ضوء تدخلها في سوريا ودفاعها عن نظام بشار الأسد، لتقرر الحكومة السورية إنشاء كلية المذاهب الإسلامية في العاصمة السورية دمشق في مارس 2018، وذلك بالتعاون مع المجمع العالمي لتقريب المذاهب الإسلامية التابع لإيران في خطوة إيرانية لمأسسة نشر التشيع في سوريا، وتأتي تلك الخطوة بعد موافقة النظام في شهر يناير من نفس العام على افتتاح جامعة آزاد الإسلامية الإيرانية فرع لها في سوريا، وتعد ثاني أكبر جامعة في إيران بعد جامعة طهران وتدرس اللغة الفارسية والثقافة الإسلامية الشيعية.
وعلى الجانب الآخر تسعى إيران لبناء الحوزات والحسينيات في سوريا وخاصة في شرق سوريا الأقرب لها جغرافيًا من جهة ومن جهة أخرى لإضعاف نفوذ الأكراد هناك حتى لا يمثلون تهديدًا على وحدة الأراضي الإيرانية؛ فقامت إيران ببناء حسينيات جديدة في دير الزور شرقها وغربها مستغلة حالة الفقر التي يعاني منها سكان تلك المنطقة، هذا إلى جانب مد إيران من خلال مؤسسة جهاد البناء الإيرانية المدينة بالمساعدات الإنسانية عقب فك الحصار عنها بمساعدة الميليشيات الإيرانية، وأسست هذه المؤسسة أيضًا مستشفى ميداني خيري في حي القصور بدير الزور.
ومن جهة أخرى يتحدث البعض عن قيام إيران بمساعدة نظام الأسد في إحداث تغير ديموغرافي يستهدف تهجير السنة من مناطقهم واستقدام آخرين من الشيعة ليحلوا محلهم، ما أطلق عليه مشروع سوريا المفيدة، وذلك لضمان ولائهم لإيران والسلطة في دمشق.
ترتبط المصالح العسكرية لإيران بمصالحها السياسية
ومن ثم يبدو أن إيران تسعى كعادتها لنشر مذهبها الشيعي في أي منطقة تمد نفوذها إليها للاحتفاظ بنفوذها هذا لفترة طويلة الأجل، على اعتبار أن النفوذ الديني أكثر استقرارًا من النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي المعرضين لتقلبات المصالح وحسابات السياسات الإقليمية والدولية.
المصالح العسكرية
ترتبط المصالح العسكرية لإيران بمصالحها السياسية، فبالأساس تسعى إيران لمد نفوذها العسكري إلى سوريا، فما يهمها بالذات في سوريا هو الجنوب السوري لتكون قادرة على إيصال دعمها العسكري إلى ميليشيات حزب الله في لبنان حتى تكون قادرة على تهديد “إسرائيل” ومنعها من التصعيد ضد إيران، وهو ما يفسر سعي إيران لإنشاء قواعد عسكرية دائمة لها في جنوب سوريا على الحدود مع “إسرائيل”، ومن جهة أخرى يمتد الطموح الإيراني إلى إنشاء قواعد عسكرية بحرية في سوريا على البحر المتوسط كما أوضحنا.
لكن على الجانب الآخر فإن هذا الطموح الإيراني يصطدم بمعارضة إسرائيلية روسية، فالتغلغل العسكري الإيراني يهدد أمن “إسرائيل”، ويهدد النفوذ الروسي في سوريا التي تخشى أن يتكرر معها السيناريو العراقي، حينما أضحى نفوذ إيران في العراق أقوى من النفوذ الأمريكي هناك، ومن ثم فإن إيران تطمح من دخولها في سوريا بشكل رئيسي إلى مد نفوذها العسكري هناك حتى تهدد “إسرائيل” وتزيد من دعمها لميليشيات حزب الله اللبناني، إلى جانب الحيلولة دون سقوط نظام بشار الأسد الذي يعد حليفها الإستراتيجي ضمن حلف المقاومة كما أوضحنا، والسعي للحصول على جزء من الكعكة السورية حال تقسيمها، إلى جانب تعزيز نفوذها بكل السبل المتاحة سعيًا وراء تكرار سيناريو العراق وتحقيق مقولتهم الشهيرة بأن إيران صارت تملك في يدها 4 عواصم عربية.
