كل ما يلزم أي شخص ليشعر بالسوء عن نفسه وحياته، أن يرى أن الجانب الآخر من الجانب الذي يقف عليه يبدو أكثر جمالًا، قد يكون هذا الجانب هو الحياة التي كان قد توقعها لنفسه وفشل في تحقيقها، وقد يكون على ذلك الجانب حياة الآخرين الذي سمحت مواقع التواصل الاجتماعي للناس على مختلف منصاتها أن يكونوا جزءًا منها، مطلعين على تفاصيلها وتطوراتها وآخر مستجداتها، وسمحت لهم أيضًا تلك المواقع بجعل حياة أولئك الناس أكثر سوءًا.
وافق بعض من المعروفين الآن في عالم مواقع التواصل الاجتماعي بالـ”مؤثرين” أو “Influencers’ بإعطاء معلومات عن أرباحهم من منشوراتهم على منصات مثل إنستغرام أو سناب شات، ووفقًا لتقرير مجلة “فوربس” عن أهم المؤثرين دوليًا وأرباحهم من عملهم على تلك المنصات، أشار التقرير إلى مبالغ خيالية يجنيها المؤثرون لكل منشور واحد على منصاتهم من خلال الدعايات والممولين، كان من بينهم راتشيل براثن، معلمة يوجا وصاحبة واحد من حسابات إنستغرام عليه أكثر من مليوني متابع التي أشارت في تقرير فوربس أنها تجني ما يقرب من 25 ألف دولار أمريكي للحملة الإعلانية الواحدة.
كما أضافت المدربة الرياضية ليزابيث لوبيز التي يتابع حسابها على إنستغرام نحو مليوني متابع أنها تربح ما بين 3000 دولار إلى 5000 دولار لكل منشور واحد على حسابها، أما بالنسبة للحملات الإعلانية فقد يتراوح المكسب بين 20 ألف دولار إلى 100 ألف دولار لكل حملة على حدة، لتدفع هذه الأرقام الخيالية مجلة “فوربس” المالية للبحث أكثر عن عالم “النجوم الرقميين”، إشارة إلى المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل التعرف أكثر على أرباحهم من العمل في ذلك المجال.
تبين من البحث أن على رأس القمة المؤثرين على يوتيوب، إذ بإمكانهم الربح من مشاركة الأرباح مع المنصة من فيديو واحد نحو 300 ألف دولار إن تابع قناتهم على يوتيوب 7 ملايين أو أكثر من المتابعين، انخفض هذا الرقم إلى 187 ألف دولار على فيسبوك و150 ألف على إنستغرام، كما أضاف البحث أنه لا يجب على المؤثر الاجتماعي على تلك المواقع أن يكون نجمًا رقميًا كبيرًا، فيمكن لأي واحد منهم لديه أكثر من 100 ألف متابع على حسابه على إنستغرام أو سناب شاب أن يجني ما لا يقل عن 5000 دولار لكل منشور على صفحته بالشراكة مع الشركة أو العلامة التجارية التي تمول تلك المنشورات أو تمول ما يعرضه صاحب الحساب عليها.
فضيحة الأموال على سناب شات
مُحدِث النعمة هو : مصطلح تحقيري ويستخدم لوصف أولئك الذين كانوا إلى فترة قريبة ينتمون لطبقة اجتماعية فقيرة ،
وسمح لهم المال الجديد بصعود سلم الحراك الاجتماعي ،
عن طريق الإبتذال والتفاخر بغناهم الجديد ،
وعادةً هم يفتقرون تماماً لمنظومة قيم وأخلاق أصحاب الثروات . pic.twitter.com/Qw3JRoee4e
— طلال الكعيد (@talal_alkeaid) June 16, 2018
يمكن لصاحب الحساب متوسط الحجم على منصة سناب شات أن يجني نحو 2000 دولار، ويمكن لكل من لديه أكثر من 25 ألف متابع أن يتوقع أن يحصل على ما لا يقل عن 1500 دولار شهريًا من ربح الإعلانات، أما من يتابع حسابه أكثر من 150 ألف متابع فإنه من الممكن أن يكون متوسط دخله الشهري أكثر من 6 آلاف دولار، إن كنت لا تصدق ذلك فعليك أن تصدق أن أصغر الرابحين في سناب شات العام الماضي كان مراهقًا في السابعة عشر من عمره بعد أن حصل على 7000 دولار أمريكي من ترويجه لإعلان لمتابعي حسابه.
