يعتقد معظم علماء الأنثروبولوجيا أن العائلات قبل حوالي 4 آلاف سنة كانت تتكون من مجموعات غير منظمة، مع وجود عدة ذكور يتشاركون أنثى واحدة أو عدة نساء، لكن مع اختلاف الوضع الاقتصادي والاعتماد على الثورة الزراعية أصبحت المجتمعات أكثر حاجة إلى الاستقرار.
تقول بعض المصادر التاريخية أن أول سجل رسمي لعقد زواج بين رجل وامرأة وجد عام 2350 قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين إلى أن تطورت مؤسسة الزواج عبر السنين واحتضنت الرومان واليونانيين والفراعنة، مع وجود بعض الاختلافات الجوهرية والشكلية في الإجراءات والاحتفالات.
مع العلم أن الزواج في ذاك الوقت لم يكن له علاقة بالدوافع العاطفية -باستثناء العصر الفيكتوري الذي اعتبره شرطًا أساسيًا لزواج- أو الدينية كما هو شائع الآن، وإنما كان يتم بغرض الاستقرار الاقتصادي والحفاظ على الملكية أو لأهداف اجتماعية، وفي حالات أخرى لأهداف سياسية دبلوماسية، وذلك بعد أن كانت الرغبة الجنسية الدافع الأقوى.
لمحة سريعة عن تاريخ رموز وعادات الزواج
لعل خاتم الخطوبة هو أقدم رموز الزواج في التاريخ والذي يمثل الاتحاد الأبدي، إذ يعود تاريخه إلى روما القديمة التي روجت للاعتقاد السائد بأن الوريد في إصبع البنصر في اليد اليسرى يتصل مباشرة بالقلب، ويتبع هذه الرمز تقليد آخر وهو “شهر العسل” الذي جاءت تسميته من إكثار المتزوجين في ذاك الوقت من شرب شراب مصنوع من العسل لزيادة معدل الخصوبة لديهم.
أما كعكة الزفاف فيعتقد بأنها جاءت من القرن الثامن عشر في أوروبا، حيث كان يكسر البسكويت أو أرغفة الخبز فوق رأس العروس وهي خارجة من قاعة الكنيسة ليبدأ الضيوف بالتقاط القطع ليضعوها في النهاية تحت وسائدهم اعتقادًا منهم أن هذا التقليد قد يساعد في زواجهم أو زواج أبنائهم أيضًا.
كانت هناك ثقافات تطالب الرجل بالزواج من داخل عشيرته أو قبليته أو محيطه الاجتماعي، ودول أخرى تطالبه بالزواج من خارج هذه المجموعات الاجتماعية
اختلف الزواج بين الحضارات، فكانت هناك ثقافات تطالب الرجل بالزواج من داخل عشيرته أو قبليته أو محيطه الاجتماعي، ودول أخرى تطالبه بالزواج من خارج هذه المجموعات الاجتماعية، وفي حضارات أخرى سمح بتعدد الزوجات وحضارات أخرى حظر وحكم على فاعله بالزنا.
أما الطلاق، فلقد سمح به في الحضارة الإغريقية بعد تقديم طلب إلى القاضي ويحدد القرار بناءً على الأسباب المقدمة، وفي المقابل كان هذا الإجراء نادرًا في الثقافة الرومانية ومرفوض في المجتمع.
الزواج في حضارة بلاد الرافدين
تعاملت هذه الحضارة العريقة مع الزواج على أنه الضمان الوحيد لاستمرار سلالة الأسرة ونسلها، وعادةً ما كانت الزيجات مدبرة بشكل تقليدي، فلم يكن لقاء الزوجين أو تعارفهما شائع اجتماعيًا، أما المثير للدهشة هو وجود مزادات لعرض النساء للزواج، بحيث تقدم النساء على مجموعة من الرجال والذي يدفع أكثر يحصل على المرأة المعروضة إن صح التعبير؛ ما يدلل على وجود طابع تجاري وجنسي على الزواج في هذه الحقبة.
يصف هذه الواقعة المؤرخ الإغريقي هيرودوت حيث كتب: “مرة كل عام تتجمع الشابات المؤهلات للزواج في القرية بمكانٍ واحد، بينما يقف الرجال من حولهم في دائرة وتستدعى كل واحدة وتعرض للبيع. تباع أجملهن إلى أغنى رجال بابل، وتقدم النساء القبيحات إلى عامة الناس غير المهتمين بالجمال”.
بالرغم من كون الزواج بالأساس صفقة تجارية أو ترتيب اجتماعي على حساب السعادة الشخصية بهدف الاستمرارية والاستقرار إلا أن بعض الأدلة تشير إلى وجود عنصر عاطفي في بعض هذه الزيجات
بعد العرض والطلب، يعقد عقدًا قانونيًا بين والد الفتاة والرجل المختار ويدفع العريس مبلغًا من المال مقابل العروس، وبالرغم من كون الزواج في الأساس صفقة تجارية أو ترتيب اجتماعي على حساب السعادة الشخصية بهدف الاستمرارية والاستقرار إلا أن بعض الأدلة تشير إلى وجود عنصر عاطفي في بعض هذه الزيجات.
