بعد ساعات من التحقيق، أكدت شرطة الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي “الشاباك” أن الانفجار الأخير في تل أبيب كان محاولة لتنفيذ عملية. وأشارت أجهزة الأمن الإسرائيلية إلى أنه يرجّح أن فلسطينيًا جاء من الضفة الغربية يحمل عبوة ناسفة في حقيبة على ظهره قبل أن تنفجر فيه، ما أدى إلى إصابة إسرائيلي بجروح متوسطة، معتبرةً “ما حدث أمس في تل أبيب صعب وخطير”.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، نقلًا عن مسؤول في شرطة الاحتلال، قوله: “كانت معجزة أن الانفجار لم يقع في الكنيس الموجود قرب المكان أو في المركز التجاري المحاذي. كان يمكن أن يخلف الانفجار عشرات القتلى”.
لم يلبث الإعلان الإسرائيلي بشأن حسم طبيعة الانفجار ودوافعه، حتى أعلنت كتائب القسام، بالاشتراك مع سرايا القدس، تنفيذ العملية الاستشهادية في تل أبيب، مؤكدة أن العمليات الاستشهادية في الداخل المحتل ستعود ما دامت مجازر الاحتلال وسياسة الاغتيالات متواصلة.
ورغم أن الكثير من تفاصيل الحدث لا تزال غامضة، بما يشمل حتى هوية منفّذ العملية، حيث أعلن قائد شرطة الاحتلال أنهم لم ينجحوا في الوصول إلى أية إشارة حولها، لعدم وجود أي إشارة في قواعد بيانات أجهزة الأمن الإسرائيلية، بما يعني أن لا سجلّات سابقة له يمكن الاستدلال عبرها على هويته أو طريقة تمكنه من الوصول إلى قلب تل أبيب.
وإلى جانب ما اتضح من تفاصيل حول كونها عملية فدائية ومنظَّمة، والعبوة الناسفة “الكبيرة” التي كان يحملها الاستشهادي قد صُنعت في الضفة المحتلة وهُرّبت إلى الأراضي المحتلة، فإنه بات من المحسوم أن العملية الحالية بداية لنمط فعل مقاوم جديد ومؤثر في العمق الإسرائيلي، ستكون آثاره كبيرة في توقيت يعدّ الأكثر حساسية.
محطات مفصلية
على مدار تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني، كانت العمليات الاستشهادية أداة هامة في قلب المعادلات، خصوصًا في المحطات المفصلية، إذ شكّلت العمليات التي هندسها الشهيد يحيى عياش الضربة الأكبر لما كان يفترض أن يخلقه اتفاق أوسلو من تدجين وقبول بالحكم الذاتي للسلطة، بوصفه أقصى طموح للفلسطيني.
ما قدمته المقاومة، وفي أقسى وأصعب بيئة أمنية وعملياتية في سنوات ازدهار السلطة الفلسطينية منذ العام 1993 حتى العام 2000، كان المدخل الأساسي لضرب فكرة انخراط جزء فلسطيني في منظومة التنسيق الأمني وإجهاض أي فعل مقاوم، وإعادة إحياء مفاهيم القتال والمواجهة وزخمها الذي تجلّى بوضوح في انتفاضة الأقصى، التي شكّلت العمليات الاستشهادية في قلب الأراضي المحتلة عماد الشكل الكفاحي فيها، والتي شكّلت عامل ضغط غير مسبوق على جبهة الاحتلال الداخلية على المستويات السياسية في “إسرائيل”.
كان للعمليات الاستشهادية الدور الأكبر في قلب المعادلات، وإخراج “انتفاضة الأقصى” من كونها انتفاضة تحت السيطرة تهدف إلى تحسين شروط التفاوض التي لم تلبِّ طموحات السلطة في كامب ديفيد، إلى فعل انتفاضي شامل قلبَ كل المعادلات وغيّر العديد من الموازين، وحتى الأجندة السياسية للعديد من قادة الاحتلال.
