تتواصل في الجزائر سلسلة الإقالات والاعتقالات في صفوف مسؤولين كبار لعلاقتهم بقضية محاولة تهريب كميات كبيرة من الكوكايين إلى البلاد، عبر ميناء واهران نهاية شهر مايو/أيار الماضي، اعتقالات طالت قضاة وعاملين بالجمارك ونجل رئيس حكومة سابق وإقالات وصلت للمدير العام للأمن الوطني عبد الغاني هامل.
إقالة مدير الأمن
إقالة هامل، جاءت بعد ساعات قليلة من تصريحات له بشأن قضية تهريب الكوكايين، نفى فيها تورط سائقه الشخصي في هذه القضية، مؤكّدًا أن المدعى عليه هو “سائق في موقف سيارات الإدارة وليس السائق الشخصي للمدير العام للأمن الوطني”. مشيرًا إلى أنه “لا يمكن وقف المؤسسة الأمنية بادعاءات وعمليات تخويف أو تلاعب ببعض الأمور”.
وأشار فيها أيضًا إلى إمكانية تورط جهاز الدرك الوطني التابع للجيش في العملية، حيث قال: “في التحقيق الأولي، أقولها بكل صراحة، حصلت تجاوزات واختراقات، لكن الحمد لله، القضاة كانوا بالمرصاد ولم يتركوا الأمور تتميع”، مضيفًا: “مؤسسة الشرطة عازمة على مواصلة محاربة الفساد، لكن أقولها: من يريد أن يحارب الفساد يجب أن يكون نظيفًا”.
تعتبر كمية 701 كيلوغرام من الكوكايين هي الأكبر التي يتم ضبطها في الجزائر منذ 2012
وأصدر رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مساء الثلاثاء مرسومًا يقضي بإنهاء مهام مدير عام الأمن الوطني اللواء عبد الغني هامل (63 سنة)، ومرسومًا ثانيًا يتضمن تعيين مصطفى الهبيري (80 سنة) بدلاً عنه، وهو مدير جهاز الدفاع المدني منذ 2001.
وفي نهاية مايو/أيار الماضي، أحبطت وحدة من حرس السواحل الجزائري، بالتنسيق مع الأمن العسكري، محاولة تهريب 701 كيلوغرام من الكوكايين من الصنف الرفيع، كانت على متن سفينة شحن برازيلية محملة باللحوم المجمدة، وحاولت شبكة التهريب التمويه بإخفاء الكوكايين بين كميات اللحم المجمدة القادمة من البرازيل.
وتعتبر كمية 701 كيلوغرام من الكوكايين هي الأكبر التي يتم ضبطها في الجزائر منذ 2012، حيث تم ضبط 165 كيلوغرامًا من هذه المخدرات مهربة مع بودرة حليب استوردتها شركة حكومية لصناعة الحليب من نيوزيلاندا.
صراع نفوذ
إقالة عبد الغاني هامل المقرب من عائلة بوتفليقة والتصريحات التي سبقتها، تؤكّد وفق عديد من المحللين الصراع الحاصل في هرم السلطة الجزائرية، حيث يتّهم هامل وجماعته أطراف في الجيش الجزائري بالوقوف وراء عملية تهريب “الكوكايين”.
وأكدت تقارير إعلامية سابقة وجود تساؤلات عن الجهة التي تقف وراء هذه القضية، إذ تحوم شكوك عن وجود أطراف نافذة لها صلة بالقضية، أو حاولت، على الأقل، توفير ممر آمن لتهريب هذه الكمية الكبيرة من الكوكايين.
وصنّف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قضية الكوكايين على أنّها قضية “أمن دولة”، بسبب حجم المخدرات المحجوزة، وتجرؤ شبكة التهريب على محاولة إدخال كمية ضخمة وغير مسبوقة كهذه إلى البلاد، إذ تبلغ قيمها التقديرية أكثر من 14 مليون يورو (نحو 18 مليون دولار).
https://www.youtube.com/watch?v=d190ICO2yVc
بوتفليقة طلب أيضًا من قائد جهاز المخابرات التنسيق مع وزارة العدل لطلب الإنابات القضائية اللازمة مع الدولة التي انطلقت منها الباخرة، البرازيل، أو التي توقفت فيها، إسبانيا، حيث رست في ميناء أليكانت، وستتولى وزارة الخارجية تنسيق ذلك مع الدول المعنية، لفك خيوط الشبكة التي تورطت في القضية.
