بعد أن كان طوال السنوات الماضية غائبًا عن الساحة السياسية، واسمه مستبعد من القائمة التي تخوض سباق المنافسة على كرسي الرئاسة الفلسطينية، خلفًا للرئيس محمود عباس، عاد رئيس الوزراء السابق سلام فياض بقوة ليتصدر اسمه عناوين الصحافة والمواقع وحديث المواطنين.
ومنذ إعلان استقالته من رئاسة مجلس الوزراء في أبريل 2013، بعد موجة احتجاجات فلسطينية ساخنة ضده وخلافات كبيرة مع حركة فتح، فضل فياض الابتعاد عن المشهد بأكمله، لكن لقاءه السري الأخير بالرئيس عباس أرجعه بقوة للساحة وأعاد معه الكثير التكهنات والتساؤلات.
“نون بوست”، علم من مصدر رفيع المستوى في حركة فتح، أن الرئيس عباس عقد مساء الخميس الماضي (28 من يونيو) لقاءً ثنائيًا سريًا مهمًا مع سلام فياض، في مقر المقاطعة بمدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، بعيدًا عن عدسة الكاميرات ووسائل الإعلام.
فياض صاحب الـ66 عامًا، هو سياسي فلسطيني مستقل وموظف مرموق سابق في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، شغل منصب وزير المالية بين عامي 2002 و2005، وكان عضوًا في المجلس التشريعي في انتخابات عام 2006، ثم ترأس الحكومة في الضفة الغربية، بعد سيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007، لكنه استقال عام 2013 إثر خلافاته مع عباس عن سياسة الحكومة، وتسبّبت قيوده المالية بعداوات بعض المسؤولين الفلسطينيين المقربين من عباس.
لماذا فياض؟
المصدر الفتحاوي تحدث أن اللقاء بين فياض وعباس استمر لأكثر من ثلاث ساعات، دون أن يصدر أي بيان رسمي من مؤسسة الرئاسة عن اللقاء “الغامض” ونتائجه أو حتى أسبابه، خاصة بعد قطيعة كبيرة كانت بين الرجلين استمرت لسنوات طويلة.
مراقبون توقعوا أن يكون فياض رجل المرحلة المقبلة، خاصة بعد عدم اقتناع الدول العربية وكذلك الدول الأجنبية الصديقة والداعمة لفلسطين بالأسماء المطروحة لخلافة عباس على كرسي الرئاسة
لقاء “فياض وعباس” المفاجئ فتح باب التساؤلات واسعًا في الساحة الفلسطينية، وباتت توقعات وتحليلات المحللين والمراقبين تُجيب عن الأسئلة الكثيرة المطروحة ولعل أبرزها: لماذا هذا اللقاء الآن؟ وما الهدف منه؟ وهل يمهد عباس طريق الرئاسة لفياض؟
مراقبون توقعوا أن يكون فياض رجل المرحلة المقبلة، خاصة بعد عدم اقتناع الدول العربية وكذلك الدول الأجنبية الصديقة والداعمة لفلسطين بالأسماء المطروحة لخلافة عباس على كرسي الرئاسة، وأن معظمها حولها علامات استفهام ولا يحظون برضى شعبي وعربي ودولي كبير.
وأكدوا في تصريحات خاصة لـ”نون بوست”، أن الرئيس عباس أراد إعادة فياض للمشهد السياسي مجددًا، وقد يمنحه خلال الفترة المقبلة منصبًا سياسيًا كبيرًا ممكن أن يصل لرئاسة الحكومة الجديدة، وتوفير الأجواء المحلية والخارجية كافة ليكون رئيسًا للسلطة الفلسطينية بعد نزول عباس عن كرسي الرئاسة الذي يجلس عليه منذ رحيل الرئيس ياسر عرفات “أبو عمار” عام 2004.
وكشفوا أنه وفي اتصالات ولقاءات مع جهات عربية ودولية أمريكية وأوروبية تم تناول احتمال عودة فياض إلى مقدمة الساحة السياسية الفلسطينية وتحديدًا إلى رئاسة السلطة، ورجحوا أن تتعايش حركة فتح مع فياض كرئيس للسلطة إذا ما تم احترام مصالحها وكوادرها العاملة في السلطة وإذا ما رُفق الأمر بإعادة تفعيل منظمة التحرير بقيادة فتح.
