بلغنا القرن الواحد والعشرين، وفي عز صور الـHD والـ4K لا تزال مآسي التحكيم ومهازل الأخطاء تحدث لتظلم فرقًا قاتلت وكافحت وكادت تصنع المعجزة، تقنية الفيديو VAR التي كان من المنتظر أن تقلّص حجم الأخطاء التحكيمية، زادت الطينة بلة، وجعلت بطولة بحجم كأس العالم تتقاذفها الشبهات وتُظن بها الظنون، لتسقط أسهم المتعة والتشويق، بالموازاة مع ارتفاع سهم التسويق المادي ومنح الفرصة للفرق الكبرى للبقاء في البطولة متفادية المفاجآت وإحراجات المنتخبات العنيدة.
ما الـVAR؟
هي اختصار لعبارة Video Assistant Referee كأول تقنية فيديو تدخل عالم كرة القدم بهدف دعم القرارات التحكيمية التي يتخذها حكم المباراة، وقد تم اعتمادها خلال كأس الاتحاد الإنجليزي والدوري الألماني والإيطالي الموسم الماضي، قبل القرار الرسمي باعتماد التقنية في مونديال روسيا 2018 للمرة الأولى في تاريخ البطولة.
تُنسق عملية استخدام تقنية الفيديو في أثناء المباراة بين حكم اللقاء الذي يتواصل عبر اللاسلكي بغرفة تضم 4 حكام يعرفون بـ”حكام الفيديو”، ويملكون حق مشاهدة المباراة عبر عشرات الكاميرات الموجودة بالملعب؛ الأمر الذي يتيح مشاهدة الحالة المتنازع عليها من زوايا مختلفة، وتوجيه الحكم الرئيسي للقرار الصحيح.
وفي حالة عدم التيقن بنسبة تامة، يلجأ الحكم الأول لمشاهدة اللقطة بشكل شخصي، عبر شاشة خاصة توجد خارج خط التماس، الجدير بالذكر أنه في جميع الحالات، فإن القرار النهائي يظل بقرار حكم الساحة، وهو الذي يتحمل مسؤولية كل القرارات التي اتُخذت بالمباراة.
وقد دخلت مباراة فرنسا وأستراليا في افتتاح المجموعة C من كأس العالم، التاريخ باعتبارها أول مباراة يتم خلالها اللجوء لتقنية الفيديو عبر الحكم أندريس كونها الذي منح ضربة جزاء لمهاجم المنتخب الفرنسي أنتوان غريزمان بعد إعادة اللقطة مرة ثانية عبر شاشة الـVAR.
ظهرت الفجوة في تقنية الفيديو بشكل غير متوقّع
حالات اللجوء لتقنية الـVAR
حفاظًا على سيرورة اللعبة وإيقاع اللعب السريع الذي عرفت به رياضة كرة القدم، فقد وضع الاتحاد الدولي لكرة القدم الـFIFA حالات محدّدة يُسمح من خلالها للحكم الرئيسي اللجوء لتقنية الفيديو:
– الأهداف: يلجأ حكم المباراة لتقنية الفيديو إذا كان الشك في حالة تسلل سبقت هدفًا تم تسجيله.
– ضربات الجزاء: يمكن لحكم المباراة اللجوء للتقنية الفيديو للتأكد – في حالة الشك – من حالة ضربة جزاء ممنوحة، أو إلغائها في حال تبين لحكم المباراة عبر شاشة الإعادة أن القرار خاطئ.
– الطرد المباشر: يتاح للحكم التأكد من الطرد المباشر، عبر اللجوء لتقنية الفيديو لمعرفة صحة القرار من عدمه، لكن لا يُمكن للحكم استخدام التقنية في حالة الإنذار الثاني.
– التحقق من هوية لاعب: سنة 2014، حصلت حالة شهيرة في ملاعب الدوري الإنجليزي خلال مباراة بين تشلسي وأرسنال، حينما خلط حكم المباراة بين كيران جيبس وأوكسلاد تشامبرلاين لاعبي أرسنال، وطرد اللاعب الخطأ في حين بقي اللاعب الآخر الذي استحق الطرد داخل أرضية الملعب، تقنية الـVAR يمكنها التدخل في هذه الحالة، لتمنح للحكم الرؤية الواضحة للمتسبب في الخطأ.
إلى هنا يظهر أن كرة القدم في طريقها لمزيد من تحقيق العدالة بكرة القدم، وتجنب حالات مشابهة للجدال التاريخي الذي حصل بنهائي مونديال 1966 حينما سجّل جيروف هوست لاعب المنتخب الإنجليزي هدفًا في مرمى ألمانيا الغربية، أقيمت بشأنه ضجة كبيرة بعدما اتّضح أن الكرة لم تدخل بكامل محيطها المرمى.
يعتبر المنتخب المغربي واحدًا من أبرز المنتخبات التي غادرت البطولة، ونالت دعم وتعاطف الجماهير المتابعة لكأس العالم
لكن حصل ما لم يكن بالحسبان، وظهرت الفجوة في تقنية الفيديو بشكل غير متوقّع، فخلال بعض مباريات البطولة، كانت المطالبة باللجوء للتقنية لكن الحكم رفض، وظهر فيما بعد أن قراره لم يكن صائبًا، مخالفًا بذلك النية الأصلية في استخدام الـVAR التي كان الغرض منها تقليص الجدال بشأن التحكيم.
