ترجمة وتحرير: نون بوست
في المقام الأول، يتوجب عليّ تبرئة ذمتي من خلال تحية جميع الرجال الذين يقدمون مساهمات فعالة وإيجابية أثناء اضطلاعهم بأدوارهم والمهام الموكلة إليهم وتأديتهم لها بكل أمانة وصدق وشغف. ونظرا لأن بعض الآراء تبدو غير مستساغة، من المرجح أنني سأتعرض للسخرية لاعتقادي بأن الوقت حان ليتنحى الرجال المسلمون عن الطريق ويسمحون للنساء المسلمات بتولي زمام الأمور.
في الواقع، أنا لا أعبر عن هذه الأفكار من منطلق السخرية أو بسبب اعتمادي على تحيّز جنسي متعمد، بل هناك العديد من الرجال البارزين الذين يستطيعون إثبات مواطن الخطأ في الكلام الذي أرقنه. ومع ذلك، وعلى خلفية حضوري للعديد من التظاهرات الثقافية وحلقات النقاش والمجموعات الاستشارية التي تعنى بالممارسات العنصرية والتمييز ضد الأقليات العرقية، لاحظت أن عدد الرجال المسلمين الفاعلين قليل على أرض الواقع، ولا يظهرون إلا عندما يكون هناك شخصية بارزة أو زعيم سياسي أو إمام مفضل حاضرا.
تفشي الإسلاموفوبيا
كانت فضيحة ويندراش بمثابة فرصة سانحة لنقف بجانب أشقائنا وشقيقاتنا ذوي البشرة السوداء، لنتصدى للظلم وننصر العدالة. وقد سبق لي رؤية بعض الشخصيات البارزة من الجالية المسلمة في المملكة المتحدة بصدد الحديث عن هذه المعضلة. وتجدر الإشارة إلى أننا نعيش في زمن يشهد سياسات شديدة الاستقطاب، وفي معمعة الفجوة الضخمة بين الأجور، حيث نخوض غمار حياة ملؤها العنف الجنسي والتحيز والتعصب ورهاب المثلية. ومما لا شك فيه أن النساء يتأثرن بشكل مفرط بمعظم أشكال التمييز، وخاصة الفقيرات وذوات البشرة السوداء واللوات ينتمين إلى الأقليات العرقية، إلى جانب الأطفال.
يمكن تبين النساء المسلمات على نحو سهل لأن المناورات السياسية المتعلقة بالحجاب ليست حديثة العهد، ناهيك عن تمكنها من إضفاء نظرة وحشية على مرتدياته واقترانهن بالعنف
علاوة على ذلك، يمكن إضافة الإسلاموفوبيا إلى لائحة الظواهر الاجتماعية المتفشية في المجتمعات الحديثة، حيث نشهد اليوم ارتفاعا مطردا في الهجمات النابعة عن كره منفذيها للإسلام والمسلمين، وذلك بالتزامن مع صعود اليمين المتطرف واعتلائه المناصب الكبرى في المملكة المتحدة وأجزاء من أوروبا وأمريكا الشمالية. وتمثل النساء الشريحة الأكثر تعرضا لمثل هذه الهجمات، على غرار زينب حسن وسعاد كرامة ومروى الشربيني، اللواتي أصبح إيمانهن الواضح هدفا سانحا للتعصب الوحشي من قبل بعض الأشخاص.
ويمكن تبين النساء المسلمات على نحو سهل لأن المناورات السياسية المتعلقة بالحجاب ليست حديثة العهد، ناهيك عن تمكنها من إضفاء نظرة وحشية على مرتدياته واقترانهن بالعنف. وبموجب ذلك، يتسنى للقادة السياسيين تجريد النساء المسلمات من الإنسانية وجعلهن غير مرئيات على الإطلاق.
التعصب والكراهة العنصرية
لا يمكننا استغراب عدم تقديم الرجال المسلمين لضمانات كافية لإيصال صوت المرأة المسلمة، أو القول إن هذا الأمر جديد أو غير معهود. عموما، توجد أسباب متعددة الأوجه حول هذا الأمر، لعل من أبرزها كون الثقافة الذكورية التي تكرس مبدأ تفوق العرق الأبيض لا تحبذ الرجال من ذوي الأعراق المختلفة أو المسلمين.
