كانت الحرب قاسية عام 2008 في غزة على المهندس المغرم بالهندسة المعمارية جمال العطار الذي قرر ترك غزة والهجرة إلى أوروبا لإكمال دراسة الدكتوراة، بدأ في النرويج أولى خطواته ثم انبهر بالهندسة المعمارية للمباني التاريخية هناك، ليبدأ ترحاله المعرفي.
أنشأ جمال صفحة عربية متخصصة بنشر المحتوى المرئي عبر مواقع التواصل الاجتماعي “صول وجول”، عن سياحة العمارة وربطها بالتاريخ والفن، بعد فيديو تجريبي نشره ليقترح عليه أصدقاؤه إنشاء الصفحة منتصف 2017، ومن وقتها بدأت رحلته مع “صول وجول”، حيث يقول جمال لـ”نون بوست”: “قررت وقتها تحويل تجاربي الشخصية في السفر إلى محتوى معرفي بقالب جميل وبسيط مناسب للمتصفح العربي”.
هذا الشاب الملهم – إلى جانب دراسته – بدأ يحاكي حجارة المباني ويقرأ الأرقام عليها، ويأخذ القصص الشعبية والخرافات من أهالي المنطقة التي يزورها ليقدمها للناس بشكل جديد، لإنشاء محتوى معرفي عربي على الإنترنت بعيدًا عن السطحية والضحالة.
من اللجوء إلى محاكاة الفن
من لاجئ عاش في غزة لأم مصرية تقيم في مصر ووالد توفي قبل أشهر وبيت فارغ يقع أمام مبنى كبير يقصف في كل تصعيد “مبنى المخابرات العامة في غزة”، إلى رجل ترحال في أوروبا يبحث عن طراز البناء القديم والآثار التاريخية العريقة، يقول العطار لـ”نون بوست”: “ولدت كلاجئ وقضيت جزءًا كبيرًا من حياتي في المنافي بعد خروجي من غزة، قبل أن يكون الترحال اختياري في الحياة، لا يمكن أن أتخيل رغد الحياة كشخص ولد في أسرة ووطن طبيعي”.
ويضيف العطار: “جاءت فكرة المحتوى المرئي المعرفي وليدة اللحظة خلال إحدى زياراتي لموقع أثري كبير في النرويج، استخدمت تقنية السيلفي لشرح بعض المعلومات عن المكان والتقاط بعض المقاطع الجميلة له، ووجدت تفاعلًا كبيرًا عليه ما شجعني للبدء بإنشاء قناة صول وجول على الإنترنت”.
بدأ البحث عن المباني التاريخية القديمة في أوروبا بجانب دراسته العليا في تخطيط المدن الحديثة، فمن كاتدرائية ترير في ألمانيا التي أنشئت قبل 1800 عام لتلخص شكل العمارة في أوروبا وتاريخها، إلى بيت الملك في الساحة الكبرى لبروكسل وبيت الخبازين الموجودة على قائمة التراث الإنساني لليونسكو 1998، إلى برج الساعة وجرس بيج بن في لندن أحد رموز العمارة الإنجليزية القوطية، وأحد تحف العمارة التي غيرت مجرى التاريخ نحو اختراع المدن في العالم معالم تكون رمزًا لها على شاكلته.
ماذا عن العمارة الإسلامية والعربية؟
زار العطار مدينة البتراء إحدى عجائب الدنيا السبعة في الأردن، وكون معه فريق عمل ضم مجموعة من الباحثين المتطوعين في الصفحة لنقل تجاربهم في الدول التي يعيشون فيها، ومشاركتها مع الآخرين عبر صفحة “صول وجول”.
شاركه أصدقاء من تركيا تحدثوا عن مسجد قرقاش في أنطاليا، أهم وأقدم المساجد التركية الذي أجمع أساتذة علم الترميم بأنه من أفضل الأماكن التي أعيد ترميمها بشكل متناهي الدقة دون تغيير شيء من تفاصيل المسجد، ويبحث عن أصدقاء من كل المدن العربية والإسلامية ليكونوا فاعلين بصفحته.
يسعى العطار حاليًّا للحديث عن العمارة الإسلامية وأسرار الآثار المهمشة منها وحكاياتها القديمة في الدول الإسلامية والعربية، لتوعية الشباب العربي بأهميتها لحاضرهم ومستقبلهم، فهي مربطهم بتاريخهم العريق، ويعلق قائلًا: “من لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له، وعلينا أن نعرف تاريخنا ونعيشه واقعًا ملموسًا، وسنقدم في المرحلة القادمة تاريخ العمارة العربية والإسلامية بشكل واضح للشباب”.