افتتح معبر أبو الزندين، الواقع على طريق M4 قرب مدينة الباب شرق حلب، أبوابه بين مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري وقوات نظام الأسد، في إطار التفاهمات والاتفاقيات الروسية- التركية التي تعتبر، بطبيعة الحال، خطوة اختبارية في إطار التقارب التركي مع النظام.
ودخل عدد من الشاحنات المحمّلة بالبضائع من مناطق سيطرة الجيش الوطني، ظهر الأحد 18 أغسطس/ آب الجاري، إلى مناطق سيطرة نظام الأسد ضمن فترة تجريبية، حيث كان الإعلان الرسمي عن افتتاح المعبر أمام الحركتَين التجارية والمدنية بين مناطق السيطرة المختلفة في اليوم التالي.
ليست المرة الأولى التي يتم فيها افتتاح المعابر، فقد أثار على مدى الأشهر الماضية الكثير من الجدل، عندما حاول المجلس المحلي لمدينة الباب في أواخر يونيو/ حزيران الماضي، تسيير شاحنات محملة بالبضائع تجريبيًا، إلا أن المنطقة واجهت موجة احتجاجات شعبية غاضبة رفضت الخطوة، تزامنًا مع تصريحات الرئيس التركي لإعادة العلاقات مع نظام الأسد.
وسرعان ما توسعت الاحتجاجات الشعبية إلى مناطق مختلفة، أدت إلى مواجهات بين المتظاهرين وعناصر من الجيش التركي في عفرين، ما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا في صفوف المتظاهرين، قبل أن يتم قطع الاتصالات والإنترنت عن كامل مناطق شمالي حلب لمدة أسبوع في إطار الضغط على الأهالي.
وانبثق عن الحراك الشعبي ما يُعرف بـ”اعتصام الكرامة” في مناطق ريفَي حلب الشمالي والشرقي، الذي رفع العديد من المطالب من بينها إلغاء دور مؤسسات المعارضة السياسية، وإيقاف تحكُّم المنسق التركي في الأمور الداخلية والإدارية للمنطقة.
وعقدت فصائل الجيش الوطني إلى جانب عدد من الناشطين اجتماعًا مع مندوب المخابرات التركية في غرفة عمليات حوار كلس على الحدود السورية التركية، رُفعت خلاله مطالب الشارع، إلا أن الاحتقان الشعبي لم يهدأ مع استمرار الاعتصام، ما دفع تركيا إلى تكثيف اللقاءات مع قادة الجيش الوطني، والذي انتهى بإعلان افتتاح المعبر بحماية من الشرطة العسكرية وفرقة السلطان مراد.
في اليوم الأول من الافتتاح تعرّض المعبر لقصف بقذائف الهاون مجهولة المصدر، في إطار المصالح بين الأطراف الداخلية، بينما توجّهت أصابع الاتهام نحو الفرقة الرابعة التابعة لنظام الأسد والمدعومة من الميليشيات الإيرانية، وأخرى إلى فصائل المعارضة الرافضة لافتتاح المعبر.
استنفار أمني واحتجاجات شعبية
شهدت مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي صباح الاثنين حالة احتقان شعبي بعد افتتاح معبر أبو الزندين، حيث توجّه محتجون من مناطق متفرقة إلى مدينة الباب، ونصبوا خيمة اعتصام بالقرب من المعبر بهدف منع افتتاحه أمام الشحن التجاري.
وكانت الشرطة العسكرية التابعة للحكومة السورية المؤقتة سيرت، مساء الأحد، أرتالًا عسكرية إلى المعبر، بهدف افتتاحه وإزالة السواتر الترابية وتقديم الحماية له.
وأكد المحامي يوسف حسين، أحد المشاركين في خيمة الاعتصام، أن الخيمة جمعت أهالي مدن وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي، لمنع افتتاح المعبر أمام الحركة التجارية برعاية روسية تركية.
وقال حسين لـ”نون بوست”: إن “مطالب المحتجين عدم افتتاح معبر أبو الزندين مع مناطق نظام الأسد، لأنه يشكّل متنفسًا اقتصاديًا لمناطقه التي تعاني من العقوبات الأمريكية والأوروبية، التي ساهمت بشكل أو بآخر في انهياره على المستويين الدولي والمحلي”.
وأضاف: أن “الثورة السورية لا تقاس بالفائدة الاقتصادية لأن افتتاح المعابر يشكّل اعترافًا سياسيًا بنظام الأسد، كما أنه في الوقت ذاته يقود إلى تطبيع العلاقات والمصالحة، ونحن لن نقبل في افتتاح أي معبر في المنطقة مع النظام”.
وكانت الفعاليات المدنية في مدينة الباب حددت مطالبها خلال اجتماعاتها مع الجهات المسؤولة للسماح بفتح المعبر، تضمّنت أن تكون إدارة المعبر مدنية، وتحديد نسبة من ريع المعبر لتنفيذ مشاريع البنية التحتية في المدينة، كونها تضررت خلال السنوات السابقة أكثر من أي مدينة أخرى، على أن تكون منفصلة تمامًا عن نسبة المجلس المحلي، وإيجاد آلية فعّالة لضبط الملف الأمني، وضبط الصادرات والواردات بما يتناسب مع مصلحة المدينة والمنطقة، وبما يحفظ المنتج المحلي.
الجدوى الاقتصادية
على مدى الأشهر الماضي شهد الشارع في الشمال السوري انقسامًا بين مؤيد ومعارض لافتتاح المعبر، وسط تساؤلات حول الجدوى الاقتصادي. للمنطقة، في ظل ضعف مؤسسات المعارضة في توضيح الآليات والأهداف والمصالح.
