أقال الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، المدير العام للأمن الجزائري (الشرطة)، عبد الغني هامل، ساعات فقط من انتقاد الأخير لمجرى التحقيق في قضية حجز أكثر من 700 كغ من الكوكايين الشهر الماضي بولاية وهران غرب البلاد.
ولم يكن أحد ينتظر أن يتم إنهاء مهام عبد الغني هامل الذي وصف دائما بأنه من المقربين من الرئيس بوتفليقة وشقيقه السعيد بهذه الطريقة، وهو الذي طرح اسمه في عدة مرات في الأوساط السياسية على أنه قد يكون المرشح الرئاسي للجناح الذي يدعم رئيس الجمهورية في حال قرر بوتفليقة عدم الترشح لولاية أخرى.
خطأ الشاطر بعشرة
وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وقّع مرسومين ينهي الأول مهام عبد الغاني هامل كمدير عام للشرطة الجزائرية، ويعيّن الثاني مصطفى لهبيري على رأس هذا السلك الأمني.
وجاءت إقالة اللواء هامل، ساعات فقط من تصريحات أطلقها الأخير ووصفت من مراقبين بأنها “غير مسؤولة”، تحدث فيها الرجل عن عملية التحقيق التي تجري حول قضية حجز 701 كغ من الكوكايين في 29 مايو أيار الماضي بميناء وهران كانت قادمة من البرازيل.
أشار هامل في مضمون حديثه إلى أن التحقيقات الأولية شهدت تجاوزات، ما اعتُبر أنه طعن في مؤسسات الدولة وتعليق على ملف قيد التحقيق قد تؤثر تصريحات مسؤول في مقامه على مسار نزاهة عمل العدالة
وقال المدير العام للأمن الوطني الجزائري المقال على هامش إطلاق الحملة الوطنية السنوية الثانية للتبرع بالدم بالعاصمة الجزائر، وهو آخر نشاط قام به قبل إنهاء مهامه، إن “قضية الكوكايين أمام العدالة ووزير العدل تكلم عنها مطولا بالأمس ونحن لدينا ثقة كبيرة في العدالة وفي نزاهة القضاة”.
وأشار هامل في مضمون حديثه إلى أن التحقيقات الأولية شهدت تجاوزات، ما اعتُبر أنه طعن في مؤسسات الدولة وتعليق على ملف قيد التحقيق قد تؤثر تصريحات مسؤول في مقامه على مسار نزاهة عمل العدالة.
وأضاف أن “المؤسسة الشرطية عازمة على مواصلة عملها وعلى مواصلة محاربة الفساد، ونقول إن الذي يريد محاربة الفساد يجب أن يكون نظيفا”. وأردف قائلا أنه “حتى ولو أن المؤسسة ليست معنية مباشرة بالتحقيق، فإن الملفات التي عندنا والتي تخص القضية سنسلمها للعدالة، لأن ثقتنا كبيرة فيها”.
قضية الكوكايين
غير أن هامل، هاجم في الوقت ذاته مؤسسات أخرى تقوم بالتحقيق قائلا إنه “لا يمكن وقف المؤسسة بادعاءات وعمليات تخويف أو تلاعب ببعض الأمور، ومؤسسة الأمن ستبقى صامدة وباقية على العهد خدمة لمصالح المواطن والمجتمع الجزائري”.
وفُهم تصريح هامل على أنه رد فعل على ما تداولته الصحافة الجزائرية بشأن ضلوع سائق بمديرية الأمن الوطني في فضيحة الكوكايين التي تشغل اليوم الرأي العام لأنها ستعصف بأسماء معروفة في البلاد، وفق ما يتناول في الإعلام المحلي.
وفق الصحافة الجزائرية، فإن التحقيقات التي يقودها قاضي التحقيق لدى محكمة سيدي امحمد بالعاصمة الجزائر، خضع لها عدة مسؤولين منهم رئيس بلدية بن عكنون بالعاصمة
وحسب صحيفة النهار، فإن خالد تبون نجل الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون من المتهمين في العملية التي كان بطلها كمال شيخي الملقب بـ”كمال البوشي” (أي كمال الجزار) صاحب اللحوم المستوردة التي شحنت في السفينة القادمة من البرازيل وعثر بداخلها على الكمية الكبيرة من الكوكايين.