فياض لم يعد شخصية فلسطينية فحسب، فبجانب خبرته الحكومية، أسس عام 2013 مؤسسة “فلسطين الغد” للتنمية والمشاريع التنموية، لكن السلطة الفلسطينية وضعت يدها في عام 2015 على أموالها، واحتجزت هذه الأموال، بزعم تعاون مؤسسة فياض مع دحلان
وأشاروا إلى أن حماس رغم خلافها الماضي مع فياض ستجد الطرق للتعايش معه سياسيًا، مضيفين “حماس سمحت مؤخرًا لفياض بزيارة القطاع ومتابعة مشاريع تقوم بها الجمعية التي يرأسها، وأنه في حال اصطفاف فلسطيني وعربي ودولي خلفه، وهو الأمر الذي لا يتمتع به حاليًّا الرئيس عباس، لن يكون أمام حماس خيار سوى التعاطي الإيجابي مع الموضوع”.
فياض لم يعد شخصية فلسطينية فحسب، فبجانب خبرته الحكومية، أسس عام 2013 مؤسسة “فلسطين الغد” للتنمية والمشاريع التنموية، لكن السلطة الفلسطينية وضعت يدها عام 2015 على أموالها، واحتجزت هذه الأموال، بزعم تعاون مؤسسة فياض مع دحلان.
يحظى فياض كذلك بقبول دولي، والتقى خلال سنواته الماضية بعشرات الزعماء والقادة، وآخر المواقع التي ترشح لها في فبراير/شباط 2017 أن يكون المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، لكن واشنطن رفضت لتوتر العلاقة مع الفلسطينيين، وفي يوليو/تموز 2017، انضم فياض إلى جامعة “برينستون” الأمريكية كمحاضر أكاديمي.
كلمة الشعب
يقول الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين: “الحالة الفلسطينية الدستورية الراهنة تفتح المجال للتأويل في الخيارات التي تتيح اختيار منصب الرئيس حال وفاته أو شغور منصبه”، موضحًا أن هناك أكثر من رأي وأكثر من فتوى وكلها تستند إلى أسس قانونية.
بالنظر إلى هذه التعقيدات في الوضع الفلسطيني حاليًا، يبقى السؤال: “كيف يمكن معرفة رغبة الفلسطينيين الحقيقية فيمن سيكون رئيسًا لهم حال أصبح منصب الرئيس شاغرًا؟
خلص استطلاع للرأي صدر نهاية شهر مارس الماضي أن 68% من الجمهور الفلسطيني يدعم استقالة عباس، و33% فقط ممَّن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم راضون عن أدائه
وفي السياق لا بد من العودة إلى أحدث استطلاعات الرأي التي تتحدث عن الخيارات التي يرغب بها الفلسطينيون حال جرت انتخابات رئاسية لم يكن محمود عباس متواجدًا فيها وشملت الضفة الغربية وقطاع غزة.
وخلص استطلاع للرأي صدر نهاية شهر مارس الماضي أن 68% من الجمهور الفلسطيني يدعم استقالة عباس و33% فقط ممَّن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم راضون عن أدائه.
في ديسمبر/كانون الأول 2017، ذكر استطلاع آخر أن 35% من المستطلعين يفضلون القيادي في حركة فتح الأسير مروان البرغوثي لتولي منصب الرئيس، يتبعه إسماعيل هنية بنسبة 22%، ثم محمد دحلان بنسبة 7% (1% في الضفة الغربية و15% في قطاع غزة)، ثم مصطفى البرغوثي (5%)، ثم رامي الحمد الله بنسبة (5%)، ثم خالد مشعل (3%)، ثم سلام فياض (2%).
وفي استطلاع آخر نشره مركز القدس للإعلام والاتصال في أبريل/نيسان 2017، أظهر أنه لو جرت انتخابات رئاسية لم يترشح فيها الرئيس عباس فإن 15.8% سينتخبون مروان البرغوثي، و14.4% سينتخبون هنية و5.5% سينتخبون دحلان.
وعُيّن عباس رئيسًا انتقاليًا في أعقاب وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004، وتمّ انتخابه في العام التالي، لِما كان من المفترض أن تكون ولاية من خمس سنوات.
وأحكم عباس سيطرة حازمة منذ ذلك الحين، رافضًا تسمية خليفة له، وحال الانشقاق السياسي مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) دون إجراء انتخابات جديدة.