ترجمة وتحرير: نون بوست
أدى تصاعد وتيرة عمليات القتل والخطف في المناطق الريفية والنائية في العراق، التي يقف وراءها مقاتلو تنظيم الدولة، إلى طرح تساؤلات مقلقة حول الزمان والمكان الذي سيحاول فيهما هذا التنظيم الإرهابي الدولي العودة من جديد في العراق. ويظل السؤال مطروحا حول أفضل السبل لتجنب تكرار الفشل السابق في مواجهته.
يوم 27 حزيران/ يونيو، عُثر على جثث ستة أشخاص كانوا مختطفين في محافظة صلاح الدين، وقد تكرر هذا النوع من الحوادث في عدة مناسبات خلال الفترة الماضية. وقد عزز ذلك التكهنات القائلة إن هذه المحافظة ربما تكون مسرحا لعودة تنظيم الدولة لواجهة الأحداث في العراق، بالنظر للعديد من العوامل التاريخية والجغرافية التي تتسم بها هذه المحافظة. وتشير التقارير إلى أن ما لا يقل عن 30 شخصا تعرضوا للاختطاف، فيما عثر على سبع جثث في الجزء الشمالي الغربي للمحافظة في وقت سابق من هذا الشهر.
حسب مصادر موجودة في هذه المنطقة، تمكن عناصر التنظيم يوم 26 حزيران/ يونيو من تفجير عدد من الأبراج الكهربائية، وقطع الكهرباء عن قضاء الدور وناحية العلم، ولا يزال السكان في القريتين يعانون من انقطاع التيار الكهربائي إلى حدود يوم 28 حزيران/ يونيو.
تمتاز هذه المحافظة الشاسعة، بصحراء تمتد حتى الحدود السورية من الغرب، وتحاذي محافظة نينوى من الشمال ومحافظة الأنبار ، فيما تتواجد في جهتها الغربية جبال حمرين الخطيرة، وكركوك وديالى، ومن الجنوب تحدها العاصمة بغداد
وتجدر الإشارة إلى أن محافظة صلاح الدين، مسقط رأس الدكتاتور السابق صدام حسين، تعيش فيها أغلبية سنية، ولكنها حصلت على دعم كبير من وحدات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، أثناء السعي لاستعادة السيطرة على المحافظة من قبضة تنظيم الدولة. ولكن بعض المناطق لا تزال تحت سيطرة المجموعات التابعة لهذه المليشيات الشيعية، التي يتهمها السكان المحليون بأنها تتلقى الأوامر من إيران وليس من الحكومة المركزية.
تمتاز هذه المحافظة الشاسعة، بصحراء تمتد حتى الحدود السورية من الغرب، وتحاذي محافظة نينوى من الشمال ومحافظة الأنبار ، فيما تتواجد في جهتها الغربية جبال حمرين الخطيرة، وكركوك وديالى، ومن الجنوب تحدها العاصمة بغداد.
أما في الضفة الشرقية من هذه المحافظة تقع مدينة الشرقاط، التي ترزح تحت سيطرة عناصر تنظيم الدولة منذ أشهر، بعد سيطرة القوات العراقية على مدينة الموصل. وهو ما مكن التنظيم المسلح من استعادة السيطرة على جزء من إمام غربي وبعض القرى الأخرى القريبة في جنوب محافظة نينوى، أثناء المراحل النهائية لدحر التنظيم من الموصل في خلال شهر تموز/ يوليو من سنة 2017.
في ظل هذه الظروف، استغرقت قوات الأمن العراقية أسابيع طويلة من أجل استعادة السيطرة على هذه القرى، على الرغم من مشاركة القوات الخاصة المدربة على يد الولايات المتحدة الأمريكية في هذه العملية، التي نقلها “المونيتور” مباشرة من خط النار.
قال لنا أحد سكان ناحية العلم، لديه أقارب يعيشون في قرى قرب الحويجة، إن “السبب في كون نزعة التشدد الديني كانت أقل حدة في الحويجة، هو أن مقاتلي تنظيم الدولة كانوا من السكان المحليين”
في وقت لاحق، سافر مراسلنا مع الشرطة المحلية نحو سلسلة جبال حمرين الخطيرة في يوم عيد الميلاد من سنة 2017، أثناء محاولتهم اجتثاث ما تبقى من الخلايا التابعة لتنظيم الدولة، بعد الإعلان الرسمي عن الانتصار عليه. وقد قتل قائد قوات الشرطة الذي رافقه مراسل “المونيتور” أثناء هذه الحملة والعمليات السابقة في هذه المنطقة الجبلية، يوم 26 أيار/ مايو بسبب عبوة ناسفة زرعت على جانب الطريق.
