تسعى عديد من القوى الدولية إلى بسط سيطرتها على ليبيا والتحكم في ثرواتها ومنافذ الهجرة غير الشرعية بشتى الطرق، من ذلك إقامة قواعد عسكرية دائمة لها هناك، بموافقة السلطات أو دونها، من تلك الدول إيطاليا التي تسعى جاهدة لتعزيز وجودها العسكري في ليبيا من خلال إقامة قاعدة عسكرية في الجنوب، وهو ما أكّدته مؤشرات عديدة.
قاعدة عسكرية في “غات”؟
هذا السعي الإيطالي أشار إليه اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد قوات الكرامة المدعومة من مجلس نواب طبرق (شرق)، حيث حذّر أمس الجمعة من سعي أطراف دولية لإنشاء وجود عسكري لها في بعض مناطق الجنوب الليبي، وإن لم يشر حفتر صراحة إلى إيطاليا فإنه يعنيها ضمنًا.
وقال حفتر: “في الوقت الذي تحرص فيه القيادة العامة على إنشاء علاقات دافئة وشراكات إستراتيجية متوازية مع كل الأطراف الدولية، تردنا معلومات عن رغبة بعض الأطراف الدولية بإنشاء وجود عسكري لها في الجنوب الليبي”، بحسب بيان نشره المكتب الإعلامي لقواته عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم كشف فيها وجود نية إيطالية لإقامة قاعدة عسكرية في ليبيا
تحذير حفتر، جاء بعد يومين من كشف وسائل إعلام إيطالية توجه وفد أمني وعسكري إيطالي بقيادة ماسيمو بونتيمبي مدير دائرة الهجرة الرئيسة في روما، إلى مدينة غات في أقصى الجنوب الغربي الليبي، رفقة فريق من سلاح الهندسة في الجيش الإيطالي وخبراء من عدة إدارات لإنشاء نقطة ارتكاز عسكرية ومدنية إيطالية بتمويل أوروبي لضبط حركة الهجرة، قبالة تشاد والنيجر.
وقالت جريدة “الميساجيرو” الإيطالية في عددها الصادر الأربعاء في روما إن التحرك الإيطالي يأتي يوم انعقاد القمة الأوروبية نفسه على مستوى رؤساء الدول والحكومات في العاصمة البلجيكية الذي تخيم عليها إشكالية إدارة الهجرة على الصعيد الاتحادي بشكل شبه تام.
وأشارت تقارير إعلامية، إلى إجراء رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي اتصالاً هاتفيًا مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، طلب خلاله من المستشارة الضغط على الاتحاد الأوروبي لتمويل هذه التحركات الإيطالية ومساعدتها على تجاوز أزمتها الداخلية بقبول مبدأ عقد اتفاقات ثنائية.
رفضت ليبيا احتضان مراكز استقبال لاجئين
بداية الأسبوع الحاليّ، رفضت حكومة الوفاق الوطني الليبية مقترحًا إيطاليًا لإنشاء مراكز تجميع للمهاجرين غير النظاميين جنوبي ليبيا، وأعلن أحمد معيتيق نائب رئيس حكومة الوفاق رفض حكومته “رفضًا قاطعًا” مقترحًا لوزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني لإنشاء مراكز بجنوب ليبيا لتجميع المهاجرين غير النظاميين الراغبين في الإبحار نحو أوروبا.
وأكد معيتيق أن القانون الليبي لا يسمح بإقامة معسكرات للمهاجرين في ليبيا، موضحًا أن هناك نقاطًا مشتركة مع الإستراتيجية الأوروبية لإدارة الهجرة غير النظامية، مشيرًا إلى أن النصف الأول من شهر سبتمبر/أيلول المقبل سيشهد مؤتمرًا بشأن الهجرة غير النظامية على أساس الرؤية الإيطالية والليبية.
مساع متكرّرة لتعزيز الوجود العسكري
هذه ليست المرة الأولى التي يتم كشف فيها وجود نية إيطالية لإقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، فقد سبق أن أعلنت الحكومة الإيطالية اتفاقها مع حكومة الوفاق الوطني بشأن مشروع إيطالي يموله الاتحاد الأوروبي، يتمثل في إرسال “بعثة إلى الحدود الجنوبية لليبيا تكمن أهدافها الرئيسية في بناء قاعدة لوجيستية للأنشطة التنفيذية لحرس الحدود الليبي والسماح بوجود مناسب لمنظمات الأمم المتحدة في المنطقة”.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وافق البرلمان الإيطالي على زيادة عدد القوات العسكرية الإيطالية في ليبيا، في إطار “إعادة صياغة التزامها العسكري في مناطق الأزمات الأقرب جغرافيًا إليها التي لها آثار مباشرة أكثر على المصالح الإستراتيجية للبلاد”.
