قبل أيام قليلة دخل عدد كبير من المتقاعدين في تونس اعتصامًا مفتوحًا بالعاصمة ضمن سلسلة تحركات احتجاجية في عدد من مناطق البلاد بدعوة من اتحاد المتقاعدين، تحركات احتجاجية الهدف منها الضغط على الحكومة للتراجع عن بعض قراراتها وتنفيذ مطالبهم العالقة منذ فترة طويلة، فهل تنكّرت تونس لأبنائها الذين خدموا البلاد لسنوات؟
الحكومة تستجيب لتوصيات صندوق النقد الدولي
احتجاجات المتقاعدين جاءت عقب مصادقة مجلس الوزراء التونسي على قانون خاص بمراجعة النظام القانوني للتقاعد، اعتبره عدد كبير من المتقاعدين مجحفًا في حقهم، ويضر فئة كبيرة منهم ولا يستجيب لمختلف مطالبهم.
وفي وقت سابق أعلن الوزير المتحدث باسم الحكومة إياد الدهماني مصادقة مجلس الوزراء على قرار مراجعة النظام القانوني للتقاعد والتوجهات المتعلقة بإصلاح بعض مقاييس نظام الجرايات في القطاعين العمومي والخاص، منها رفع سن التقاعد وتمويل نظام التقاعد.
يطالب المحتجون بصرف زيادات متأخرة منذ عامين ومنح تخص بعض القطاعات
يندرج هذا القانون ضمن حزمة إجراءات تعهدت بها تونس للدائنين الدوليين مقابل الحصول على قروض لتمويل الموازنة ومشاريع واستثمارات، وتحتاج تونس إلى اقتراض 3 مليارات دولار من ضمنها أقساط القرض الذي وافق عليه صندوق النقاد الدولي لتمويل موازنتها.
واحتوى القانون أيضًا على العديد من الإجراءات المصاحبة والمتمثلة أساسًا في تعزيز استخلاص ديون صندوقي الضمان الاجتماعي وتدعيم إجراءات وهياكل المراقبة وتحسين وتوزيع التغطية الاجتماعية وتعزيز آليات الحوكمة على مستوى إدارة أنظمة الضمان الاجتماعي بالصناديق الاجتماعية، وينتظر أن يُمرر هذا القانون إلى البرلمان للمصادقة عليه.
ويبلغ عدد المتقاعدين في تونس أكثر من مليون متقاعد وفقًا لإحصاءات رسمية (750 ألف قطاع خاص و300 ألف قطاع عام)، وسط توقعات بزيادة نحو 50 ألف متقاعد هذا العام بفعل خطة تقليص الموظفين في القطاع الحكومي التي انطلقت في الدولة منذ شهر مارس/آذار الماضي.
وتبنت الحكومة التونسية برئاسة يوسف الشاهد خطة لرفع سن التقاعد إجباريًا إلى 62 عامًا واختياريًا إلى 65 عامًا، في إطار برنامج لترميم العجز المالي المتفاقم لصناديق المعاشات الذي يتوقع أن يصل خلال السنوات الـ3 المقبلة إلى 50% حسب تقارير حكومية.
فضلًا عن رفض قرارات الحكومة الأخيرة، يطالب المحتجون بصرف زيادات متأخرة منذ عامين ومنح تخص بعض القطاعات، كما يطالبون بتفعيل مبدأ الزيادة الآلية في الجرايات (المرتبات) بالتوازي مع ارتفاع كلفة المعيشة، كما ينص القانون المتعلق بنظام المستحقات المدنية والعسكرية للتقاعد وللباقين على قيد الحياة في القطاع العمومي، والرفع في الأجر الأدنى المضمون.
وضعية صعبة
يشكو المتقاعدون في تونس من عدم الانتظام في مواعيد صرف مرتباتهم من الصناديق الاجتماعية في وقت تواجه فيه الحكومة مصاعب اقتصادية، كما تخضع مستحقات هذه الفئة الاجتماعية منذ أشهر إلى خصم متواصل.