تعتبر لغة الأشخاص الذين تحركهم الإسلاموفوبيا مدمرة، ولا يمكن فصلها عن تجربة العديد من الأشخاص الذين ينتمون لعدة أعراق مختلفة في الغرب. وعلى الرغم من كون المسلمين معنيين بالحديث حول التعصب والكراهية العنصرية، إلا أن بعض الأشخاص الذين لا يمتون للقضية بصلة تولوا زمام الأمور وحملوا مشعل المفاوضات والمحادثات
مجموعة من النساء المسلمات يؤدين صلاة المغرب خلال شهر رمضان المبارك في القاهرة في 11 يونيو/ حزيران سنة 2018
في الوقت الذي تكون فيه النساء المسلمات عرضة للممارسات التي تكرس الكراهية ضد المسلمين، تعتبر الفرص التي تتاح لهن للدفاع عن أنفسهن نادرة نسبيا. ويدعو هذا التمشي القائم على تهميش دور النساء المسلمات إلى التساؤل حول الشيء الذي سيكون له تأثير أكبر من كلمات قادمة من أشخاص متضررين من الإسلاموفوبيا والتمييز بشكل مباشر. في المقابل، تمتلك النساء المسلمات، مع تداخل دينهن ولونهن ومركزهن الاجتماعي، المقومات اللازمة للدفاع عن أنفسهن بشكل فعال. وإذا كان هناك وقت مناسب للقيام بمثل هذه الخطوة، فهو الآن.
بصفتي شخصا لا يُعرف بتوجهاته النسوية، أدرك تماما أن صحوة وعي العنصر النسائي المسلم، بشكل يتلاءم مع دين المرأة، هو الأمر الذي قد يمنع المجتمع من الغرق في بحر الإساءة. ومن خلال التأكيد على حقوقها كامرأة، تكسب الوكالة للحديث عن نفسها والإعلان عن دينها دون أي خجل. في بعض الأحيان، يمكن الدفع ببعض هؤلاء النساء في طليعة الجماعات التي تتصدى للكراهية ضد الإسلام.
تمتلك المرأة المسلمة القدرة على القضاء على الكراهية الموجهة ضد النساء، والتي ساهمت مما لا شك فيه في حجب صوتها وتقزيم دورها
المحافظة على الإيمان
سواء كانت المرأة تعاني من صدمة عبر الأجيال بسبب الحروب التي تنخر وطنها الأصلي، أو تعاني من التمييز العنصري أو تضطر لتغدو مهاجرة في بلد ما، تعد الحواجز التي تضطر لمواجهتها كثيرة. ومع ذلك، تحقق المرأة نجاحات لا تحصى ولا تعد في الأوساط الأكاديمية والأعمال التجارية، فضلا عن مجال الفنون وكل ما يتعلق بالأمومة، مع المحافظة على تعاليم دينها.
في شأن ذي صلة، تمتلك المرأة المسلمة القدرة على القضاء على الكراهية الموجهة ضد النساء، والتي ساهمت مما لا شك فيه في حجب صوتها وتقزيم دورها. وبشكل عام، يتحدث الكثيرون عن أهمية حقوق المرأة، بينما ينكرون حقها في التعريف والتحدث عن نفسها. ولذلك، يجب على النساء المسلمات أن يتجنبن كونهن جزءًا من تحجيم دورهن.
بناءً على ما سبق، يجب فتح المنابر إعلامية أمام النساء المسلمات للتحدث عن الإسلاموفوبيا والتمييز والعنف الجنسي الذي يعانون منه في مكان العمل، فضلا عن الاعتداءات المختلفة التي تتعرضن لها. وفي حال عمدنا إلى إنكار ذلك، فإننا سنحرم أنفسنا من فرصة توسعة نطاق الحرب ضد الإسلاموفوبيا. ولسائل أن يسأل عن الدور الذي يلعبه الرجال المسلمون في خضم هذا الكفاح، مما يحيل إلى التطرق إلى ضرورة خوضهم غمار المحادثات المتعلقة بهذه المعضلة التي تلم بالنساء المسلمات. ومع ذلك، يجب أن يسمح الامتياز الممنوح للرجال بأن يقفوا بصدق وعلنية إلى جانب أولئك الذين يتبعون سياسة النأي بالنفس.
المصدر: ميدل إيست آي