تحظى إيطاليا بنفوذ كبير في الجنوب الليبي، دعّمته مؤخرًا من خلال تقديم المساعدات المالية المباشرة للقبائل
يوجد في ليبيا 400 جندي إيطالي و130 مركبة، بعد أن أرسلت روما 100 جندي ونحو 30 مركبة إضافية إلى ليبيا للمساعدة في تدريب ودعم القوات الليبية، بداية هذه السنة، وتقول الحكومة الإيطالية إن جنودها يقدمون الاستشارة والدعم للقوات الليبية ويتابعون عملها لمساعدتها في التصدي للتهريب والتهديدات الأمنية، فضلًا عن معاونة قوات الأمن الليبية على تقويم الأسطول البحري والقوات الجوية في البلاد وكذلك إعادة تأهيل البنية التحتية ذات الصلة.
إلى جانب ذلك، عادة ما يسجّل قيام السلاح الجوي الإيطالي بطلعاته الجوية في سماء ليبيا، تقول روما إنّها تهدف لمراقبة الوضع العام ورصد أي تحركات وصفتها بالمشبوهة إلى جانب دعم البعثة العسكرية التي بدأت عملها في المياه الإقليمية الليبية.
وفي الثاني من أغسطس الماضي، وافق البرلمان الإيطالي بأغلبية 328 صوتًا في مجلس النواب و191 عضوًا في مجلس الشيوخ، على خطة لإرسال قطع بحرية إلى ليبيا، لتوفير الدعم الفني لخفر السواحل الليبيين في مكافحة تهريب المهاجرين غير النظاميين باتجاه القارة الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط، وتقليل تدفقهم من الساحل الليبي إلى السواحل الإيطالية.
الاستعانة بقبائل الجنوب
تسعى إيطاليا لاستغلال علاقاتها الكبيرة مع قبائل الجنوب حتى تتمكن من تعزيز وجودها العسكري هناك والسيطرة على المنطقة، ويتميّز الجنوب الليبي بانتشار الفوضى وعدم الاستقرار، حيث يشهد فراغًا أمنيًا كبيرًا واضطرابات متكررة منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير 2011، وتسيطر عليها عصابات تهريب النفط والبشر.
وتقول إيطاليا إن الجنوب الليبي أحد أبرز البوابات الرئيسية للمهاجرين الأفارقة الذين يتخذون من دول شمال إفريقيا محطة للهروب لأوروبا، ويعبر عشرات آلاف المهاجرين غير الشرعيين سنويًا الحدود من دول جنوب الصحراء إلى ليبيا، لينطلقوا منها عبر القوارب إلى السواحل الجنوبية للقارة الأوروبية.
تنتشر الفوضى في الجنوب الليبي
تعمل إيطاليا على احتضان كبرى القبائل الليبية، حيث رعت في الـ29 من مارس/آذار 2017، اتفاق مصالحة بين ممثلين عن قبيلة أولاد سليمان والتبو، ونص الاتفاق على الصلح الشامل والدائم بين الطرفين، على أن تتولى الدولة الإيطالية دفع القيمة المالية لجبر الأضرار بين الطرفين وعلاج الحالات المستعصية، وتعهدا بإخلاء الأماكن العامة والبوابات من كل التشكيلات المسلحة وتسليمها للشرطة من جميع أطياف الجنوب.
وتحظى إيطاليا بنفوذ كبير في الجنوب الليبي، دعّمته مؤخرًا من خلال تقديم المساعدات المالية المباشرة للقبائل والاتفاقيات المبرمة مع مهربي البشر المنتشرين هناك بأعداد كبيرة ويمثلون خطرًا على السواحل الإيطالية.
هذا السعي المتكرّر لإقامة قاعدة عسكرية دائمة في ليبيا، ولئن كان الهدف منه التصدي لطرق الهجرة غير الشرعية، فإن عديد من الخبراء يربطونه برغبة إيطالية في استعادة نفوذها المفقود في ليبيا والتحكم في خيرات البلاد، ذلك أنه ترى في نفسها الأقرب لإدارة الملف الليبي بحكم قربها من السواحل الليبية وماضيها الاستعماري هناك.