عندما دخل مراسل “المونيتور” إلى قضاء الحويجة، في الجهة المقابلة لجبال حمرين من ناحية صلاح الدين، يوم تحريره بعد ثلاث سنوات من قبضة تنظيم الدولة، شاهدنا رسما جداريا تظهر فيه طفلة تبتسم مع ولد يمسك بيدها، في مشهد يشير إلى أن حالة التشدد الديني تبدو هنا أقل من مدن أخرى مثل حلب، التي تم فيها تدمير كل الصور التي تجسد البشر، والتعامل بكل عنف مع من لم يتفق مع هذه الخطوة.
حيال هذا الشأن، قال لنا أحد سكان ناحية العلم، لديه أقارب يعيشون في قرى قرب الحويجة، إن “السبب في كون نزعة التشدد الديني كانت أقل حدة في الحويجة، هو أن مقاتلي تنظيم الدولة كانوا من السكان المحليين”. لكن سكان هذه المدينة، الذين قبلوا التحدث إلينا حول عناصر الحشد الشعبي غير المنتمين للمنطقة، اشترطوا مثل غيرهم عدم الكشف عن هوياتهم. كما عبّروا عن قلقهم من أن السكان المحليين الذين يشعرون بالتهميش والظلم في المنطقة لا يزالون عرضة للتجنيد في صفوف التنظيم الإرهابي.
في سياق متصل، أشار المصدر ذاته إلى أن العديد من أقاربه تعرضوا للاختطاف من قبل تنظيم الدولة بسبب ارتباطهم بالأجهزة الأمنية العراقية، وهو الآن يفترض أنهم في عداد الموتى. ومع ذلك، لا تزال المجموعات الشيعية الدخيلة على المنطقة تنظر لجميع السكان المحليين يعين الريبة ومقربون من التنظيم.
على غرار العديد من المجموعات التابعة لوحدات الحشد الشعبي الشيعية، كان “جيش المؤمل” موجودا كتنظيم مسلح، حتى قبل الفتوى التي أصدرها آية الله علي السيستاني سنة 2014
في الحقيقة، لقد أدى حرمان السكان من العودة إلى منازلهم إلى تفاقم الأوضاع. فعلى سبيل المثال، مرت أكثر من سنة على تحرير مدينة الصينية الواقعة غربي قضاء بيجي، التي تعرضت الآن للدمار، ولكنها كانت في السابق تضم أكبر منشأة لتكرير النفط في العراق. وبعد كل هذه المدة، لا يقطن فيها إلا المقاتلون غير المحليون، وخاصة العناصر الشيعية المنتمية للحشد الشعبي، وذلك حسب ما أفاد به عمدة هذه المدينة.
في أواخر شهر آذار/ مارس الماضي، سافر مراسل “المونيتور” مع عناصر “جيش المؤمل” التابعة لوحدات الحشد الشعبي، نحو مدينة الصينية والمنطقة الصحراوية الشاسعة غربي بيجي، الممتدة إلى تخوم الحدود السورية، حيث تمتلك هذه المليشيا الشيعية العديد من المراكز المتقدمة.
على غرار العديد من المجموعات التابعة لوحدات الحشد الشعبي الشيعية، كان “جيش المؤمل” موجودا كتنظيم مسلح، حتى قبل الفتوى التي أصدرها آية الله علي السيستاني سنة 2014، وقد كان في الأصل فصيلا منشقا عن جيش المهدي الذي يقوده مقتدى الصدر. وعلى عكس القوات التي يقودها الصدر التي تسمى الآن “سرايا السلام”، قاتل جيش المؤمل إلى جانب النظام السوري المدعوم من إيران عبر الحدود.