ربما ستسأل لماذا قد يحتاج صبي في السابعة عشر من عمره 7000 دولار يحصل عليها بين يوم وليلة فقط، إلا أن الأموال الرقمية لن تجعل ذلك الصبي يملك ذلك المبلغ فقط، وسوف يسعى للحصول على المزيد والمزيد، عن طريق كشف حياته كلها رقميًا وأن يكون لكل متابع فيها الحق في التدخل والتعليق عليها سواء بالسلب أم بالإيجاب، وذلك كله ليصعد سلم الحراك الاجتماعي بفضل مواقع السوشيال ميديا التي استطاعت أن تحول مجموعة كبيرة من الأفراد كانوا ينتمون إلى الطبقة الفقيرة أو المتوسطة إلى طبقة الثراء والغنى الفاحش بين يوم وليلة فقط.
صورة من حساب “نجود بنت مشعل” مؤثرة اجتماعية إماراتية لديها 1.4 مليون متابع متخصصة في مجال التجميل وتعليم طرق وضع مساحيق التجميل
خرجت تلك الطبقة الجديدة التي انتقدها كثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، تتفاخر بالأموال التي تجنيها من الدعايا على حساباتهم، ناشرين صورًا ومقاطع فيديو للأموال الخاصة بهم التي لم تسعها حقائبهم، حيث انتشرت صور لحسابات بعض المؤثرين الاجتماعيين من السعودية وهم يتفاخرون بأموال “العيدية” خاصتهم لإذلال متابعينهم بمدى ثرائهم الفاحش.
يمكن لصاحب الحساب متوسط الحجم على منصة سناب شات أن يجني نحو 2000 دولار، ويمكن لكل من لديه أكثر من 25 ألف متابع أن يتوقع أن يحصل على ما لا يقل عن 1500 دولار شهريًا من ربح الإعلانات
استغل بعض من يُعرفون بالنجوم الرقميين أيام عيد الفطر الماضي للتفاخر أمام العامة بأموال العالم الرقمي، فصوروا مقاطع لأنفسهم وهم يوزعون الأموال على العامة بطريقة مهينة، فوضع أحدهم حزمة من المال في كل بالون وأطلق البالونات على العامة في الشارع، أما آخر فرمي الأموال على رواد فندق في منطقة القصيم في السعودية من طابق مرتفع ليتزاحم عليها الناس والأطفال محاولين التقاطها.
لم يكتف النجم الرقمي السعودي برمي الأموال فحسب بل صور كل من حاول التقاطها وتزاحم الناس عليها لعرضها على آلاف المتابعين اعتقادًا منه أن تلك الطريقة المناسبة لمعايدة متابعينه، وهو المقطع الذي أثار جدلًا في أوساط التواصل الاجتماعي وطالب منتقدوه بتدخل السلطات لمنع أحداث مثل ذلك من التكرر.
محتوى النجوم الرقمية.. سيارات ومساحيق تجميل وملابس
وصلت مسألة “النجوم الرقمية” من الأهمية في بلاد الخليج العربي وتحديدًا في كل من السعودية والإمارات أن يتم توثيق النشاط التجاري لهم من الدعاية على حساباتهم من خلال حصولهم على رخصة لمزاولة مهنة الدعاية الرقمية على حساباتهم الشخصية لحساب بعض الشركات أو المنتجات بعينها، بعدما سجل سوق الشركات في الإمارات على سبيل المثال ربع ميزانيته الدعائية والتسويقية لمؤثري منصات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها سناب شات وإنستغرام فقط.
يميل السوق الآن إلى التواصل المباشر ووجود رابطة بين الشركة والمؤثر الاجتماعي لأغراض تسويقية قليلة التكلفة بدلًا من استخدام وسائل الدعاية التقليدية
من الواضح أن لكل مؤثر اجتماعي من هؤلاء عالمه الخاص المبني على الدعايات التجارية، فواحد منهم متخصص في الدعايا التجارية الخاصة بالسيارات، والآخر متخصص في اللياقة البدنية فتتواصل معه شركات الملابس والأحذية الرياضية لعرض منتجاتها داخل منشوراته أو مقاطعه المصورة القصيرة على إنستغرام ستوري أو سناب شات، وواحدة أخرى متخصصة في مساحيق التجميل فتتزاحم عليها شركات مستحضرات التجميل لإقحام منتجاتهم لتظهر في منشوراتها وصورها.