إيران ترغب في تكرار سيناريو العراق وتحويل سوريا إلى إحدى محافظاتها
مستقبل التدخل الإيراني في سوريا
في حقيقة الأمر فإن مستقبل النفوذ الإيراني صار على المحك بسبب المتغيرات الدولية المعقدة حاليًا، فالإدارة الأمريكية ترغب بشدة في تضييق النفوذ الإيراني والحيلولة دون وصول إيران إلى جنوب سوريا ما يهدد أمن حليفتها “إسرائيل”، ومن جانب آخر تشعر سوريا بالقلق من توسع نفوذ إيران السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي في سوريا على نحو بات يهدد نفوذها هي ذاتها، ومن جهة أخرى فإن الحكومة السورية تبحث عن بدائل توازن بها النفوذ الإيراني الذي توغل في سوريا إلى حد باتت معه سوريا إحدى محافظات إيران، ومن هذا المنطلق فإننا نرى أن هناك 3 احتمالات للنفوذ الإيراني في سوريا تتمثل في الآتي:
الاحتمال الأول: انسحاب إيران من سوريا
يدعم هذا الاحتمال الاختلافات الروسية الإيرانية التي بدأت في الظهور مؤخرًا، رغم أن روسيا وإيران التقت مصالحهما على الحفاظ على النظام السوري من السقوط وإقامة نظام آخر موالٍ لـ”إسرائيل” أو الخليج أو الولايات المتحدة بشكل عام، فإن كليهما اختلفا بشأن مستقبل النظام والدولة السورية.
فإيران ترغب في تكرار سيناريو العراق وتحويل سوريا إلى إحدى محافظاتها، وتعمل على تفكيك المؤسسات السورية الموجودة وتأسيس أخرى قائمة على الأيديولوجية الشيعية الإيرانية بدلًا من الفكر البعثي القومي الذي قامت عليه مؤسسات الدولة السورية لعقود، بينما ترى روسيا ضرورة الحفاظ على المؤسسات السورية وخاصة الجيش الوطني السوري، وترى إيران ضرورة تفكيك الجيش السوري والسماح لميليشيات مذهبية تابعة لها بالقيام بمهامه وبمهام الشرطة.
عملية غصن الزيتون التي أعلنتها تركيا في الشمال السوري تمثل مهددًا آخر للنفوذ الإيراني في شمال سوريا
كذلك فإن من نقط الخلاف بين روسيا وإيران نظرتهما للأكراد في سوريا، ففي حين قد تقبل روسيا بفيدرالية سورية على غرار العراق، ترفض إيران ذلك بشدة نظرًا لما أسفرت عنه الأحداث من نفوذ كردي قوي في العراق وكذلك في سوريا ما بعد الأزمة وهو ما يهدد وحدة أراضي إيران بطبيعة الحال، وقد ظهر بشدة الخلاف في وجهات النظر بين الإثنين مع وصول نفوذ إيران إلى الجنوب، وهو أمر رفضته “إسرائيل” كما أوضحنا وتحركت روسيا لتوقيع اتفاق الجنوب مع الأردن والولايات المتحدة، وهو الاتفاق الذي رفضته إيران قائلة إن قواتها جاءت بطلب من الحكومة السورية وليس من الحكومة الروسية، ما أوضح الخلاف في وجهات النظر فإيران ترغب في بسط نفوذها كاملًا على سوريا خاصة الجنوب السوري للأسباب التي ذكرناها بينما ترغب روسيا في إيجاد توازن بين إيران و”إسرائيل”.