التأخر في صرف المرتبات والخصم المتواصل الذي تشهده هذه الجرايات عقّد من وضعية المتقاعدين في تونس، حيث يعيشون في وضعية سيئة منذ فترة طويلة خاصة في ظل تصاعد الأزمة المعيشية، ويحتاج 41% من المتقاعدين التونسيين إلى المساعدات العائلية لتأمين نفقاتهم المعيشية، وفق ما كشف عنه لطفي الحريزي المسؤول عن مركز الإحصائيات الديموغرافية بمعهد الإحصاء الحكومي في الـ18 من يونيو/حزيران الحاليّ.
اعتمدت تونس منذ سنة 1995 بعض الإجراءات للحد من هذه الأزمة، إلا أنها لم تحقق المطلوب
المسؤول بمركز الإحصاء قال في تصريحات إعلامية إن ضعف جرايات المعاش تدفع المتقاعدين إلى طلب مساعدات عائلية من أبنائهم أو ذويهم، وعرفت معاشات المتقاعدين منذ بداية العام الحاليّ تقلصًا بسبب الضرائب الجديدة التي أقرها قانون المالية.
ويواجه المتقاعدون في تونس إسوة بباقي فئات المجتمع ضغوطًا معيشية كبيرة بسبب موجات الزيادة المتلاحقة في الأسعار وارتفاع نسب التضخم، ما تسبب في تدهور مستوى المعيشة لنسبة كبيرة منهم وانضمامهم إلى طبقة الفقراء.
أزمة الصناديق الاجتماعية
أزمة المتقاعدين ترجعها الحكومة في جزء كبير منها إلى أزمة الصناديق الاجتماعية في البلاد، وتعد أزمة الصناديق الاجتماعية من الملفات القديمة التي عجزت الحكومات المتعاقبة عن حلها، وسبق أن نبهت مختلف الحكومات التونسية إلى خطورة الوضع المالي لهذه الصناديق إلا أنه لم يتم تدارك الأمر إلى الآن.
وبلغت قيمة عجز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (صندوق موظفي القطاع الخاص والحرفيين والتجار) 310 ملايين دينار، في حين بلغ عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (الصندوق المخصص لأعوان الدولة والموظفين الحكوميين) نحو 426 مليون دينار سنة 2015 (213 مليون دولار).
واعتمدت تونس منذ سنة 1995 بعض الإجراءات للحد من هذه الأزمة، كرفع نسب المساهمات وإعادة النظر في شروط التقاعد المبكر وإتاحة رفع سن التقاعد لأسباب شخصية من 50 إلى 55 بعد قضاء 30 سنة عمل، إلا أنها إجراءات محدودة لم تؤد إلى حل جذري يضمن استمرار عمل نظم الضمان الاجتماعي.
بلغ عجز الصناديق الاجتماعية قرابة 800 مليون دينار
ترجع أزمة الصناديق الاجتماعية وفقًا لعدد من الخبراء إلى تراجع نسب التغطية الاجتماعية، بسبب قلة فرص الشغل المحدثة في القطاعين الخاص والحكومي، زيادة على تأخر سن الإدماج المهني واعتماد الحكومة على آليات التشغيل الهشة التي تكون فيها نسبة التغطية ضعيفة أو منعدمة أساسًا، مثل آلية عقد الكرامة وعمال الحضائر، فضلًا عن تحسن معدل الحياة وشيخوخة السكان.
وسبق أن اقترح مكتب العمل الدولي الزيادة في نسبة المساهمات المالية للأجراء والمؤجرين في القطاعين الخاص والحكومي على مرحلتين لتجاوز العجز المُتفاقم في الصناديق الاجتماعية التونسية، إلى جانب رفع سن التقاعد على مرحلتين تصل فيها سن الإحالة على المعاش في مرحلة أولى إلى 62 سنة ثم إلى 65 سنة.