في الوجه الكالح للمأساة السورية يتكشف يومًا بعد يومٍ عمق الإفلاس الأخلاقي الذي يعانيه حكام المنطقة العربية بشكل خاص في تعاطيهم مع جموع المهجرين قسرًا من أراضيهم تحت لهيب ظلم الأقربين وتواطؤ الأبعدين، ويتجلى انكشاف هذا الإفلاس بمستوى القرب والبعد الجغرافي من منافذ وبوابات العبور.
محرقة درعا المستمرة منذ أيام بدت كاشفة أكثر للجوار العربي لسوريا، حيث يرابط منذ أيام مئات آلاف النازحين عند الحدود الأردنية والأبواب موصدة في وجوههم بحجة أن الأردن استوعب حصته وأكثر منها، ولسان حاله: “ارجعوا من حيث أتيتم ولتحترقوا بجرمكم”.
ما يثير الشفقة والحنق في آن واحد تصريحات المسؤولين وتوعدهم لهؤلاء العزل بأن البوابات ستبقى مغلقة في وجوههم وقوات الأمن “الباسلة” ستقوم باللازم من أجل حماية الحدود، وأن البلاد تحملت فوق طاقتها وليس بوسعها الاستزادة، وكأن القوم مختارون في لجوئهم أو هم أمام مجموعة خيارات لا تحكمها الضرورة وأحكامها الخاصة، في مشهد يكسر كل القيم الإنسانية.
هنا تجدر الإشارة إلى أن الأردن يواصل إغلاق حدوده أمام السوريين منذ العام 2016 بعد وصول عددهم نحو 655 ألفًا يعيش أكثر من 65 ألفًا منهم تحت خط الفقر المدقع، إلا أن أوضاعهم للأمانة أحسن حالاً من وضع آخرين في دول أخرى من الجوار السوري.
رغم كل المن والأذى الذي يعاني منه إخواننا السوريين من دول جوارهم العربي – إلا من رحم ربك -، يقدم قادة هذه الدول أنفسهم رعاة لهؤلاء اللاجئين أمام العالم وأمام مؤتمرات المانحين البخلاء
غير بعيد من الأردن هناك في الجار لبنان قرابة 900 ألف لاجئ يطحن أغلبهم سوء الأوضاع في المخيمات وشح المساعدات، بينما تطحن الآخرين سياسات تتهم فيها هيئات حكومية بمحاولة الترحيل القسري من البلاد، كل ذلك في وقت يتعرضون فيه بشكل عام لحرب في بعض وسائل الإعلام المحلية، ليس آخرها تلك الأغنية الساخرة “يا عيني عا السورية.. نحن صرنا المغتربين أو هن صاروا الأكثرية” التي تقدم صورة عن المستوى الأخلاقي الذي وصل إليه التعاطف العربي مع مأساة كانوا جزءًا من صناعتها ولو بشكل من الأشكال خاصة فيما يتعلق بلبنان وطن حزب الله.
رغم كل هذا المن والأذى الذي يعاني منه إخواننا السوريين من دول جوارهم العربي – إلا من رحم ربك – يقدم قادة هذه الدول أنفسهم رعاة لهؤلاء اللاجئين أمام العالم وأمام مؤتمرات المانحين البخلاء من أجل الاستجداء بقضيتهم وجمع المساعدات لصالحها دون أن يخجلوا من أنفسهم أو يكون لهم من شعوبهم رادع.
من المثير للسخرية أنهم يحدثونك بعد كل ذلك عن الوطن العربي والوحدة العربية وكل تلك الشعارات الفارغة بعد كل هذا الانكشاف الفاضح، لكن وقع السخرية يزداد حينما تدرك أن رقم الدولتين من اللاجئين لا يمثل سوى أقل من ثلثي الرقم الذي تأويه تركيا “غير العربية” وتوفر لأغلبهم كل متطلبات العيش الكريم من تعليم وصحة وغيرها، وبمستوى منٍّ أقل بكثير حتى لا نقول إنه منعدم في أغلب الأحيان باستثناء ما يحاول الرئيس التركي لعبه مع القوى الغربية في قضية اللاجئين.
وفي الأخير لا يحسبن الآمنون في أوطانهم الآن أن دورة الزمن تعرف مستوى الهدوء هذا الذي يعيشونه إلى وقت طويل، وهم الآن يخطّون بأيديهم مسار أحداث تنتظرهم ولو بعد حين، أما لسان حال السوري الشريف الذي أجبرته ظروف الحرب على اللجوء فهو نداء إليهم بألا يبطل الجميع إيواءهم في دياره بالمن والأذى، وسيجعل الله بعد العسر يسرا.