هذه ليست المرّة الأولى التي تصدر اتهامات متبادلة بين الجيش والأمن في خصوص مسؤولية تهريب المخدرات في الجزائر، حيث سبق أن اتهم اللواء كمال عبد الرحمن قائد المنطقة العسكرية الثانية سنة 2001، جهاز الأمن العسكري بتلفيق ملف ضده للسيطرة عليه والتحكم في الجهاز الذي يقوده بعد اتهامه بالتورط في تهريب 900 كيلوغرام من المخدرات عبر حاويات كانت مخصصة لتوريد التفاح من الخارج.
وتعاني الجزائر، منذ سنوات، من تدفق أطنان المخدرات من دول عديدة خاصة دول أمريكا اللاتينية، إذ كشف تقرير رسمي للديوان الحكومي لمحاربة المخدرات في الجزائر أن مصالح الأمن والجيش والدرك حجزت أكثر من 118 طنًا من المخدرات سنة 2017، و167 طنًا من المخدرات عام 2016.
إقالات جديدة على الأبواب
إقالة هامل، من المنتظر أن تتبعها إقالات أخرى في صفوف قوات الأمن، ذلك أن أطراف في جهاز الدرك والمخابرات تسعى لتحجيم قوة جهاز الأمن في البلاد والسيطرة عليه وفقًا لعدد من المتابعين للشأن الجزائري.
يعد عبد الغاني هامل، أحد المحسوبين على محيط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأحد أبرز الموثوق فيهم في محيط معسكر الرئيس، حيث أوكلت له إدارة جهاز الأمن العام 2010، خلفًا للعقيد علي تونسي الذي قتل من طرف أحد مساعديه آنذاك، وظل يوصف بـ”الرجل القوي في السلطة”.
وهامل شخصية عسكرية، تم استقدامها من جهاز الدرك الوطني الواقع تحت وصاية مؤسسة الجيش، واشتغل في سنواته الأخيرة (قبل 2010)، قائدًا لسلك الحرس الجمهوري المكلف بتأمين وحراسة مؤسسة الرئاسة وبالاحتفالات الرسمية والبروتوكولية.
الصراع في هرم السلطة الجزائرية، يرجعه البعض إلى الصراع الدائر لخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في منصب الرئاسة
من المنتظر أن تمس التغييرات القادمة عناصر في مؤسسات مدنية وعسكرية، خاصة العاملين في القطاعات التي تورط أحد أفرادها في القضية (الأمن والقضاء) سعيًا من مؤسسة الرئاسة والقريبين منها لتبييض صورتها أمام الرأي العام، وضمان دعم شعبي لاستمرار بوتفليقة في السلطة إلى ما بعد 2019.
بالتوازي مع إقالة هامل، أمرت وزارة العدل الجزائرية بتوقيف أربع قضاة عن العمل، وضمت قائمة الموقوفين رئيس المحكمة الإدارية بالعاصمة وقاضية مساعدة في مجلس قضاء العاصمة ووكيل الجمهورية بمحكمة بومرداس، قرب العاصمة، ومساعدًا له، يشتبه في علاقتهم مع المتهم الرئيسي في عملية تهريب الكوكايين.
خلافة بوتفليقة؟
الصراع في هرم السلطة الجزائرية، يرجعه البعض إلى الصراع الدائر لخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في منصب الرئاسة، ورشحت بعض الدوائر المقرّبة من بوتفليقة في وقت سابق، مدير الأمن المقال عبد الغاني هامل لأن يكون من الأسماء البارزة لخلافة الرئيس، لاعتبارات عدّة أبرزها تكوينه العسكري وقربه من العائلة الحاكمة.
صراع كبير بين أجنحة السلطة لخلافة بوتفليقة
ووصل بوتفليقة، وهو في نفس الوقت، رئيس الحزب الحاكم، إلى سدة الحكم في أبريل سنة 1999، ثم أعيد انتخابه سنة 2004 و2009، وفي رئاسيات 2014، وتعد الانتخابات الرئاسية القادمة المبرمجة في ربيع 2019، أبرز حدث يستأثر باهتمام ونقاشات الجزائريين ووسائل الإعلام المحلية هذه الفترة، حيث يحيط الغموض بهوية المرشحين الذين سيتنافسون على الرئاسة والاسم الذي سيقود الجزائر خلال الخمس سنوات القادمة.
لم يعلن بوتفليقة حتى اليوم نيته من عدمها في المكوث بكرسي الرئاسة لـ5 سنوات إضافية بعد 2019 رغم الدعوات المتكرّرة للترشح من جديد، كما لم تعلن الشخصيات التي قد تبدو أكثر حظًا لمنافسته (سواء في المعارضة أم الموالاة) هي الأخرى رغم اقتراب موعد الانتخابات.