خلال زيارة إلى مركز متقدم في مدينة الصينية، تحدث أحد القادة الميدانيين في جيش المؤمل إلى “المونيتور” حول الوقت الذي قضاه في الجزء الشيعي من سجن “معسكر بوكا” سيء السمعة، الذي أدارته القوات الأمريكية في فترة ما بعد الغزو الأمريكي سنة 2003. وقد أخبرنا هذا القائد أنه عبر الحدود وقاتل في سوريا.
في حوار صحفي مع “المونيتور” في تكريت بتاريخ 21 حزيران/ يونيو الماضي، أورد سبهان الملا جياد، عضو مجلس محافظة صلاح الدين عن مدينة الصينية، الذي كان أيضا نائبا لرئيس المجلس بين سنة 2009 و2013، أنه “ليست هناك مشاكل كبيرة مع المقاتلين غير المحليين الذين تقودهم وحدات الحشد الشعبي الشيعية في الوقت الحالي. ولكن كانت هناك مشاكل في البداية، خاصة بسبب عمليات تفجير المنازل”. وأكد محدثنا أن المنازل كانت تُفجر بشكل عشوائي من قبل مقاتلي الحشد الشعبي غير المحليين، الذين لم يكتفوا فقط باستهداف عائلات العناصر المنتمين لتنظيم الدولة.
يمثل الغياب التام للخدمات المدنية المشكل الأبرز في مدينة الصينية
إلى جانب ذلك، أضاف سبهان الملا جياد أنه كان يدافع منذ وقت طويل عن السكان المحليين وحقهم في العودة، ولكن الحجة التي كان يتذرع بها معارضوه دائما هي أن هذه المدينة تقع بالقرب من المنطقة الصحراوية الممتدة حتى الحدود السورية، التي لا تزال أجزاء منها غير مؤمنة. كما قال العمدة عزام طويسن في حوار مع “المونيتور”، “لقد حاولنا الحصول على الموافقة لإعادة السكان مجددا لمدينة الصينية، من خلال التواصل مباشرة مع مكتب رئيس الوزراء ووزارة الدفاع وغيرها من المؤسسات، ولكنهم لم يمنحونا الإذن”.
يمثل الغياب التام للخدمات المدنية المشكل الأبرز في مدينة الصينية، حيث أن بعض السكان المحليين الذين يعيشون الآن حياة النزوح في تكريت، يشتكون أكثر من حرمانهم العودة بسبب عناصر مليشيا الحشد الشعبي غير المحليين، على الرغم من استعادة مدينتهم من قبضة تنظيم الدولة في أواخر سنة 2015.
تقع الصينية بالقرب من الجهة الغربية من الشرقاط، التي شهدت اختطاف حوالي 30 عضوا من قبيلة الشمري في منتصف شهر حزيران/ يونيو. وتم لاحقا العثور على سبع جثث حسب تقارير إعلامية. وقد أصدر زعماء القبائل نداءً عاجلا للحكومة لإمدادهم بالأسلحة بعد ظهور هذه الأخبار. في المقابل، هناك مخاوف من أن تواصل تسليم الأسلحة لمختلف المجموعات المحلية، سيحمل في طياته بذور العنف والفوضى في المستقبل.
في شأن ذي صلة، ذكر هشام الهاشمي، المختص في المجموعات الإرهابية الذي يعمل مستشارا للعديد من الأجهزة الأمنية في العراق، أثناء حوار مع المونيتور في آذار/ مارس الماضي، أنه “من المهم جدا منع الخلايا النائمة من العودة للنشاط في المناطق النائية والريفية. ويجب التركيز على الحد من سلطة القبائل المحلية والمجموعات المسلحة، مقابل زيادة الوعي بالهوية العراقية الوطنية”.
في تقرير نشر على “المونيتور” في نيسان/ أبريل، ورد أن البعض من أولئك الذين انتقلوا من صف قوات الشرطة الحكومية إلى وحدات الحشد الشعبي أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة، يرفضون الآن العودة إلى صفوف الشرطة، لأنهم يفضلون المؤسسات العشائرية غير النظامية، التي تمكنهم في نفس الوقت من تقاضي مرتبات حكومية. ويأتي هذا النداء للحصول على الأسلحة في وقت تطالب فيه العديد من الشخصيات البارزة في العراق بنزع السلاح عن المجموعات المسلحة غير النظامية التي تنشط في البلاد.
المصدر: المونيتور