لا يتوقف الأمر على روسيا فقط فعملية غصن الزيتون التي أعلنتها تركيا في الشمال السوري تمثل مهددًا آخر للنفوذ الإيراني في شمال سوريا، على الرغم من أن العملية موجهه بشكل رئيسي ضد الأكراد فإنها كذلك ستضمن وجودًا تركيًا في الشمال السوري يقلص بالطبع من النفوذ الإيراني في سوريا، وبالطبع لم تكن الولايات المتحدة غائبة عن دعم هذا الاحتمال وبقوة فالولايات المتحدة ترغب في تقليص النفوذ الإيراني والحد من طموحاتها في المنطقة إلى الحد الذي يبقيها كمصدر خطر لدول الخليج العربي ولا يجعلها كذلك بالنسبة لحليفتها “إسرائيل”، وقد ازدادت هذه الرغبة بوصول ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة وانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني ومعاودته فرض العقوبات الاقتصادية على إيران سعيًا تقليص نفوذها، إلى جانب وجود الولايات المتحدة العسكري في سوريا.
على الجانب الآخر يبدو أن إيران تستنزف في اليمن خاصة بعد اقتراب قوات التحالف من السيطرة على ميناء الحديدة الإستراتيجي؛ ما مثل ضربة قاصمة للنفوذ الإيراني في اليمن، هذا إلى جانب دخول الشركات الصينية والروسية في سوريا بقوة على نحو ما أوضحنا وهو الأمر الذي يؤثر على النفوذ الاقتصادي الإيراني في سوريا، حيث أُقصيت إيران من عملية إعادة إعمار سوريا فاستحوذت الشركات الروسية والصينية على معظم عقود إعادة الإعمار، ما يعني أن المليارات التي أنفقتها إيران منذ اندلاع الأزمة في اليمن وسوريا قد تذهب دون طائل للأسباب السابقة التي ذكرناها التي قد تؤدي إلى انسحاب إيران من سوريا لتكون أكبر الخاسرين إذا ما تحقق هذا الاحتمال.
رغم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي فإن أوروبا والصين وروسيا رفضوا أي تعديل على الاتفاق ولا تزال الضغوط مستمرة على الولايات المتحدة، سعيًا للتوصل إلى حل يحقق مصالح جميع الأطراف
الاحتمال الثاني: حفاظ إيران على أكبر المكاسب الممكنة
يدعم هذا الاحتمال الخبرة التاريخية للدبلوماسي الإيراني في التعامل مع القوى الكبرى، الذي مكن إيران من الحصول على اتفاق نووي إيراني مكنها من تحقيق أهدافها والتوسع إلى الحد الذي صارت معه العراق وسوريا ولبنان واليمن تحت النفوذ الإيراني المباشر، هذا إلى جانب توثيق إيران لعلاقاتها مع فرنسا وألمانيا اقتصاديًا وكذلك مع الصين إلى جانب الحليف الأكبر روسيا بطبيعة الحال.
فرغم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي فإن أوروبا والصين وروسيا رفضوا أي تعديل على الاتفاق ولا تزال الضغوط مستمرة على الولايات المتحدة، سعيًا للتوصل إلى حل يحقق مصالح جميع الأطراف، ما يعني أن إيران قد تقبل بتقديم تنازلات للولايات المتحدة تضمن بها أمن “إسرائيل” وتقلل من مخاوفها من النفوذ الإيراني مقابل السماح بمساحة نفوذ لإيران في سوريا والعراق بما لا يهدد مصالح الفواعل الدولية الأخرى.
وفي حقيقة الأمر نحن نرى أن الاحتمال الأول الأقرب للواقع في ظل المعطيات الحاليًّة؛ فيبدو أن كل الفواعل الدولية بدأت بتحقيق مصالحها على حساب إيران في سوريا واليمن، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى انسحاب إيران من سوريا تحت وطأة الضغوط الدولية التي انعكست على الداخل الإيراني بالاحتجاجات الأخيرة.
وفي الختام نكون قد عرضنا نبذة تاريخية عن العلاقات الإيرانية السورية، إلى جانب توضيح المصالح الإيرانية في سوريا ومستقبل التدخل الإيراني في سوريا الذي نرى أنه بات يواجه خطر الإجهاز عليه وفقًا للمعطيات الدولية الحاليّة.