المنتخب المغربي أكبر الضحايا
لاعبو المنتخب المغربي تفاجأوا من لعب المنتخب الإسباني للضربة الركنية من الجهة المخالفة
يعتبر المنتخب المغربي واحدًا من أبرز المنتخبات التي غادرت البطولة، ونالت دعم وتعاطف الجماهير المتابعة لكأس العالم، أسود الأطلس أظهروا علو كعبهم رغم صعوبة المنتخبات التي رافقتهم بالمجموعة، على صعوبتها وقوة الأسماء الموجودة.
فبعد هزيمة المغاربة من إيران في المباراة الأولى بهدف عكسي في الدقيقة 90، كانت التوقعات بمعاناة المنتخب أمام اختبارين قويين: البرتغال وإسبانيا، لكن حدث غير المتوقع، ونجح أبناء المدرب هيرفي رونارد في إحراج بطل أوروبا 2016، وبطل العالم 2010، وقدموا أداءً كبيرًا كاد يؤتي أكله لولا تدخل الحكم في أكثر من لقطة ساءت مشجعي العالم العربي بأسره، وأطلقت وابلًا من الانتقادات – حتى من خبراء كرة القدم – ضد تقنية الـVAR التي ساهمت في إسقاط منتخب عنيد.
الحكم الأوزبكي رافشان إيرماتوف أساء استخدام التقنية، حيث رفض اللجوء إليها في لقطة واضحة ظهر فيها بيكي يلمس الكرة بيده داخل منطقة الجزاء
يتحدث الحكم الإيطالي السابق ماورو بيرغونزي عن مباراة المنتخب المغربي أمام نظيره البرتغالي التي انتهت لصالح البرتغال بنتيجة 1-0، حيث انتقد حكم اللقاء الأمريكي مارك جيجر، مؤكدًا خطئه في لقطة مدافع البرتغال فونتي الذي اعتدى بشكل واضح على مهاجم المنتخب المغربي خالد بوطيب في منطقة الجزاء، ورغم مطالبات لاعبي المنتخب المغربي الحكم باحتساب ضربة الجزاء أو اللجوء للتقنية على الأقل، قوبل ذلك بالرفض التام لتستمر المباراة.
لاعب المنتخب المغربي نور الدين أمرابط، بدا مستاءً من حكم اللقاء الأمريكي، وأعرب عن ذلك في تصريح ما بعد المباراة قائلًا: “لا أدري ما عادات هذا الحكم، لكنه بدا معجبًا بشكل كبير بلاعب المنتخب البرتغالي كريستيانو رونالدو، لقد سمعت من بيبي (مدافع البرتغال) أن الحكم سأله إذا ما يتوجب عليه أن يطلب منه قميصه بعد الشوط الأول، ما الذي نتحدث عنه هنا؟ هذه كأس عالم، وليس سيركًا”.
لاعب المنتخب المغربي نور الدين أمرابط أمام كاميرات النقل الرسمي: “الـ VAR هي قذارة”
حظ المغاربة من التحكيم في مباراة إسبانيا لم يكن أفضل من سابقه، حيث بان للمشاهد أن الحكم الأوزبكي رافشان إيرماتوف أساء استخدام التقنية، حيث رفض اللجوء إليها في لقطة واضحة ظهر فيها بيكيه يلمس الكرة بيده داخل منطقة الجزاء، في وقت لم يتوان في اعتمادها لاحتساب هدف الإسبان الثاني بعدما ألغاه الحكم المساعد بداعي التسلل.
كذلك، فقد عبر مدرب المنتخب المغربي هيرفي رونارد عن تساؤلاته بشأن الضربة الركنية التي احتسبها الحكم للمنتخب الإسباني، بعدما أشار للعبها من الجهة اليسرى للملعب، لكن لاعبي المنتخب الإسباني لعبوا الكرة من الجهة اليمنى، الأمر الذي فاجأ لاعبي المنتخب المغربي وأدى لهدف التعادل للإسبان، رونارد صرح قائلًا: “السؤال الوحيد الذي أطرحه هو عن الهدف الثاني، لقد توقعنا ضربة ركنية من جهة، لكن التنفيذ أتى عبر الجهة الأخرى، لا أستطيع القول إنه أمر غير قانوني، لكنه إن كان كذلك فهذا خطأ جسيم، لقد حاولت أن أناقش هذا الأمر مع الحكام، لكن أبوابهم كانت مغلقة في وجهي”.
من جهته فقد ظهر نور الدين أمرابط مرة أخرى في الواجهة، حينما هتف أمام كاميرا النقل الرسمية: “الـVAR هي هراء”. عانى المنتخب المغربي بشكل كبير أمام حكام أساؤوا استخدام تقنية الفيديو، ورغم الأداء الكبير الذي قدمه أسود الأطلس، فإن قرارات الحكم الخاطئة ساهمت بشكل كبير في مغادرتهم المونديال، مما طرح السؤال عن مدى فاعلية هذه التقنية وإمكانية تحسينها بشكل يجعل نسبة الأخطاء تنعدم تمامًا.