أسّست “انتفاضة الأقصى” وزخمها الكفاحي لمرحلة الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية، في خطوة ارتبطت ارتباطًا أساسيًا برفع كلفة وجود المستوطنات في القطاع وشمالي الضفة، بسبب “الثمن الدموي” الكبير لهذا التواجد جرّاء الاستنزاف المستمر الذي تشكّله عمليات المقاومة.
ورغم أن نمط العمليات الاستشهادية قد توقف مع توقُّف “انتفاضة الأقصى”، فإن التلويح بهذا الخيار وتقديم نماذج عملية له شكّل عاملًا هامًا من عوامل إرباك المعادلات الإسرائيلية في عدة نماذج، كان أبرزها نجاح مجموعة الشهيد محمد عاصي من بيت لقيا، في تفجير حافلة إسرائيلية في تل أبيب أسفرت عن إصابة 20 مستوطنًا عام 2012 بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما كان عاملًا هامًا من عوامل إيقاف العدوان وتعقيد الحسابات الأمنية الإسرائيلية مع وصول التهديد إلى عمق تل أبيب.
الانتقال من الجهد الدفاعي إلى الجهد الهجومي
شهد العمل المقاوم في الضفة الغربية قفزات نوعية في السنوات الأخيرة، تنامت بدرجة كبيرة مع تشكُّل عدد من الكتائب ومجموعات المقاومة، كان أبرزها “كتيبة جنين” التي تشكّلت عام 2021 و”عرين الأسود” التي تشكلت عام 2022، ما رفع حالة الاشتباك المسلح إلى مستويات جديدة، خصوصًا في مخيمات شمالي الضفة الغربية.
نجحت هذه المجموعات في كسر حاجر التسلح والعمل المقاوم “شبه العلني”، ما ساهم إسهامًا كبيرًا جدًا في رفع وتيرة الاشتباك وعودة زخم المواجهة، خصوصًا في التصدي لاقتحامات الاحتلال، فيما حاولت المجموعات تشكيل بيئة حاضنة للمقاومة آمنة نسبيًا، تسهم في خلق بيئة صلبة ومنظِّمة للمقاومة تشكّل نقطة انطلاق لتوسيع التأثير والفعل المقاوم.
صحيح أنه لم تنجح جميع النماذج في التغلُّب على صعوبات العمل، ومواجهة حجم هيمنة السلطة وأجهزتها الأمنية التي نشطت نشاطًا كبيرًا في محاولة إجهاضها، ما أدّى إلى تفكيك مجموعات “عرين الأسود” بعد مجموعة من الضربات الأمنية التي طالت قادتها، فيما عزّزت هذه الضربات من بنية “كتيبة جنين” وعززت من قدرتها على الصمود، ما أدى الى النجاح في توسيع رقعة التأثير ليشمل تشكيلات جديدة في طولكرم وقلقيلية وطوباس في شمالي الضفة، إضافة إلى مخيم بلاطة وبعض المجموعات في مدينة نابلس.
انصبّت السنوات الأولى من عمر تشكيلات المقاومة في شمالي الضفة على الانخراط في الجهد الدفاعي، وتحويل كل عملية اقتحام للمدن والمخيمات الفلسطينية التي تنشط فيها هذه المجموعات إلى عملية اشتباك ومواجهة، ترفع من كلفة هذا الاقتحام وتحوّله إلى عامل استنزاف يحتاج من جيش الاحتلال أن يحشد قواته بدرجة أكبر، وأن يضع نصب عينيه احتمالية وقوع خسائر في الجنود والآليات، خصوصًا مع تطور معادلات العبوات الناسفة والتصنيع لدى هذه المجموعات.
تدريجيًا، نجحت عملية الانخراط الواسع في العمل المسلح في أماكن نشاط هذه المجموعات في توفير الغطاء اللازم لتنظيم بنية تحتية صلبة لقوى المقاومة، تستطيع الاستثمار في عملية التشتيت الأمني الكبير الذي تخلقه البيئة المحيطة بنشاط هذه المجموعات، ما يسمح بوجود أنوية قوية ومؤثرة قادرة على تنفيذ عمليات ذات طبيعة هجومية، نجحت خلالها المقاومة في نصب مجموعة من الكمائن واستهداف سيارات المستوطنين في شمالي الضفة.