عند إتمام هذه الإجراءات تقام وليمة لانتقال العروس إلى منزل زوجها، وعليها أن تكون عذراء وقادرة على الإنجاب، وفي حال غياب إحدى هذه الشروط يمكن للرجل أن يبطل الزواج ويعيدها إلى عائلتها، وبالمقابل تعيد عائلتها المهر كما يسمى حاليًا إلى الزوج، أما إذا أبطل الزوج الزواج دون سبب وجيه فيقدم لعائلة العروس مهرًا مضاعفًا.
وفيما يخص تعدد الزوجات، كان يسمح للرجل وفقًا لمكانته ومستواه الاجتماعية بالحصول على عشيقة أو زوجة ثانية بعد استشارة الزوجة الأولى، خاصة لو لم تكن الأولى قادرة على الإنجاب أو مريضة، وفي حالات أخرى تصل الأمور إلى حد الانفصال بسبب إهمال الزوجة شؤون المنزل أو الخيانة.
من الناحية القانونية كان يسمح للزوجات بتطليق أزواجهن بشرط تقديم إثبات قاطع بعدم احترام الزوج للحياة الزوجية وشروط العقد ما بينهما
في أحيانٍ أخرى، كانت تنتهي بعض العلاقات بالطلاق الذي لم يكن شائعًا، إذ كان معظم الناس يتزوجون مدى الحياة حتى لو لم يكن زواجهم سعيدًا، وفي أدلة أخرى نقشت على الحجارة، يذكر التاريخ عددًا كبيرًا من النساء اللواتي هربن من أزواجهن بحثًا عن شريك آخر، وفي الغالب كانت تتم معاقبتهن رميًا بالنهر. من الناحية القانونية كان يسمح للزوجات بتطليق أزواجهن بشرط تقديم إثبات قاطع بعدم احترام الزوج للحياة الزوجية وشروط العقد ما بينهما.
الزواج في الحضارة المصرية القديمة
أخذ الزواج شكلًا من أشكال الاستقرار الطائفي والسياسي، إلا أن هناك أدلة كثيرة تشير إلى أهمية الجانب العاطفي في العلاقات، حيث كان ينظر إلى الزوجة أو الزوج على أنه صديق وشريك متساوٍ في العلاقة، فلم يتم معاملة النساء على أنهن تابعات أو في مرتبة أدنى من الرجال، وهذا ما أكدته عالمة المصريات إيريكا فوخت قائلةً: “نقشت صورة الزوجة على قبر زوجها، كنوع من إظهار المساواة بينهما والتأكيد على دورها في مشاركة الزوج في حياته وآخرته أيضًا. كما لم يتم إخفاء جسد المرأة في ذاك التاريخ بل كان يتم إبراز سحرها في اللوحات الجدارية والنقوش”، كما اشتهرت هذه النقوش التاريخية بصور الأزواج والزوجات وهم يأكلون ويرقصون ويعملون معًا كنوع من تخفيف آلام الفقدان وتصوير ما يتخيله الأزواج عن حياتهما الأخرى.
اشتهرت النقوش التاريخية على مقابر الأزواج كنوع من تخفيف آلام الفقدان وتصوير ما يتخيله الزوجين عن حياتهما الأخرى كما يعتقدون
هذا وكان ينظر إلى الزواج على أنه عقد يثبت إخلاص المرأة للرجل، إذ كان المصريون القدماء لديهم موقف مريح تجاه الجنس خارج إطار الزواج ولم يركزوا على عذرية المرأة، لكن هذا الموقف يتغير إلى النقيض إذا قامت المرأة بخيانة زوجها، حيث كان يحكم عليها بالطلاق أو الضرب أو الموت على اعتبار أنها “دنست” هذا الارتباط المقدس.
ومن جانب آخر، كان المجتمع المصري القديم يقدس الزواج غير المتعدد والقائم على زوجة واحدة اتباعًا لقصص آلهتهم التي عادةً ما كانت ترتبط بشريك واحد، وأصبحت مثالًا للعلاقة المبنية على مبدأ الإخلاص، لكن كان يسمح للملوك بالحصول على أكبر عدد من الزوجات، وكان يسمح للأخ بالزواج من أخته بهدف السيطرة على الحكم والحفاظ على نفوذهم لأطول فترة ممكنة.
وكبقية الحضارات، كان العريس ووالد العروس بصياغة تسوية الزواج وتوقيعها من قبل شهود، ويقدم مهر للعروس وفي حالة الطلاق ينتمي الأطفال إلى الأم، فلم تكن هذه الحقوق أمرًا مشتركًا بين الحضارات الأخرى، وهي ما حققته المرأة أيضًا في إجراءات الطلاق التي كانت تجري بسهولة، بحيث تقسم الممتلكات المادية وفقًا لاتفاق ما قبل الزواج وفي بعض الأحيان كان يترك للزوج خيارًا بإرسال راتب شهري لطليقته حتى لو لم يكن بينهم أطفال”.
في يومنا الحاضر، لا تزال بعض المجتمعات تحافظ على هذه العادات القديمة بالرغم من تناقضها مع التطورات الحديثة ونظرة الأجيال المختلفة لمؤسسة الزواج ومفهوم العائلة بشكل عام، وخاصة مع لعب العامل الديني دورًا أساسيًا في إتمام أو إبطال هذه الخطوة وما يتبعها من حقوق ومسؤوليات تجاه الشريك والأطفال.