الصحافة الجزائرية تقول إن التحقيقات التي يقودها قاضي التحقيق لدى محكمة سيدي امحمد بالعاصمة الجزائر، خضع لها عدة مسؤولين منهم رئيس بلدية بن عكنون بالعاصمة وإطارات في سلك القضاء منهم وكيل جمهورية ومساعده بإحدى محاكم ولاية بومرداس ( شرق العاصمة ) ورئيس محكمة بالعاصمة.
وقال وزير العدل حافظ الأختام، الطيب لوح، إنه تم إيداع 6 متهمين الحبس للتحقيق مهم. ويرى البعض أن تشكيك عبد الغني هامل في نظافة من يقومون بالتحقيق اتهام مباشر لسلك الدرك الوطني الذي أحبط عملية تهريب الكوكايين ويعكف حاليا على التحقيق في المتورطين في القضية رفقة جهاز العدالة. كما اعتبر هذا الاتهام من قبل مراقبين خطأ فادحا ارتكبه الرجل المقال لأنه تشكيك في جهة أمنية مهمة في البلد تتبع لوزارة الدفاع الوطني.
إن كان هامل شكك في عمل الدرك الوطني، إلا أن الفريق أحمد ڤايد صالح نائب وزير الدفاع الوطن رئيس أركان الجيش الجزائري يرى عكس ذلك، فقد أشاد خلال متابعته تمرينا ميدانيا للجيش بولاية وهران التي تم بها إحباط تهريب الكوكايين بعمل الدرك وكل عناصر الجيش الجزائري.
برأي مراقبين، فإن قضية الكوكايين التي يرونها السبب الرئيس في إقالة عبد الغني هامل ما هي إلا نتاج لاختلاط السياسة بالمال الفاسد في الجزائر
حيث قال قايد صالح: “في كافة المجالات، سعت القوات البحرية من خلال وحدات حراس السواحل إلى بذل الجهود الحثيثة والمتواصلة، بمثابرة شديدة وإصرار أشد، لاسيما في مجال إنقاذ شريحة كبيرة من الشباب، من مخالب وعواقب الهجرة غير الشرعية، هذا فضلا عن الجهود المضنية المبذولة من أجل تأمين وحماية المشارف البحرية من كل الأخطار، وما الكمية الكبيرة من مخدر الكوكايين المحجوزة مؤخرا إلا خير دليل على نجاعة هذه الجهود.”
زواج المال بالسياسة
برأي مراقبين، فإن قضية الكوكايين التي يرونها السبب الرئيس في إقالة عبد الغني هامل ما هي إلا نتاج لاختلاط السياسة بالمال الفاسد في الجزائر، والذي لا طالما حذرت منه أحزاب المعارضة وقوى المجتمع المدني، واعتبرته المولاة وقتها مناورة من هذه الأطراف لتبرير فشلها السياسي وإيجاد اتهام جديد للسلطة.
لكن الأمر تغير اليوم على الأقل علنيا، فالحكومة ومختلف مسؤوليها صاروا يحذرون من هذا الزواج غير الشرعي بين المال والسلطة في البلاد. وقال وزير العدل الطيب لوح “لن نتسامح مع أي شخص، مهما كانت مرتبته ودرجة مسؤولياته في حال ثبت بأنه تورط في قضية المخدرات أو في قضايا فساد أخرى. نحن نحترم القانون ونحترم قرينة البراءة وحقوق الناس، لكن سنطبق القانون بقوة ودون رحمة على من ثبت أنه تورط في قضايا الفساد كفضيحة الكوكايين حتى ولو كانوا داخل السلطة القضائية”. وأضاف وزير العدل الذي سيكون في امتحان صعب لضمان شفافية التحقيق ومحاسبة كل المتهمين إن عهد “الخلط بين الثروة والسلطة انتهى”.
وإلى أن تنتهي فصول التحقيق في قضية تهريب الكوكايين ومحاكمة المتهمين فيها، لا يستبعد كثيرون أن تكشف الأيام المقبلة تورط شخصيات أخرى، خاصة وأن التحقيقات الأولية أظهرت أن “كمال البوشي” استطاع أن يبني شبكة علاقات مع مختلف المسؤولين وفي عدة قطاعات، ما قد ينبئ أن سيف الإقالة الذي سلته السلطة لن يتوقف عند عبد الغني هامل فقط ، بالنظر إلى أن الحرص على إظهار أن الجميع متساوون أمام القانون مهمة ذات أولوية اليوم للحكومة ولأحزاب الموالاة الذين لا يريدون أن يعكر أي شيء صفو إنجاح حملة الولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة.