الحديث مؤخرا عن “عودة العلاقات” التركية-الإسرائيلية بعد التوتر الذي شهدته عقب أحداث سفينة “مافي مرمرة” في عام 2010 وجد له أصداء بين الجماهير العربية بين خيبة أمل أو رؤية لفرص محتملة. ولكن ما قد يغيب عن أذهان البعض هو حجم المحرك الإقتصادي الذي يلعب دوراً مهماً في عودة مثل هذه العلاقات. وفي هذا المقال سيتم الحديث عن مجال الطاقة بالتحديد كلاعب استراتيجي يطرح نفسه بقوة في العلاقات الدولية التي تحكمها المصالح.
في السنوات الأخيرة توجهت الأنظار إلى اكتشافات حقول الغاز الجديدة في البحر الأبيض المتوسط حيث تم العثور على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في السواحل المقابلة للكيان الصهيوني بالإضافة إلى لبنان وقبرص . من بين هذه الحقول , يمتد حقل لفيثان Leviathan الذي تم اكتشافه في عام 2010 على مدىً من قبالة سواحل حيفا حتى تل أبيب وتمتلك شركة نوبل الأمريكية للطاقة ما يقارب 40% منه . تكمن أهمية هذا الحقل في وفرة احتياطياته التي تقدر بنحو 510 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. وحتى قبل استئناف الإنتاج
–متوقع في2015 حتى 2017- كانت حكومة الكيان قد حصلت وأتمت عروض لتصدير الغاز .
وفي إطار عودة العلاقات بين الطرفين, تداولت تقارير إخبارية أنباء عن صفقة محتملة لإنشاء أنابيب نقل الغاز تحت الماء عبر البحر المتوسط من إسرائيل إلى تركيا بمسافة 450 كيلومتر. وبحسب موقع حرية الإخباري التركي فإن هناك ما يزيد عن عشر شركات طرحت عروض لمناقصات لإنشاء خط لنقل الغاز من حقل لفياثان إلى جنوب تركيا, ومن بين هذه الشركات شركتين تركيتين.
وتتراوح كمية تصدير الغاز المسال المحتملة إلى تركيا ما بين 7-10 مليار متر مكعب في السنة في إطار عقد طويل الأمد (15 سنة) كما هي عادة عقود الغاز.
لماذا هذه الصفقة؟
أولاً: تعد هذه الصفقة مهمة لتركيا التي تشهد نمواً اقتصاديا في السنوات الأخيرة مما أدى إلى زيادة استهلاك الطاقة على المستوى المحلي والصناعي.
ثانياً: تركيا فقيرة في مجال إنتاج الطاقة وبالتالي فهي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير جدا فمثلا في عام 2012 أنتجت تركيا ما يعادل 6.7% فقط من النفط الذي قامت باستهلاكه, وهذه النسبة معرضة للانخفاض بحلول عام 2030 حسب تقرير لوكالة الطاقة الدولية. أما الاعتماد الخارجي التركي
بالنسبة للغاز الطبيعي فيزيد باعتبار أن الغاز يولد ما نسبته 45% من الطاقة الكهربائية للبلاد. لذلك تعتمد تركيا على أنابيب الغاز التي تصلها من روسيا وإيران أكبر مصدرين للغاز الطبيعي بالإضافة إلى أذربيجان و دول أخرى– في عام 2011 استوردت تركيا من روسيا وحدها 58% من حاجتها للغاز ومن إيران 51% من احتياجها النفطي-.
ثالثاً: هذا الاعتماد الكبير والمركز لواردات الطاقة من بعض دول المنطقة يعرض تركيا للتأثر بالأزمات السياسية المتكررة في المنطقة. حيث تتأثر تركيا كالعديد من الدول المستوردة سلباً بالتقلبات السياسية التي تؤدي إلى تقلبات في الأسعار أو كميات التصدير ,ومن ذلك ما حدث خلال الأزمات الروسية- الأوكرانية المتكررة.
كل هذه العوامل تؤدي إلى رغبة تركيا في التنويع في مصادر استيرادها للطاقة وحاليا يبدو الخيار الإسرائيلي ممكنا في ظل عدم وضوح امكانية استخراج الغاز اللبناني بالإضافة إلى استبعاد الخيار القبرصي بسبب
العلاقات التركية-القبرصية المتوترة منذ عقود. ومع خيار خط الغاز القادم من البحر المتوسط فإن هذا قد يشكل دوراً جديداً لتركيا لنقل الغاز من مياه البحر المتوسط نحو أوروبا.
من ناحية أخرى, نظراً لعلاقة الاعتماد/الحاجة المتبادلة بين المستورد والمصدر و نظرا للصعوبات السياسية التي قد تترافق مع تصدير الغاز الاسرائيلي لكل من مصر والأردن أو السلطة الفلسطينية , فإن إسرائيل أيضا قد تثمن الخيار التركي.
وأخيراً, فإنه إذا كان استيراد الغاز من إسرائيل هو الخيار الأنسب لمصالح تركيا فإنها أيضا قد تواجه عراقيل أخرى بهذا الخصوص تتمثل في احتمالية مرور أنابيب الغاز عبر المياه الاقليمية القبرصية في وقت لازالت العلاقات التركية القبرصية متوترة.