أمس الخميس، أصدرت محكمة بالدار البيضاء، حكما بسجن الصحفي حميد المهداوي بالسجن ثلاث سنوات بعد إدانته لعدم التبليغ عن جناية تمس أمن الدولة، في علاقة بأحداث حراك الريف. وقبلها بيومين أصدرت نفس المحكمة أحكامًا تجاوزت 300 سنة سجن بحقّ أكثر من 50 معتقل من نشطاء الحراك في المغرب.
أحكام قضائية “قاسية”، اعتبرها البعض دليل على تراجع واقع الحريات في المملكة المغربية، في وقت تسعى فيه السلطات الحاكمة في المملكة للترويج لـ “نموذجها الناجح” في احترام الحقوق وضمان الحريات الفردية والجماعية.
3 سنوات سجن لصحفي
الحكم على الصحفي ومدير موقع بديل المغربي، حميد المهداوي، جاء بعد قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء في وقت سابق هذا الأسبوع فصل ملفه عن باقي المعتقلين، وخلافا لهم، لم يقاطع المهداوي ما تبقى من جلسات محاكمته.
ووجه للمهداوي اتهام “عدم التبليغ عن جريمة تمس أمن الدولة”، لكونه لم يبلغ عن مكالمة هاتفية تلقاها من “شخص يعيش في هولندا يتحدث فيها عن إدخال أسلحة روسية إلى المغرب لصالح حركة الاحتجاج في شمال المغرب للمطالبة بالتنمية”.
وجرى اعتقال الصحفي المهداوي في 20 يوليو/تموز سنة 2017 في أعقاب إحدى التظاهرات التي شهدتها مدينة الحسيمة شمال البلاد، وجرت محاكمته بتهمة التحريض، والدعوة للمشاركة في تظاهرة غير مرخصة، وأدين في هذه القضية بسنة سجن.
اعتبر العديد من المغاربة هذه الأحكام تراجعًا كبيًرا في الحريات بالبلاد
وعرف حميد المهداوي بمقالاته الجريئة التي تهدف إلى الكشف عن الفساد في المملكة المغربية، وقبل اعتقاله بشهور انتقل المهداوي إلى نشر أشرطة فيديو في موقع يوتوب تتطرّق إلى الأوضاع السياسية والاجتماعية في المملكة، وقد كانت هذه الفيديوهات تلاقي إقبالاً ورواجًا كبيرًا بين المغاربة بسبب قوة خطابها وأهمية مواضيعها.
وسبق أن تمّ رفع عشرات الشكاوى ضد المهداوي بتهمة التشهير، حيث واجه في يوليو/تموز 2015 حكماً بالسجن لمدة أربعة أشهر مع إيقاف التنفيذ وغرامة مالية بعد أن نشر في مايو/أيار 2014 سلسلة من المقالات حول تعذيب الناشط كريم لشكار في أحد مراكز الشرطة بالحسيمة. وفي يونيو/حزيران 2016، حُكم عليه مرة أخرى بسبب مقال يتهم فيه وزير العدل بتلقي تعويضات مالية مبالغ فيها.
وفي وقت سابق وجه تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود انتقادات شديدة للسلطات المغربية في مجال حرية الصحافة، حيث اعتبر التقرير أن سنة 2017 كانت سنة ضغط قضائي على الصحافيين المهنيين والمواطنين، حيث جر العديد منهم إلى القضاء، وفرضت عليهم عقوبات سجنية وغرامات مالية.
العفو الدولية: أحكام مشكوك في صحتها
لئن أكدت السلطات المغربية أن هذه المحاكمات (محاكمة المهداوي وباقي معتقلي الحراك) تمت في إطار احترام المعايير الدولية، فقد اعتبرها العديد من المغاربة تراجعا كبيرا في الحريات في البلاد، مخلفة استياء كبير لدى أوساط حقوقية محلية ودولية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة المغربية.
من جهتها شكّكت منظمة العفو الدولية، في هذه الأحكام، حيث قالت هبة مرايف، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة الدولية: “هذه الأحكام مشكوك في صحتها نظراً للجور البالغ الذي اتسمت به المحاكمات“.
هبة مرايف قالت أيضا “إنه كان لا ينبغي أصلاً أن يحاكم ناصر الزفزافي، وغيره ممن أدينوا وسجنوا بسبب الاحتجاج السلمي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، أو تغطية الاحتجاجات على الإنترنت؛ ويجب إطلاق سراحه، وإسقاط حكم إدانته“.
وأضافت هبة مرايف قائلة: “يجب إعادة محاكمة الأشخاص الذين يشتبه، إلى حد معقول، في أنهم مسؤولون عن جرائم جنائية معترف بها في إجراءات تتفق تماماً مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، أو يطلق سراحهم“.
شعور بالخيبة
هذه الأحكام نزلت على المغاربة “نزول الصاعقة” وفق قولهم، في وقت كانوا يتوقعون فيه انفراجا في قضية معتقلي الحراك. وكرّست هذه الأحكام الشعور بالخيبة والإحباط من العدالة المغربية الذي ينتاب المغاربة منذ فترة طويلة.
ويرى البعض من متساكني المغرب أن القضاء في بلادهم أصبح أداة لتكميم الأفواه ووسيلة للانتقام من جميع النشطاء، والمشاركين في الحركات الاحتجاجية التي تشهدها مختلف مدن وقرى المملكة في شمالها وجنوبها منذ قرابة السنتين.
منذ مايو / أيار 2017، اعتقلت قوات الأمن المغربية مئات المحتجين، بينهم أطفال والعديد من الصحفيين
يقول عديد المغاربة إن حكومة بلادهم تراهن على القضاء للحدّ من الاحتجاجات في البلاد والتحكّم في الشارع المغربي، غير أنها ستعجز عن ذلك فالاحتجاجات باقية وتتمدّد داخل مدن المملكة وخارجه فالمسيرات والوقفات الاحتجاجية وصلت سفارات المملكة وبعثاتها الدبلوماسية في مدن أوروبية عدة، وفق قولهم.
تراجع كبير
أضحى التقدم الذي عرفته البلاد في مجال الحريات، وفقا لعدد من المتابعين، مهددا بالانتكاسة، حيث تعمل السلطات المغربية إلى انتهاج سياسة تكميم للأفواه وتهديد المعارضين أو المنتقدين، وإن اختلفت الاساليب والمظاهر.
ويرى بعض المحللين أن السلطات المغربية تتجه إلى منع التظاهر وتجريمه، حيث أصبح اليوم التظاهر من أجل حقوق اجتماعية مشروعة غير ممكنة، ذلك أن الخروج إلى الشارع والمطالبة بالحقوق أضحت تؤدي بصاحبها إلى السجن.
ويستدل هؤلاء في كلامهم بما حصل في منطقة الريف ومنطقة جرادة، حيث تم اعتقال المئات من المحتجين من قبل قوات الأمن المغربي، والزج بالعشرات منهم في السجون، لا لشيء إلا لأنهم خرجوا وطالبوا بحقوقهم المشروعة وفق قولهم.
اعتمد المغرب على الحل الأمني للحد من الاحتجاجات
منذ ماي / أيار 2017، اعتقلت قوات الأمن المغربية مئات المحتجين، بينهم أطفال والعديد من الصحفيين، بسبب الاحتجاجات السلمية إلى حد كبير. ومن بين المعتقلين العشرات من المتظاهرين والنشطاء والمدونين في منطقة الريف، شمالي المغرب، والذين احتجوا مطالبين بإنهاء تهميش مجتمعاتهم، والدعوة إلى تحسين الخدمات في المنطقة.
ويأمل المغاربة إلى إعمال كافة سبل المراجعة القانونية والقضائية الممكنة بالنسبة لهذه الأحكام بِمَا يمكن أن يؤدّي إلى انفراج الوضع ونيل المعتقلين حريتهم والمحتجين حقوقهم التي يطالبون بها منذ فترة طويلة.