وبينما يرى البعض أن هناك فائدة اقتصادية تمكنهم في الخلاص من سطوة التجار وطرق التهريب، اعتبر آخرون أن المعبر يعدّ خيانة لتطلُّعات السوريين وثورتهم، والجدوى ستكون في صالح نظام الأسد عبر تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، وهذا ما يخشاه السوريون كون المعبر يعدّ ثمرة الاتفاقيات الروسية التركية الهادفة إلى تطبيع علاقات أنقرة مع الأسد.
ويرى الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، أن القرار يبدو سياسيًا أكثر من أنه اقتصادي، فالحركة التجارية عبر المعبر وغيره كانت وما زالت موجودة، لكن ليس بصيغة معلنة ولا رسمية لأنها تتصف بالتهريب، وما يحصل حاليًا هو إيجاد شرعية سياسية معلنة للمعبر.
وقال السيد عمر لـ”نون بوست”: إن “الأثر الاقتصادي محدود نسبيًا، والدلالة السياسية تفوق الأثر الاقتصادي، ولعلّ أبرز المتضررين هم فصائل المعارضة التي كانت تدير عمليات التهريب، والميليشيات المسلحة من جانب نظام الأسد”.
وأضاف أنه “قد يستفيد المنتجون كالمزارعين، من خلال تصدير الفائض الزراعي من مناطق سيطرة المعارضة إلى مناطق سيطرة نظام الأسد والعكس، وفي حال سُمح للمدنيين بالعبور، سيكون له أثرًا إنسانيًا من خلال إتاحة التواصل بين الأسر السورية في مناطق السيطرة”.
وأوضح أن الأثر الاقتصادي محدود لمناطق الشمال السوري، لأن التعامل التجاري الأهم هو مع تركيا، وبالنسبة إلى نظام الأسد لا توجد منفعة كبرى إلا إذا وفّر له المعبر نقل النفط من مناطق “قسد”، لكنه أمر مستبعد في الوقت الحالي.
ويبدو أن قرار افتتاح المعبر جاء كاختبار النوايا بين كل من تركيا ونظام الأسد، لأن البيئة السياسية في المعارضة وفي النظام تتمثل بالعداء بين الطرفَين، ولا تعدّ داعمة لأي نشاط اقتصادي حقيقي، وهذا ما تظهره الاحتجاجات الشعبية الغاضبة شمال حلب.
الجدوى السياسية
زعمت صحيفة “الوطن” المقربة من نظام الأسد أن خطوة افتتاح معبر أبو الزندين قد تتبعها سلسلة اتفاقيات تشمل طريق M4 بين حلب واللاذقية، في إطار الاتفاقات السابقة (مسار أستانة)، وربما يتم فتح الطريق من تركيا إلى الأردن مرورًا بسوريا.
وأكدت الصحيفة، في عددها الصادر الاثنين الماضي، انتهاء التجهيزات اللوجستية لافتتاح المعبر بعد إغلاق استمر قرابة 4 أعوام على التوالي، مشيرةً إلى أن عشرات الشحنات المحملة بالبضائع تجمعت من جهة المعبر الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني، بهدف العبور إلى مناطق النظام، على أن يعقبها عبور شاحنات من مناطق النظام إلى ريف حلب.
يرى الباحث في مركز الحوار السوري أحمد القربي، أن افتتاح معبر أبو الزندين ثمرة تنسيق روسي تركي في سوريا، لكنه ليس محور تطبيع العلاقات التركية مع نظام الأسد بقدر ما هو خطوة تهدف إلى بناء الثقة بينهما، لأن العلاقات والتواصل الأمني قائم منذ العام 2016، والمعبر كان مفتوحًا قبل العام 2020 (أي ما قبل كوفيد-19).
وقال القربي لـ”نون بوست”: إن “افتتاح معبر أبو الزندين خطوة أولية تهدف بالدرجة الأولى إلى اختبار العلاقة ما بين الطرفين، لأن التطبيع موجود وقائم بكافة الأحوال”.
وأضاف: أن “افتتاح المعبر بالنسبة إلى تركيا اختبار لمدى جدّية نظام الأسد في العهود والاتفاقيات المبرمة أو التي ستبرم لاحقًا، بينما يشكّل لنظام الأسد هدفًا للتأكد من مدى قدرة تركيا على التحكم بالمناطق التي تخضع لسيطرتها بهدف نجاح الاتفاقيات”.
وبالنسبة إلى المعارضة تعدّ فرصة لكشف مدى قدرة نظام الأسد ووجوده وفعاليته على الأرض، في ظل تعدد مراكز القوة والسيطرة لا سيما الميليشيات الإيرانية والتيارات الداخلية ضمن النظام، لكن في الوقت ذاته هناك مخاطر لأنه يكشف ضعف التنسيق ما بين قوى الثورة والمعارضة السورية.
ختامًا، يبدو أن معبر أبو الزندين سيكون بوابة لكسب الثقة في إطار تطبيع العلاقات بين أنقرة ونظام الأسد، إذ لا جدوى اقتصادية تعود بالنفع إلى مناطق سيطرة المعارضة، رغم التبريرات التي تستغل الأزمة المعيشية والاقتصادية الخانقة التي تعيشها معظم الجغرافيا السورية، كما أنه لا يحمل أثرًا سياسيًا إيجابيًا لمبادئ الثورة السورية، وما هو إلا محاولات لإنعاش نظام ارتكب أبشع الجرائم بحقّ السوريين.