كان أهم نماذج هذا الانتقال وعملية التطور الطبيعي لبنية المقاومة في شمالي الضفة، التي رافقها أيضًا تطور في قدرات التصنيع التي أنتجت عبوات ناسفة ذات قدرة تدميرية مؤثِّرة، نجاح كتيبتَي جنين وطولكرم في تفجير ناقلة الجند الإسرائيلية “النمر” ضمن عمليات التصدي للاقتحامات وإيقاع طواقمها بين قتيل وجريح، والتي تطورت تدريجيًّا لتصل إلى عمليات استدراج لآليات جيش الاحتلال إلى كمين مزدوج في سهل مرج ابن عامر في يونيو/ حزيران الماضي، كانت النماذج الأولية حول قدرة المقاومة على تطوير فعلها بما يؤهّلها لتنفيذ عمليات هجومية ذات تأثير أكبر وأوسع.
وقد اُغتيل قائد كتائب القسام في محافظة جنين رأفت دواسي، والقائد القسامي أحمد أبو عرة، مساء 17 آب/ أغسطس 2024 في قصف إسرائيلي استهدف مركبتهما في مدينة جنين، وكشفت القسام أنهما “كانا المسؤولين عن التخطيط والتنفيذ لعدة عمليات نوعية”، من أبرزها تفجير ناقلة “النمر” في يونيو/ حزيران الماضي، إضافة إلى الكمين الثلاثي المركب قرب قرية المطلة في يوليو/ تموز الماضي، وعملية الأغوار في أغسطس/ آب الجاري.
مؤشرات هامة حملتها العملية
جاءت العملية الاستشهادية في تل أبيب في وقت يمارس فيه الاحتلال سياسة الضغط الأقصى على مجموعات المقاومة الناشطة في شمالي الضفة الغربية، وفي ظل إطباق استخباراتي كبير جدًا لم تتوانَ فيه “إسرائيل” عن استخدام شتى أنواع الأسلحة لاغتيال المقاومين، كان أبرزها الاستخدام المكثف للوسائط الجوية والطيران المسيَّر في الاغتيالات.
نفّذت العملية في وقت كان قد شنَّ الاحتلال فيه حملات اعتقال موسعة تعدّ من الأكبر في تاريخ الشعب الفلسطيني، استهدفت كل ناشطي الفصائل، ولم تقتصر على من لديهم خلفية عمل كفاحي فقط، بل شملت الناشطين في العمل الجماهيري والنقابي والطلابي.
كان تنفيذ العملية في الوقت الذي لم ترصد فيه أجهزة الأمن الإسرائيلية إشارات ساخنة حول نية تنفيذ عمليات استشهادية في الداخل المحتل، ولم تكن ثمة إشارات حول إمكانية اللجوء لتنفيذ عمليات استشهادية منظَّمة.
العملية مشتركة بين كتائب القسام وسرايا القدس، وتمّ تبنّيها مركزيًا، وجاء ذلك بعد تهديد سابق للناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، حول كون التحرك القادم للضفة والقدس “بشكل لن يتوقعه الاحتلال”، وبالتالي هي جزء من عمل منظم يعدُّ له منذ مدة زمنية.
يعكس الإعلان المشترك حجم التنسيق بين كل من “سرايا القدس” و”كتائب القسام”، والاستثمار الأمثل لما يتوفر لكلا الجهازَين من موارد وبنى تحتية، بما يخدم تشكيل معادلات اشتباك جديدة ومؤثرة في ظل استمرار وتوسع المجازر.
شمل بيان التبني إشارة واضحة حول كون العملية تدشين لـ”عودة” تكتيك العمليات الاستشهادية في مواجهة تصعيد الاحتلال واستمرار المجازر، واستئناف سياسة الاغتيالات لقادة المقاومة داخل الأراضي المحتلة وخارجها.