لقد انحرفت تلك المنصات تمامًا عن الغرض الذي أُنشئت من أجله، فلم تعد منصات حرة تسمح لكل مستخدم بإيصال فكرته أو مشاركة رأيه أو محتواه الفريد من نوعه والخاص به وحده، وصارت تيارًا متدفقًا من الإعلانات التجارية المتمثلة في هؤلاء النجوم الرقميين الذين يصنعون محتوى غير هادف من الناحية الاجتماعية والمعرفية وإنما هادف فقط في تحفيز المتابعين على شراء المنتجات التي يستخدمها صاحب المنشور ليكونوا مثله.
صورة من حساب هلا عبد الله إحدى المؤثرات الاجتماعيات السعوديات، عاشت أغلب حياتها في الولايات المتحدة وتعيش الآن في الإمارات، تعرف نفسها أنها ملهمة في تطوير أسلوب الحياة لكل متابعينها
استطاع النجوم الرقميون بلا شك خلق ثقافة جديدة من شكل الحياة التي يجب أن تكون، واستطاعوا من خلال المبالغ الخيالية التي يكسبونها أن يخلقوا عالمًا موازيًا لا يتقاطع أبدًا مع العالم الحقيقي الذي يعيشه المتابعون، فبينما يتنعم النجوم الرقميون في الغنى والثراء الفاحش الذي وصلوا إليه ويعكسون ذلك في المنتجات التي يستخدمونها ونموذج الحياة التي يعيشونها وشكل المنازل التي يقطنونها، يعيش متابعونهم عالمًا مخالفًا تمامًا لما يتابعونه بشكل يومي ويشكل ساعات طويلة من يومهم ومن شكل المحتوى المتدفق أمام أعينهم.
يعيش كثير من المتابعين العرب – شباب ومراهقين – لذلك المحتوى حالة من التقشف فرضتها سياسات دولهم لمواكبة انخفاض أسعار البترول كما هو الحال مثلًا في السعودية، أو يعيشون في بلاد يكون الحد الأدنى للأجور فيها بين 60 -70 دولارًا شهريًا، أو يدفعون ثمن أزمات اقتصادية ناتجة من قرارات حكومية أدت إلى زيادة جنونية في الأسعار لا تقدر عليها معاشاتهم الشهرية الضئيلة.
صورة من حساب سعودي جيمر عليه أكثر من مليون ونصف متابع من الشباب والمراهقين العرب لمتابعة ما يجب عليهم شراءه من ألعاب الفيديو وكيفية لعبها
تعيش ثلث كثافة السكان في الأردن تحت تهديد الوقوع تحت خط الفقر على سبيل المثال، بينما يعيش بالفعل 30% من سكان مصر تحت خط الفقر، منهم عشرة مليون طفل اعتبرتهم الأمم المتحدة “فقراء متعددي الأبعاد” وهذا يعني أطفال غير مسجلين في أي من الأنظمة التعليمية، أو ليس لديهم وصول لمياه نظيفة، أو يتعرضون للعنف الجسدي، ولا داعي للذكر أن أكثر من 50% من الكثافة السكانية المصرية تحت سن العشرين بالفعل.
ما نستطيع أن نقوله بخصوص المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي إنهم استطاعوا بمحتواهم غير الهادف عن منتجات لا تلزم كثير من متابعينهم غير القادرين أصلًا على شرائها أن يجعلوا المتابعين العرب يشعرون بالسوء أكثر وأكثر عن حياتهم التي تكون أكثر واقعية بكثير من حياة النجوم الرقميين الذين يكسبون الأموال بين يوم وليلة، إلا أنها في نظر المتابعين لا تبدو شيقة أو ممتعة أو فاخرة مثل تلك الحياة التي يتابعونها يوميًا على مواقع التواصل الاجتماعي.