تأثيرات متعددة
تهدف المقاومة من إعلان عودة خيار العمليات الاستشهادية في الداخل المحتل طالما استمرت المجازر وعمليات الاغتيال، إلى خلق معادلات جديدة تحمل في طياتها التأثير على عدة مفاعيل في المشهد الإسرائيلي، وإرباك العديد من المعادلات:
- خلق قواعد اشتباك جديدة: تعي المقاومة أن توسيع الاحتلال عمليات الاغتيال داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها لقيادة المقاومة يحتاج إلى معادلة جديدة تواجه هذه السياسة الإجرامية، وبناءً عليه فإن تدشين نمط العمليات الاستشهادية في الأراضي المحتلة سيشكل استدعاءً للخيار الذي استنزف لسنوات كثيرة، وأوقف وفق توافق ضمني بأن يتوقف الاحتلال عن سياسة الاغتيالات مقابل إيقاف عمليات الاغتيال، وبالتالي إن العودة إلى الاغتيالات ستعني العودة إلى هذا النمط من العمليات.
- زيادة المأزق الأمني للائتلاف الحكومي الإسرائيلي: تضع عودة العمليات الاستشهادية الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، الذي وعد بجلب الأمن للإسرائيليين، أمام فشل جديد، إذ إن سياساتها جلبت الفشل الأمني تلو الفشل، فبعد الفشل الكبير في السابع من أكتوبر هي الآن أمام فشل كبير يتمثل بنجاح المقاومة في إعادة تفعيل خيارات العمليات الاستشهادية، انطلاقًا من بنى تحتية قوية وصلبة وقادرة على توجيه العمليات، ما يعني فشلًا ذريعًا لكل السياسات الأمنية، خصوصًا تلك التي يشرف عليها وزير الأمن القومي الأكثر تطرفًا إيتمار بن غفير، الذي ينشغل في التصعيد بحقّ الأسرى الفلسطينيين والانتهاكات والتهويد للمسجد الأقصى، في الوقت الذي تفشل كل سياسته الأمنية في منع العمليات الفدائية.
- إعادة الضغط إلى قلب الجبهة الداخلية للاحتلال: تدريجيًا، وبسبب تقنين المقاومة لاستخدام الصواريخ بعيدة المدى التي تستهدف العمق الإسرائيلي، عادت مظاهر الحياة الطبيعية إلى المدن المركزية للاحتلال، وبالتالي تخفيض الضغط على الجبهة الداخلية، ما يحول استمرار الحرب إلى حدث طبيعي، وهو ما يعني الحاجة إلى أدوات تعيد هذه المدن إلى قلب التأثر طالما استمرت المجازر بحقّ المدنيين في قطاع غزة واستمرت حرب الإبادة.
- تشتيت الجهد الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي: في الوقت الذي تنشغل فيه أجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية، خصوصًا منظومات الإنذار المبكر، في تقدير شكل الردود المتوقعة لـ”حزب الله” اللبناني وإيران، والتي لا تستبعد اللجوء إلى خيار الردّ بعملية “أمنية” داخل الأراضي المحتلة، تبرز العلميات الاستشهادية من الضفة المحتلة بوصفها عامل تشتيت كبير للجهود الاستخباراتية، التي ستضطر إلى تغيير أولوياتها وإعادة توزيع جهودها بما يتناسب مع الضرورات الأمنية الأكثر إلحاحًا.
- جبهة استنزاف جديدة لجيش الاحتلال: في الوقت الذي يعاني جيش الاحتلال من عملية استنزاف كبيرة ناتجة عن الانخراط في القتال منذ نحو 11 شهرًا في قطاع غزة، وحالة التأهُّب التي لم تتوقف منذ السابع من أكتوبر على الحدود الشمالية والجنوبية للكيان، تبرز الحاجة الآن إلى الدفع بالمزيد من ألوية جيش الاحتلال إلى الضفة الغربية، لتلبية الحاجة العملياتية لمواجهة البنية التحتية الناشئة التي لم تفلح كل الحملات السابقة في القضاء عليها.
الانعكاس على مجريات الحرب في قطاع غزة
كيف يمكن أن تشكل العملية الاستشهادية في تل أبيب، وإعلان عودة العمليات الاستشهادية، عاملًا مؤثرًا على مجريات الحرب في قطاع غزة؟ يرتبط هذا بدرجة أساسية بقدرة المقاومة على النجاح في تنفيذ عدد من تلك العمليات في العمق الإسرائيلي، ما يدفع في اتجاه إرباك كل المعادلات الداخلية وإعادة ترتيب الأولويات.
إذ إن إضافة متغير جديد بحجم عودة زخم العلميات الاستشهادية، سيعني خلق العديد من المعادلات، بما فيها المخاطرة بأن تنفجر ساحة الضفة الغربية بما لا يمكن السيطرة عليه، وهو يعني انضمام جبهة الضفة بوصفها جبهة قتال ومواجهة رئيسية، في ضوء انخراط الاحتلال في القتال على جبهة قطاع غزة، وجنوبي لبنان، ومواجهة الضربات من اليمن والعراق، وما يمكن أن ينشأ عن ضربات مباشرة من إيران، الأمر الذي يعني زيادة الاستنزاف بدرجة كبيرة، مع تميُّز نوعي لصالح الضفة الغربية ،وكونها على تماسّ مباشر مع عمق الأراضي المحتلة، وبالتالي إن عامل الاستنزاف الذي تضيفه أعلى وأكبر وأقدر تأثيرًا.
وفقًا لصحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، تعني عودة الهجمات من الضفة ووصولها إلى قلب تل أبيب تقليص قوات جيش الاحتلال في قطاع غزة وعلى كل الجبهات، لأن الضفة تعدّ أخطر جبهة ممكنة، وتقول الصحيفة إن “كل المؤشرات تشير إلى أننا سنجد أنفسنا قريبًا على جبهة معركة كاملة أخرى من كل الجبهات”، ما يعني أن استمرار الحرب في قطاع غزة سيرفع من وتيرة التحديات الأمنية التي تحيط بالاحتلال من كل مكان، بما فيها المخاطرة بأن تنفجر جبهة حاول الاحتلال تدجينها لسنوات عبر إجراءات متعددة شملت الاحتواء والقمع وكيّ الوعي، وهو ما بات مهددًا ولا يمكن توقع حجم تأثيره وانفجاره.
حيث يعي الاحتلال أن الاضطرار إلى شنّ حملات أمنية موسَّعة في الضفة الغربية، سيعني المزيد من التقويض لسطوة أجهزة السلطة الأمنية، بما يهدد قدرتها على ضبط الكثير من المدن والمخيمات ومنع تطور الفعل المقاوم فيها، أو المخاطرة بانخراط جزء من حركة “فتح” في معادلة الاشتباك، من منطلق اختراق الاحتلال لكل القواعد والخطوط الحمر، وهو السيناريو الذي لا تفضّله المؤسسة الأمنية في “إسرائيل”، التي ترى في استقرار السلطة وتدعيم وجودها عاملًا أساسيًا من عوامل أمن الكيان.
تضع كل هذه المعادلات الحسابات في أطوار جديدة تدفع إلى التفكير الجدّي في أهمية الوصول إلى وقف إطلاق نار في قطاع غزة، وتجنُّب المزيد من التدهور في الحالة الأمنية الناتجة عن التفاعل والإسناد للقطاع غزة، وتجنُّب المزيد من ردود الأفعال، وحتى سعي فصائل المقاومة إلى استخدام كل أوراقها مع جنوح الاحتلال إلى تصعيد جرائمه بكل مكان.
ويعني ذلك زيادة الضغط على نتنياهو من أجل إعادة حساباته تجاه التعنُّت في إيقاف الحرب في قطاع غزة، خصوصًا أن أسهمه الانتخابية قد بدأت في التحسن والتعافي، ما يعني أن المخاطرة بتدهور الوضع الأمني وعودة شبح العمليات الاستشهادية في عمق الأراضي المحتلة سيعود بالضرر المباشر على هذا التحسن، ويضعضع من موقفه الانتخابي ومؤشرات القبول الجماهيري له.